Announcement

Collapse
No announcement yet.

نصر الله ضد لورين.. وجوتشي ضد الآخرين

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • نصر الله ضد لورين.. وجوتشي ضد الآخرين

    نصر الله ضد لورين.. وجوتشي ضد الآخرين
    مأمون فندي



    سؤال لبنان اليوم هو خيار بين حسن نصر الله ورالف لورين، كما أن سؤال العالم العربي
    كله هو بين جوتشي وبقية العمائم من سنة وشيعة.
    تُرى ما الذي يجمع بين حسن نصر الله زعيم حزب الله الأصولي ومصمم الأزياء الأميركي
    رالف لورين، أو بين جوتشي والآخرين، وما يفرق بينهما؟ وهل ينتصر نصر الله على لورين
    في الأزمة اللبنانية الحالية؟! هذا هو السؤال الذي أرجو ألا يبتذله المتربصون في
    شخوص المقارنة قدحا أو مدحا، فالسؤال أكبر من ذلك بكثير.
    فرغم بعد المسافة والاختلاف الحضاري، وكذلك اختلاف المهنة، فإن حسن نصر الله ولورين
    متشابهان، ولكن بينهما اختلافات قد تكون حاسمة في الإجابة على السؤال. وأبدأ بوجه
    الشبه.
    حسن نصر الله يتفق مع رالف لورين في أن كلا منهما إحيائي للتراث، وأصولي إلى حد
    كبير ويريد فرض صيغ الماضي على الحاضر.
    لورين في كل تصميماته في الملابس والمنازل يحاول إحياء ذوق وأسلوب أميركا القرن
    الثامن عشر، أميركا الكولونيالية، ويبعثها على أنها أسلوب حياة في القرن الحادي
    والعشرين.
    نصر الله أيضا مثله مثل كل الحركات الأصولية في المنطقة يريد إحياء التراث الشيعي،
    والعادات المصاحبة للفواصل التاريخية مثل عاشوراء وغيرها، وربما في ذلك يتفق نصر
    الله مع الأصولية السنية أيضا.
    ولكن هناك فرقا جوهريا بين الاثنين يتمثل في الأسلوب، وفي قبول الجمهور طواعية
    بإدخال الماضي مع إضافات طفيفة، لكي يمثل حاضرهم المعاش.
    ففي الوقت الذي يفرض فيه الأصوليون العرب، شيعة وسنة، الماضي على الحاضر فرضا،
    ويقحمونه إقحاما، نرى أن رالف لورين يدخل الحاضر في الماضي بأسلوب تدريجي، فكل
    تصميماته هي إضافة وتعديل على ذوق أميركا القرن الثامن عشر، بحيث أصبح عالمه ليس
    مقبولا فقط، وإنما مرغوبا فيه على أنه أسلوب أفضل وأشيك وأرقى. حول لورين التراث
    وإحياءه إلى حالة من الدهشة، وإلى حالة اجتماعية يتكالب الناس على أن يكونوا جزءا
    منها، لتصبح موضة العصر ونموذج التحضر والعملية معا.
    أما الحركات الإحيائية الإسلامية، فتقوم بعكس ذلك تماما، فهي تعيد التراث بشكل لا
    يتلاءم مع العصر، وأحيانا بشكل منفر لطبقات كثيرة من المجتمع، فيهرب الناس من عالم
    نصر الله وعالم الآخرين، باحثين عن ملاذ أرحب عند لورين وعند جوتشي.
    هذه هي النقطة الأولى، أما الأهم في الموضوع، وفي حالة لبنان اليوم، فهي تلك
    المواجهة التي نراها في بيروت، بين عالم حسن نصر الله الأصولي ومظاهرته، وبين عالم
    رالف لورين الذي تمثله الشابات والشباب الليبرالي، الذي كان ضمن مظاهرات المعارضة
    واعتصاماتها، حيث كن يرتدين تصميمات لورين وجوتشي وكالفن كلاين. هذا الأسلوب في
    الذوق والملبس (عالم رالف لورين) لفت نظر نصر الله نفسه عندما تحدث عن أصحاب
    الشالات، أي الذين يرتدون شالا على الكتف على الموضة، في إشارة إلى نواب المعارضة
    وهم يرتدون الشالات في لونيها الأبيض والأحمر.
    هذه المواجهة المحتدمة في بيروت بين عالم نصر الله وعالم رالف لورين، تحمل في
    طياتها مواجهة أخرى بين أيديولوجية بيروت ورؤية جبل عامل، وأتوقع أن يفوز لورين في
