وثيقة مركز الكاثوليكية في العالم «من أجل حوار بين المسيحيين والمسلمين»
مطيع النونو الحياة 2005/04/4
نشطت في السنوات الأخيرة هيئات الحوار الاسلامي - المسيحي، ولقيت تشجيعاً من جهات عدة بينها الفاتيكان في عهد البابا يوحنا بولس الثاني الذي توفي مساء أول من أمس.
لكن الخطوة الأساسية الأولى في هذا الحوار جرت بين المملكة العربية السعودية والفاتيكان في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز والبابا بولس السادس، ومن ابرز ثمار الحوار صدور وثيقة عن الفاتيكان عام 1965 في عنوان «توجهات من أجل حوار بين المسيحيين والمسلمين». واستمرت السعودية في مواقفها التسامحية تجاه الأديان الكتابية، خصوصاً المسيحية، في العهود اللاحقة لوفاة الملك فيصل والى الآن.
تنشر «الحياة» في ما يأتي الوثيقة التي أصدرها الفاتيكان، ووجوهاً من الحوار الاسلامي - المسيحي الذي اعتمدته السعودية منذ أوائل الستينات.
صدرت وثيقة الفاتيكان العام 1965 في عنوان «توجهات من أجل حوار بين المسيحيين والمسلمين» وبتوقيع «أمانة السر لغير المسيحيين»، وطبعت مرات عدة، والمقاطع التي نوردها في ما يلي مترجمة عن الطبعة الثالثة الصادرة في روما عام 1970. ومما جاء في التقديم: «نتوجه إلى مسيحيين، وخاصة إلى مسيحيين يلتقون مسلمين ويرغبون في العيش في حوار مفتوح معهم. يفرض هذا التصميم الأساسي على الحوار نوعية معينة وهو سوف يوجه أفكارنا وفقاً لآفاق خاصة، ترتكز بشكل رئيسي على وجهات النظر الثقافية واللاهوتية للمسيحيين في مقابل الديانات الأخرى».
ومما جاء في الفصل الأول:
«الإسلام ينبغي أن يظهر لنا كديانة تحمل قيماً تعد من بين القيم الأكثر سمواً واحتراماً: عبادة الله، تمجيد عظمته، الخضوع لمشيئته. يكفي هنا الرجوع مرة أخرى إلى النص المجمعي حول الديانات غير المسيحية. فقد أعلن المجمع الفاتيكاني الثاني: «لا ترفض الكنيسية الكاثوليكية شيئاً مما هو صحيح وجميل في الديانات. إنها تنظر ملياً باحترام صادق إلى سلوكيات وأنماط الحياة والقواعد والعقائد التي، وإن كانت تختلف بكثير من النقاط عما تعتقد به هي نفسها وتقترحه، فإنها تقدم مع ذلك في أغلب الأحيان شعاعاً من الحقيقة ينير كل البشر» (Nostra Aetate).
إن موقف الاحترام هذا لا يجب أن يكون مرتكزاً على الانتهازية ولا حتى على الصداقة التي يمكن أن تربطنا بهذا أو ذاك، إنما على كون الإسلام وسيلة تساعد الناس على التقرب من الله، بشكل حسي وفي وضع معين.
يجب علينا أن نحترم إيمان الأشخاص الذين يعتبرون أنه لا يوجد لديهم سبل أخرى غيره للتوجه نحو الله. بالنسبة للمسيحي، ليس للديانات قيمة دينية إلا إذا تحركت نحو تحقيق تدبير الله في الإنسانية. إن هذا النزوع نحو الكمال هو الذي يجب أن نستشعره ونحس به في الإسلام غير المؤمنين به، إذا أردنا إجراء حوار مع المسلمين ضمن احترام إيمانهم، بدون أفكار مبطنة. ينبغي أن تندرج شهادتنا ضمن هذا النزوع. يجب أن يكون فرضاً كبيراً عندما نراهم يبحثون عن الله بكل صدق وأصالة، لأنه سيكون بمستطاعنا عندئذ السير معهم ومشاركتهم في التماس الحقيقة.
إننا ننضم معاً، هم ونحن، في الديناميكية الروحية التي ستحملنا، من خلال وجودنا نحو الله. ولا شك بأن هذا الموقف الصريح في الحوار لن يلغي أبداً نقاط سوء الفهم - يوجد حمل كبير من الديون يثقل على العلاقات بين المسيحيين والمسلمين، لن يصغر إلا مع الوقت ومع شهادات تعاطف مترفع من قبل المسيحيين. غير أن الحوار الديني أو الروحي سوف يبقى بالرغم من كل شيء مغامرة دائمة يحذر منها غالباً، من الجهة المسيحية كما من الجهة المسلمة. لا يمكن الإقبال على هذه المغامرة فعلاً بشكل مثمر إلا للذين يحترمون بصدق تام، الحرية الشخصية للآخرين ولكن أيضاً تجاه ذواتهم وتجاه الله. هذا هو شرط من أهم الشروط للقاء المسلم على المستوى الروحي.
إن الحوار هو تقشف صعب. إنه ينقينا حتى في عمق نوايانا. انه معركة تجري أولاً ضد أنفسنا، ضد سوء الفهم الذاتي وضد أحكامنا المسبقة الخاصة.
