الجزء 1
*منتديات الانترنت في السعودية ظاهرة حديثة واسعة تنامت بشكل كبير، وجاء النمو بدفع من الأعداد الكبيرة لدخول تلك المنتديات، خصوصاً ان العضوية لا تحتاج أكثر من الاتصال بالانترنت وتوفر بريد الكتروني.واليوم تلعب منتديات الانترنت في المشهد السعودي دوراً ملفتاً ومتنامياً، والمتابع لهذه المنتديات بأنواعها، يلاحظ بدون جهد كبير مدى التفاعل الواسع الذي تناله.ولا شك أن الدور الإخباري والتحليلي، وهي مهام رئيسة ضمن الدور الإعلامي، ظاهر في المنتديات، وبلا مبالغة بات السبق المعلوماتي ـ مصحوباً بالصور أحياناً ـ اقرب إلى المسلمة لصالح الانترنت، وبخاصة المنتديات.ولعل الإضافة الأبرز لهذه المنتديات هي أنها بالإضافة إلى نقل المعلومات وتحليلها تسهم بصورة مباشرة ـ واعية أو غير واعية ـ في تكوين رأي عام لدى مرتاديها حيال المعلومات المطروحة، ويمكن ملاحظة هذا من خلال المنتديات ذات التوجهات المختلفة، حيث توجد معالجة متباينة بشكل واضح للعديد من القضايا تأثراً بمنهج المنتدى النابع من أجندة خاصة، بما يؤكد مقولة «عالم واحد وأصوات متعددة».والواقع أن التعدد الهائل لاهتمامات المنتديات وتوجهاتها يدفع إلى القول إن المهتمين بأمر الرأي العام في الدوائر السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكذلك أقسام الاتصال الجماهيري ـ التي بدأت الاهتمام بموضوع الانترنت عموماً والصحافة الالكترونية خصوصاً ـ، مدعوون إلى دراسة منتديات الحوار في السعودية بطرق علمية تمكن من فهم ما يجري، وفي الوقت نفسه تسير بسرعة تسمح بملاحقة التطورات الجارية.فمجرد تناول منتديات الانترنت فان هذا يطرح ضرورة الإجابة على عدد كبير من الأسئلة،ً إذ إن ابتكار الأسئلة صناعة أهم من تقديم الإجابات، لكنه يثير الأمل بموضوعات جديدة حول المنتديات، تتجاوز الإحالات، ونقل ما جرى، وتسجيل المواقف، إلى النفاذ نحو قارة معتمة هي بيئة افتراضية ولدت فيها المنتديات، فمنها ما عاش وازدهر، ومنها ما عاكس الاتجاه ليبقى، ومنها ما تقهقر ومات، ولكن هذه القارة للآسف ـ أو لحسن الحظ ـ تشبه بيئة السعوديين الواقعية بدرجة ما، أو بدرجة كبيرة.ومع المنتديات ولد المستخدمون الذين اختاروا ـ في الغالب ـ ارتداء الأقنعة ليقولوا الحقيقة، ولينظروا بالبصيرة بدل البصر، وليسمعوا بالقلوب ما لا تسمعه الأذن، وليهربوا من تناقضات صارخة صنعها واقع اجتماعي يجرّم القول ويبرر الفعل، قبل أن يصنع من الهوامش متوناً ثم لا يلبث أن ينتج الصراع على هوامشه.وجد هنالك السعوديون المعتادون على الهمس فرصة نادرة للبوح فصرخوا مع السياسي وضده، وانتشروا على الخريطة الدينية من أول بحر التقديس إلى آخر بحر التدنيس، وعبّروا دون خجل عن بداوتهم وبساطتهم، واخترعوا الساخر وضحكوا بصوت عالٍ دون خوف على صورتهم وبلا فزعٍ مما سيقوله الناس، وكشفوا أن الحب الذي تدّعيه الأفلام وتروجه الأغاني يسكنهم، وقالوا ما لم تقله أجيال سبقتهم، وربما كانت مثلهم لكنها لم تتعرف على منتديات الانترنت .المنتديات السياسية:المعركة الالكترونية
* في السعودية حيث يلتزم التلفزيون والإذاعة المحليان بوجهة النظر الرسمية في عموم الأحداث، وحيث تتحرك الصحافة والقنوات الفضائية الممولة سعودياً في إطار تفاهم عام مع المؤسسات الرسمية، مقابل بدايات هادئة لمؤسسات مجتمع مدني لا تملك عمقاً جماهيرياً.في ظل كل ذلك تبدو منتديات الانترنت هي الوجهة الأقرب للتعرف على رأي الشارع السعودي وعلى ردة الفعل الجماهيرية حيال الأحداث المحلية والدولية، كما أنها القناة المثالية لكشف الاسرار وإعادة إنتاج المعلن والتعليق عليهما وتلقي الإشاعة وتكذيبها واكتساب التحليل ونقيضه.وقد كشفت دراسة سعودية حديثة ان%10 فقط من السعوديين يعتبرون الهامش المتاح في الوسائل الإعلامية كاف جداً، وان 51.8 % يرون أن هذا الهامش كاف.واعتبر باحثون سعوديون في دراسة ثانية ان الانترنت يعد ملجأ للتعبير عن الرأي بفعل ضعف مستوى الشفافية في وسائل الإعلام الأخرى، ومحدودية الفرص المتاحة فيها للنقد وإبداء الرأي حيال عدد من الأمور، وبذلك فقد برزت الأهمية المتزايدة للمنتديات ذات الطابع السياسي.
