الرأي العام في السعودية.. صناعته والتعرُّف عليه
أعد الملف: أسرة تحرير «المجلة»
11/05/2005
*في 17 يوليو «تموز» المقبل سيتذكر السعوديون مرور أربعين عاما على بداية البث التلفزيوني الذي افتتح في عام 1965م.وما يمثله كنقطة تحول تاريخية في تشكيل الرأي العام.كان اتصال المجتمع السعودي بالعالم الخارجي محدودا.وكانت البدايات البسيطة لنشوء الاذاعة قبل ذلك الحدث بأكثر من عقد تمثل نقلة تاريخية كبرى في تشكيل وعي الفرد بالعالم من حوله واتخاذه الموقف في الشأن المحلي والعالمي.ومع ان المجتمع السعودي يشترك مع العالم العربي في خصائص كبرى ثقافية واجتماعية وحضارية,إلا أن تشكله الحضاري السريع وتداخل الأجيال الأولى التي عاشت مرحلة القرية الصغيرة في البدايات مع الجيل الحالي، سيفرضان شيئا من الاختلاف والتنوع.إن معرفة الرأي العام وتشكله مع الأحداث يمثلان محورا مهما في تصور الحراك الاجتماعي والتغيير الفكري وتصور المستقبل.
*جاءت طفرة السبعينات بأجيال جديدة مع مسيرة التنمية المتسارعة وزيادة الاتصال بالخارج عبر البعثات العملية والتعليمية والسياحة مع ارتفاع متوسط الدخل.لكن مع ضخامة تلك التغيرات التي يتذكرها أبناء هذا الجيل إلا ان المجتمع حافظ على كثير من خصائصه، وأعاد تشكيل الكثير من المفاهيم والعلاقات الاجتماعية، محتفظا بمضامينها الأساسية.وقد كانت الكثير من العوامل المؤثرة على الرأي العام تحت السيطرة الاجتماعية والدينية والسياسية، فالكتب الصادرة والصحافة الداخلية والخارجية والاذاعة والتلفزيون جميعها تحت هذه المظلة.وكان يمكن التنبؤ بما ستخلقه هذه المؤثرات من رأي اجتماعي.وكان مثل صوت «هنا لندن أو مونت كارلو»..للفئة الباحثة عن رأي آخر تتميز به في احاديثها الاجتماعية وجلسات السمر، وصباح الغد في مقر العمل.وجاء في منتصف الثمانينات صوت آخر لم تشعر بعض الجهات والنخب الثقافية بقوته في تغيير الرأي العام إلا بعد سنوات، حيث كانت هذه الفترة إلى منتصف التسعينات هي الفترة الذهبية لهذا الصوت الذي بدل الكثير من قوانين صناعة الرأي العام في حينها.
كانت بداية التسعينات الماضية وغزو الكويت مرحلة انقلابية في مسار الرأي العام وتحولاته.ودشنت قناة السي إن إن بدايات تلك الحقبة في تغطيتها التاريخية لذلك الحدث السياسي الكبير.ومنذ ذلك الحين أصبح البث الفضائي في متناول الكثيرين وانتشر بصورة لم يتوقعها المتشائمون أو المتفائلون، حيث تزحزحت قيم وأفكار في سنوات قليلة، وتفتت الرأي العام السعودي في كثير من القضايا والمسائل وحتى الصوت الديني تزحزحت بعض قوته وتضاءل تأثيره الموجه في آراء محددة إلى آراء متعددة.ولم ينته ذلك العقد إلا وكانت الانترنت تختطف يوميا المئات ثم مئات الآلاف والملايين..ثم تحولت إلى أهم أداة تتحكم في الرأي العام، ومصدرا لأهم الحقائق وأخطر الاشاعات الكاذبة.
الأغلبية الصامتة والأقلية الناطقة
يظهر الحديث عن الأغلبية الصامتة حينما تبرز الخلافات حول بعض القضايا والمشكلات المستديمة حول موضوعات اجتماعية.ونتيجة غياب المعلومة واستطلاعات الرأي الموثقة، تزداد الجرأة بالحديث باسم المجتمع.ويتكلم باسمه كل تيار وجهات ذات مصالح.لقد ابتكر المتلاعبون في عالم السياسة والإعلام مصطلح الأغلبية الصامتة بعد أي هزيمة أو شعور بتضاؤل الصوت الذي ينتمون له.لكن مفهوم الصمت سواء كان أغلبية أو أقلية يختلف من بيئة إلى أخرى.هل الصمت هنا خوف أم حياد أم لا مبالاة أم جهل؟ ام مجاملات اجتماعية واحتمالات مفتوحة ومتعددة لا يمكن التأكد من حقيقتها عند كل حادثة وقضية؟ وتأتي هنا مسألة الشرائح والطبقات الاجتماعية، ففي أي مجتمع تتعدد هذه الشرائح وتتنوع التيارات الفكرية والاهتمامات والهويات كالفن والرياضة، فقد يكون هناك رأي عام عند شريحة كبيرة لكن لا تملك قوة تأثير شريحة أقل منها كرجال الأعمال.فتصور مثل هذه التقسيمات يقلل من مساحة التضليل.قد تكون الحالة السعودية مشكلتها ليست في الأغلبية الصامتة.وإنما في الأقلية الناطقة التي تتكلم باسمها في كل رأي ومناسبة.ومع حضور تقنية الاتصال وتملك الأفراد لها تمكن الهواة والمحترفون الصغار من اللعب على هذا المجال، وإمكانية خلق شعور عام زائف حول العديد من القضايا.
الإنترنت وعالمها الافتراضي
هل أسهمت الانترنت في كشف الرأي العام السعودي كما هو أم انها هدمت القوانين وخلقت فوضى جديدة تضيف غموضا آخر لغموض قديم؟ مؤشرات كثيرة توحي بأنها كشفت عالما آخر للسعوديين، فقد حدثت تحولات وتشكلات جديدة، لكنها ظلت مع كل صخبها العنيف تحت تأثير طبيعة المجتمع، فما تقوله الأشباح في المنتديات قد لا يظهر في العلن.وكل هذه الأرقام المخيفة التي تصرخ حول رأي متطرف هنا أو هناك قد تكون لعبة يمارسها ناشطون أشباح.إن استفادة هؤلاء من عدم وجود تنظيمات علنية، اتاحت لهم مساحات شاغرة يمكن التلاعب بالرأي العام حولها.
ولا يمكن أن يتجاهل المتابع دور بعض المنتديات والساحات الإنترنتية في صناعة الرأي العام وتوجيهه، حتى أصبح تأثير بعض الأسماء الشبحية في إدارة قضايا ومسائل وطنية يفوق أحيانا قدرات صحف ومنابر اعلامية رسمية.قوة التأثير الخاصة للمنتديات الانترنتية السعودية يعزوها الكثيرون إلى ضعف المنابر الأخرى وضيق الحركة المتاحة وبيروقراطية التجاوب مع المتغيرات.
إكسسوارات الرأي العام
رسائل الجوال كانت لاعبا رئيسا في حسم بعض نتائج الانتخابات عبر القوائم المزكاة.ويتبادل السعوديون آلاف النكت اليومية والطرائف والتعليقات السياسية والدينية والحكم والمواعظ.وأصبح جيب السعودي الحامل للجوال مخترقا برسائل يومية تشكل رأيه وتصنع مواقفه.وأرقام جوالات للإنكار والاحتساب، وأخرى للتأييد والحشد..كيف ستدرس مثل هذه الظواهر وقوة تأثيرها في تحريك الرأي العام وتوجيهه؟ وكيف نتعرف على مضمون كل رسالة وعدد قرائها ومدى خطورتها أو فائدتها؟ وجاء البلوتوث حاملا معه صداعا آخر للمربين والفضلاء.وشاشة مفتوحة لكل ما هو غير متوقع.إنه اتصال جديد أضاف متعة أخرى للتسوق في البحث عن رأي آخر..والاطلاع على الجديد من أناس لا يعرفهم تحت مظلة سوق أو متنزه عام.
هناك عشرات المؤثرات التي يصعب حصرها.فقد استطاعت مثلا الصالونات الثقافية وأماكن تجمع النخب أن تشكل حضورا في إدارة العالم عند النخب الثقافية والدينية.ويمكن اعتبارها في أحيان كثيرة المطبخ الذي يصنع الرأي العام عند القيادات وتوزيعه على الأتباع لنشره.وفي مجتمع مترابط تبدو فيه المناسبات الاجتماعية الصغيرة والكبيرة حدثا اسبوعيا، واللقاء في الاستراحات جزءا من برامجهم الأسرية، كلها مؤثرات قادرة على زحزحة وتكون آراء عامة.
الدينامية والحركة
إن ما يتفق عليه الكثيرون أن الرأي العام يتصف بالدينامية والحركة.يتغير مع الأحداث والأزمنة.هناك رأي عام يومي، وآخر صامت باطني، وثالث مؤقت غير مستقر.
مع وجود اختلاف في تعريف وتحديد مفهوم الرأي العام وطرق قياسه واهم الجوانب المؤثرة عليه، إلا أنها اختلافات وصفية غير مؤثرة على حقيقته في الواقع وقوة تأثيره في الحياة العامة وتوجيه القرار.الرأي العام..هو ما يشغل بال الجماهير حول مصالحها الخاصة، أو رأيها حول قضية من القضايا المحلية والعالمية.ويمثل اتجاه الأغلبية وليس الكل.إن من النادر أن يكون الرأي العام مجمعا عليه، فهو محصلة لصراع الأفكار والتفاعل بين الآراء من خلال حوارات الأفراد مباشرة، أو عبر وسائل الاتصال المتعددة.
الرأي العام قوة وغيابه يعني أن هناك خللاً ما، وفي المجتمع السعودي تتنازع الرأي العام قوى متعددة من مسجد وقنوات فضائية وتلفزيون رسمي وصحافة، بالإضافة إلى المجالس الخاصة والحوارات الشخصية ، جميعها تؤثر في رجل الشارع ورأيه تجاه قضاياه المحلية، أوالدولية التي تمس شأنه الداخلي.
بعض هذه القوى لها القدرة علي تشكيل الرأي العام والتحكم فيه ومن ثم إمكانية تحريكه، إلا أن جميع هذه القوى تمارس هذا الدور بدون منهجية علمية وتخطيط مسبق، مما يجعل الرأي العام في كثير من الأحيان عرضة لنيران الإشاعات أو حمي التضليل.وفي ظل غياب مراكز متخصصة تقوم بإعداد قياسات صادقة للرأي العام تفجرت العديد من الإشكاليات، وأصبح خبر لجهة مجهولة ينتشر مثل النار في الهشيم عبر رسائل الجوال ومواقع النت، من الممكن أن يثير بلبلة في المجتمع ويتسبب في حدوث أزمة.
