لماذا يقل عدد النساء في مراكز القرار؟


لغة الأرقام لا تعرف الكذب أو المبالغة ولذلك فهي أفضل مدخل لموضوع يتسم بالتشعب والتعقيد حيث تشير الإحصاءات تبعا لمصادر اتحاد البرلمانات الدولي إلى أن نسبة النساء في مقاعد البرلمان في تونس 5.11% وسوريا 4.10% والسودان 7.9% والعراق 6.7% بينما لا تتعدى في مصر نسبة 4.2% ولبنان 3.2% والأردن 3.1% والمغرب 6.0% وبينما لم تحصل بعد المرأة في السعودية والكويت والإمارات وقطر على حقوقها السياسية بالكامل نجد في البحرين أنه لم تفز ولا مرشحة في الانتخابات الماضية ودخلت أربع سيدات إلى مجلس الشورى بالتعيين. وفي الكويت ما زالت المعارك مشتعلة حول حصول المرأة على حقها السياسي، فمع الطلب الذي تقدمت به الحكومة لمجلس الأمة بعقد جلسة خاصة عاجلة لمناقشة الحقوق السياسية للمرأة خرجت النساء في تجمعات يطالبن بحقوقهن ويعلن ضرورة تصحيح الوضع ليصبح البرلمان بحق مجلساً لكل الأمة وليس لنصفها فقط.. تحقيقا للدستور الذي ينص على مساواة المرأة والرجل في كل الحقوق والواجبات.
صورة قاتمة
الصورة العامة كما أوضحت الأرقام قاتمة ولكنها تزداد قتامة إذا قربنا العدسة لنلقي نظرة على كل دولة على حدة.
في بيروت ذكر الباحث اللبناني خليل الصغير في دراسة أعدها عن المرأة ودورها في السياسة اللبنانية أنه وعلى الرغم من أن لبنان كان أول بلد عربي يعطي المرأة حق الترشيح والتصويت عام 1952 إلا أن الأمر توقف عند هذا الحد ولم تستطع المرأة اللبنانية إلا في حالات نادرة وكوريثة لزوج أو أب أو أخ أن تجد لها موقعا في نادي السياسة اللبنانية ودون أن تستطيع بناء شخصية سياسية أو قيادية مستقلة.
ويكفي النظر إلى مجموع النساء اللبنانيات العاملات في الحقل السياسي أو الحقول العامة الأخرى لندرك مدى الهوة بين الصورة النمطية المنتشرة عن تحرر اللبنانية من التقاليد الذكورية المتسلطة وقدرتها على أن تكون فردا منتجا ذا شخصية مستقلة.
الوضع ليس أفضل كثيرا في باقي الدول العربية كما وضحت الأرقام رغم تبني عدد من الدول لنظام الحصص "الكوتة".
ففي مصر قالت السفيرة سميحة أبو ستيت مستشارة المجلس القومي للمرأة ان نسبة المشاركات في مجلس الشعب 4.2% وفي مجلس الشورى 7.5% وهي نسبة ضئيلة للغاية.. وما زالت مشاركة المرأة السياسية تحتاج إلى عمل جاد، ولذا فإن أحد اهتمامات المجلس هو تأهيل المرأة لخوض المعترك السياسي. فهل يحل نظام الحصص المشكلة ولو مؤقتا؟
المرأة عدو المرأة
تقول الدكتورة فاطمة خفاجي عضو المجلس القومي للمرأة في مصر.. ان هذا النظام ليس معمولا به في الدول العربية فقط وإنما هناك 77 دولة في العالم تأخذ بنظام الحصص للمرأة من خلال أشكال مختلفة من التطبيق منها ما ينص عليه في دستور الدولة ومنها ما ينص عليه في لوائح الوزارات.. وهناك النسبة التطوعية التي تتبناها بعض الأحزاب السياسية عند ترشيح النساء في قوائم الانتخابات. لكن هذه النسبة لا تكفي لضمان حق النساء في المناصب العليا.. ففي المغرب طلبت المنظمات الأهلية تخصيص نسبة من قوائم الترشيح للمرأة فرفض مجلس الشعب.. فعملت المنظمات على إقناع الأحزاب بإدراج المرأة ضمن قوائمها بنسبة معينة في وثيقة شرف.. ونجح الأمر بدخول 35 سيدة للبرلمان لأول مرة.. لكن تراجعت النسبة في انتخابات المحليات التالية مما يجعل هناك حاجة لقانون يثبت حق النساء في مقاعد محددة ولتكن 25% من المقاعد لأن المرأة لا تستطيع التنافس في المعركة الانتخابية مع الرجل كما أثبتت التجارب بالإضافة إلى أن المرأة نفسها لا تثق بالمرأة ولا تشجعها.