    هذه المواجهة لأسباب كثيرة، منها محلي مرتبط بالسياق اللبناني نفسه وعلاقة لبنان
    بسورية، والآخر إقليمي وعالمي. ففي السياق اللبناني، يمكن القول دونما تحفظ بأن
    كثيرا من القوى اللبنانية تستمد قوتها من ارتباطات خارجية أكثر من أي قاعدة شعبية
    داخلية. وصدق مؤرخ لبنان ميشيل شيحا الذي شارك في دستور 1926 عندما قال: «إن
    اللبنانيين بحكم الضرورة وحكم المهنة هم أصدقاء لسادة العالم». ولو ترجمنا ذلك بلغة
    المصريين اليومية، يمكننا القول بأن لبنان «زي القرع يمد لبره» أي أن القوى
    اللبنانية شيعية كانت أو سنية أو مارونية دائما تمد ذراعها للخارج.
    ورغم حشد نصر الله لجماهير الشيعة المؤيدة لسوريا، والذي فاق عدد المعارضة
    ومظاهراتها، إلا أن رالف لورين حدد شكل ومضمون مظاهرة نصر الله، فلأول مرة في تاريخ
    الحزب نراه يرفع العلم اللبناني، ويعتبر هذا أول تنازل من عالم نصر الله لعالم رالف
    لورين. أما التنازل الثاني فكان في أسلوب العرض، فلم يكن عرضا عسكريا على غرار
    استعراضات حزب الله المعهودة، بل كان مليئا باللافتات التي كتبت بالإنجليزية، والتي
    تناشد أو ربما تغازل عالم رالف لورين، وأحيانا تلبس ملابس شبيهة ولكن بنسخة صينية
    أرخص سعرا.
    دخول نصر الله إلى بيروت، هو دخول إلى عالم رالف لورين، لكنه دخول محكوم بالمعادلة
    اللبنانية الصارمة التي طرحها أستاذنا ألبرت حوراني في «أيديولوجية الجبل
    والمدينة»، لبنان تحكمه أيديولوجية المدينة لا عصبية الجبل
    الصراع في لبنان سواء كان بين الموارنة والسنة، أو الدروز والشيعة، هو صراع بين
    أرستقراطية المدينة التجارية وخصوصا بيروت، وبين أهل الجبل سواء كان هذا جبل لبنان
    في حالة الموارنة، أو جبل عامل في حالة الشيعة، ورغم أن حوراني لم يتعرض لموضوع
    الشيعة لأن مقاله كتب قبل ظهور حالة حزب الله إلا أن معادلته تنطبق عليه أيضا.
    الموضوع برمته، هو أن شوكة أهل الجبل بمفردها لا تستطيع السيطرة على بيروت، إلا من
    خلال تقاطع العلاقة المالية التي تربط زعماء الجبل بأهل المال السنة الحضر، حالة
    المال وحالة التسامح الطائفي تمثلت في الحريري، الذي أدرك معادلة لبنان وتعامل من
    خلالها، وهذا ما ينقص نصر الله.
    ومن هنا، تكون مشكلة نصر الله أقرب إلى مشكلة الموارنة في لبنان، كلاهما آت من خارج
    بيروت، يحاول أن يفرض هيمنته عليها في تحد واضح للمعادلة السياسية الحاكمة لهذا
    البلد، فحدود أيديولوجية نصر الله وفضائه الديني لا تسمح له باشتمال إلا من هم ضمن
    عقيدته، ولكن فضاء الموارنة اتسع ليشمل التحالف مع أصحاب المصالح، ولهم قدرة على
    التلاحم مع عالم رالف لورين.
    ضيق أفق نصر الله حاصره في حدود الفضاء الشيعي كارتباطه بإيران، أو بالعلويين في
    سورية، والعلاقة الشيعية العلوية فرضتها ظروف المرحلة وليس جوهر المذهب.
    النقطة الأساسية هي أن عالم نصر الله هو عالم دائرة دينية مغلقة، وما وسع دائرة نصر
    الله وحزبه في السابق، إلا إعجاب اللبنانين والعرب بقدرة حزب الله على طرد إسرائيل
    من الجنوب. ولكن عندما يحمى وطيس المعارك الطائفية، سيسمع نصر الله من أعدائه بأن
    نصر حزب الله على إسرائيل كان «كذبة إعلامية»، وأن الحقيقة هي أن إسرائيل انسحبت من
    جنوب لبنان من طرف واحد، كما ستفعل في غزة. ومن هنا تهتز هيبة نصر الله وهيبة حزب
    الله داخل الساحة اللبنانية وخارجها، فيتراجع عالمه إلى ذات الدائرة الدينية
    المغلقة.
    مظاهرة رالف لورين وجوتشي في ساحة الشهداء أرحب بكثير من مظاهرة نصر الله، فعالم