التيارات الفكرية والشعبية يكون لها تأثير أيضا عبر منابر متعددة مثل الصالونات والمنتديات وحتى على مستوى حوارات رجل الشارع، مرورا بالقوة الروحية المتمثلة في المسجد وبالقوة التأثيرية المتمثلة في الفضائيات ، هذا بالرغم من أن الكثير من المنابر تخضع لحملات انتخابية طويلة الأمد، يروج فيها لأجندة فكرية لا علاقة لها بالشأن العام أو بالمشاكل المحلية، إلا انها تشكل رافداً رئيسياً من روافد الرأي العام قد يتوازى أو يتخلف عن القنوات الرسمية في التحكم في سريان الرأي.
علي الصعيد ذاته لم تعد المطبوعات الصحفية أو اللافتات العريضة التي يرفعها المتظاهرون في التظاهرات السليمة أو غير السلمية هي الوسائل الوحيدة المنفردة بالتعبير عن الرأي العام.فقد دخل الإنترنت، بكل ثقله التقني والمعلوماتي، إلى المضمار ليعلن عن انعطافة حساسة وفاصلة في تشكيل الرأي العام، فضلاً عن تعبئته والتعبير عنه، وفي بعض الأحيان تضليله.
عدم تسييس المجتمع
بداية يؤكد الدكتور عبد الله بن فهد اللحيدان أستاذ العلوم السياسية ووكيل وزارة الشئون الإسلامية والدعوة والإرشاد المساعد في السعودية أن من أهم خصائص المجتمع السعودي التي تجعله مختلفا عن بقية المجتمعات العربية هي عدم تسييس المجتمع ، والدرجة العالية من التسييس ليست جيدة، في نظر بعض علماء السياسة ، لأنها تؤدي إلى درجة من عدم الاستقرار السياسي ، وتعكس أن المجتمع يعيش مشاكل عميقة، في حين أن أي مشكلة لها جوانب اجتماعية واقتصادية وثقافية.
ويلخص اللحيدان العوامل التي استجدت في العقد الأخير وجعلت المجتمع السعودي يهتم أكثر فأكثر بالسياسة بأربعة عوامل هي:الغزو العراقي للكويت سنة 1990، والانفتاح الإعلامي مع ظهور القنوات الفضائية، وأحداث 11 سبتمبر وما تلاها من أحداث إرهابية في المملكة، والانفتاح السياسي في البلاد مع تأسيس مجلس الشورى وتعديل نظام مجلس الوزراء ليتم إعادة نشاطه كل أربع سنوات، ثم الانتخابات البلدية والحوار الوطني.
ويرى اللحيدان أن الشائعة من أهم الأشياء التي تؤثر في صناعة الرأي العام السعودي، والتي اكتسبت بعداً جديداً بإمكان انتقالها بسرعة أكبر ولعدد أكبر عبر الإنترنت.ويقول إن الرأي العام في السعودية محافظ وبطيء في التغير، فعلى الرغم من التغير الكبير في نسبة الأمية من حوالي 60 بالمائة سنة 1960 إلى أقل من 20 بالمائة سنة 2000 إلا أن الرأي العام مستقر ولم يسجل تغيرات جذرية في القضايا الأساسية.
إنشاء مركز لقياسات الرأي
ويقف الدكتور اللحيدان عند نقطة جوهرية وهي أنه حان الوقت لإنشاء مركز لقياسات الرأي العام يستخدم الأساليب العلمية المتطورة والعينات الكبيرة التي يتم انتقاؤها وفق أساليب علمية تعكس تنوع المجتمع عمرياً وجغرافياً واقتصادياً وتعليمياً.ثم الوصول إلى المواقف الحقيقية من خلال أسئلة ذكية تطرح القضايا بطريقة مباشرة وغير مباشرة وصولاً إلى اتجاهات الرأي العام التي تساعد العلماء والمثقفين على التدخل لتوجيهه الوجهة السليمة ، أو تعين متخذ القرار على اتخاذ القرار الذي يتماشى مع اتجاهات الرأي العام.
كلنا في الهم شرق
لا تختلف أدوات قياس الرأي العام في السعودية، من وجهة نظر المستشار الإعلامي سلطان البازعي، عن غيرها من مجتمعات العالم من حيث إنه لابد من استخدام أدوات القياس العلمية والاعتماد على البحوث الميدانية، إضافة لما يمكن استقراؤه بالوسائل المعتادة من خلال وسائل الإعلام.واعتبر البازعي أن استخدام القياس بالوسائل العلمية يقي المجتمع من التضليل، وهذا يرجع إلى أن كثيرا ممن يدعون المعرفة بالرأي يعتمدون على وجود الأغلبية الصامتة التي تشكل الرأي العام الحقيقي، الذي يدعي الكثيرون الحديث بالنيابة عنهم.ولا يرى البازعي أن هناك فوارق حقيقية بين السعودية وغيرها من المجتمعات العربية في تحديد إشكاليات قياس الرأي العام أو التحكم فيه، فالمجتمع السعودي له نفس خصائص المجتمعات العربية الأخرى، لكننا?والكلام للبازعي - في العالم العربي إجمالا نفتقد القدرة على الاعتماد على الوسائل العلمية في قياس الرأي العام.ليس هذا فقط بل لا توجد في كثير من المجتمعات العربية مؤسسات بحثية مستقلة تستطيع أن تقدم لنا صورة حقيقية عن الرأي العام.
ويرى البازعي أن إطلاق صفة التيارات الشعبية والفكرية بشكل عام يفتقد إلى التحديد العلمي ولا يعتمد على تحديد واضح يستند إلى جهد بحثي، ولا يمكن القول إنه يستند إلي تيار معين بدون أن يستند إلى بحث واضح ودقيق، ولا يمكن أن ننفي تأثير القنوات الرسمية في تشكيل الرأي العام لكنها ليست المؤثر الوحيد. ويشير إلى أن المسجد في المملكة العربية السعودية له دوره الأساسي في توجيه الرأي العام لأن المجتمع السعودي مجتمع متدين بطبيعة تركيبته، ومن هنا لم يتأثر دور المسجد بالتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والإعلامية لكن لا يمكن الإطلاق بأنه مؤثر رئيسي في كل القضايا التي تهم المجتمع.وبشكل عام فإن التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والإعلامية التي حدثت مؤخراً زادت من القنوات المؤثرة في تشكيل الرأي العام، وتعددت هذه القنوات بحيث مكنت المواطن من الحصول على المعلومات من عدة أبواب وأصبح المجتمع يطلع بكثافة على تجارب المجتمعات الأخرى.
مصادر الرأي العام
أما الدكتور زين العابدين الركابي فيرى أن الرأي العام الحقيقي يتكون في باطن حياة الأمة، تكونه عناصر سياسية ودينية واجتماعية، وهذا هو مفهوم بسمارك للرأي العام، وهو تعريف قديم، لكن فيه نسبة من الصواب، وهي أن السياسة والدين والنمط الاجتماعي، مصادر واسعة ومهمة لتكوين الرأي العام ، أمس واليوم وغداً..ومع التسليم بـ (المشترك الإنسانبين الأمم مثل مناهضة الحروب، وتلويث البيئة ، والتطلع إلى العدالة والأمن ، وزيادة الدخل، ففي كل دولة (رأي عا داخلي، أو وطني له مصادره وهمومه وقضاياه الخاصة.ولئن كان المشترك الإنساني يترجم الخطوط الجامعة التي تلتقي عليها البشرية، فالرأي العام الوطني يعبر عن (التنوع الإنسان في القيم والثقافات والمعتقدات ومعايير الرفض والقبول.
ويضيف الركابي:على المستوى الوطني يتأثر الرأي العام السعودي بمؤثرات عديدة منها الطرح الفكري والثقافي العام، وخطب الجمعة، وما يبث في الإذاعة والتلفزيون..أما تحديد نسبة تأثير ما هو رسمي وما هو شعبي عام فتتطلب دراسة علمية ميدانية موسعة..ويمكن الاستفادة ـــ في ما للرأي العام السعودي ـــ من الأدوات(الفنيالقياسية التي استنبطها التقدم الإنساني، مع الاجتهاد الخاص الضروري في تحصين القياس من كل ثغرة يتسلل منها التضليل والتدليس، سواء تمثل التضليل في اختيار المعيار، أو استقراء المعلومة، أو في التحيز والاستنتاج.فليس كل معلومة صحيحة تظفر بتحليل علمي صحيح وأمين..وينبغي أن يكون لقياس الرأي العام فلسفة أو هدف.فهو يقاس بما هو عليه (مجرد تصوير وتعرف على الاتجا.وبما ينبغي أن يكون (تعديل أو تغيي . ويقاس بمقياس مختلط (تصوير من أجل التعدي.
ولسنا من الذين يقولون: إن الرأي العام مطلق خرافة، بل إننا نعدّ الرأي العام (شيئاً موجودا له اعتباره ووزنه، بشرط ألا يؤله، وألا يُــتملق، وهو يصطدم بسنن الكون، وثوابت الدين، وحقائق العلم. وبشرط ألا يسحق (الفردية الإنساني سحقاً يجعل الإنسان الفرد مجرد رقم في قطيع، فالإنسان خلقه الله فرداً ليس نسخة مكررة للآخرين، وكلفه فرداً ليس من خلال رأي عام، وسيسأل فرداً لا عبر جمهور.
الاستخبارات والمباحث
وفي رأي الدكتور عبد العزيز بن سلمة، استاذ الاعلام بجامعة الملك سعود، فإن ادوات قياس الرأي العام في السعودية تختلف عن الدول الغربية، فحتى هذه اللحظة لا توجد مراكز لاستطلاع الآراء، كالتي في فرنسا وامريكا وغيرهما من الدول الصناعية انما توجد لدينا جهات رسمية يهمها متابعة التطور والتغيرات بشكل عام في الرأي العام، فالدولة بأجهزتها المختلفة مهتمة بالبحث عن ماذا يشعر المجتمع وبماذا يفكر، ولذلك نجد أن اجهزة واضحة في الدولة تمارس عملها بشكل علني ويمكن للمواطن ان يعرف نشاطها مثل الاذاعة والتلفزيون التي تستطلع آراء المواطنين حول قضايا معينة، وان كان هذا الامر في المملكة العربية السعودية يتم بشكل محدود جدا.وهناك اجهزة اخرى قد لا يشعر بها المواطن، وهي في كل دول العالم، كالاستخبارات والمباحث التي توفر لصانع القرار رصدا يوميا او دوريا لحالة الرأي العام.ويرى الدكتور بن سلمة، انه اذا تركنا وسائل الاعلام الرسمية، وذهبنا الى الصحافة المكتوبة المستقلة او شبكات الاذاعة والتلفزيون الخاصة، فإنها لا شك تعكس بشكل ربما عشوائي وليس بشكل مقنن ـــ عفوي الى حد ما ـــ حالة الرأي العام، لكنها تمارس الى حد ما انتقائية في ابراز بعض الآراء واغفال اخرى حسب ما يراه المسؤول عن الوسيلة الاعلامية، فيما يرى ما هو مقبول وما هو غير مقبول??وقليل منهم يدرك اهمية التجرد والحيادية والابتعاد عن عقلية الوصايا.