فهل هذا صحيح؟
تجربة الانتخابات في البحرين والتي لم تفز فيها ولا واحدة من المرشحات الثماني تثبت هذه الحقيقة.
الدكتورة فخرية الديري واحدة من ست بحرانيات دخلن مجلس الشورى بالتعيين تقول: "لم يفزن ربما لأنها كانت التجربة الأولى ولم يكن الناخبون على ثقة من أن المرأة ستكون على قدر المسؤولية. والسبب الثاني في اعتقادي هو أن المرأة لم تعط صوتها للمرشحات.. فعدد النساء في البحرين يصل إلى أكثر من نصف تعداد السكان.. ولو أعطين أصواتهن للمرشحات لفزن بالتأكيد. وهناك سبب ثالث وهو أن النساء لم يكن مستعدات، فلم تكن هناك آلية تحضرهن قبل ترشيحهن".
ومن الأردن تؤيدها سناء المصري رئيسة إحدى الجمعيات الخيرية قائلة: "المرأة نفسها عدو المرأة وهى السبب وراء عدم فوز المرشحات في الانتخابات".
إلا أن سناء ترفض تعميم مقولة أن المرأة توضع في المراكز السياسية أو القيادية كمجرد ديكور، ففي بعض الدول العربية يصدق هذا القول وفي البعض الآخر يتم ذلك بناء على إيمان فعلي بأهمية المرأة وقدرتها وفعاليتها.
وتوافقها على هذا الرأي النائبة الأردنية حياة المسيمي التي تعتقد أن البيئة العربية وراء عدم إعطاء المرأة فرصتها.. وتؤكد أن هناك بعض الدول تحدد نسبة من المقاعد في مجالس الشعب للنساء خضوعا أو استجابة للضغوط الدولية.
مرحلة ضرورية
وتؤكد الوزيرة المغربية نزهة الشقروني أن نظام الحصص يعتبر مرحلة ضرورية في إصلاح أوضاع المشاركة النسائية في الحقل السياسي الوطني لأنه يعتبر آلية وليس هدفا في حد ذاته ومن خلاله نسعى إلى التطوير التدريجي لمساهمة النساء على كافة مستويات مراكز القرار الإداري والسياسي.
الدكتورة نجوى كامل مديرة مركز أبحاث المرأة بكلية الإعلام جامعة القاهرة تتفق مع هذا الرأي وتناقشه قائلة: "قد يحدث في بداية تطبيق قانون تخصيص مقاعد للنساء أن تصل للمقعد من لا تستحقه ولكن هذا لا يجعلنا نتراجع عن المطالبة بتلك النسبة لأن مشاركة من ليست على الكفاءة المطلوبة يمكن أن يجعلها تتدرب على هذه المناصب التي ظلت بعيدة عنها مما يكسبها قدرا كبيرا من المهارات المطلوبة.
