محمد عبد المطلب الهوني
عندما استولى صدّام حسين على الحكم في العراق، وانتهى من تصفية كوادر الحزب التي يخشى منها عدم الامتثال، وكأيّ دكتاتور يريد أن يبقي بصماته على العالم، قرّر الدّخول في معركة مع جارته إيران، التي أنجزت للتّوّ ثورتها الإسلاميّة بقيادة الملالي، وأن يستبق بالحرب الشّاملة عليها تصدير هذه الثّورة إلى بلده. وفي هذه الحرب التي أنجز فيها شيئا من النّصر، أحسّ بأنّه إله العرب وليس مجرّد زعيم عربيّ عاديّ. ولم يكن صدّام يأبه بالخسائر البشريّة والمادّيّة التي تكبّدها العراق، ولم يكن يعبأ بتنمية البلاد ومحاولة النّهوض بها بعد تلك الحرب الضّروس، التي تشبه إلى حدّ كبير القتل بموسى غير مشحوذة كما يفعل اليوم خليفته الزّرقاويّ، لأنّ الحرب بين دول متخلّفة غالبا ما تكون قاسية وطويلة وتكون تكلفتها باهظة لكلّ الأطراف.
ما إن وضعت هذه الحرب أوزارها حتّى غامر صدّام بحرب أخرى، هي احتلال دولة عربيّة إسلاميّة مستقلّة، هي دولة الكويت. وكان اجتياح هذا البلد الصّغير المسالم قد قسّم الشّعوب العربيّة إلى قسمين كبيرين: قسم الفقراء الذين أيّدوا هذا الاحتلال، لاعتقادهم بأنّه سيمكّن من إعادة توزيع ثورة العرب، وقسم الأغنياء الذين رأوا فيه تهديدا حقيقيّا لأوطانهم الصّغيرة، في صورة ما إذا نجحت المغامرة. أمّا المثقّفون والمحلّلون العرب، فهناك منهم من ظلّ يحلم بغاريبالدي عربيّ يوحّد العرب بالقوّة، متوهّما أنّ هذا البطل القوميّ متجسّد في صدّام، وهناك منهم عقلاء رأوا أنّ صدّام ليس إلاّ دكتاتورا أرعن سيجرّ المنطقة إلى كارثة لا يعلم أحد مآلها، وهناك منهم عدميّون رأوا أنّ دفع الأمور إلى حافّة الكارثة هو سبيل الخلاص من المشاكل المزمنة، وكان هذا موقف بعض الفلسطينيّين بقيادة السّيّد عرفات.
وفي النّهاية، تمّ على عجل تشكيل تحالف دوليّ بقيادة الولايات المتّحدة الأمريكيّة، وتمّ طرد الاحتلال وتحرير الكويت، وبدأت انتفاضة الجنوب العراقيّ وتمّ قمعها بتواطؤ من الغرب، نتيجة لحسابات خاطئة، وتقارير أثبتت جهلها بطبيعة المنطقة. وفي كلّ ذلك دفع الشّعب العراقيّ الثّمن من أبنائه وأمواله.
وتغيّرت أوضاع شعب العراق من شعب غنيّ واعد إلى شعب يموت من الجوع والتّلوّث والأمراض.وبدأ الحصار من قبل الولايات المتّحدة بغية إسقاط النّظام عن طريق الجيش العراقيّ، ولكنّ هذا الحصار لم يزد الشّعب إلاّ أغلالا على أغلاله ولم يزده إلاّ عسفا واضطهادا يفوقان ما ذاقه من عسف واضطهاد في الحقبات التّاريخيّة المنصرمة. أصبح العراق يتبدّل كلّ يوم من السّيّئ إلى الأسوأ، وبقي صدّام حسين الثّابت الوحيد والجالس على عرش من الجماجم.
وفي أثناء حربه على إيران، استغلّ صدّام كلّ الطّاقات الممكنة، بما في ذلك المساعدات التي كان يحصل عليها من دول الخليج لتطوير أسلحة الدّمار الشّامل.
وعندما استيقظ ضميره وقرّر أن لا يجرّب مفعول هذه الأسلحة على الحيوانات، اهتدى عقله المريض إلى تجربتها على جزء من شعبه كما في حلبجة على سبيل المثال.
وجاءت أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتّحدة، وقرّرت الولايات المتّحدة تصفية الحساب النّهائيّ مع صدّام. لماذا؟ لأنّ صدّام رجل غير مأمون الجانب، وحتّى إن لم يوجد لديه الآن سلاح دمار شامل، فإنّه يملك تقنية صنعه، بما أنّه قد حصل عليها واستعملها فيما سبق. فالحاكم الذي يستعمل هذا السّلاح ضدّ شعبه لن يتورّع عن استعماله ضدّ من يعتبرهم أعداء له، ويمكن أن يمدّ به العصابات الإرهابيّة فتستعمله ضدّ أهداف غربيّة. لذلك قرّرت الولايات المتّحدة إزاحته عن الحكم، ودخلت جيوشها إلى بغداد بعد ثلاثة أسابيع فقط من بداية المعارك وكانت حربا خاطفة قلّ مثيلها في التّاريخ. فهل ما حدث في العراق هو تحرير أم احتلال؟
الأجوبة عن هذا السّؤال اليوم مختلفة. فإن السّواد الأعظم من العرب يعتبرها احتلالا، وقليل منهم مع أعظم الشّعب العراقيّ يعتبرها تحريرا. ولا شكّ أنّ الجواب الشّافي سوف يكون فيما تتمخّض عنه السّنوات القادمة. غير أنّ ذلك لا يمنعنا من استشفاف الجواب الأرجح من خلال التّحليل الموضوعيّ البعيد عن الإيديولوجيّات.
