تقرير التنمية الانسانية العربية للعام 2004
نحو الحرية في الوطن العربي (1 من 3)
2005/04/04
استمرار الاحتلال الاسرائيلي.. وفظائع الاحتلال الامريكي في العراق أثرا علي مسار التنمية في العالم العربي
السلطات تنتهك الحق في الحياة وتمارس كبتا علي حرية التعبير...
وتستباح الحياة الشخصية في دول عربية
يطرح تقرير التنمية الانسانية العربية للعام 2004: نحو الحرية في الوطن العربي ، معالجة متعمقة لنقص الحرية والحكم الصالح في العالم العربي، ولعل هذه القضية هي الأشد حضورا في النقاش الدائر داخل المنطقة وخارجها في الوقت الراهن. وهذا التقرير هو الاصدار الثالث من سلسلة تقرير التنمية الانسانية العربية التي تستهدف طرح نواة فكرية تعين في صوغ مشروع النهضة عبر حفز نقاش جاد حوله في البلدان العربية.
لقد اضحت أزمة التنمية في الوطن العربي من الجسامة والتعقيد وتشابك الجوانب، بحيث اصبح اي اصلاح حق لاحدي النواحي المطلوبة لبناء نهضة انسانية في المنطقة يستلزم ان يمتد الي جنبات المجتمعات العربية كافة. فلم يعد الاصلاح الجزئي كافيا مهما تعددت مجالاته، بل ربما لم يعد ممكنا من الاساس بسبب احتياج الاصلاح الجزئي الفعال لبيئة مجتمعية حاضنة. ومن ثم، فان الاصلاح المجتمعي الشامل في البلدان العربية لم يعد يحتمل الابطاء او التباطؤ حرصا علي مصالح راهنة مهما كان نوعها. ذلك ان القيد السياسي هو الأكثر وطأة والأبعد اعاقة لغرض النهضة فيها.
تطورات التنمية الإنسانية منذ اصدار
تقرير التنمية الانسانية العربية 2003
يبدأ التقرير، علي النهج الذي درجت عليه هذه السلسلة، برصد الاحداث علي المستويات القطرية والاقليمية والعالمية، التي يُقدر انها ستترك اثرا ملحوظا علي مجمل مسيرة التنمية الانسانية في الوطن العربي.
تصاعد وتائر المناداة بالاصلاح
طرحت منذ نشر تقرير التنمية الانسانية العربية 2003 ، مبادرات اصلاح، رسمية ومن منظمات المجتمع المدني، استهدفت معالجة بعض من اوجه القصور في البلدان العربية. وكان اهم المبادرات الرسمية بيان مسيرة التطوير والتحديث الذي صدر عن القمة العربية التي انعقدت في ايار (مايو) 2004. ودعا البيان الي استمرار الجهود وتكثيفها لمواصلة مسيرة التطوير العربية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية، تحقيقا لتقدم المجتمعات العربية النابع من ارادتها الحرة. ودعا البيان تحديدا الي تعميق اسس الديمقراطية والشوري، وتوسيع المشاركة في المجال السياسي والشأن العام وفي صنع القرار، في اطار سيادة القانون، وتحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين واحترام حقوق الانسان وحرية التعبير.. وضمان استقلال القضاء .
كما ظهرت خلال فترة اعداد التقرير مبادرات عديدة من القطاع الأهلي مطالبة بالاصلاح، كان اهمها اعلان صنعاء الذي تمخض عن المؤتمر الاقليمي حول الديمقراطية وحقوق الانسان ودور المحكمة الجنائية الدولية (صنعاء، كانون الثاني (يناير) 2004)، و وثيقة الاسكندرية التي صدرت عن مؤتمر قضايا الاصلاح العربي، الرؤية والتنفيذ (الاسكندرية اذار/مارس 2004).
وفي الوقت نفسه، صعدت القوي السياسية والمدنية في الوطن العربي من تحركها الايجابي نحو الاصلاح السياسي، وحققت اختراقات هامة في بعض الاحيان. فقد نجحت المنظمات الحقوقية والسياسية في المغرب في حث الحكومة علي الاعتراف بخروقات سابقة، ابرزها ملف اختفاء المعارضين السياسيين، والسعي لمعالجة القضية.