وتدلل الدكتورة نجوى على أهمية تخصيص مقاعد للنساء بقولها: "في الفترة من 1979 وحتى 1987 كانت الحصة المقررة للمرأة في مصر 30 مقعدا من مجمل 444 مقعدا بالإضافة إلى فتح الباب للمشاركة أيضا في المقاعد الباقية من خلال الانتخابات.. ولهذا وصلت 38 سيدة إلى مقاعد البرلمان خلال العمل بنظام الحصة.. ولكن فور التراجع عن الأخذ بهذا النظام لم يتعد عدد اللائي استطعن دخول المجلس في الدورة التالية 18 سيدة ووصلن في آخر دورة سنة 2000 إلى 11 سيدة فقط من بينهن 6 بالتعيين المباشر من رئيس الجمهورية.
رغبة صادقة
وعلى الرغم من أن السعودية تعد من البلدان التي لم تهيئ بعد مقاعد للمرأة في البرلمانات للمشاركة المحلية أو الدولية إلا أن الدكتورة لبنى الأنصاري عضوة اللجنة التنفيذية لحقوق الإنسان والأستاذة المشاركة في كلية الطب بجامعة الملك سعود بالرياض. من رأيها أن تحديد نسبة من المقاعد للنساء هو إيمان حقيقي بأهمية دور المرأة ورغبة صادقة في أن تتم مشاركتها في العمل السياسي بتأن وعلى نحو تدريجي مقبول لدى المجتمع.
وأضافت: "هناك من يرى أن تحجيم دورها بمقاعد محدودة هو إهانة لها لأنه تمثيل غير كاف لا يعبر عن وزنها وثقلها في المجتمع ولكني أنظر إلى إيجابيات هذا الوضع.. وأرى أنها خطوة مرحلية جيدة لتدريب المجتمع ككل، نسائه ورجاله على أن وجود المرأة في الحياة السياسية التشريعية والتنفيذية أمر طبيعي وضروري.. وعندما يقتنع المجتمع بذلك ويتجاوز المعوقات النفسية والاجتماعية التي تحول دون تقبل المرأة في المجال السياسي سيرشحها وينتخبها تلقائيا وبالتالي تنتفي الحاجة إلى هذه الخطوة المؤقتة".
شعور بالتفاؤل
وللباحثة السياسية والكاتبة السعودية الدكتورة وفاء عبد الله الرشيد من المنطقة الشرقية بالخبر رأي آخر تشرحه قائلة: "إذا أردنا تناول الموضوع من الناحية التاريخية فالسبب في ندرة النساء في الساحة السياسية يعود إلى دخولها مجال التعليم متأخرة عن الرجل.. وإن كان الحديث يدور عن المرأة السعودية فليس لدينا برلمان ومجلس الشورى لا يسمح فيه بمقعد للمرأة وإن كان يحرص على استشارة النساء خارجه في كل الأمور".
وترى الرشيد أنه رغم نجاح المرأة في عدد من البلاد العربية في الوصول إلى مقاعد الوزارة ومراكز القرار العليا ومقاعد البرلمانات إلا أنهن يواجهن معوقات كثيرة تمنع ظهور ثقلهن الاجتماعي.. ويزداد الموقف صعوبة عندما نأخذ في الحسبان الموروثات الاجتماعية التي لا تساندها.
الدكتورة السعودية رغم ما قالته تشعر بالتفاؤل الذي يظهر في كلماتها وهي تقول: "نحن في السعودية لم نخض التجربة بعد وإن خضناها وفشلنا في أول مرة فليست تلك مشكلة خاصة وتوجد بالفعل نماذج مشرفة في عدد من البلدان".
ومن رأي الدكتورة وفاء أن ارتفاع نسبة سقوط المرشحات من النساء لا يقتصر على وطننا العربي بل يحدث ذلك في العالم كله "لأن المواقع السياسية كانت في وقت من الأوقات حكرا على الرجال مثلها مثل غيرها في الكثير من المهن.. ولكنني متأكدة أنه مع الوقت سيتغير هذا الوضع.