يتبع
مطيع النونو الحياة 2005/04/4
نشطت في السنوات الأخيرة هيئات الحوار الاسلامي - المسيحي، ولقيت تشجيعاً من جهات عدة بينها الفاتيكان في عهد البابا يوحنا بولس الثاني الذي توفي مساء أول من أمس.
لكن الخطوة الأساسية الأولى في هذا الحوار جرت بين المملكة العربية السعودية والفاتيكان في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز والبابا بولس السادس، ومن ابرز ثمار الحوار صدور وثيقة عن الفاتيكان عام 1965 في عنوان «توجهات من أجل حوار بين المسيحيين والمسلمين». واستمرت السعودية في مواقفها التسامحية تجاه الأديان الكتابية، خصوصاً المسيحية، في العهود اللاحقة لوفاة الملك فيصل والى الآن.
تنشر «الحياة» في ما يأتي الوثيقة التي أصدرها الفاتيكان، ووجوهاً من الحوار الاسلامي - المسيحي الذي اعتمدته السعودية منذ أوائل الستينات.
صدرت وثيقة الفاتيكان العام 1965 في عنوان «توجهات من أجل حوار بين المسيحيين والمسلمين» وبتوقيع «أمانة السر لغير المسيحيين»، وطبعت مرات عدة، والمقاطع التي نوردها في ما يلي مترجمة عن الطبعة الثالثة الصادرة في روما عام 1970. ومما جاء في التقديم: «نتوجه إلى مسيحيين، وخاصة إلى مسيحيين يلتقون مسلمين ويرغبون في العيش في حوار مفتوح معهم. يفرض هذا التصميم الأساسي على الحوار نوعية معينة وهو سوف يوجه أفكارنا وفقاً لآفاق خاصة، ترتكز بشكل رئيسي على وجهات النظر الثقافية واللاهوتية للمسيحيين في مقابل الديانات الأخرى».
ومما جاء في الفصل الأول:
«الإسلام ينبغي أن يظهر لنا كديانة تحمل قيماً تعد من بين القيم الأكثر سمواً واحتراماً: عبادة الله، تمجيد عظمته، الخضوع لمشيئته. يكفي هنا الرجوع مرة أخرى إلى النص المجمعي حول الديانات غير المسيحية. فقد أعلن المجمع الفاتيكاني الثاني: «لا ترفض الكنيسية الكاثوليكية شيئاً مما هو صحيح وجميل في الديانات. إنها تنظر ملياً باحترام صادق إلى سلوكيات وأنماط الحياة والقواعد والعقائد التي، وإن كانت تختلف بكثير من النقاط عما تعتقد به هي نفسها وتقترحه، فإنها تقدم مع ذلك في أغلب الأحيان شعاعاً من الحقيقة ينير كل البشر» (Nostra Aetate).
إن موقف الاحترام هذا لا يجب أن يكون مرتكزاً على الانتهازية ولا حتى على الصداقة التي يمكن أن تربطنا بهذا أو ذاك، إنما على كون الإسلام وسيلة تساعد الناس على التقرب من الله، بشكل حسي وفي وضع معين.
يجب علينا أن نحترم إيمان الأشخاص الذين يعتبرون أنه لا يوجد لديهم سبل أخرى غيره للتوجه نحو الله. بالنسبة للمسيحي، ليس للديانات قيمة دينية إلا إذا تحركت نحو تحقيق تدبير الله في الإنسانية. إن هذا النزوع نحو الكمال هو الذي يجب أن نستشعره ونحس به في الإسلام غير المؤمنين به، إذا أردنا إجراء حوار مع المسلمين ضمن احترام إيمانهم، بدون أفكار مبطنة. ينبغي أن تندرج شهادتنا ضمن هذا النزوع. يجب أن يكون فرضاً كبيراً عندما نراهم يبحثون عن الله بكل صدق وأصالة، لأنه سيكون بمستطاعنا عندئذ السير معهم ومشاركتهم في التماس الحقيقة.
إننا ننضم معاً، هم ونحن، في الديناميكية الروحية التي ستحملنا، من خلال وجودنا نحو الله. ولا شك بأن هذا الموقف الصريح في الحوار لن يلغي أبداً نقاط سوء الفهم - يوجد حمل كبير من الديون يثقل على العلاقات بين المسيحيين والمسلمين، لن يصغر إلا مع الوقت ومع شهادات تعاطف مترفع من قبل المسيحيين. غير أن الحوار الديني أو الروحي سوف يبقى بالرغم من كل شيء مغامرة دائمة يحذر منها غالباً، من الجهة المسيحية كما من الجهة المسلمة. لا يمكن الإقبال على هذه المغامرة فعلاً بشكل مثمر إلا للذين يحترمون بصدق تام، الحرية الشخصية للآخرين ولكن أيضاً تجاه ذواتهم وتجاه الله. هذا هو شرط من أهم الشروط للقاء المسلم على المستوى الروحي.
إن الحوار هو تقشف صعب. إنه ينقينا حتى في عمق نوايانا. انه معركة تجري أولاً ضد أنفسنا، ضد سوء الفهم الذاتي وضد أحكامنا المسبقة الخاصة.
يتبع
Comment