    رالف لورين لا يوجد في لبنان فقط، وإنما يوجد في سورية أيضا، فالذي يعرف العلاقة
    اللبنانية السورية بشكلها الحالي، يدرك أن اللبنانيين يذهبون إلى سوريا لأنها
    أسعارها زهيدة، كما أن السوريين يذهبون إلى لبنان للتبضع من عالم رالف لورين، ولو
    نظرنا إلى سكان سوريا اليوم، وعرفنا بأن 60% من الشعب السوري هم أقل من 23 سنة،
    لأدركنا أن 60% من السوريين يقفون خارج عالم نصر الله وخارج عالم البعث، وبذلك
    يكونون ضمن عالم رالف لورين. وهم عرب يحاولون إحياء العروبة، ولكن باحتضان الآخر
    دونما خوف، وتعكس ملابسهم هذه الرؤية، إذ كانوا يلبسون ملابس رالف لورين وكالفن
    كلاين وجوتشي، وفي ذات الوقت يهتفون بحياة الأسد.
    وبينما عالم نصر الله مؤيد بفتوى محلية، وبعض الصخب الإعلامي المحلي، فإن عالم رالف
    لورين مؤيد بالقرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، وليس بوسع الفتوى المحلية
    مجابهة فتوى مجلس الأمن التي تقضي بالانسحاب السوري، وكذلك تشليح حزب الله من
    أسلحته. ولا يستقيم للعقل أن يطالب العرب المؤيدون لعالم نصر الله ، بتطبيق قرارات
    مجلس الأمن في حالة فلسطين، وتجاهلها في حالة لبنان وحزب الله، أليس ذلك ما يتهمون
    به أميركا قائلين بالصوت العالي بازدواجية المعايير التي تكتب عنها الوزيرة بثينة
    شعبان بشكل يومي.
    فارق آخر بين العالمين، هو أن مظاهرة رالف لورين كانت عفوية وحقيقية مدفوعة بالحزن
    على وفاة الحريري، بينما كانت مظاهرة نصر الله تعبوية على غرار مظاهرات حزب البعث
    ومظاهرات الاتحاد الاشتراكي، بهدف تحويل الدفة إلى موضوع الصراع العربي الإسرائيلي،
    والمواجهة بين سوريا وإسرائيل. الرسالة الضمنية لمظاهرة نصرالله هي «انسوا
    الحريري». على السطح تبدو هذه وكأنها استراتيجية ناجحة، ولكن من الممكن أن يدفع حزب
    الله ثمنا غاليا لهذا الخطأ الاستراتيجي.
    ولتوضيح هذه النقطة، اضرب مثلا هنا بعدم رد إسرائيل على عملية تل أبيب الأخيرة.
    فرغم اتهام اسرائيل لجماعة الجهاد في سورية بالقيام بهذه العملية، إلا أنها فضلت
    عدم الرد، وذلك لأنها أرادت التركيز على جريمة قتل الحريري. فإذا ما تحول هذا الأمر
    من قبل حزب الله وسورية إلى قصة صراع عربي إسرائيلي، فلا يبقى لإسرائيل إلا أن
    تتعامل مع الأمر الواقع، وبذلك يكون رد إسرائيل على العملية ولو جاء متأخرا أمرا
    واردا.
    ومن هنا يتضح أن عالم نصر الله، رغم كل الحشود، محدود الخيارات مهما توهجت الشاشات
    أو سودت أعمدة الصحف لمناصرته. أما عالم رالف لورين، فهو موجود في لبنان وموجود في
    بقية العالم.
    فقط المسألة مسألة وقت قبل أن يبتلع عالم لورين عالم نصر الله، أو أن يبتلع عالم
    جوتشي دنيا الآخرين، فمجلس الأمن مع شابات وشباب لبنان وسوريا، وكذلك بقية شباب
    العالم العربي، أما الحركات الإسلامية، شيعية كانت أم سنية، فهي سجينة عالم نصر
    الله الضيق، معركة محلية، لا تستطيع الوقوف أمام طوفان لوران وطوفان العولمة.
    لبنان الآن متوتر بين الجبل والمدينة، وبين لورين ونصرالله، وكذلك العالم العربي
    متوتر بين جوتشي والآخرين، وظني أن المدينة ولوران سيتغلبان على الجبل ونصر الله،
    وما تلك بسنة السياسة في العالم العربي، وإنما سنة الحياة في القرن الحادي
    والعشرين.



    source: www.aawsat.com
    WINNERS MAKE THINGS HAPPEN
    LOSERS LET THINGS HAPPEN
Working...
X