نتائج مخجلة
الجميع يؤكد ضرورة نظام الكوتة.. والنظام موجود فعلا في عدد من الدول.. فهل كانت نتائجه إيجابية؟ ولماذا تحتاج له المرأة أصلا؟ هل هذا لنقص في قدراتها؟ أم لضعف في اتقان فنون اللعبة السياسية؟
الوزيرة المغربية نزهة الشقروني ترد قائلة: "أفضل القول ان ضعف المشاركة النسائية في الحقل السياسي هو نتيجة للثقافة الذكورية السائدة.. لكن ما يجب التأكيد عليه أن هذه الأوضاع تتفاوت من بلد عربي لآخر.. ففي الوقت الذي قطعت فيه النساء في بعض البلدان العربية اشواطا بعيدة في مشاركتهن على مستوى القرار الإداري والسياسي نجد أنهن في بلدان أخرى محرومات حتى من حق التصويت.. الأمر إذاً لا يتعلق بإتقان اللعبة السياسية ولكن بمدى قبول المجتمع بكافة مكوناته للمساهمة النسائية في هذه اللعبة".
ومن رأي الوزيرة المغربية أن نظام الكوتة غير كاف خصوصا أنه لا يصل إلى نسبة معقولة.
ومن رأي الباحثة السعودية الدكتورة وفاء عبد الله الرشيد أن تحديد نسبة من المقاعد للنساء، سواء كان بغرض الديكور أو نابعا من إيمان حقيقي، يعتبر فرصة يجب الترحيب بها لأن المرأة التي تملك الكفاءة والعقل والنضج حتى وإن كان موقعها في البداية وجد من باب الديكور فبإمكانها استغلاله لتحوله إلى ضرورة حقيقية.
عوامل ذاتية
بعض الآراء ألقت الخطأ على المرأة نفسها.. إذ ترد خديجة الزومي عضو المجلس البلدي لمدينة سلا بالمغرب والمديرة الإدارية للوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل.. محدودية النساء في البرلمانات والمراكز السياسية القيادية إلى عوامل ذاتية ملتصقة بالمرأة لأن العديد من النساء لا يكون لديهن الاستعداد المطلوب لخوض هذا النوع من المغامرات.. إضافة إلى افتقار التربية التي تتلقاها المرأة للمهارات السياسية والتي تؤهلها لدخول التجربة الانتخابية.
وتفسر الزومي انخفاض العدد رغم نظام الكوتة قائلة: "ينبغي أولا مقارنة نسبة ترشيح النساء بنسب ترشيح الرجال.. وتأمل الدوائر التي ترشح فيها النساء وما إذا كانت من الدوائر التي يضمن الحزب الفوز بمقاعدها أو ما إذا كانت دوائر تسيطر عليها العقلية الذكورية مما يفسر النتائج المتواضعة لنجاح النساء.. بينما في مصر أرجعت الدراسات تراجع نسبة النساء بالبرلمانات العربية إلى عوامل شخصية خاصة بالمرأة نفسها وإحجامها عن المشاركة وعدم ثقتها بقدرتها بالإضافة لعوامل التنشئة الاجتماعية وغياب التمويل أو الدعم الأسري للمرأة إذا ما قررت العمل بالسياسة. وضعف المهارات نقطة أخرى تعوق المرأة للعمل في المجال السياسي كما أن هناك عوامل مجتمعة لا تشجعها على خوض الانتخابات أو الإدلاء بصوتها إضافة للعوامل السياسية في كل دولة ومنها عدم تشجيع الأحزاب لخوض المرأة الانتخابات ودعمها في حملتها الانتخابية.
وترد الدكتورة السعودية لبنى الأنصاري على ذلك قائلة: "إذا كانت المرأة تنقصها مهارات العمل في المجال السياسي فإنها تكتسب عادة وتصقل بالممارسة. والمرأة في معظم المجتمعات العربية لم تشارك بشكل واضح في صنع القرار السياسي لأن معظمها ما زال يعتبر السياسة ساحة الرجال لكن يجب ألا نغفل أنها تشارك بشكل غير مباشر في اختيارات وقرارات لها انعكاسات سياسية وتؤثر في شكل المجتمع وفي الأجيال القادمة ومسيرة التنمية".