وفي البحرين، بدأت اللجنة الوطنية للشهداء وضحايا التعذيب تطالب بتعويضات لعائلات الذين قتلوا وعذبوا بيد قوات الأمن في الاحداث السياسية السابقة، كما طالبت بمحاكمة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الانسان.
وفي سورية، صعد اعضاء الجمعيات والمنظمات من مطالبتهم بالغاء حالة الطوارئ واطلاق الحريات. كما اعلن الاخوان المسلمون مبادرة للاصلاح السياسي في مصر.
وشهدت المملكة العربية السعودية بداية هذا العام حيوية غير مسبوقة في المبادرات المدنية، تميزت بتقبل نسبي لها من جانب الحكومة. وقدمت العديد من الوثائق لولي العهد تضمنت بعضها مطالب بعض الجماعات الفرعية كالشيعة في الحريات الدينية والحقوق المدنية والمساواة بين المواطنين. ونددت اخري بأعمال العنف ودعت الي الانفتاح السياسي كمخرج للأزمة الحالية. وطالب بعضها باصلاح وضع المرأة وضمان مشاركتها الكاملة في الحياة العامة. وتضمنت احدي هذه العرائض الدعوة لملكية دستورية واصلاحات سياسية اساسية منها الانتخابات والرقابة علي المال العام واصلاح القضاء.
وفي فلسطين، نشطت منظمات المجتمع المدني في مختلف المجالات، من مقاومة الاحتلال الي الدفاع عن حقوق الانسان، الي المساهمة في عمليات الاغاثة والمساعدات الانسانية والمطالبة بالاصلاح.
كما شهدت المرحلة محاولات للتغيير من الخارج، بدأت بمشروع الشرق الاوسط الكبير الذي طرحته الادارة الامريكية علي مجموعة الدول الثماني، الا ان تحفظات من اطراف عربية ومن دول اوروبية، حدت بالولايات المتحدة الي تعديل هذه المبادرة وطرح مشروع معدل اطلق عليه اسم مشروع الشرق الاوسط الأوسع ، وضعت له اهداف اكثر تواضعا، وتم اقراره داخل مجموعة الدول الثماني في حزيران (يونيو) 2004.
غير ان مبادرات الاصلاح التابعة من داخل الوطن العربي والوافدة من الخارج، قامت في مناخ اقليمي وعالمي معاق.
بيئة اقليمية ودولية معاقة
كان لاستمرار الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية، ولاحتلال الولايات المتحدة للعراق، ولتصاعد وتائر الارهاب، آثار بالغة السوء علي التنمية الانسانية العربية.
1ـ الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين يخنق الحرية ويعوق التنمية الانسانية.
فقد استمر انتهاك اسرائيل لحق الفلسطينيين في الحياة من خلال عمليات الاغتيال المباشر للقادة الفلسطينيين، وقتل المدنيين خلال اغاراتها علي مدن وقري الضفة الغربية وقطاع غزة. وبين شهري ايار (مايو) 2003 وحزيران (يونيو) 2004، اسفرت عمليات القصف والاجتياح المتتالية عن مقتل 768 فلسطينيا واصابة 4064 آخرين. وبلغت نسبة القتلي من الاطفال تحت سنة 18، 22.7% خلال تلك الفترة. كما واصلت اسرائيل انتهاك الحقوق والحريات العامة والشخصية للفلسطينيين. وتجلي ذلك في اعمال العقاب الجماعي التي اتخذت اشكالا عديدة، منها الاعتقالات التعسفية والحبس والاغلاقات المتكررة للاراضي الفلسطينية.
وصعدت اسرائيل كذلك من سياسة هدم المنازل، وتخريب الممتلكات، وتجريف الاراضي، وفي شهر ايار (مايو) 2004 وحده، تم تشريد قرابة أربعة الاف فلسطيني في رفح نتيجة لتدمير منازلهم بواسطة جيش اسرائيل.
وادي ذلك كله الي تكبيد الفلسطينيين خسائر اجتماعية واقتصادية فادحة، فأضحي 58% من السكان يعانون من الفقر.
واستمرت اسرائيل في انشاء جدار الفصل الذي لا يحترم الحدود بين المناطق المحتلة واسرائيل، مما يشكل توسعا متعمدا من اسرائيل علي حساب فلسطين. وفي 9 تموز (يوليو) 2004، واستجابة لطلب الجمعية العامة للامم المتحدة، اصدرت محكمة العدل الدولية (لاهاي) حكما استشاريا قضي بأن انشاء الجدار مناقض للقانون الدولي، وان علي اسرائيل هدم ما انشئ منه في الاراضي المحتلة والتعويض عن جميع الاضرار المترتبة علي انشائه.