لا يوجد تدريب
ويقف الدكتور بن سلمة عند جزئية التدريب على طرق الاستقصاء ويقول:حتى الآن لا يوجد تدريب على طريقة الاستقصاء السليمة والتحقق منها، فمشكلة وسائل الاعلام انها تجنح الى مادة صحافية بها نوع من الاثارة وهذا موجود ليس في السعودية فقط، بل في دول الغرب ايضا لكن بشكل عام لا شك ان وسائل الاعلام تطورت، خاصة بعد حرب الخليج الثانية وظهور البث الفضائي المباشر، وظهور الانترنت والهاتف الجوال، ومن ثم اصبح لدى المجتمع بافراده منافذ متعددة لابداء آرائهم بنوع من الراحة والعفوية.
تقلص قدرة الحكومات
ويرى ان قدرة الحكومات واجهزتها المختلفة تقلصت على التحكم فيما يصل الى الناس من معلومات، والتحكم في قدرتهم على ارسال المعلومات، ليس هذا فقط، بل اصبح كل فرد مع التقنية الحديثة تقريبا وبامكانياتها الجبارة وسيلة اعلامية بحد ذاتها سهلة الانتشار?حيث يمكن ارسال واستقبال الرسائل من اي مكان بالتقنية الحديثة، وقد أعطى ذلك الفرد امكانات كبيرة لا يحد منها إلا طاقته الجسمانية ومستوى ثقافته وتعليمه.
اما من ناحية الفوارق بين المجتمع السعودي ومجتمعات مقاربة عربية، فيرى انه من الصعب الاجابة عن ذلك، فليس في كل الدول هامش كبير من حرية التعبير، وما زال هناك في بعضها من يتحكم في منافذ وصول المعلومة والتواصل مع العالم، وايضا توجد دول تسمي نفسها تقدمية، لكنها تمارس اقصى انواع الرقابة على التقنية الحديثة حتى الفاكس والانترنت.
إمكانيات المجتمع المدني
ويضيف الدكتور بن سلمة ان القنوات الرسمية لديها امكانيات ضخمة جدا لا تقارن بالامكانيات الخاصة بالمجتمع المدني، لكن هذا لا يعني الكفاءة في التحكم في الرأي العام، ويرجع ذلك الى مستوى المهارات لدى المسؤولين عن الاجهزة الرسمية.
وبالنسبة للتيارات والجهات الشعبية، يرى ابن سلمة، ان بعض الاصوات تعبر عن رأيها بصخب كبير وهي غير مؤثرة بالفعل، فالمجتمعات العربية، ومنها المجتمع السعودي اصبح لديه قدر كبير من النضج للفرز بحيث لا يسيره من يتحدث بصوت اعلى او نيابة عن الاغلبية غير الصاخبة? ويقول ابن سلمة:المجتمع السعودي مجتمع محافظ وبه روابط اسرية واجتماعية ممتدة، ويمكن للمرء من خلال المجالس العامة ان يقيس حالة الرأي العام.
دور المسجد
وفي رأيه أن المسجد، له دور يكبر ويتلاشى تبعا لقدرات الخطيب ومستوى ثقافته ومعرفته ومستوى احساسه بمشاعر الناس واحتياجاتهم وطموحاتهم، فالخطيب كلما كان على مستوى من العلم والمتابعة بالشأن العام مع معرفته بنفسية الناس وكيفية التعامل معهم، وتكثيف مستوى الخطاب تبعا لمستوى الذين امامه، ملامسا ذهن واحساس كل الاطياف، سيكون له تأثير قوي ويتنقل عبر الناس الى دائرة اخرى تتسع او تنكمش نتيجة لقناعته بالوصول بمعلومته بشكل ومقدرة اقناعية كبيرة. ويؤكد ابن سلمة، على انه لا يمكن لاحد ان ينكر تأثير الاعلام الخارجي في ظل الانفتاح، فهناك تأثير وتأثر بالرأي العام العالمي، فكل ينعكس على الآخر، ولكن لا يمكن مقارنة تأثير دول لديها وسائل اعلام عملاقة، وموجودة في كل انحاء العالم وبلغات مختلفة وعلى مدار الساعة، بوسائل اعلام محدودة الامكانيات وتتحدث بلغة او لغتين.
طغيان التأثيرات المؤدلجة
أما الدكتور محمد بن صنيتان رئيس مركز ساس الوطني لاستطلاعات الرأى العام والاستشارات فيقول:إن أدوات قياس الرأي العام العلمية هي نفسها سواء في السعودي أم في غير السعودية ، في الدول النامية أم في الدول المتقدمة.ولكن حساسية التأثير والتأثر والتفاعل مع مؤشرات الرأي العام تختلف من مكون ثقافي إلي آخر، كما أنها تختلف داخل المكون الثقافي نفسه حسب نوعية التحصيل المعرفي ودرجته لشرائح المكون الثقافي نفسه.أما اختلاف الجغرافيا فلا اعتقد ان العولمة وآلياتها جعلت حدوداً للجغرافيا.
ويمكن تجنب التضليل أو تغرير المواطن بأن رأي شريحة أو تيار معين هو الرأي العام بالاعتماد علي بيوت الخبرة والمراكز المشهود لها بالحيادية والمصداقية، والتي تعتمد وسيلة حقيقية لرصد الرأي العام. كما يمكن تطوير ملكات المسئول أو المثقف لتقدير حقيقة الرأي العام من خلال تزويد معرفته بخصائص المجتمع السعودي وجهات التأثير فيه.وتتضح الفوارق جلية وواضحة بين المجتمع السعودي والمجتمعات العربية في طغيان التأثيرات المؤدلجة فيه، وحقيقة المجتمع السعودي أنه ينقاد انقيادا أعمي للتيارات الإسلاموية والشعبية والإشاعات، ولايصدق القنوات الرسمية فيه، كما يلعب المسجد دورا في توجيه الرأي العام لأغلبية المجتمع السعودي، دون التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والإعلامية التي قد تتأثر بها الطبقة المثقفة وشريحة القطاع الخاص التي لها تعاملات خارجية وهي قليلة العدد والتأثير.
صعوبة قياس الرأي العام
الإعلامي الدكتور مالك الأحمد يقول إنه من الصعوبة بمكان قياس الرأي العام في أي مكان في العالم - فضلا عن السعودية - وما تقوم به مراكز البحث والإستطلاع والقياس هو معرفة توجه الرأي العام من خلال عينات عشوائية ـــ غالباً ـــ من المجتمع المستهدف.والوضع في السعودية أصعب لثلاثة أسباب:أولاً:عدم وجود مراكز متخصصة وذات خبرة في هذا المجال، وثانياً:عزوف الكثير من الناس عن الإجابة عن أسئلة لجهات ليست رسمية وأغراضهم غير واضحة، والأمر الثالث:هو ضعف المصداقية وعدم الدقة في إجابات العينة، وهذا الأمر بناء على تجارب شخصية في دراسات ميدانية إعلامية، كل ذلك ينعكس على النتيجة وما تمثله من استنتاجات.وقياس الرأي العام أسهل في المجتمعات العربية للخبرة في هذا المجال، وطبيعة المجتمعات، وانفتاح الناس، والأريحية في التجاوب.
ويضيف الأحمد:في السعودية هناك تياران أساسيان يؤثران في الرأي العام، الأول التيار المتمثل في العلماء وطلبة العلم والدعاة والمفكرين والمثقفين.الثاني هو الإعلام بكافة وسائله، سواء المقروءة أو المسموعة أو المرئية واخيراً الإنترنت..والتيار الإسلامي ممثلا في الهيئات الدينية والشخصيات الإسلامية يؤثر بشكل معتدل في الرأي العام المحلي، لكن الغريب أن تأثيره يتفاوت بحسب القضية أو الحدث، ففي الشأن الديني البحت تأثيره ملموس جداً، أما في الشأن الإجتماعي والإعلامي فتأثيره محدود (برنامج ستار أكاديمي والفتاوى التي صدرت والمواعظ والتحذيرات التي ذكرت، ومع ذلك استمرت المشاركة فيه مرتفع.
ولعل ـــ الارتباط ـــ أحياناً بالمؤسسة الرسمية يضعف من تأثير الهيئات الدينية في الرأي العام في القضايا العامة.لكن في الشأن الديني البحت، وفي كثير من قضايا الناس اليومية ومعاشهم فإن تأثير هذا التيار ملموس.
أما القنوات الرسمية فتأثيرها محدود جداً، وغالباً ما يكون من خلال وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية ومن خلال شخصيات قد لا تكون محلّ قبول اجتماعي، أو ذات طرح مخالف لأصول المجتمع وقيمه.وبالنسبة للنخب الفكرية والثقافية ـــ من خلال وسائلها الشخصية ـــ فإن تأثيرها محدود جداً باستثناء ذات الخلفية الإسلامية والتي تتكئ على خطاب ديني يوافق قواعد المجتمع الثابتة. ولعل من الغرائب في المجتمع السعودي سهولة التأثير في الرأي العام وتوجيهه إذا امتلك موجهوه أدوات إعلامية قوية، وشخصيات ذات مصداقية عالية وخبرة اتصالية كبيرة مع استحضار كامل للبعد الديني والذي ـــ لايزال ـــ يمثل محور المجتمع.
المسجد والانترنت
يركز الدكتور حمزة بيت المال استاذ الاعلام بجامعة الملك سعود على مصادر الرأي العام متفقا مع الآراء التي تشير إلى أن هذه المصادر تختلف من مجتمع لاخر وبحسب الظروف الزمانية والمكانية، والمكون الثقافي لكل مجتمع.فعلى سبيل المثال في السعودية كان المسجد يعتبر من احد اهم مصادر تكوين الراي العام لكن مع تقدم و تعقد الحياة المدنية اصبحت تنافس المسجد كوسيلة لتلقي الراي وسائل الاعلام.
وفي رأيه أن اسباب انحسار دور المسجد في المملكة يعود الى طبيعة الخطب (خطبة الجمع التي تلقى في المساجد فهي مرة واحدة في الاسبوع، والان يتلقى الفرد من الوسائل البديلة المعلومات على مدار الساعة.هذا من جانب و من جانب اخر ان موضوعات الخطب تميل للجانب الوعظي في الاغلب ولا تتعرض للمشاكل او القضايا الاجتماعية بشكل مباشر.