وتنفي الدكتورة وفاء الرشيد من الخبر أن قلة الوجود النسائي في الشارع السياسي حدث بسبب نقص المهارات لدى النساء، تقول: "ليس كل من يعمل بالسياسة يحمل شهادات تخرج من العلوم السياسية.. فالسياسة علم ناتج عن تجربة والسياسة هي هوية الشارع.. وبالتأكيد يحتاج السياسي إلى نوع من الصقل ومهارات ترتيب الأفكار والخلفية التاريخية.. والمرأة ستصقل مهاراتها بالتجربة وإن بدأت من أصغر نقطة".
مزيد من الثقة
وفي الكويت لا تنفي الكاتبة الصحفية آسيا البعيجان أن عدد النساء القادرات على تولي المناصب القيادية قليل قياسا بنسبة الإناث في الوطن العربي ولا يمتلكن المؤهلات التي يحتاجها المركز السياسي ولكنها تشير إلى أن المجتمعات العربية تعاني من قصور في التعامل مع المرأة، فهناك من يرى أنها غير قادرة على اتخاذ القرار الحاسم إذا لزم الأمر كونها تميل إلى عاطفتها.
وترفض الباحثة الكويتية نوال الغزي فكرة وجود عوامل أنثوية تقلل من قدراتها السياسية. وترى أن عدم فوز المرشحات من النساء في الانتخابات راجع لاعتبارات تتعلق بالموروث العشائري الذي يحكم قبضته على الإنسان العربي. ولن يتغير الوضع في رأيها ما لم تتغير النظرة القاصرة التي تهيمن على عقلية الرجل الشرقي.
وترى الناشطة السياسية الكويتية نجاح حسين أن المرأة العربية لا تنقصها المبادرة في تنفيذ العمل السياسي، لكن تنقصها الثقة التي تدعم موقفها. فالهيمنة الذكورية كبيرة إلى درجة أن بعض الحكومات العربية تضع المرأة في منصب قيادي ثم تسحب منها الصلاحيات لأنها لا تؤمن بقدراتها.
قصور التشريعات
ومن عمان تدلي آمنة الزعبي رئيسة اتحاد المرأة الأردنية برأيها قائلة: "قلة عدد النساء في الشارع السياسي ليس لعدم كفاءتها أو قدرتها على تحمل المسؤولية في المراكز القيادية وإنما لأن هناك تمييزا ضد المرأة العربية خاصة في القوانين التي ما زالت تشكل عقبة رئيسية أمامها.. ومع ذلك فقد استطاعت الوصول في عدد من الدول إلى البرلمان كما تولت مراكز وزارية وقيادية".
المشكلة كما أشارت رئيسة اتحاد المرأة الأردنية بالنسبة للمرأة العربية ليس فقط انخفاض نسبة تمثيلها في المواقع التشريعية.. فرغم وصول عدد من النساء إلى مقاعد الوزارة في الإمارات والبحرين وقطر ومعظم البلاد العربية الأخرى بالإضافة للمجال الدبلوماسي الذي ستدخله قريبا المرأة السعودية.. وعلى الرغم من احتلال العديد لمناصب قيادية عليا في الشركات والجامعات إلا أنها ما زالت تقابل الكثير من الصعوبات في المواقع التنفيذية العليا.
تقول نجاة السويدي أول كويتية تترأس مجلس إدارة شركة في بلدها.. إن المرأة في المواقع القيادية يتم عزلها عن القرارات الهامة، خاصة في المجتمعات الذكورية التي ترى في المرأة القيادية ديكورا وجيها لجهة العمل بينما لا يتم اشراكها في القرارات المصيرية.