قصة المنتديات السياسية
وقصة المنتديات السياسية في السعودية أقدم من قصة الانترنت فيها، حيث نشأت منتديات الساحات في مارس «آذار» 1997، أي قبل دخول الانترنت إلى السعودية ببضعة أشهر.والساحات لمن لا يعرفها هي مجموعة منتديات ملحقة بموقع أخباري متنوع وتشمل أقسام المنتديات

منتدى الإقلاع منافساً
في الأيام الأربعة الأخيرة من عام 1999م قام أربعة من السعوديين بإنشاء موقع سينجح في مشاطرة الساحات اهتمام الجمهور السعودي رغم اختلاف طابعه، وهو ساحة الإقلاع، ليكون أول منتدى سعودي على الانترنت.ووفقاً لأحد مشرفيه فإن تمويل المنتدى يعتمد على الإعلان، ويقول المشرف إن الإقلاع يهدف إلى «احتواء الشباب السعوديين بموقع انترنت واحد وإبعادهم عن مواقع الانترنت غير السعودية والتي قد يكون لأصحابها أهداف أخرى غير معلنة، خصوصاً الأصولية منها، بالإضافة إلى اكتشاف مواهب الشباب ودعم الساحة الإعلامية والثقافية بها، والأمثلة على ذلك كثيرة».وحسب الكاتبة إيمان القويفلي في سلسلتها المقالية حول المنتديات في صحيفة «الشرق الأوسط» فإن مؤسسي الإقلاع «لعبوا بورقة اللغة المحكية ـ العامية ـ وراهنوا على صناعة الأدب الساخر» قبل ان تشير الكاتبة إلى الالتزام بمعايير للنشر لا تبعد كثيراً عن التي تلتزمها الصحافة المحلية في قسم «الجّادة»، وهو القسم الذي يسمح فيه بطرح الموضوعات السياسية، إلا أن الواقع يقول ان منتدى «العيارة والنصب» هو أكثر المنتديات اجتذاباً للجمهور، ممثلاً النسخة السعودية من مجلة كاريكاتير المصرية أو الدومري السورية ـ والتشبيه لإيمان القويفلي ـ.إلا أن الإقلاع سيكون له دور أهم حيث سيكون المحطة الأولى لانطلاق جملة من المنتديات السعودية على الانترنت، سواء كان ذلك بشكل مباشر وودي أو غير ذلك، ينطبق هذا على منتديات دار الندوة وحارة المساطيل وجسد الثقافة وشعبيات والرياضة للأبد والساخر وغيرها.وعوداً إلى الموضوع السياسي، ففي مقابل الساحات نشأت مواقع أخرى ذات طابع أصولي مثل منتديات سحاب التي تشارك الساحات الأصولية والسلفية وتختلف معها في الموقف السياسي من الدولة ومن دعم الإرهاب، وفي موقع ثالث تأتي منتديات الوسطية التي تتبع لمحسن العواجي وتشبهه كثيراً من حيث الإصرار على طرح إسلامي محيّر لكثير من الأصدقاء والأضداد على حد سواء، وفي موقع رابع تأتي منتديات وجدان المسلم، وغيرها من المواقع الأصولية التي تشترك في العناوين وتتنازع في التفاصيل.