تصنيع الرأي العام وتغليفه
ويقول الدكتور عثمان العربي أستاذ الإعلام في جامعة الملك سعود:في ظل غياب مراكز وطنية عامة وخاصة تقوم باستقراء الرأي العام في المجتمع تجاه القضايا المختلفة، فمن الصعب القول بوجود رأي عام مؤيد أو معارض بشكل حاسم، ولذلك يلجأ كثير من المؤسسات والشرائح الاجتماعية المختلفة لاستقراء بعض المظاهر الاجتماعية على اعتبار أنها رأي عام «مستقر».و أهم هذه المظاهر هي قراءة التحليلات والتعليقات الإعلامية في الصحف، مضيفا أن كثيرا من المجموعات والتيارات الاجتماعية المختلفة تتحدث دوماً عن تمثيلها للرأي العام المحلي.
وقال العربي إن كثيرا من التيارات تسعى بطرق مختلفة للتأثير في الرأي العام حيال القضايا المختلف عليها في المجتمع، بل إنه في بعض الأحيان تلجأ لتصنيع رأي محدد وتعبئته وتغليفه بشكل جذاب، وتقدمه وتطرحه على أنه يمثل توجه الرأي العام.و في كثير من الأحيان تعكس طبيعة الجدل حول قضايا الرأي العام في الوسائل الإعلامية المحلية عملية مبررة غير حقيقية لتوجهات الرأي العام حيال القضايا التي تهمه، ولو استقرأنا بشكل سريع سمات وخصائص الرأي العام المطروح في كثير من هذه الوسائل لوجدنا أنه يعكس توجهات نخبوية أحادية منقطعة الصلة بهموم واهتمامات رجل الشارع العادي، وتدعي في نفس الوقت أنها تمثله أي تمثل الرأي العام وترفع لواء قضاياه ومصالحه.ويرى العربي أننا نعيش في الآونة الأخيرة مجموعة من المتغيرات التقنية على مستوى الوسائط الإعلامية متمثلة في ظهور الإنترنت والجوال، وأخرى على المستوى المؤسسي المحلي والعالمي فتحت آفاقاً جديدة لخلافات الفكر والرأي المبنية على قناعات عمرية، وفئوية، واجتماعية وايديولوجية متباينة .
الشارع السعودي:الفضائيات أكثر جاذبية وإثارة والمجالس الخاصة فرصة لصناعة الآراء
*في مراكز التسوق ومقاهي (الكوفي شو والأماكن العامة تجولت «المجلة»لاستطلاع آراء السعوديين حول قضايا الشارع السعودي المحلية والدولية التي يتابعها المواطن وتمس شأنه الداخلي.وتمحور الاستطلاع حول أي من المؤثرات التالية (المسجد، التلفزيون الرسمي، القنوات الفضائية، الصحافة، المجالس الخاص له الأثر الأكبر في تشكيل وتوجيه الرأي حول قضية محلية أو عالمية.
في البدء تحدث عبد الله الأسمري « 25 سنة»موظف بالقطاع الخاص قائلاً:بلا شك بعض القنوات الفضائية المحترمة في طرحها تؤثر في تشكيل وجهة نظري حول أي قضية عامة تتم مناقشتها في أحد برامجها الحوارية أو من خلال طرحها لتلك القضية، وعن قصده بالمحترمة أوضح الأسمري أن بعض القنوات تجنح لصياغة أحداث القضية بما يخدم توجهها الإعلامي غير المعلن ويشير للأعمال الإرهابية التي شهدتها السعودية في الآونة الأخيرة، وكيف تعاملت معها احدى القنوات الفضائية العربية بطريقة أظهرت عجز الحكومة السعودية وتورط الجهات الدينية الرسمية في تلك الأحداث وكأنها المحرك الرئيسي لها.
محمود الغريبي «23 سنة»طالب جامعي يرى أن الحوارات والنقاشات على عدد من الفضائيات أصبحت مشكلاً رئيسياً للرأي العام في السعودية، في ظل الطبيعة المحافظة لطرح الإعلام الرسمي، ولا يزال التلفزيون والإذاعة السعودية يقدمان المعلومة بتحفظ ورسمية زائدة إلا أن «القناة الإخبارية السعودية»بدأت بشكل مغاير لما تعوده المجتمع في طريقة تلقيه للخبر الرسمي حول قضية محلية معينة.
أما بخيت الدوسري «30سنة»موظف حكومي فيرى أن التلفزيون السعودي يعتبر المصدر الأكثر تأثيراً في تشكيل وجهة نظره ورأيه حول أي قضية داخلية، وعبر عن عدم ثقته في الإعلام الخارجي والفضائي على وجه الخصوص، حيث يرى في ما تطرحه بعض القنوات الفضائية حول بعض القضايا المحلية محاولة لقراءة الشأن الداخلي من الخارج دون معرفة المحركات الحقيقية لتلك القضية.
من جهته قال:سعود المرزوقي «30سنة» معلم أن رأيه طرأ عليه التغيير بسبب متابعته لأكثر من جهة تحليلية لأحداث داخلية وعالمية، إلا أنه يلمح لكون تنوع قاعدة المعلومات المستقاة من أكثر من مصدر تجعل الرأي متشتتاً حول قناعة معينة، وهو يشير في حديثه إلى أن كثرة مصادر الأخبار في السنوات الأخيرة لم تسهم في ثبات الرأي ولكن يؤدي الى التشتت وعدم معرفة الحقيقة كاملة.
لم يعد الأمر كما كان ـ بهذه العبارة ـ بدأ خالد العتيبي «42 سنة»موظف حكومي حديثه حيث أردف قائلاً:في ما مضى كان المصدر الوحيد لتلقي الأخبار والمعلومات التلفزيون والإذاعة السعوديين فقط ولكن الآن الأمر مختلف تماماً فكثير منا يعمد لتلقي المعلومات من قنوات فضائية وإذاعات الأجنبية، مشيراً إلى توجس البعض من صحة ما تورده المصادر الحكومية من أخبار ظناً منهم ـ حسب قوله ـ أن الأخبار في المصادر الاعلامية الحكومية تتوافق ووجهة نظر الحكومة، ويؤكد العتيبي على أن الحكومة تلجأ دائما لصياغة الأخبار بما يتفق والشأن الداخلي ومن منطلق حرصها على الشأن العام.
المكاشفة والشفافية
ويضيف:العديد من الأحداث والقضايا الداخلية تنقصها المكاشفة والشفافية في طرحها على الوسائل الإعلامية الداخلية مما يحدو بالبعض لاستقائها من الخارج بحثاً عن الحقيقة والإثارة في كثير من الأحيان.
بينما يرى فالح الصغير «37 سنة»موظف بالقطاع الخاص، ان رأيه يتأثر تبعاً لطبيعة القضية ذاتها فالقضايا الدينية يكون للمسجد والهيئات الدينية الرسمية التأثير الأكبر في تكوين رأيه حولها، ويؤكد على تجنبه للمؤثرات الإعلامية في هذا الشأن، ويضيف:أما القضايا الاجتماعية الداخلية فإن الصحافة السعودية تشكل الرأي العام حولها باقتدار، لكن العديد من القضايا يجب النظر إليها من خلال أقرب المصادر لها، وهو هنا يشير إلى تفضيله استقاء معلوماته من مصادر رسمية موثوق بها كون الكثير من تلك الأحداث يتم تشويهها واساءة فهمها في المجتمع لكثرة المصادر الخارجية التي لا تملك الحقيقة ـ كما هي ـ حسب وصفه.
أما فهيد العنزي «29 سنة» معلم فيؤكد على أن المجالس الخاصة التي تجمع الأصدقاء تشكل الرأي لدى العديد منا ـ حسب رأيه ـ وأن بعض القضايا العامة يتم مناقشتها في إطار الأصدقاء في جلساتهم الخاصة، وعدد من أصدقائه تطول بينهم المناقشات في استعراض أحداث وملابسات قضية اجتماعية ما، وإن كان البعض منهم يصر على وجهة نظره ودقة معلوماته.
عبد العزيز العياش «24 سنة»طالب جامعي يرى أن تشكيل رأيه حول قضية داخلية يرتكز على مزيج من المصادر فهو يطلع على كافة المصادر الإعلامية الداخلية والخارجية للخروج برأيه الخاص في تلك القضية.
فواز المطيري «36 سنة»صاحب محل تجاري، يرى أن الصحافة المقروءة تقدم التفاصيل اللازمة لتشكيل رأيه في أي قضية، ويرى أن كتاب الصحافة السعودية يسهمون بشكل جيد في بلورة تلك الآراء في المجتمع.وبشيء من الحماسة يرى محمد الحنايا «38 سنة»معلم أنه من الضروري على الفرد في المجتمع إرجاع رأيه إلى الأدلة الشرعية ورأي أهل العلم الديني في أي قضية، ويشدد على كون القول في أمر ما بغير علم هو من اللغو المنهي عنه شرعاً ـ حسب وصفه ـ ويرى فيه بلبلة قد لا تحمد عقباها على المجتمع.
أما حمود العلي «45 سنة»موظف حكومي فيشدد على أن الكثير ينجر خلف آراء غير حقيقية ويستمع لمصادر ليست لها مصداقية، ويلمح العلي إلى ترديد البعض آراء غريبة حول قضايا داخلية لا تمت للقضية وطبيعتها بصلة سوى أنها قلب لحقائق مشاهدة للعيان، ويدعو العلي لضرورة استقاء الخبر والمعلومة الصحيحة من مصادرها الرسمية والبعد عن المواطن المشبوهة.
طلاب التعليم والفضائيات
من جهة أخرى كان لعدد من طلاب التعليم العام بمدينة الرياض رأيهم حول تلك القضية.
في البدء تحدث صلاح العمري «16 سنة» طالب بالمرحلة الثانوية موضحاً أن الفضائيات وما تقدمه من برامج إخبارية متنوعة تشكل رأيه في كثير من الأحيان حول قضايا داخلية.بينما يرى سعد الزهراني «17 سنة» طالب بالمرحلة الثانوية أن منتديات الإنترنت تشكل رأيه في عدد من القضايا، ولكنه يشير إلى أن معلمه كثيراً ما ينصحه بتجنب ذلك في النقاشات التي تجري بينه وبين معلمه.
علي الدوسري «14سنة»طالب بالمرحلة المتوسطة يرى أن معلمه في الصف يستطيع التأثير في رأيه أكثر من غيره، وألمح إلى أن معلم الصف لديه يقوم بنقاش الطلاب في بعض الأحيان حول بعض القضايا التي تهم الطلاب ويرى الدوسري أن معلمه يستطيع تكوين قناعة لدينا نحن الطلاب في تلك القضية.أما إبراهيم المحيسن «16 سنة»طالب بالمرحلة الثانوية فيرى صعوبة تحديد ذلك المؤثر في تشكيل رأيه، ويرى أن عددا من القضايا تغيرت قناعاته حولها بعد استماعه أو مشاهدته للتلفزيون أو سماعه رأيا لبعض أصدقائه الطلاب.
