إصلاح الأمم المتّحدة...محاولة فاشلة لإحياء الموتى
07-4-2005
"فالأمم المتحدة (واقعيا وليس نظريا) هي بمثابة أداة لمنع الفوضى، تتيح للولايات المتّحدة تحقيق أهدافها بأقل خسائر ممكنة وتمنع الدول الأقل قوّة من تجاوز القانون طالما أنّهم تحت سقفها وميثاقها، فبدون هذه المنظمات الدولية تتحرّر الدول التي ترى نفسها أنّها الوحيدة التي تلتزم بالقانون الدولي، بينما يتصرف الكبار دون حسيب ورقيب، وبالتالي يصبح بإمكان المقهورين والمظلومين التكتل ضد أمريكا أو غيرها بينما هم غير قادرين على فعل ذلك في ظل وجود فيتو ومشاريع قوانين تسلّط على رقابهم كالسيف دون أن يكون لديهم القدرة على فعل أي شيء."
بقلم علي حسين باكير
مخطئ جدا من يعتقد أنّ أمريكا تريد إلغاء الأمم المتّحدة والمنظمات الدولية، وهو ما ذهب إليه عدد كبير من المحللين والكتاب. فبقاء الأمم المتّحدة والمنظمات الدولية هو مصلحة أمريكية بالدرجة الأولى، طالما أن قوة أمريكا الكبيرة تخوّلها تجاوز هذه المنظمات متى تشاء والعودة إليها عندما تحتاجها.
فالأمم المتحدة (واقعيا وليس نظريا) هي بمثابة أداة لمنع الفوضى، تتيح للولايات المتّحدة تحقيق أهدافها بأقل خسائر ممكنة وتمنع الدول الأقل قوّة من تجاوز القانون طالما أنّهم تحت سقفها وميثاقها، فبدون هذه المنظمات الدولية تتحرّر الدول التي ترى نفسها أنّها الوحيدة التي تلتزم بالقانون الدولي، بينما يتصرف الكبار دون حسيب ورقيب، وبالتالي يصبح بإمكان المقهورين والمظلومين التكتل ضد أمريكا أو غيرها بينما هم غير قادرين على فعل ذلك في ظل وجود فيتو ومشاريع قوانين تسلّط على رقابهم كالسيف دون أن يكون لديهم القدرة على فعل أي شيء.
لندع الكلام النظري عن دور الأمم المتحدة في حفظ الأمن والسلم العالميين ومساعدة المساكين وعن دعم الدول الفقيرة والمحتاجة إلى تنمية، فالأموال التي تدفع لجيوش الموظفين لدى الأمم المتحدة وميزانيتها تكفي لفعل كل ذلك بل ويزيد عنها أيضا، فنحن نرى اليوم أن الأمم المتّحدة أصبحت بمثابة قسم في وزارة الخارجية الأمريكية بعد انهيار الاتّحاد السوفيتي، وهي تتحول حسب الحاجة في بعض الأحيان إلى قسم في وزارة الدفاع البنتاجون، والالتباس الحاصل لدى الجميع هو أنّ الولايات المتّحدة لا تريد هذه المؤسسات الدولية وتعمل على إلغائها لمجرد مقال أمريكي هنا أو دراسة أمريكية هناك أو تصريح لمسئول أمريكي هنا أو تجاوز لدور الأمم المتّحدة هناك، فهذه الأفعال كلّها تدخل في باب ابتزاز الأمم المتّحدة وأعضائها لتتلاءم أكثر مع تصرفات الولايات المتّحدة وليس لإلغائها (تم مؤخرا ترشيح اليميني المحافظ بول وولفوفيتز لمنصب رئيس البنك الدولي وترشيح جون بولتن سفيرا لأمريكا لدى الأمم المتحدة، مما يدل على سعي أمريكا للتغلغل في المؤسسات الدولية عبر متشدديها)، فهناك فرق بين الابتزاز والإلغاء، والفرق كبير.
فهل سأل أحدكم: هل عرقلت هذه المؤسسات الدولية مشاريع الولايات المتّحدة حتى تلغيها؟ أم أن الصحيح هو أن أمريكا نفّذت عقوباتها وحصارها للدول والشعوب واحتلتها ونهبت ثرواتها وحضارتها وآثارها وعلمائها تحت غطائها الذي أمّن الشرعية لها؟!! فالتطبيق الجزئي للقانون (كما تقوم به الأمم المتحدة) أخطر وأسوء بكثير من عدم تطبيق القانون، ففي الأخير يستطيع الضعفاء أقلّه الاتحاد لمواجهة الأخطار امّ في ظل التطبيق الجزئي لا يستطيع الضعيف فعل شيء.