ومن الكويت أيضا تتفق معها في الرأي عضو لجنة المرأة الدولية نرجس الشطي بقولها: "المرأة في عالمنا العربي تقلدت مناصب ديكورية لا قرار لها فيها وسمحت لها الحكومات بالوصول إليها تحت ضغط المنظمات الدولية ولإثبات أننا لسنا عالما ثالثا ونؤمن بالمساواة بين الرجل والمرأة".
خديجة الزومي في المغرب تختلف مع الشطي في الكويت وترد قائلة: "لا أرى في تحديد نسبة من المقاعد للنساء في مجالس الشعب والبرلمانات ديكورا أو ملئاً للمقاعد الشاغرة ولا يمكن التعميم لأن هناك نساء يحملن مسؤوليات جسيمة ولا يمكن لأحد أن يتصور أنهن قد وصلن إلى هذه المراكز الحساسة والهامة تطبيقا لمبدأ المقاعد الشاغرة.
معوقات وتحديات
الجميع يؤكد على أن المرأة في الميدان السياسي وفي المراكز القيادية تواجه كماً من المعوقات فما هي؟
الرئيسة السابقة للمجلس النسائي اللبناني المحامية إقبال دوغان تقول: "من أهم المعوقات عدم الوعي لدى جماهير النساء بأهمية دورهن في العمل السياسي.. وأيضا عدم اقتناع النساء بضرورة تأييد المرشحات والعمل لهن على نطاق الجماهير الواسعة.. وعدم اهتمام الدول بوضع استراتيجيات لتشجيع النساء وعدم تبني التنظيمات النسائية وبعض المجالس النسائية لأولوية وصول المرأة إلى مراكز القرار".
تدابير مقترحة
النساء حددن المشكلة ووضعن أيديهن على العلة.. فما هو العلاج؟
تجيب إقبال دوغان: "لا بد من البدء بسياسة حكومية خاصة تعمل على اشتراك المرأة في العمل السياسي.. وتبني توصيات مؤتمر بكين 1995 باعتماد كوتة نسائية لا تقل عن 30% من مراكز القرار التشريعي والتنفيذي كمرحلة انتقالية من أجل إحداث الصدمة الإيجابية اللازمة ومن ثم يكون هناك تطبيع تدريجي لإلغاء نظام الكوتة حيث إن مبدأ تخصيص الحصص ليس فيه الكثير من الديمقراطية. لكن تطبيق هذا المبدأ لا بد أن يتزامن مع عمل الهيئات النسائية للقيام بحملات لتوعية النساء بضرورة المشاركة الفعلية في العمل السياسي وعلى الخصوص ممارسة حق الاقتراع والترشيح".
وتركز المحامية اللبنانية على أهمية وضرورة إعداد مجموعات من النساء مدربات على العمل السياسي وعلى خوض المعارك الانتخابية من اتصال وتفاوض وحملات دعائية وماكينات انتخابية وغيرها. والمجلس النسائي اللبناني بصدد إعداد هذه المجموعات على جميع الأراضي اللبنانية حيث يحدث تناغم لهذه الجهود من خلاله لإدارة حركة التوجه السياسي للمرأة اللبنانية ودعمها للوصول لمراكز القرار وأهمها المجلس النيابي.
وترى الدكتورة السعودية وفاء الرشيد أن مشكلتنا هي عدم وجود تأهيل أو تدريب للنساء للعمل السياسي أو الخدمة المدنية.. وإن لم يبدأ هذا التأهيل من الصغر فلن يجدي. والحل في رأيها يبدأ بالديموقراطية التي يجب تعليمها للطفل.. فترتكز أسسها في ذهنه منذ نعومة أظافره.
وتعطي الدكتورة وفاء مثلا باليمن حيث يوجد برلمان للأطفال.. وتقول: "نحن أيضا نستطيع تنظيم مجلس شورى للأطفال وتصبح لدينا انتخابات في المدارس. وبذلك تدخل كلمات جديدة إلى مجتمعنا مثل الانتخابات والأجندة وغيرها من الكلمات والمفاهيم التي يتم غرسها في أذهان الأطفال ومع كبرهم يصبح المجتمع جاهزا".