مجلة 11/05/2005
أعد الملف: أسرة تحرير «المجلة»
11/05/2005

*في 17 يوليو «تموز» المقبل سيتذكر السعوديون مرور أربعين عاما على بداية البث التلفزيوني الذي افتتح في عام 1965م.وما يمثله كنقطة تحول تاريخية في تشكيل الرأي العام.كان اتصال المجتمع السعودي بالعالم الخارجي محدودا.وكانت البدايات البسيطة لنشوء الاذاعة قبل ذلك الحدث بأكثر من عقد تمثل نقلة تاريخية كبرى في تشكيل وعي الفرد بالعالم من حوله واتخاذه الموقف في الشأن المحلي والعالمي.ومع ان المجتمع السعودي يشترك مع العالم العربي في خصائص كبرى ثقافية واجتماعية وحضارية,إلا أن تشكله الحضاري السريع وتداخل الأجيال الأولى التي عاشت مرحلة القرية الصغيرة في البدايات مع الجيل الحالي، سيفرضان شيئا من الاختلاف والتنوع.إن معرفة الرأي العام وتشكله مع الأحداث يمثلان محورا مهما في تصور الحراك الاجتماعي والتغيير الفكري وتصور المستقبل.
*جاءت طفرة السبعينات بأجيال جديدة مع مسيرة التنمية المتسارعة وزيادة الاتصال بالخارج عبر البعثات العملية والتعليمية والسياحة مع ارتفاع متوسط الدخل.لكن مع ضخامة تلك التغيرات التي يتذكرها أبناء هذا الجيل إلا ان المجتمع حافظ على كثير من خصائصه، وأعاد تشكيل الكثير من المفاهيم والعلاقات الاجتماعية، محتفظا بمضامينها الأساسية.وقد كانت الكثير من العوامل المؤثرة على الرأي العام تحت السيطرة الاجتماعية والدينية والسياسية، فالكتب الصادرة والصحافة الداخلية والخارجية والاذاعة والتلفزيون جميعها تحت هذه المظلة.وكان يمكن التنبؤ بما ستخلقه هذه المؤثرات من رأي اجتماعي.وكان مثل صوت «هنا لندن أو مونت كارلو»..للفئة الباحثة عن رأي آخر تتميز به في احاديثها الاجتماعية وجلسات السمر، وصباح الغد في مقر العمل.وجاء في منتصف الثمانينات صوت آخر لم تشعر بعض الجهات والنخب الثقافية بقوته في تغيير الرأي العام إلا بعد سنوات، حيث كانت هذه الفترة إلى منتصف التسعينات هي الفترة الذهبية لهذا الصوت الذي بدل الكثير من قوانين صناعة الرأي العام في حينها.
كانت بداية التسعينات الماضية وغزو الكويت مرحلة انقلابية في مسار الرأي العام وتحولاته.ودشنت قناة السي إن إن بدايات تلك الحقبة في تغطيتها التاريخية لذلك الحدث السياسي الكبير.ومنذ ذلك الحين أصبح البث الفضائي في متناول الكثيرين وانتشر بصورة لم يتوقعها المتشائمون أو المتفائلون، حيث تزحزحت قيم وأفكار في سنوات قليلة، وتفتت الرأي العام السعودي في كثير من القضايا والمسائل وحتى الصوت الديني تزحزحت بعض قوته وتضاءل تأثيره الموجه في آراء محددة إلى آراء متعددة.ولم ينته ذلك العقد إلا وكانت الانترنت تختطف يوميا المئات ثم مئات الآلاف والملايين..ثم تحولت إلى أهم أداة تتحكم في الرأي العام، ومصدرا لأهم الحقائق وأخطر الاشاعات الكاذبة.
الأغلبية الصامتة والأقلية الناطقة
يظهر الحديث عن الأغلبية الصامتة حينما تبرز الخلافات حول بعض القضايا والمشكلات المستديمة حول موضوعات اجتماعية.ونتيجة غياب المعلومة واستطلاعات الرأي الموثقة، تزداد الجرأة بالحديث باسم المجتمع.ويتكلم باسمه كل تيار وجهات ذات مصالح.لقد ابتكر المتلاعبون في عالم السياسة والإعلام مصطلح الأغلبية الصامتة بعد أي هزيمة أو شعور بتضاؤل الصوت الذي ينتمون له.لكن مفهوم الصمت سواء كان أغلبية أو أقلية يختلف من بيئة إلى أخرى.هل الصمت هنا خوف أم حياد أم لا مبالاة أم جهل؟ ام مجاملات اجتماعية واحتمالات مفتوحة ومتعددة لا يمكن التأكد من حقيقتها عند كل حادثة وقضية؟ وتأتي هنا مسألة الشرائح والطبقات الاجتماعية، ففي أي مجتمع تتعدد هذه الشرائح وتتنوع التيارات الفكرية والاهتمامات والهويات كالفن والرياضة، فقد يكون هناك رأي عام عند شريحة كبيرة لكن لا تملك قوة تأثير شريحة أقل منها كرجال الأعمال.فتصور مثل هذه التقسيمات يقلل من مساحة التضليل.قد تكون الحالة السعودية مشكلتها ليست في الأغلبية الصامتة.وإنما في الأقلية الناطقة التي تتكلم باسمها في كل رأي ومناسبة.ومع حضور تقنية الاتصال وتملك الأفراد لها تمكن الهواة والمحترفون الصغار من اللعب على هذا المجال، وإمكانية خلق شعور عام زائف حول العديد من القضايا.
الإنترنت وعالمها الافتراضي
هل أسهمت الانترنت في كشف الرأي العام السعودي كما هو أم انها هدمت القوانين وخلقت فوضى جديدة تضيف غموضا آخر لغموض قديم؟ مؤشرات كثيرة توحي بأنها كشفت عالما آخر للسعوديين، فقد حدثت تحولات وتشكلات جديدة، لكنها ظلت مع كل صخبها العنيف تحت تأثير طبيعة المجتمع، فما تقوله الأشباح في المنتديات قد لا يظهر في العلن.وكل هذه الأرقام المخيفة التي تصرخ حول رأي متطرف هنا أو هناك قد تكون لعبة يمارسها ناشطون أشباح.إن استفادة هؤلاء من عدم وجود تنظيمات علنية، اتاحت لهم مساحات شاغرة يمكن التلاعب بالرأي العام حولها.
ولا يمكن أن يتجاهل المتابع دور بعض المنتديات والساحات الإنترنتية في صناعة الرأي العام وتوجيهه، حتى أصبح تأثير بعض الأسماء الشبحية في إدارة قضايا ومسائل وطنية يفوق أحيانا قدرات صحف ومنابر اعلامية رسمية.قوة التأثير الخاصة للمنتديات الانترنتية السعودية يعزوها الكثيرون إلى ضعف المنابر الأخرى وضيق الحركة المتاحة وبيروقراطية التجاوب مع المتغيرات.
إكسسوارات الرأي العام
رسائل الجوال كانت لاعبا رئيسا في حسم بعض نتائج الانتخابات عبر القوائم المزكاة.ويتبادل السعوديون آلاف النكت اليومية والطرائف والتعليقات السياسية والدينية والحكم والمواعظ.وأصبح جيب السعودي الحامل للجوال مخترقا برسائل يومية تشكل رأيه وتصنع مواقفه.وأرقام جوالات للإنكار والاحتساب، وأخرى للتأييد والحشد..كيف ستدرس مثل هذه الظواهر وقوة تأثيرها في تحريك الرأي العام وتوجيهه؟ وكيف نتعرف على مضمون كل رسالة وعدد قرائها ومدى خطورتها أو فائدتها؟ وجاء البلوتوث حاملا معه صداعا آخر للمربين والفضلاء.وشاشة مفتوحة لكل ما هو غير متوقع.إنه اتصال جديد أضاف متعة أخرى للتسوق في البحث عن رأي آخر..والاطلاع على الجديد من أناس لا يعرفهم تحت مظلة سوق أو متنزه عام.
هناك عشرات المؤثرات التي يصعب حصرها.فقد استطاعت مثلا الصالونات الثقافية وأماكن تجمع النخب أن تشكل حضورا في إدارة العالم عند النخب الثقافية والدينية.ويمكن اعتبارها في أحيان كثيرة المطبخ الذي يصنع الرأي العام عند القيادات وتوزيعه على الأتباع لنشره.وفي مجتمع مترابط تبدو فيه المناسبات الاجتماعية الصغيرة والكبيرة حدثا اسبوعيا، واللقاء في الاستراحات جزءا من برامجهم الأسرية، كلها مؤثرات قادرة على زحزحة وتكون آراء عامة.
الدينامية والحركة
إن ما يتفق عليه الكثيرون أن الرأي العام يتصف بالدينامية والحركة.يتغير مع الأحداث والأزمنة.هناك رأي عام يومي، وآخر صامت باطني، وثالث مؤقت غير مستقر.
مع وجود اختلاف في تعريف وتحديد مفهوم الرأي العام وطرق قياسه واهم الجوانب المؤثرة عليه، إلا أنها اختلافات وصفية غير مؤثرة على حقيقته في الواقع وقوة تأثيره في الحياة العامة وتوجيه القرار.الرأي العام..هو ما يشغل بال الجماهير حول مصالحها الخاصة، أو رأيها حول قضية من القضايا المحلية والعالمية.ويمثل اتجاه الأغلبية وليس الكل.إن من النادر أن يكون الرأي العام مجمعا عليه، فهو محصلة لصراع الأفكار والتفاعل بين الآراء من خلال حوارات الأفراد مباشرة، أو عبر وسائل الاتصال المتعددة.
الرأي العام قوة وغيابه يعني أن هناك خللاً ما، وفي المجتمع السعودي تتنازع الرأي العام قوى متعددة من مسجد وقنوات فضائية وتلفزيون رسمي وصحافة، بالإضافة إلى المجالس الخاصة والحوارات الشخصية ، جميعها تؤثر في رجل الشارع ورأيه تجاه قضاياه المحلية، أوالدولية التي تمس شأنه الداخلي.
بعض هذه القوى لها القدرة علي تشكيل الرأي العام والتحكم فيه ومن ثم إمكانية تحريكه، إلا أن جميع هذه القوى تمارس هذا الدور بدون منهجية علمية وتخطيط مسبق، مما يجعل الرأي العام في كثير من الأحيان عرضة لنيران الإشاعات أو حمي التضليل.وفي ظل غياب مراكز متخصصة تقوم بإعداد قياسات صادقة للرأي العام تفجرت العديد من الإشكاليات، وأصبح خبر لجهة مجهولة ينتشر مثل النار في الهشيم عبر رسائل الجوال ومواقع النت، من الممكن أن يثير بلبلة في المجتمع ويتسبب في حدوث أزمة.