على العموم، كشفت الأمم المتحدة منذ مدة عن جملة اقتراحات طموحة لإصلاح أجهزة المنظمة ومن بينها مجلس الأمن الدولي في أكبر عملية من نوعها منذ إنشاء المنظمة الدولية عام 1945، وبعد انقسامات مريرة بسبب الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق، إذ طلب الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان لجنة من الخبراء بإجراء دراسة على مدى عام لتقديم اقتراحات لجعل المنظمة الدولية قادرة على مواجهة التحديات العالمية الجديدة في القرن الحادي والعشرين.
وتنص مقترحات "لجنة الحكماء" المتعلقة بعملية إصلاح واسعة للأمم المتحدة على إعادة بناء مجلس الأمن الدولي ليضم 24 عضوا مقابل 15 حاليا ومراجعة معايير قبول البلدان فيه، وأوصت اللجنة بنموذجين ممكنين لتوزيع المقاعد دون إدخال أي تغيير على حق النقض (الفيتو) الذي سيبقى امتيازا للدول الخمس دائمة العضوية فيه أي الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا، ويعتمد النموذجان على توزيع جديد للدول الـ 191 الأعضاء في المنظمة الدولية في أربع مجموعات جغرافية هي أوروبا بما فيها شرقها، وأفريقيا، وآسيا بما في ذلك استراليا ونيوزيلندا، والأمريكيتان الجنوبية والشمالية بما فيها الولايات المتحدة وكندا، وتضم الأمم المتحدة حاليا خمس مجموعات جغرافية، وتنتمي الولايات المتحدة وكندا واستراليا ونيوزيلندا إلى المجموعة "الغربية" مع دول أوروبا الغربية، بينما تشكل بلدان الكتلة الشرقية السابقة مجموعة منفصلة.
وينص النموذجان المقترحان على أن تمثل كل مجموعة بستة مندوبين في المجلس أي ما مجموعه 24 عضوا، وينص النموذج الأول على انضمام ستة أعضاء جدد دائمين وثلاثة غير دائمين، وبذلك يصبح مجلس الأمن مؤلفا من إحدى عشرة دولة دائمة العضوية و13 غير دائمة، إلا أن الدول الست دائمة العضوية الجديدة لن تمنح حق النقض.
أما النموذج الثاني فيقترح الإبقاء على عدد الدول دائمة العضوية على حاله، أي خمسة بلدان وإدخال تسع دول جديدة غير دائمة العضوية إلى المجلس الذي يضم حاليا عشر دول غير دائمة العضوية، لكن ثماني من الدول التسع الجديدة (دولتان عن كل مجموعة جغرافية) ستمنح وضعا مميزا بما أنها ستنتخب لأربع سنوات إلى جانب إمكانية إعادة انتخابه فور انتهاء الأعوام الأربعة، وحاليا ينتخب الأعضاء العشرة غير الدائمين داخل مجموعاتهم الجغرافية لسنتين غير قابلتين للتجديد. ويتطلب إقرار الإصلاحات الكبرى تصويت أكثر من ثلثي أعضاء المنظمة (191 عضوا) إضافة إلى أصوات أعضاء مجلس الأمن الدائمين الخمسة (الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا) وتصديق البرلمانات الوطنية.
هذا وتثار الشكوك حول مدى جدّية الدول الكبرى في الموافقة على الإصلاحات المقترحة للأمم المتّحدة ومجلس الأمن، خاصة أن واشنطن على سبيل المثال تمول لوحدها 22% من الموازنة العامة للأمم المتحدة و27% من مهمات حفظ السلام، وهي التي طالما شلّت حركة الأمم المتحدة نحو السلام الحقيقي، فيما أعربت ألمانيا والهند واليابان والبرازيل (وهي دول تسعى للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن) في بيانات صدرت عنها دعمها الكامل لتقرير الأمين العام حول الإصلاحات في الأمم المتّحدة، فيما اتّفق العرب في القمّة الأخيرة على ترشيح مصر لمقعد في مجلس الأمن في حال تم توسيعه، ليبقى السؤال الأهم هل سيتم إصلاح الأمم المتّحدة حقيقة أم أنها ستكون مجرد محاولة فاشلة لإحياء الموتى؟!