تداعيات احتلال العراق علي التنمية الانسانية
نتيجة لغزو العراق واحتلاله، خرج الشعب العراقي من تحت وطأة حكم استبدادي انتهك جميع حقوقه الاساسية وحرياته، ليقع تحت سلطة احتلال اجنبي زاد من معاناته الانسانية.
في ظل الاحتلال، تدهور امن المواطن العراقي واستبيحت حياته مجددا. وقدرت دراسة علمية اعداد الوفيات المرتبطة حصراً بالغزو والعنف المصاحب للاحتلال بنحو 01 الاف قتيل عراقي.
وبسبب فشل قوات الاحتلال في تنفيذ التزامها كسلطة احتلال، وفق اتفاقيات جنيف، في توفير الأمن للمواطنين، شهد العراق انفلاتاً امنياً غير مسبوق. وانتشرت اعمال القتل والارهاب في معظم ارجائه، وطالت المنظمات الدولية والجمعيات الانسانية، اضافة الي المدنيين العراقيين.
وكانت النساء هن الاكثر معاناة، حيث تعرضن منذ الاحتلال للخطف والاغتصاب من قبل عصابات محترفة. كما تعرضت سجينات للاغتصاب من قبل جنود الاحتلال في بعض الحالات.
وتعرض الآلاف من العراقيين للاعتقال والتعذيب. وعومل المعتقلون واغلبهم من المدنيين، معاملة لا انسانية ولا اخلاقية في سجن ابو غريب وغيره من سجون الاحتلال، مما شكل انتهاكا واضحا لاتفاقيات جنيف.
من ناحية اخري لم تنجح سلطات الاحتلال حتي في توفير الخدمات الاساسية. فلم تصل قوات الاحتلال ببعض الخدمات (مثلا الكهرباء والماء والهاتف) الي مستويات ما قبل الحرب. وقد بين تقرير امريكي ان سلطات الاحتلال لم تنفق علي اعادة اعمار العراق حتي نهاية تشرين الاول (اكتوبر) 2004 سوي 1.3 مليار دولار من اصل 18.4 مليار دولار تم تخصيصها من قبل الكونغرس الامريكي لهذا الغرض. اي اقل من 7%.
مواجهة النواقص الثلاثة: تقدم يخالطه تراجع
اقدمت البلدان العربية خلال هذه الفترة علي خطوات للتغلب علي النواقص الثلاثة في المعرفة والحرية وتمكين المرأة، الا ان التقدم نحو هذه الغاية كان متفاوتا، وعاني مجال الحرية، علي وجه الخصوص، من نكسات.
وشهدت تلك الفترة تطورات ايجابية في ميدان التعليم كان اهمها تنامي الاهتمام بنوعيته. فشاركت تسع دول عربية في دراسة الاتجاهات الدولية في الرياضيات والعلوم. واتخذ اتحاد الجامعات العربية قرارا بانشاء مؤسسة مستقلة لتقييم نوعية التعليم العالي.
وفي مجال تعزيز الحكم الصالح، بدأت بعض الحكومات العربية توجها حذرا وانتقائيا نحو الانفتاح السياسي علي قوي المعارضة وافساح مجال العمل العام. وعلي الرغم من ذلك، تراجعت مؤشرات المشاركة الشعبية، واستمرت انتهاكات صارخة لحقوق الانسان، وعانت منظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام من تشديد القيود عليها. كما تعرض المراسلون الصحافيون للقتل خاصة علي ايدي قوات الاحتلال. فقد وصل عدد المراسلين الذين قضوا خلال عام 2003 في البلدان العربية الي 14 مراسلا، قتل 12 منهم في العراق، من ضمنهم خمسة علي ايدي قوات الاحتلال بقيادة الولايات المتحدة، واثنان من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلية في فلسطين.
كما استمر انتهاك حقوق الجماعات الفرعية خاصة في دارفور، حيث ظل الصراع مستعرا وتفاقمت المعاناة الانسانية رغم التوصل الي اتفاقية لوقف اطلاق النار، وتدخل المجتمع الدولي.