التيارات الفكرية والشعبية يكون لها تأثير أيضا عبر منابر متعددة مثل الصالونات والمنتديات وحتى على مستوى حوارات رجل الشارع، مرورا بالقوة الروحية المتمثلة في المسجد وبالقوة التأثيرية المتمثلة في الفضائيات ، هذا بالرغم من أن الكثير من المنابر تخضع لحملات انتخابية طويلة الأمد، يروج فيها لأجندة فكرية لا علاقة لها بالشأن العام أو بالمشاكل المحلية، إلا انها تشكل رافداً رئيسياً من روافد الرأي العام قد يتوازى أو يتخلف عن القنوات الرسمية في التحكم في سريان الرأي.
علي الصعيد ذاته لم تعد المطبوعات الصحفية أو اللافتات العريضة التي يرفعها المتظاهرون في التظاهرات السليمة أو غير السلمية هي الوسائل الوحيدة المنفردة بالتعبير عن الرأي العام.فقد دخل الإنترنت، بكل ثقله التقني والمعلوماتي، إلى المضمار ليعلن عن انعطافة حساسة وفاصلة في تشكيل الرأي العام، فضلاً عن تعبئته والتعبير عنه، وفي بعض الأحيان تضليله.
عدم تسييس المجتمع
بداية يؤكد الدكتور عبد الله بن فهد اللحيدان أستاذ العلوم السياسية ووكيل وزارة الشئون الإسلامية والدعوة والإرشاد المساعد في السعودية أن من أهم خصائص المجتمع السعودي التي تجعله مختلفا عن بقية المجتمعات العربية هي عدم تسييس المجتمع ، والدرجة العالية من التسييس ليست جيدة، في نظر بعض علماء السياسة ، لأنها تؤدي إلى درجة من عدم الاستقرار السياسي ، وتعكس أن المجتمع يعيش مشاكل عميقة، في حين أن أي مشكلة لها جوانب اجتماعية واقتصادية وثقافية.
ويلخص اللحيدان العوامل التي استجدت في العقد الأخير وجعلت المجتمع السعودي يهتم أكثر فأكثر بالسياسة بأربعة عوامل هي:الغزو العراقي للكويت سنة 1990، والانفتاح الإعلامي مع ظهور القنوات الفضائية، وأحداث 11 سبتمبر وما تلاها من أحداث إرهابية في المملكة، والانفتاح السياسي في البلاد مع تأسيس مجلس الشورى وتعديل نظام مجلس الوزراء ليتم إعادة نشاطه كل أربع سنوات، ثم الانتخابات البلدية والحوار الوطني.
ويرى اللحيدان أن الشائعة من أهم الأشياء التي تؤثر في صناعة الرأي العام السعودي، والتي اكتسبت بعداً جديداً بإمكان انتقالها بسرعة أكبر ولعدد أكبر عبر الإنترنت.ويقول إن الرأي العام في السعودية محافظ وبطيء في التغير، فعلى الرغم من التغير الكبير في نسبة الأمية من حوالي 60 بالمائة سنة 1960 إلى أقل من 20 بالمائة سنة 2000 إلا أن الرأي العام مستقر ولم يسجل تغيرات جذرية في القضايا الأساسية.
إنشاء مركز لقياسات الرأي
ويقف الدكتور اللحيدان عند نقطة جوهرية وهي أنه حان الوقت لإنشاء مركز لقياسات الرأي العام يستخدم الأساليب العلمية المتطورة والعينات الكبيرة التي يتم انتقاؤها وفق أساليب علمية تعكس تنوع المجتمع عمرياً وجغرافياً واقتصادياً وتعليمياً.ثم الوصول إلى المواقف الحقيقية من خلال أسئلة ذكية تطرح القضايا بطريقة مباشرة وغير مباشرة وصولاً إلى اتجاهات الرأي العام التي تساعد العلماء والمثقفين على التدخل لتوجيهه الوجهة السليمة ، أو تعين متخذ القرار على اتخاذ القرار الذي يتماشى مع اتجاهات الرأي العام.
كلنا في الهم شرق
لا تختلف أدوات قياس الرأي العام في السعودية، من وجهة نظر المستشار الإعلامي سلطان البازعي، عن غيرها من مجتمعات العالم من حيث إنه لابد من استخدام أدوات القياس العلمية والاعتماد على البحوث الميدانية، إضافة لما يمكن استقراؤه بالوسائل المعتادة من خلال وسائل الإعلام.واعتبر البازعي أن استخدام القياس بالوسائل العلمية يقي المجتمع من التضليل، وهذا يرجع إلى أن كثيرا ممن يدعون المعرفة بالرأي يعتمدون على وجود الأغلبية الصامتة التي تشكل الرأي العام الحقيقي، الذي يدعي الكثيرون الحديث بالنيابة عنهم.ولا يرى البازعي أن هناك فوارق حقيقية بين السعودية وغيرها من المجتمعات العربية في تحديد إشكاليات قياس الرأي العام أو التحكم فيه، فالمجتمع السعودي له نفس خصائص المجتمعات العربية الأخرى، لكننا?والكلام للبازعي - في العالم العربي إجمالا نفتقد القدرة على الاعتماد على الوسائل العلمية في قياس الرأي العام.ليس هذا فقط بل لا توجد في كثير من المجتمعات العربية مؤسسات بحثية مستقلة تستطيع أن تقدم لنا صورة حقيقية عن الرأي العام.
ويرى البازعي أن إطلاق صفة التيارات الشعبية والفكرية بشكل عام يفتقد إلى التحديد العلمي ولا يعتمد على تحديد واضح يستند إلى جهد بحثي، ولا يمكن القول إنه يستند إلي تيار معين بدون أن يستند إلى بحث واضح ودقيق، ولا يمكن أن ننفي تأثير القنوات الرسمية في تشكيل الرأي العام لكنها ليست المؤثر الوحيد. ويشير إلى أن المسجد في المملكة العربية السعودية له دوره الأساسي في توجيه الرأي العام لأن المجتمع السعودي مجتمع متدين بطبيعة تركيبته، ومن هنا لم يتأثر دور المسجد بالتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والإعلامية لكن لا يمكن الإطلاق بأنه مؤثر رئيسي في كل القضايا التي تهم المجتمع.وبشكل عام فإن التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والإعلامية التي حدثت مؤخراً زادت من القنوات المؤثرة في تشكيل الرأي العام، وتعددت هذه القنوات بحيث مكنت المواطن من الحصول على المعلومات من عدة أبواب وأصبح المجتمع يطلع بكثافة على تجارب المجتمعات الأخرى.
مصادر الرأي العام
أما الدكتور زين العابدين الركابي فيرى أن الرأي العام الحقيقي يتكون في باطن حياة الأمة، تكونه عناصر سياسية ودينية واجتماعية، وهذا هو مفهوم بسمارك للرأي العام، وهو تعريف قديم، لكن فيه نسبة من الصواب، وهي أن السياسة والدين والنمط الاجتماعي، مصادر واسعة ومهمة لتكوين الرأي العام ، أمس واليوم وغداً..ومع التسليم بـ (المشترك الإنسانبين الأمم مثل مناهضة الحروب، وتلويث البيئة ، والتطلع إلى العدالة والأمن ، وزيادة الدخل، ففي كل دولة (رأي عا داخلي، أو وطني له مصادره وهمومه وقضاياه الخاصة.ولئن كان المشترك الإنساني يترجم الخطوط الجامعة التي تلتقي عليها البشرية، فالرأي العام الوطني يعبر عن (التنوع الإنسان في القيم والثقافات والمعتقدات ومعايير الرفض والقبول.
ويضيف الركابي:على المستوى الوطني يتأثر الرأي العام السعودي بمؤثرات عديدة منها الطرح الفكري والثقافي العام، وخطب الجمعة، وما يبث في الإذاعة والتلفزيون..أما تحديد نسبة تأثير ما هو رسمي وما هو شعبي عام فتتطلب دراسة علمية ميدانية موسعة..ويمكن الاستفادة ـــ في ما للرأي العام السعودي ـــ من الأدوات(الفنيالقياسية التي استنبطها التقدم الإنساني، مع الاجتهاد الخاص الضروري في تحصين القياس من كل ثغرة يتسلل منها التضليل والتدليس، سواء تمثل التضليل في اختيار المعيار، أو استقراء المعلومة، أو في التحيز والاستنتاج.فليس كل معلومة صحيحة تظفر بتحليل علمي صحيح وأمين..وينبغي أن يكون لقياس الرأي العام فلسفة أو هدف.فهو يقاس بما هو عليه (مجرد تصوير وتعرف على الاتجا.وبما ينبغي أن يكون (تعديل أو تغيي . ويقاس بمقياس مختلط (تصوير من أجل التعدي.
ولسنا من الذين يقولون: إن الرأي العام مطلق خرافة، بل إننا نعدّ الرأي العام (شيئاً موجودا له اعتباره ووزنه، بشرط ألا يؤله، وألا يُــتملق، وهو يصطدم بسنن الكون، وثوابت الدين، وحقائق العلم. وبشرط ألا يسحق (الفردية الإنساني سحقاً يجعل الإنسان الفرد مجرد رقم في قطيع، فالإنسان خلقه الله فرداً ليس نسخة مكررة للآخرين، وكلفه فرداً ليس من خلال رأي عام، وسيسأل فرداً لا عبر جمهور.
الاستخبارات والمباحث
وفي رأي الدكتور عبد العزيز بن سلمة، استاذ الاعلام بجامعة الملك سعود، فإن ادوات قياس الرأي العام في السعودية تختلف عن الدول الغربية، فحتى هذه اللحظة لا توجد مراكز لاستطلاع الآراء، كالتي في فرنسا وامريكا وغيرهما من الدول الصناعية انما توجد لدينا جهات رسمية يهمها متابعة التطور والتغيرات بشكل عام في الرأي العام، فالدولة بأجهزتها المختلفة مهتمة بالبحث عن ماذا يشعر المجتمع وبماذا يفكر، ولذلك نجد أن اجهزة واضحة في الدولة تمارس عملها بشكل علني ويمكن للمواطن ان يعرف نشاطها مثل الاذاعة والتلفزيون التي تستطلع آراء المواطنين حول قضايا معينة، وان كان هذا الامر في المملكة العربية السعودية يتم بشكل محدود جدا.وهناك اجهزة اخرى قد لا يشعر بها المواطن، وهي في كل دول العالم، كالاستخبارات والمباحث التي توفر لصانع القرار رصدا يوميا او دوريا لحالة الرأي العام.ويرى الدكتور بن سلمة، انه اذا تركنا وسائل الاعلام الرسمية، وذهبنا الى الصحافة المكتوبة المستقلة او شبكات الاذاعة والتلفزيون الخاصة، فإنها لا شك تعكس بشكل ربما عشوائي وليس بشكل مقنن ـــ عفوي الى حد ما ـــ حالة الرأي العام، لكنها تمارس الى حد ما انتقائية في ابراز بعض الآراء واغفال اخرى حسب ما يراه المسؤول عن الوسيلة الاعلامية، فيما يرى ما هو مقبول وما هو غير مقبول??وقليل منهم يدرك اهمية التجرد والحيادية والابتعاد عن عقلية الوصايا.
