مصير النبي موسى... بين الاعتقاد الديني وتحليل النصوص والرؤية التاريخية
رضوان جودت زيادة *
> شـــكك الكثير مـــن المراقبين والمحللين فـــي مفصلية حادثـــة الحادي عشـــر من أيلول( ســـبتمبر) 2001 بالنســـبة الـــى العالم، وربما كان الفرنســـي جيل كيبـــل ابرزهم، كيبل
المختص بحركات الاســـلام السياسي لا يرى قطيعة فيالأفكار والسياسة بالنسبة الى الإسلاميين بين ما قبل
11 أيلول وما بعده. علـــى العمـــوم، ان الوصول الـــى نتيجة كهذه يفترض معرفـــة عميقة بما كانـــت عليه حركات الإسلام السياســـي قبل الحدث ومعرفة أعمق بمـــا تغير وتحول فـــي خطابهـــم وتفكيرهم لما بعد الحدث، وهـــل كان تحولهم باتجاه خطـــاب تصالحـــي أم أنـــه ازداد جذريـــة
خاصة في ما يتعلق بعلاقة هذه الحركات مع الغرب. يحاول رفعت الســـيد أحمد في كتابه مع عمرو الشـــوبكي ( مســـتقبل الحركات الإســـلامية بعد 11 أيلول Œ دمشـــق: دار الفكـــر، (2005 الـــذي عُرف عنـــه معرفته العميقة بحركات الإسلام السياسي سيما منها، ان فـــي جميع أعمالها «الجهادية » الكاملة أو فـــي مراقبة تحولاتها، ان يقدم رؤية لموقع حدث 11 أيلول في تفكير هذه الحركات، وهو كي يتوخى الدقة فإنه يبدأ بتعريف للحركات الاسلامية يقوم على انها تلـــك التنظيمات أو الجماعـــات الأهلية التي تحمل مشـــروعاً اســـلامياً للحكـــم، وللتغيير السياســـي والاجتماعـــي والثقافي، يســـتهدف في غايته انشـــاء الدولـــة الإســـلامية أو الانتصار لمشروعها وقضاياها« ، بعد ذلك يتصور صراعاً قائماً بين المصحف والســـيف بعد حدث الحادي عشـــر من أيلـــول، حيث الحركات الاســـلامية ترمز الى المصحف، والولايات المتحدة بسياستها العسكرية ترمز الى السيف،
ثم يعود بهذا الصراع الى أول الصدامات في أرض الصومال عـــام 1994 حيـــث تمكن تنظيـــم القاعدة من قتـــل 18 أميركياً بالتعاون مع حركات المقاومة الصومالية الأخرى كما يصفها السيد أحمد، ويضيف ان هذا الأمر هو الذي أدى الى انسحاب القوات الأميركية ثم الدولية من الصومال اثر هذا الحادث. ثـــم أعلـــن فـــي عـــام 1998 تأســـيس » الجبهـــة العالمية الاســـلامية لقتـــال الأميركيين واليهود« وكان أبرز مؤسســـي هـــذه الجبهة تنظيم القاعدة بزعامة أســـامة بن لادن وجماعة الجهـــاد المصرية بزعامة الظواهري، بيد أن الســـيد أحمد لا يتوقف ولو للحظة أمام تأريخه التصنيفي الذي يحمل الكثير من الاختزال والمبالغة في الوقت نفســـه. أولاً اختزال مخاض الحركات الاسلامية على تنوعها بالمصحف وتكثيف سياسة الولايات المتحدة بالســـيف، والتأريـــخ لهذا الصراع على انه صـــراع أبديّ بين طرفين تاريخييـــن يحملان صفات جوهرية ونهائيـــة، فالحـــركات الاســـلامية واجبها العقـــدي والديني
والتاريخي محاربة الولايات المتحدة، وأميركا صراعها اليوم .«جديدة حملة صليبية » هو ضد العالم الاسلامي فيويبـــدو ذلك من تتبعـــه لتفاصيل زمنية ( اذ يذكر الســـاعة والدقيقة لتحطم البرجين) لا تشـــكل اضافة أو فائدة، بقدر ما تعكس تبجيلاً خفياً مـــن قبل الباحث للحدث ولمن قام به من أجـــل » تدمير الهيمنة الاقتصادية فـــي العالم« وتحطيم » رموز .«الاستراتيجي القوة العسكري والتفوق ويســـتمر الســـيد أحمد في اجماله ليقرأ في شهرين فوزاً كاسحاً للحركات الاسلامية في عام 2003 Œ 2002 في باكستان والمغرب والبحرين وتركيا، وهنا تصل المفارقة أشـــدها، فما الذي يجمع اسلام باكستان السياسي بإسلام تركيا المنتصر، وأيـــن توجه حـــركات المغرب الاســـلامية من البعد الشـــعبي لحركات الاســـلام السياســـي البحرينية، اننا هنا نســـقط في فـــخ التعمية عبر وضع الجميع فـــي خانة واحدة حتى نتمكن من التحدث باسمهم جميعاً ونفاخر بما عملوه وأنجزوه، عن الاختلاف الجذري الـــذي قامت عليه كل حركة أو حزب في كلبلد من بلاد العالم العربي أو الإسلامي. في الواقـــع، من الصعب فهم كتابة الســـيد أحمد من دون ادراك البعـــد الايديولوجي الذي يتحدث ضمنه، اذ هو لا يؤيد فقط هذه الحركات، وهذا حقه الكامل، وانما يسهم في التنظير الايديولوجي لها، اذ يجزم ان بوش يقود حرباً صليبية، ولذلك علـــى العرب والمســـلمين ان يفهمـــوا هذه اللغة كـــي يديروا