1/ يجب أن نرى العالم اليوم بعيدا عن معاهدة فاستيفاليا القديمة والفكرة التي تستند إليها عن السّيادة، لأنّ العالم اليوم أصبح قرية كونيّة، ولا يمكن أن نطبّق على هذا العالم الصّغير نظريّات ذلك العالم المتباعد القديمة.
يتبع
ما إن وضعت هذه الحرب أوزارها حتّى غامر صدّام بحرب أخرى، هي احتلال دولة عربيّة إسلاميّة مستقلّة، هي دولة الكويت. وكان اجتياح هذا البلد الصّغير المسالم قد قسّم الشّعوب العربيّة إلى قسمين كبيرين: قسم الفقراء الذين أيّدوا هذا الاحتلال، لاعتقادهم بأنّه سيمكّن من إعادة توزيع ثورة العرب، وقسم الأغنياء الذين رأوا فيه تهديدا حقيقيّا لأوطانهم الصّغيرة، في صورة ما إذا نجحت المغامرة. أمّا المثقّفون والمحلّلون العرب، فهناك منهم من ظلّ يحلم بغاريبالدي عربيّ يوحّد العرب بالقوّة، متوهّما أنّ هذا البطل القوميّ متجسّد في صدّام، وهناك منهم عقلاء رأوا أنّ صدّام ليس إلاّ دكتاتورا أرعن سيجرّ المنطقة إلى كارثة لا يعلم أحد مآلها، وهناك منهم عدميّون رأوا أنّ دفع الأمور إلى حافّة الكارثة هو سبيل الخلاص من المشاكل المزمنة، وكان هذا موقف بعض الفلسطينيّين بقيادة السّيّد عرفات.
وفي النّهاية، تمّ على عجل تشكيل تحالف دوليّ بقيادة الولايات المتّحدة الأمريكيّة، وتمّ طرد الاحتلال وتحرير الكويت، وبدأت انتفاضة الجنوب العراقيّ وتمّ قمعها بتواطؤ من الغرب، نتيجة لحسابات خاطئة، وتقارير أثبتت جهلها بطبيعة المنطقة. وفي كلّ ذلك دفع الشّعب العراقيّ الثّمن من أبنائه وأمواله.
وتغيّرت أوضاع شعب العراق من شعب غنيّ واعد إلى شعب يموت من الجوع والتّلوّث والأمراض.وبدأ الحصار من قبل الولايات المتّحدة بغية إسقاط النّظام عن طريق الجيش العراقيّ، ولكنّ هذا الحصار لم يزد الشّعب إلاّ أغلالا على أغلاله ولم يزده إلاّ عسفا واضطهادا يفوقان ما ذاقه من عسف واضطهاد في الحقبات التّاريخيّة المنصرمة. أصبح العراق يتبدّل كلّ يوم من السّيّئ إلى الأسوأ، وبقي صدّام حسين الثّابت الوحيد والجالس على عرش من الجماجم.
وفي أثناء حربه على إيران، استغلّ صدّام كلّ الطّاقات الممكنة، بما في ذلك المساعدات التي كان يحصل عليها من دول الخليج لتطوير أسلحة الدّمار الشّامل.
وعندما استيقظ ضميره وقرّر أن لا يجرّب مفعول هذه الأسلحة على الحيوانات، اهتدى عقله المريض إلى تجربتها على جزء من شعبه كما في حلبجة على سبيل المثال.
وجاءت أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتّحدة، وقرّرت الولايات المتّحدة تصفية الحساب النّهائيّ مع صدّام. لماذا؟ لأنّ صدّام رجل غير مأمون الجانب، وحتّى إن لم يوجد لديه الآن سلاح دمار شامل، فإنّه يملك تقنية صنعه، بما أنّه قد حصل عليها واستعملها فيما سبق. فالحاكم الذي يستعمل هذا السّلاح ضدّ شعبه لن يتورّع عن استعماله ضدّ من يعتبرهم أعداء له، ويمكن أن يمدّ به العصابات الإرهابيّة فتستعمله ضدّ أهداف غربيّة. لذلك قرّرت الولايات المتّحدة إزاحته عن الحكم، ودخلت جيوشها إلى بغداد بعد ثلاثة أسابيع فقط من بداية المعارك وكانت حربا خاطفة قلّ مثيلها في التّاريخ. فهل ما حدث في العراق هو تحرير أم احتلال؟
الأجوبة عن هذا السّؤال اليوم مختلفة. فإن السّواد الأعظم من العرب يعتبرها احتلالا، وقليل منهم مع أعظم الشّعب العراقيّ يعتبرها تحريرا. ولا شكّ أنّ الجواب الشّافي سوف يكون فيما تتمخّض عنه السّنوات القادمة. غير أنّ ذلك لا يمنعنا من استشفاف الجواب الأرجح من خلال التّحليل الموضوعيّ البعيد عن الإيديولوجيّات.
1/ يجب أن نرى العالم اليوم بعيدا عن معاهدة فاستيفاليا القديمة والفكرة التي تستند إليها عن السّيادة، لأنّ العالم اليوم أصبح قرية كونيّة، ولا يمكن أن نطبّق على هذا العالم الصّغير نظريّات ذلك العالم المتباعد القديمة.
يتبع
Comment