لا يوجد تدريب
ويقف الدكتور بن سلمة عند جزئية التدريب على طرق الاستقصاء ويقول:حتى الآن لا يوجد تدريب على طريقة الاستقصاء السليمة والتحقق منها، فمشكلة وسائل الاعلام انها تجنح الى مادة صحافية بها نوع من الاثارة وهذا موجود ليس في السعودية فقط، بل في دول الغرب ايضا لكن بشكل عام لا شك ان وسائل الاعلام تطورت، خاصة بعد حرب الخليج الثانية وظهور البث الفضائي المباشر، وظهور الانترنت والهاتف الجوال، ومن ثم اصبح لدى المجتمع بافراده منافذ متعددة لابداء آرائهم بنوع من الراحة والعفوية.
تقلص قدرة الحكومات
ويرى ان قدرة الحكومات واجهزتها المختلفة تقلصت على التحكم فيما يصل الى الناس من معلومات، والتحكم في قدرتهم على ارسال المعلومات، ليس هذا فقط، بل اصبح كل فرد مع التقنية الحديثة تقريبا وبامكانياتها الجبارة وسيلة اعلامية بحد ذاتها سهلة الانتشار?حيث يمكن ارسال واستقبال الرسائل من اي مكان بالتقنية الحديثة، وقد أعطى ذلك الفرد امكانات كبيرة لا يحد منها إلا طاقته الجسمانية ومستوى ثقافته وتعليمه.
اما من ناحية الفوارق بين المجتمع السعودي ومجتمعات مقاربة عربية، فيرى انه من الصعب الاجابة عن ذلك، فليس في كل الدول هامش كبير من حرية التعبير، وما زال هناك في بعضها من يتحكم في منافذ وصول المعلومة والتواصل مع العالم، وايضا توجد دول تسمي نفسها تقدمية، لكنها تمارس اقصى انواع الرقابة على التقنية الحديثة حتى الفاكس والانترنت.
إمكانيات المجتمع المدني
ويضيف الدكتور بن سلمة ان القنوات الرسمية لديها امكانيات ضخمة جدا لا تقارن بالامكانيات الخاصة بالمجتمع المدني، لكن هذا لا يعني الكفاءة في التحكم في الرأي العام، ويرجع ذلك الى مستوى المهارات لدى المسؤولين عن الاجهزة الرسمية.
وبالنسبة للتيارات والجهات الشعبية، يرى ابن سلمة، ان بعض الاصوات تعبر عن رأيها بصخب كبير وهي غير مؤثرة بالفعل، فالمجتمعات العربية، ومنها المجتمع السعودي اصبح لديه قدر كبير من النضج للفرز بحيث لا يسيره من يتحدث بصوت اعلى او نيابة عن الاغلبية غير الصاخبة? ويقول ابن سلمة:المجتمع السعودي مجتمع محافظ وبه روابط اسرية واجتماعية ممتدة، ويمكن للمرء من خلال المجالس العامة ان يقيس حالة الرأي العام.
دور المسجد
وفي رأيه أن المسجد، له دور يكبر ويتلاشى تبعا لقدرات الخطيب ومستوى ثقافته ومعرفته ومستوى احساسه بمشاعر الناس واحتياجاتهم وطموحاتهم، فالخطيب كلما كان على مستوى من العلم والمتابعة بالشأن العام مع معرفته بنفسية الناس وكيفية التعامل معهم، وتكثيف مستوى الخطاب تبعا لمستوى الذين امامه، ملامسا ذهن واحساس كل الاطياف، سيكون له تأثير قوي ويتنقل عبر الناس الى دائرة اخرى تتسع او تنكمش نتيجة لقناعته بالوصول بمعلومته بشكل ومقدرة اقناعية كبيرة. ويؤكد ابن سلمة، على انه لا يمكن لاحد ان ينكر تأثير الاعلام الخارجي في ظل الانفتاح، فهناك تأثير وتأثر بالرأي العام العالمي، فكل ينعكس على الآخر، ولكن لا يمكن مقارنة تأثير دول لديها وسائل اعلام عملاقة، وموجودة في كل انحاء العالم وبلغات مختلفة وعلى مدار الساعة، بوسائل اعلام محدودة الامكانيات وتتحدث بلغة او لغتين.
طغيان التأثيرات المؤدلجة
أما الدكتور محمد بن صنيتان رئيس مركز ساس الوطني لاستطلاعات الرأى العام والاستشارات فيقول:إن أدوات قياس الرأي العام العلمية هي نفسها سواء في السعودي أم في غير السعودية ، في الدول النامية أم في الدول المتقدمة.ولكن حساسية التأثير والتأثر والتفاعل مع مؤشرات الرأي العام تختلف من مكون ثقافي إلي آخر، كما أنها تختلف داخل المكون الثقافي نفسه حسب نوعية التحصيل المعرفي ودرجته لشرائح المكون الثقافي نفسه.أما اختلاف الجغرافيا فلا اعتقد ان العولمة وآلياتها جعلت حدوداً للجغرافيا.
ويمكن تجنب التضليل أو تغرير المواطن بأن رأي شريحة أو تيار معين هو الرأي العام بالاعتماد علي بيوت الخبرة والمراكز المشهود لها بالحيادية والمصداقية، والتي تعتمد وسيلة حقيقية لرصد الرأي العام. كما يمكن تطوير ملكات المسئول أو المثقف لتقدير حقيقة الرأي العام من خلال تزويد معرفته بخصائص المجتمع السعودي وجهات التأثير فيه.وتتضح الفوارق جلية وواضحة بين المجتمع السعودي والمجتمعات العربية في طغيان التأثيرات المؤدلجة فيه، وحقيقة المجتمع السعودي أنه ينقاد انقيادا أعمي للتيارات الإسلاموية والشعبية والإشاعات، ولايصدق القنوات الرسمية فيه، كما يلعب المسجد دورا في توجيه الرأي العام لأغلبية المجتمع السعودي، دون التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والإعلامية التي قد تتأثر بها الطبقة المثقفة وشريحة القطاع الخاص التي لها تعاملات خارجية وهي قليلة العدد والتأثير.
صعوبة قياس الرأي العام
الإعلامي الدكتور مالك الأحمد يقول إنه من الصعوبة بمكان قياس الرأي العام في أي مكان في العالم - فضلا عن السعودية - وما تقوم به مراكز البحث والإستطلاع والقياس هو معرفة توجه الرأي العام من خلال عينات عشوائية ـــ غالباً ـــ من المجتمع المستهدف.والوضع في السعودية أصعب لثلاثة أسباب:أولاً:عدم وجود مراكز متخصصة وذات خبرة في هذا المجال، وثانياً:عزوف الكثير من الناس عن الإجابة عن أسئلة لجهات ليست رسمية وأغراضهم غير واضحة، والأمر الثالث:هو ضعف المصداقية وعدم الدقة في إجابات العينة، وهذا الأمر بناء على تجارب شخصية في دراسات ميدانية إعلامية، كل ذلك ينعكس على النتيجة وما تمثله من استنتاجات.وقياس الرأي العام أسهل في المجتمعات العربية للخبرة في هذا المجال، وطبيعة المجتمعات، وانفتاح الناس، والأريحية في التجاوب.
ويضيف الأحمد:في السعودية هناك تياران أساسيان يؤثران في الرأي العام، الأول التيار المتمثل في العلماء وطلبة العلم والدعاة والمفكرين والمثقفين.الثاني هو الإعلام بكافة وسائله، سواء المقروءة أو المسموعة أو المرئية واخيراً الإنترنت..والتيار الإسلامي ممثلا في الهيئات الدينية والشخصيات الإسلامية يؤثر بشكل معتدل في الرأي العام المحلي، لكن الغريب أن تأثيره يتفاوت بحسب القضية أو الحدث، ففي الشأن الديني البحت تأثيره ملموس جداً، أما في الشأن الإجتماعي والإعلامي فتأثيره محدود (برنامج ستار أكاديمي والفتاوى التي صدرت والمواعظ والتحذيرات التي ذكرت، ومع ذلك استمرت المشاركة فيه مرتفع.
ولعل ـــ الارتباط ـــ أحياناً بالمؤسسة الرسمية يضعف من تأثير الهيئات الدينية في الرأي العام في القضايا العامة.لكن في الشأن الديني البحت، وفي كثير من قضايا الناس اليومية ومعاشهم فإن تأثير هذا التيار ملموس.
أما القنوات الرسمية فتأثيرها محدود جداً، وغالباً ما يكون من خلال وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية ومن خلال شخصيات قد لا تكون محلّ قبول اجتماعي، أو ذات طرح مخالف لأصول المجتمع وقيمه.وبالنسبة للنخب الفكرية والثقافية ـــ من خلال وسائلها الشخصية ـــ فإن تأثيرها محدود جداً باستثناء ذات الخلفية الإسلامية والتي تتكئ على خطاب ديني يوافق قواعد المجتمع الثابتة. ولعل من الغرائب في المجتمع السعودي سهولة التأثير في الرأي العام وتوجيهه إذا امتلك موجهوه أدوات إعلامية قوية، وشخصيات ذات مصداقية عالية وخبرة اتصالية كبيرة مع استحضار كامل للبعد الديني والذي ـــ لايزال ـــ يمثل محور المجتمع.
المسجد والانترنت
يركز الدكتور حمزة بيت المال استاذ الاعلام بجامعة الملك سعود على مصادر الرأي العام متفقا مع الآراء التي تشير إلى أن هذه المصادر تختلف من مجتمع لاخر وبحسب الظروف الزمانية والمكانية، والمكون الثقافي لكل مجتمع.فعلى سبيل المثال في السعودية كان المسجد يعتبر من احد اهم مصادر تكوين الراي العام لكن مع تقدم و تعقد الحياة المدنية اصبحت تنافس المسجد كوسيلة لتلقي الراي وسائل الاعلام.
وفي رأيه أن اسباب انحسار دور المسجد في المملكة يعود الى طبيعة الخطب (خطبة الجمع التي تلقى في المساجد فهي مرة واحدة في الاسبوع، والان يتلقى الفرد من الوسائل البديلة المعلومات على مدار الساعة.هذا من جانب و من جانب اخر ان موضوعات الخطب تميل للجانب الوعظي في الاغلب ولا تتعرض للمشاكل او القضايا الاجتماعية بشكل مباشر.