المنتديات الليبرالية
على الضفة المقابلة أنشأت صحيفة الرياض إلى جانب منتدى الكتّاب المخصص لكتابها منتدى الصحافي الالكتروني، الذي سيشغله عدد من الصحافيين والمثقفين من أصحاب الطرح المتعارف عليه في السعودية بالليبرالي، مع ضرورة الحذر من الخلط بين المقصود بالليبرالية في أصلها الفلسفي وتمثلها الغربي، وبين النسخة السعودية منها، وهو خلط حاولت المنتديات الأصولية النظيرة تكريسه ما أمكن.بعد فترة اتخذت الرياض قرار إغلاق المنتدى «لخروجه عن الأهداف»، فنشأ منتدى بديل وجاءت المبادرة من صحيفة إيلاف الالكترونية التي قررت افتتاح منتديات لإتاحة فرص التفاعل، فانتقل كثير من كتّاب الصحافي الالكتروني إلى منتديات إيلاف، إلا أن الأخيرة اتخذت بعد فترة وجيزة ـ شهدت قرار حجب موقع الصحيفة من قبل الجهة المنظمة في السعودية ـ قراراً مماثلاً بإغلاق المنتدى في بدايات عام 2002م.
ولادة طوى وموته
وفي مايو «أيار» من العام نفسه ـــ وهو للمفارقة الشهر الذي شهد أول هجوم إرهابي على الرياض ـــ اجتمعت مجموعة من المهتمين بهدف إطلاق موقع مستقل عن أي مؤسسة إعلامية هدف منذ اللحظة الأولى، حسب راعي الاجتماع التأسيسي، إلى التعبير عن الآخر السعودي، الآخر غير الأصولي، فكانت ولادة منتديات طوى في أغسطس «آب» من عام 2002م، حسب معلومات نشرتها «الشرق الأوسط» في تقرير خاص عن المنتدى، وقد غيرت منتديات طوى كثيراً من تفاصيل المعادلة إذ بدأت طروحات الساحات تواجه ما هو أكثر من الطرح الإسلامي المختلف، أو الطرح الشعبي الساخر الجذّاب، وظهر طوى بمثابة الندّ أو الوجه الآخر لقراءة الحدث، في مقابل الوجه الأصولي.لكن عربات قطار المنتدى الليبرالي شيئاً فشيئاً بدأت تهتز وتنحرف عن الطريق، فظهرت مواضيع متجاوزة للحد الديني حفلت بالإلحاد، كما توالت البيانات ذات الطابع السياسي والتي بدأت تشاطر الساحات الإساءة إلى الرموز السعودية، واجتمع إلى ذلك ضعف القدرة الفنية للمشرفين على المنتدى فتعرضوا لاحراجات كبيرة، وقررت الجهة المنظمة للانترنت حجب الموقع، وخلافاً لما يعتقده الكثيرون كانت المشكلة الأكبر داخلية إذ دب الخلاف بين فريق العمل حول المقبول والمرفوض، وحدود الحرية المسموح بها، فانهارت طوى وأغلق الموقع نهائياً.
دار الندوة منافس جديد
لكن «الليبراليين»عادوا للظهور مرة جديدة عام 2004م من خلال منتدى لا يتبع لمؤسسة إعلامية، وغير جديد تماماً، إذ يظهر من عباءة الإقلاع ويحمل اسم منتديات «دار الندوة»، والذي يُعرّفه احد مشرفيه بأنه موقع ثقافي ليبرالي، ويقول المشرف إن دار الندوة تهدف إلى «تعزيز فكرة الولاء للوطن، والتي قام مسيسون بتشويهها من منطلقات سياسية ـ دينية، ونشر الفكر الليبرالي المعتدل في المجتمع السعودي، ومحاربة أفكار التطرف والإرهاب والغلو الديني»، واتخذ المنتدى شعار «الوطن أولاً» في تعبير صريح عن وضوح الفكرة.وبشكل عام يغلب في دار الندوة الطرح غير التقليدي وغير المتبني للإسلام السياسي في الموضوعات، وينخرط بعض من الأعضاء والمشرفين السابقين لطوى ضمن دار الندوة، خصوصاً أولئك المفارقين لطرح طوى، وهو ربما ما يفسر الخطاب الجديد لدار الندوة، التي لا تمثل امتداد طوى أو إيلاف بقدر ما هي حاصل تلك التجارب، ولعل من أكثر الجوانب لفتا للانتباهً هو المنافسة على تفسير الأحداث بين هذا الموقع وبين الساحات، وقد عرف عدد من القضايا حالات تجاذب ملفتة بين الطرفين، مثل الموقف الرسمي من قضايا النشر، وبحسب صحيفة «الشرق الأوسط» فإن متعاطفين مع موقع الساحات نفذوا هجوما اختراقياً تسبب في توقف موقع دار الندوة لفترة خلال العام الحالي.ورغم كل ما قيل، تبقى الساحات في مواجهة المقبل الجديد دار الندوة هي الأقرب للتمثيل السياسي لفكرة الأصولية مقابل الليبرالية، أو بعبارة متعصبة طرح الإسلاميين مقابل طرح الوطنيين.