وفي مجال تمكين النساء، حقق المغرب الانجاز الاكبر باصدار المدونة الجديدة للأسرة التي لبت الكثير من مطالب الحركة النسائية في ضمان حقوق النساء، وخاصة فيما يتصل بالزواج والطلاق ورعاية الابناء. وشهدت معظم البلدان العربية اطراد ارتقاء النساء لمناصب عليا في الجهاز التنفيذي، وتوسيع فرص مشاركتهن في المجالس النيابية.
عند التمعن في مجمل التطورات التي امكن رصدها منذ اصدار تقرير التنمية الانسانية العربية الثاني، يمكن الخلوص الي ان أزمة التنمية الانسانية في البلدان العربية لم تشهد بعد انفراجاً يعتد به. وثمة بدايات اصلاح في اكثر من مجال من تلك التي يدعو لها التقرير، ولكنها ما زالت جنينية ومتناثرة. ولا خلاف في ان بعض الاصلاحات التي قامت حقيقية وواعدة، ولكنها لا ترقي في مجملها لمستوي القضاء علي مناخ كبت الحرية المستقر.
حال الحرية والحكم
لا مراء في ان الحرية شرط ضروري وحيوي، وان لم يكن الوحيد، لقيام نهضة عربية جديدة. كما ان قدرة العالم العربي علي مواجهة التحديات الداخلية والخارجية مرهونة بمدي انحسار الاستبداد وبمدي تقدم قضية الحقوق والحريات الاساسية.
ويتفاوت نطاق مفهوم الحرية بين حدين، الاول ضيق يقصرها علي الحقوق والحريات المدنية والسياسية، والثاني شامل يضيف الي الحريات المدنية والسياسية ـ بمعني التحرر من القهر ـ التحرر من جميع اشكال الحط من الكرامة الانسانية مثل الجوع والمرض والجهل والفقر والخوف. وذلك هو النهج الذي يسلكه هذا التقرير.
الا ان الحرية هي من الطيبات الانسانية الخواتيم التي تحتاج بني وعمليات مجتمعية تقضي اليها وتصونها، وتضمن اطرادها وترقيتها. وتتلخص هذه البُني والعمليات المجتمعية الضامنة للحرية في نسق الحكم الصالح الذي يقوم علي المحاور التالية:
صون الحرية بما يضمن توسيع خيارات الناس (يحمي جوهر التنمية الانسانية).
الارتكاز الي المشاركة الشعبية الفعالة، مع تمثيل شامل لعموم الناس.
الاعتماد علي المؤسسات بامتياز، نقيضا للتسلط الفردي، بحيث تعمل مؤسسات الحكم بكفاءة وبشفافية كاملة، وتخضع للمساءلة الفعالة، في ما بينها في ظل فصل السلطات والتوازن بينها، ومن قبل الناس مباشرة من خلال الاختيار الدوري الحر النزيه.
سيادة القانون، المنصف والحامي للحرية، علي الجميع علي حد سواء.
سهر قضاء كفء ونزيه ومستقل تماما علي تطبيق القانون، وتنفيذ احكامه بكفاءة من جانب السلطة التنفيذية.
ولا يكون الفرد حراً تماما الا في مجتمع/وطن حر. فأين حال الحرية والحكم في الوطن العربي من هذا الانموذج؟
الحريات المدنية والسياسية
بين النقص والنقص الفادح
يتدني مستوي التمتع بالحرية في جميع البلدان العربية، وان بدرجات متفاوتة. فالحريات، حتي عندما نضع القهر الخارجي جانباً، مستهدفة من سلطتين: سلطة الانظمة غير الديمقراطية، وسلطة التقليد والقبلية المتسترة بالدين احياناً. وقد ادي تضافر السلطتين علي الحد من الحريات والحقوق الاساسية الي اضعاف مناعة المواطن الصالح وقدرته علي النهوض.
تعاني الحريات، لا سيما حرية الرأي والتعبير والابداع، وجوها من الكبت والقمع في معظم البلدان العربية، باستثناء اختراقات محدودة في بعض البلدان او بعض النواحي. فقد ظل الصحافيون مثلا علي مدار ثلاثة اعوام (2001 ـ 2003) هدفا لملاحقات قضائية متعددة في قضايا الرأي، وصدرت في حق بعضهم احكام قضائية قاسية، وتعرض بعضهم لاعتداءات بدنية او للاحتجاز. وقد وصف تقرير مراسلون بلا حدود لعام 2002 المنطقة بأنها ثاني اكبر سجن للصحافيين في العالم. واي اتفاق وزراء الداخلية العرب علي استراتيجية لمكافحة الارهاب في مستهل العام 2003 الي مزيد من القيود علي حرية الرأي والتعبير، بل وعلي غيرها من حقوق الانسان.