المعركة بكفاية أكبر؟ لكن هذا بالتأكيد لا يمنع ان يقدم السيد أحمد بعض النقاط التفسيرية السياسية الجديدة بحكم خبرته الواسعة بحركات الإسلام السياسي، اذ يرى في تناقض النظام السياســـي في مصر عند الافراج عن عدد كبير من قادة جماعة الجهاد المصري المتطرفة لكنه وفي الوقت نفسه يعتقل عدداً كبيراً من ناشطي الإخوان المسلمين، هذه الجماعة المعروفة بســـلميتها واعتدالها انه يرى ان الدولة المصرية لها فلسفة تقوم على سياســـة الضربات الوقائيـــة المبكرة، حين تضرب
العناصر الفاعلة في الاخوان في شكل دوري لمنع تراكم القوة السياســـية والنقابية، بل والبرلمانية لديهم، ضربات وقائية تنطلق من قناعة مؤداهـــا ان أجهزة الدولة في مصر ( الأمنية والسياســـية) ترى في الاخـــوان المنافس الأبرز في ظل موات سياسي واضح لأحزاب ومؤسســـات المجتمع المدني، وهنا تأتي الخشية من تنامي القوة لدى الاخوان. لكن هوى السيد أحمد الحقيقي انما يحوم ويحوم كي يحط
رحاله لدى حركات المقاومة ســـيما حـــزب الله » حيث الأرضوالخصـــم والتاريخ، والعقيـــدة والروح هنـــا مختلفة تماماً، وربما تكون بداية نهاية الغطرســـة الأميركية Œ الاســـرائيلية
على يدي هذا الحزب المجاهد« ، ويضيف: » ولا ننســـى ان الله قـــد اصطفى من عباده من يحقـــق حكمته في الأرض، حتى لو كان قليل العدد، فقط هو يمتلك الايمان، والاســـتعداد والحكمة والـــذكاء السياســـي الـــذي يجعل مـــن الخلل فـــي الموازين .«له الاستراتيجية الراهنة ينقلب الى مصدر قوة
أما عمرو الشوبكي فيبدو أكثر توازناً في قراءته للحركات الاســـلامية، إذ هو يقر بداية بمدى خلل القراءة الاستشراقية والعربية لهذه الظاهرة، عندما ينظر لها نظرة ساكنة، يحكمها موقـــف قيمي يقوم علـــى ثبـــات خطابها وعدائـــه التاريخي للديموقراطيـــة في تعارض واضح مـــع جوهر الاطار النظري
والمعرفي الانساني الذي لا يعترف بوجود ثقافات أو ظواهر اجتماعية ذات عيوب خلقية أو معادية بحكم طبيعتها للتطورالديموقراطي والحداثة.
لكنه يناقض نفســـه حين يعيد بعـــد صفحات قليلة وجود الظاهرة الاسلامية الى وجود كامن ثقافي ولا يرجع الى دوافعسياســـية اجتماعية، وان كان يصر علـــى أهمية دمج القراءةالثقافية التي فســـرت وجود لظاهـــرة مع القراءة الاجتماعية التي تفسر أسباب انتشـــارها أو تراجعها والصور المختلف
التي تأخذها عنفاً أن سلماً.ل كـــن الشـــوبكي يقتصر فـــي قراءته للحركات الاســـلامية على حركة الاخوان المســـلمين المصرية, وعلى رغم جوهرية هذه الحركـــة ومركزيتها، الا ان حركات الاســـلام السياســـي باتت تمثل طيفاً أو خليطاً واســـعاً مـــن الحركات التصالحية والراديكاليـــة فـــي الوقت نفســـه، ويكفي ان نذكـــر انها باتت تضم من الحركة الاســـلامية للشيخ رائد صلاح التي لا تمانع من دخول الكنيســـت الاسرائيلي والمشـــاركة فيه على تنظيم الزرقاوي الذي يشن حرباً على كل من يخالفه عقائدياً وعرقياًودينيـــاً وفكرياً بأســـلوب العصر الوســـيط ذاتـــه، عبر قطع الرؤوس وخطـــف الرهائن، مما يدفعنا الى القول اننا بحاجة الى قراءة أكثر دقة في نهايات الاســـلام السياسي وتحولاته،
وألاّ نظل نراوح في دراسة النصوص الفكرية والنظرية لحسنالبنا أو سيد قطب.
* كاتب سوري.
الحياة 14/03/2005