تصنيع الرأي العام وتغليفه
ويقول الدكتور عثمان العربي أستاذ الإعلام في جامعة الملك سعود:في ظل غياب مراكز وطنية عامة وخاصة تقوم باستقراء الرأي العام في المجتمع تجاه القضايا المختلفة، فمن الصعب القول بوجود رأي عام مؤيد أو معارض بشكل حاسم، ولذلك يلجأ كثير من المؤسسات والشرائح الاجتماعية المختلفة لاستقراء بعض المظاهر الاجتماعية على اعتبار أنها رأي عام «مستقر».و أهم هذه المظاهر هي قراءة التحليلات والتعليقات الإعلامية في الصحف، مضيفا أن كثيرا من المجموعات والتيارات الاجتماعية المختلفة تتحدث دوماً عن تمثيلها للرأي العام المحلي.
وقال العربي إن كثيرا من التيارات تسعى بطرق مختلفة للتأثير في الرأي العام حيال القضايا المختلف عليها في المجتمع، بل إنه في بعض الأحيان تلجأ لتصنيع رأي محدد وتعبئته وتغليفه بشكل جذاب، وتقدمه وتطرحه على أنه يمثل توجه الرأي العام.و في كثير من الأحيان تعكس طبيعة الجدل حول قضايا الرأي العام في الوسائل الإعلامية المحلية عملية مبررة غير حقيقية لتوجهات الرأي العام حيال القضايا التي تهمه، ولو استقرأنا بشكل سريع سمات وخصائص الرأي العام المطروح في كثير من هذه الوسائل لوجدنا أنه يعكس توجهات نخبوية أحادية منقطعة الصلة بهموم واهتمامات رجل الشارع العادي، وتدعي في نفس الوقت أنها تمثله أي تمثل الرأي العام وترفع لواء قضاياه ومصالحه.ويرى العربي أننا نعيش في الآونة الأخيرة مجموعة من المتغيرات التقنية على مستوى الوسائط الإعلامية متمثلة في ظهور الإنترنت والجوال، وأخرى على المستوى المؤسسي المحلي والعالمي فتحت آفاقاً جديدة لخلافات الفكر والرأي المبنية على قناعات عمرية، وفئوية، واجتماعية وايديولوجية متباينة .
الشارع السعودي:الفضائيات أكثر جاذبية وإثارة والمجالس الخاصة فرصة لصناعة الآراء
*في مراكز التسوق ومقاهي (الكوفي شو والأماكن العامة تجولت «المجلة»لاستطلاع آراء السعوديين حول قضايا الشارع السعودي المحلية والدولية التي يتابعها المواطن وتمس شأنه الداخلي.وتمحور الاستطلاع حول أي من المؤثرات التالية (المسجد، التلفزيون الرسمي، القنوات الفضائية، الصحافة، المجالس الخاص له الأثر الأكبر في تشكيل وتوجيه الرأي حول قضية محلية أو عالمية.
في البدء تحدث عبد الله الأسمري « 25 سنة»موظف بالقطاع الخاص قائلاً:بلا شك بعض القنوات الفضائية المحترمة في طرحها تؤثر في تشكيل وجهة نظري حول أي قضية عامة تتم مناقشتها في أحد برامجها الحوارية أو من خلال طرحها لتلك القضية، وعن قصده بالمحترمة أوضح الأسمري أن بعض القنوات تجنح لصياغة أحداث القضية بما يخدم توجهها الإعلامي غير المعلن ويشير للأعمال الإرهابية التي شهدتها السعودية في الآونة الأخيرة، وكيف تعاملت معها احدى القنوات الفضائية العربية بطريقة أظهرت عجز الحكومة السعودية وتورط الجهات الدينية الرسمية في تلك الأحداث وكأنها المحرك الرئيسي لها.
محمود الغريبي «23 سنة»طالب جامعي يرى أن الحوارات والنقاشات على عدد من الفضائيات أصبحت مشكلاً رئيسياً للرأي العام في السعودية، في ظل الطبيعة المحافظة لطرح الإعلام الرسمي، ولا يزال التلفزيون والإذاعة السعودية يقدمان المعلومة بتحفظ ورسمية زائدة إلا أن «القناة الإخبارية السعودية»بدأت بشكل مغاير لما تعوده المجتمع في طريقة تلقيه للخبر الرسمي حول قضية محلية معينة.
أما بخيت الدوسري «30سنة»موظف حكومي فيرى أن التلفزيون السعودي يعتبر المصدر الأكثر تأثيراً في تشكيل وجهة نظره ورأيه حول أي قضية داخلية، وعبر عن عدم ثقته في الإعلام الخارجي والفضائي على وجه الخصوص، حيث يرى في ما تطرحه بعض القنوات الفضائية حول بعض القضايا المحلية محاولة لقراءة الشأن الداخلي من الخارج دون معرفة المحركات الحقيقية لتلك القضية.
من جهته قال:سعود المرزوقي «30سنة» معلم أن رأيه طرأ عليه التغيير بسبب متابعته لأكثر من جهة تحليلية لأحداث داخلية وعالمية، إلا أنه يلمح لكون تنوع قاعدة المعلومات المستقاة من أكثر من مصدر تجعل الرأي متشتتاً حول قناعة معينة، وهو يشير في حديثه إلى أن كثرة مصادر الأخبار في السنوات الأخيرة لم تسهم في ثبات الرأي ولكن يؤدي الى التشتت وعدم معرفة الحقيقة كاملة.
لم يعد الأمر كما كان ـ بهذه العبارة ـ بدأ خالد العتيبي «42 سنة»موظف حكومي حديثه حيث أردف قائلاً:في ما مضى كان المصدر الوحيد لتلقي الأخبار والمعلومات التلفزيون والإذاعة السعوديين فقط ولكن الآن الأمر مختلف تماماً فكثير منا يعمد لتلقي المعلومات من قنوات فضائية وإذاعات الأجنبية، مشيراً إلى توجس البعض من صحة ما تورده المصادر الحكومية من أخبار ظناً منهم ـ حسب قوله ـ أن الأخبار في المصادر الاعلامية الحكومية تتوافق ووجهة نظر الحكومة، ويؤكد العتيبي على أن الحكومة تلجأ دائما لصياغة الأخبار بما يتفق والشأن الداخلي ومن منطلق حرصها على الشأن العام.
المكاشفة والشفافية
ويضيف:العديد من الأحداث والقضايا الداخلية تنقصها المكاشفة والشفافية في طرحها على الوسائل الإعلامية الداخلية مما يحدو بالبعض لاستقائها من الخارج بحثاً عن الحقيقة والإثارة في كثير من الأحيان.
بينما يرى فالح الصغير «37 سنة»موظف بالقطاع الخاص، ان رأيه يتأثر تبعاً لطبيعة القضية ذاتها فالقضايا الدينية يكون للمسجد والهيئات الدينية الرسمية التأثير الأكبر في تكوين رأيه حولها، ويؤكد على تجنبه للمؤثرات الإعلامية في هذا الشأن، ويضيف:أما القضايا الاجتماعية الداخلية فإن الصحافة السعودية تشكل الرأي العام حولها باقتدار، لكن العديد من القضايا يجب النظر إليها من خلال أقرب المصادر لها، وهو هنا يشير إلى تفضيله استقاء معلوماته من مصادر رسمية موثوق بها كون الكثير من تلك الأحداث يتم تشويهها واساءة فهمها في المجتمع لكثرة المصادر الخارجية التي لا تملك الحقيقة ـ كما هي ـ حسب وصفه.
أما فهيد العنزي «29 سنة» معلم فيؤكد على أن المجالس الخاصة التي تجمع الأصدقاء تشكل الرأي لدى العديد منا ـ حسب رأيه ـ وأن بعض القضايا العامة يتم مناقشتها في إطار الأصدقاء في جلساتهم الخاصة، وعدد من أصدقائه تطول بينهم المناقشات في استعراض أحداث وملابسات قضية اجتماعية ما، وإن كان البعض منهم يصر على وجهة نظره ودقة معلوماته.
عبد العزيز العياش «24 سنة»طالب جامعي يرى أن تشكيل رأيه حول قضية داخلية يرتكز على مزيج من المصادر فهو يطلع على كافة المصادر الإعلامية الداخلية والخارجية للخروج برأيه الخاص في تلك القضية.
فواز المطيري «36 سنة»صاحب محل تجاري، يرى أن الصحافة المقروءة تقدم التفاصيل اللازمة لتشكيل رأيه في أي قضية، ويرى أن كتاب الصحافة السعودية يسهمون بشكل جيد في بلورة تلك الآراء في المجتمع.وبشيء من الحماسة يرى محمد الحنايا «38 سنة»معلم أنه من الضروري على الفرد في المجتمع إرجاع رأيه إلى الأدلة الشرعية ورأي أهل العلم الديني في أي قضية، ويشدد على كون القول في أمر ما بغير علم هو من اللغو المنهي عنه شرعاً ـ حسب وصفه ـ ويرى فيه بلبلة قد لا تحمد عقباها على المجتمع.
أما حمود العلي «45 سنة»موظف حكومي فيشدد على أن الكثير ينجر خلف آراء غير حقيقية ويستمع لمصادر ليست لها مصداقية، ويلمح العلي إلى ترديد البعض آراء غريبة حول قضايا داخلية لا تمت للقضية وطبيعتها بصلة سوى أنها قلب لحقائق مشاهدة للعيان، ويدعو العلي لضرورة استقاء الخبر والمعلومة الصحيحة من مصادرها الرسمية والبعد عن المواطن المشبوهة.
طلاب التعليم والفضائيات
من جهة أخرى كان لعدد من طلاب التعليم العام بمدينة الرياض رأيهم حول تلك القضية.
في البدء تحدث صلاح العمري «16 سنة» طالب بالمرحلة الثانوية موضحاً أن الفضائيات وما تقدمه من برامج إخبارية متنوعة تشكل رأيه في كثير من الأحيان حول قضايا داخلية.بينما يرى سعد الزهراني «17 سنة» طالب بالمرحلة الثانوية أن منتديات الإنترنت تشكل رأيه في عدد من القضايا، ولكنه يشير إلى أن معلمه كثيراً ما ينصحه بتجنب ذلك في النقاشات التي تجري بينه وبين معلمه.
علي الدوسري «14سنة»طالب بالمرحلة المتوسطة يرى أن معلمه في الصف يستطيع التأثير في رأيه أكثر من غيره، وألمح إلى أن معلم الصف لديه يقوم بنقاش الطلاب في بعض الأحيان حول بعض القضايا التي تهم الطلاب ويرى الدوسري أن معلمه يستطيع تكوين قناعة لدينا نحن الطلاب في تلك القضية.أما إبراهيم المحيسن «16 سنة»طالب بالمرحلة الثانوية فيرى صعوبة تحديد ذلك المؤثر في تشكيل رأيه، ويرى أن عددا من القضايا تغيرت قناعاته حولها بعد استماعه أو مشاهدته للتلفزيون أو سماعه رأيا لبعض أصدقائه الطلاب.
مجلة 11/05/2005
Comment