وشملت انتهاكات حرية الرأي والتعبير الاعتداء علي الناشطين السياسيين والمدافعين عن حقوق الانسان بسبب إبداء آرائهم.
وامتد التضييق علي حرية الرأي والتعبير الي صنوف الابداع الادبي والفني كافة. بل ان محاولة الهيمنة علي الفكر في بعض الدول العربية وصلت درجة منع التداول لروائع اغنت التراث العربي ككتاب النبي لجبران خليل جبران، وكتاب الف ليلة وليلة .
كما انتهكت حرية تكوين الجمعيات برفض تأسيس جمعيات او حلها. وانصبت معظم هذه الاجراءات السلبية علي المنظمات الاهلية العاملة في مجال حقوق الانسان.
وباستثناءات قليلة، وشكلية في بعضها، لا تجري في البلدان العربية المعنية انتخابات رئاسية حرة يتنافس فيها اكثر من مرشح في انتخاب عام.
في بلدان عربية ثلاثة فقط هي الجزائر والسودان واليمن وفي رابعة تحت الاحتلال هي فلسطين، تجري انتخابات الرئيس من خلال انتخابات مباشرة يتنافس فيها اكثر من مرشح ويقيد حكم الرئيس المنتخب فيها بفترات محددة. وما زالت سورية ومصر تعتمدان اسلوب الاستفتاء. حيث يتم ترشيح الرئيس من قبل مجلس الشعب، ثم يجري استفتاء شعبي. وتتراوح النتائج في مثل هذه الاستفتاءات الرئاسية بين الاكثرية المطلقة والاجماع التام.
وتوجد مجالس نيابية منتخبة كليا او جزئيا في سائر الدول العربية باستثناء دولتين، هما السعودية والامارات، ولكن علي الرغم من كثرة العمليات الانتخابية التي تجري علي الساحة العربية، فقد ظلت ممارسات الحق في المشاركة طقوسا اجرائية تمثل تطبيقا شكليا لاستحقاقات دستورية. وعاني معظمها من تزييف ارادة الناخبين وتدني تمثيل المعارضة. وبهذا لم تؤد الانتخابات دورها المفترض كوسيلة للمشاركة او تداول السلطة، فأعادت انتاج الفئات الحاكمة نفسها في معظم الحالات.
كما تستباح الحياة الخاصة والشخصية في بعض الدول العربية، تارة من قبل السلطات السياسية عبر خرق حرمة المنزل، والرقابة علي المراسلات الخاصة والتنصت علي المكالمات الهاتفية، وطورا من قبل فئات اجتماعية باسم العرف والتقاليد.
الانسان المحاصر خارج الحريات الاساسية
تنتهك بعض السلطات الحق في الحياة، خارج اطار القانون والقضاء. وتلاحظ منظمات حقوقية ان البيانات الرسمية التي تصدر حول عمليات القتل تتميز بقلة المعلومات، ولا تشير في بعض الدول حتي الي اسماء القتلي. ولا يجري اي تحقيق معلن في هذه الحوادث.
وتنتهك الحق بالحياة ايضا جماعات متطرفة من خلال التصفيات الجسدية والتفجيرات وتسويغ العنف، كما ان المواجهات المسلحة التي تدور بين السلطات الامنية والجماعات المسلحة تؤدي الي وقوع ضحايا بين المدنيين، تفوق نسبتها بينهم نسبتها بين المتقاتلين.
وتشهد المنطقة منذ بدء الحملة الدولية لمكافحة الارهاب ارقاما غير مسبوقة في الاعتقالات، وتنتهك الضمانات القانونية للمجردين من حريتهم، ويتعرض كثيرون منهم للتعذيب وسوء المعاملة، ولا يكفل لهم حتي ضمان سلامتهم الشخصية في السجون والمعتقلات ومراكز الاحتجاز. ولعل مشكلة المفقودين في السجون هي من المآسي التي لا تزال تؤرق العديد من المواطنين في الدول العربية كافة.