الخلاصة:سؤالان
وفي الخلاصة ثمة سؤالان رئيسيان، الأول لماذا تنمو المنتديات الليبرالية عمودياً في مقابل النمو الأفقي للمنتديات الإسلامية، والمقصود أن نمو المنتديات الليبرالية كان دائماً نمواً طولياً، فإغلاق الصحافي الالكتروني دفع باتجاه منتديات إيلاف، وإغلاق إيلاف قاد إلى طوى، وغياب طوى أثمر شعبية دار الندوة، في المقابل تنمو المنتديات الإسلامية بصورة أفقية، فظهور الساحات ووهجها لم يختلف بفعل المنتديات البديلة، وبروز سحاب والوسطية لم يلغِ الآخرين.وعند محاولة الإجابة عن هذا السؤال تأتي الفرضية الأولى للإجابة بأن عدد الإسلاميين أكبر من عدد الليبراليين، مما يجعل القصة مسألة محاصصة، أما الفرضية الثانية فتذهب إلى أن الليبراليين ـــ على كثرتهم ـــ يملكون من سعة الأفق ما يسمح ببقائهم ضمن إطار موحد رغم اختلاف الرأي، فالليبرالية تتبنى المناقشة وتفترض صحية الاختلاف، في مقابل أن الإسلاميين يتبنون إقامة الحجة ويعتبرون الاختلاف شقاقاً، وهو ما يقود إلى تشرذمهم إلى منتديات كثيرة متنازعة بينها فضلاً عن خلافها مع المنتديات الليبرالية، وتقول الفرضية الثالثة إن المسألة تتعلق بالإطار الرسمي.ففي الوقت الذي اتخذت الجهة المنظمة قراراً بحجب موقع إيلاف ـ ومن ضمنه المنتديات ـ، ومن بعده حجبت طوى، كما حدث حجب مؤقت لدار الندوة، فإنها لم تتخذ أي قرار بالحجب حيال المنتديات الإسلامية باستثناء إجراء وسيط تجاه الساحة السياسية تمثل في حجبها في فبراير «شباط» 2003ـ وفقاً لتقرير نشر في «الشرق الأوسط»ـ قبل أن يوفر المنتدى رابطاً بديلاً معروفا وشائعا ومع ذلك لم تتخذ أي خطوة جديدة من قبل الجهة المنظمة، وتعتبر الفرضية الرابعة أن المسألة كلها مسألة تنظيم، وأن عالم املفتراض هو انعكاس لعالم الواقع.وحيث يتميز الإسلام الحركي بقوة التنظيم وجلد المبادرة، فإن أداءهم الافتراضي يكون كذلك، وحيث يتوزع الليبراليون في مسارات عديدة (أهمها المسار الصحافي الحافل بهم) فإن التنظيم متباعد والمبادرة بطيئة.أما السؤال الثاني فيتخذ مسوغاً له من الإحصائيات التي تفيد بأن عدد المستخدمين في البلاد للانترنت محدود، لا يجاوز نصف السعوديين في أحسن تقدير، فضلاً عن أن ثلث المستخدمين لا يتابعون المنتديات، وأن أقل من نصفهم يقومون بالمشاركة فيها، ولا يثق قرابة ثلاثة أرباع المستخدمين في الآراء المنشورة.والسؤال إذن ما هو وزن هذه المنتديات وما هو تأثيرها، وهل يصح ما قاله مشرف في أحد المنتديات بأنها ساهمت في إحداث تأثيرات عامة وخاصة وتسببت في رفع مستوى الحرية للصحافة السعودية، أم أنها جُزرٌ معزولة عن اليابسة جميلة وغنية ولكنها بعيدة فهي نجوم تكبر كلما حلقنا باتجاهها إلا أنها حيث نقف، على الأرض، لا تكاد تُرى.مثلما يرد هذا السؤال في عالم المفترض، سؤال في عالم الواقع عن حجم التيارات السياسية في السعودية، ومدى تأثيرها، ووزنها الحقيقي في مقابل المجتمع التقليدي في وجهه القبلي أو في ثوبه الاقتصادي، ولكن هذا السؤال قصة أخرى .
مجلة المجلة
Comment