كما تهدر ضمانات المحاكمة العادلة في العديد من البلدان العربية، من خلال احالة المدنيين الي القضاء العسكري، واستخدام اشكال القضاء الاستثنائي المتعددة مثل محاكم الطواريء، ومحاكم امن الدولة والمحاكم الخاصة والمحاكم العرفية.
الاقصاء خارج المواطنة
لعل اقصي اشكال الاقصاء خارج المواطنة هو امكان سحب الجنسية من المواطن العربي الذي تتيحه بعض التشريعات العربية بمقتضي قرار اداري من مسؤول حكومي دون مستوي الوزير في بعض الحالات.
انتهاك حقوق الجماعات الفرعية
غير ان الانتهاك المعمم لحقوق الانسان في البلدان العربية يتحول الي انتهاك ابشع حين يتضاعف بالتقاطع مع خصوصيات ثقافية، دينية او عرقية. ففي مناطق النزاعات المزمنة في العراق والسوان، عانت الجماعات الفرعية من اضطهاد سافر او مبطن.
ويشمل هذا الصنف من القهر المزدوج للجماعات عدة فئات اخري يأتي للفئة الاولي كأجانب. وتعامل الفئة الثانية كمواطنين من الدرجة الثانية لا يحق لهم الترشح في الهيئات التمثيلية او التصويت في الانتخابات. كما تتكرر الظاهرة نفسها مع فئة اصحاب البطاقات في المناطق الحدودية في السعودية، والاكراد المحرومين من الجنسية اثر تعداد 1962 في سورية، والاخدام في اليمن. ولا تنجو العمالة الوافدة في البلدان العربية النفطية، بما في ذلك العرب، من معاناة بعض اشكال التمييز حسب المعايير الدولية، اشتهرت من بينها مسألتا نظام الكفيل واساءة معاملة عمال الخدمة المنزلية، خاصة النساء .
وتخلق الظروف الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية حالتين شاذتين في موريتانيا والسودان. ففي الاولي تعاني طائفة الحراطين (الارقاء المحررين) من اشكال شبيهة بالرق. اما في السودان، فقد ادي النزاع المسلح الي عمليات اختطاف متبادل بين القبائل المنغمسة في النزاع العسكري للنساء والاطفال في اشكال شبيهة بالرق ايضا.
الاقصاء المزدوج: المرأة
تعاني النساء بشكل عام من عدم المساواة بينهن وبين الرجل، ومن التمييز ضدهن في القانون وفي الواقع. وعلي الرغم من الجهود المطردة لتطوير وضع المرأة، تظل هناك مجالات عديدة تتعثر فيها الجهود، ويمكن اجمالها في المشاركة السياسية للمرأة، وتطوير قوانين الاحوال الشخصية، وادماج المرأة في عملية التنمية، وحرمان المرأة المتزوجة من اجنبي من منح الجنسية لابنائها، وعجز النظام التشريعي القائم عن كفالة الحماية للنساء في مجال العنف في الوسط العائلي او العنف الصادر عن الدولة او المجتمع. كما يبلغ العنف ضد النساء ذروته في مناطق النزاعات المسلحة، خاصة في السودان والصومال والعراق.
الحقوق الاقتصادية والاجتماعية
تبين نتائج الدراسات التي اجريت علي خمسة عشر بلدا عربيا، ان 32 مليون شخص يعانون من نقص التغذية، اي ما يقارب 12% من مجموع سكان هذه الدول. وفي التسعينات، ازداد العدد المطلق لناقصي التغذية في الوطن العربي بأكثر من ستة ملايين نسمة، وكانت اسوأ النتائج في الصومال والعراق. وما زال الاعتلال الجسدي ينتاب سنوات حياة المواطن العربي. فاذا ما استبعدنا سنوات المرض من توقع الحياة عند الميلاد، يفقد العربي للمرض عشر سنوات او اكثر من حياته المتوقعة. اما التعليم، فينتقص من انتشاره كميا، مستوي غير مقبول من الأمية الهجائية (حوالي ثلث الرجال ونصف النساء، 2002) وحرمان بعض الاطفال العرب، مهما قلت نسبتهم، مــــن حقهم الاصيل في التعليم الاساسي. وينتقص من قيمته جوهريا التردي النسبي في نوعيته، بمعني افتقار المتعلمين للقدرات الاساس للتعلم الذاتي وملكات النقد والتحليل والابداع.
Comment