وترى خديجة الزومي عضو المجلس البلدي لمدينة سلا في المغرب أن أسباب غياب المرأة عن الساحة السياسية يعود لأسباب ثقافية تربوية تستمد قوتها من المجتمع الأبوي السائد.. والحل له علاقة بالإقناع العام بأن العمل السياسي يشمل الرجل والمرأة مع تفعيل الديموقراطية داخل الأحزاب لأننا لا يمكن أن نحقق ديموقراطية داخل أحزاب معطوبة.
على عاتق المرأة
ومن السعودية تضع الدكتورة لبنى الأنصاري المسؤولية على أكتاف النساء تقول: "بوسعنا أن نتعلم من تجارب الآخرين ممن سبقونا في هذا المجال.. وبشكل عام فإني أرى أن العبء الأكبر من الجهود المطلوبة لزيادة مشاركة المرأة وتعزيز دورها في الحياة السياسية يقع على عاتق المرأة ذاتها.. فعلى الرغم من أنها كانت قريبة من المجتمع والقواعد الشعبية بحكم ممارستها للعمل الاجتماعي إلا أن المجتمع يتردد في إتاحة الفرصة لها للمشاركة السياسية.
وتردف الأنصاري قائلة: "لعل المرأة العربية كانت من الحكمة والذكاء أن ركزت نشاطها في المجالات التي تستطيع أن تنجح فيها وأن تحقق من خلالها وجودا فعالا ومؤثرا في المجتمع. وبالتالي تشارك بشكل غير مباشر في الحياة السياسية.. ولكنها بالتأكيد قادرة على المشاركة في اتخاذ القرار السياسي بشكل مباشر ولا ينقصها سوى التخلص من الأمية السياسية والوعي بأهمية دورها. ولا بد أيضا من العمل على تغيير الصورة الذهنية لدى المجتمع".
تغيير جذري
وفي الكويت ترى نجاح حسين أن المرأة لا تنقصها روح المبادرة في تنفيذ العمل السياسي ولكن الهيكل القائم الآن في الدول العربية يحتاج إلى تغيير جذري.
وضمن نفس المعنى تقول الباحثة الكويتية نوال الغزي ان المجتمع يستمد قوانينه من الموروث الاجتماعي الغارق في العادات والتقاليد والنظم التقليدية ولا يعترف بما حققته المرأة.. ويراها غير قادرة على امتلاك زمام الأمور القيادية ولذلك يجب أولا تغيير النظرة القاصرة التي تهيمن على عقلية الرجل الشرقي.
أما أبرز الحلول التي تراها الأردنية سناء المصري والتي يمكن أن تعمل على تغيير وضع المرأة العربية فهي الحرص على إظهار القيادات النسائية ذات الكفاءة العالية والاهتمام بالنساء اللائي لا يمتلكن أية مهارات مميزة لتدريبهن ورفع كفاءتهن.. وإشراك النساء في المؤتمرات ونشر الوعى بينهن ليساندن بعضهن بعضا.
ومن مصر تؤكد الكاتبة أمينة شفيق التي كانت إحدى المرشحات في آخر انتخابات برلمانية سنة 2000 والتي شاركت فيها 100 مرشحة لم يفز منهن سوى خمس فقط.. انه حماية للمرأة والرجل المرشح أيضا لابد من وضع ميثاق سياسي أو إصدار قانون يجرم الشتم والسب واستخدام الإشاعات في المعارك الانتخابية.
معركة شرسة
وفايزة الطهطاوي نائبة برلمانية مصرية شرحت كيف دعمتها وزميلاتها المرشحات المنظمات غير الحكومية مثل رابطة المرأة العربية والمركز المصري لحقوق المرأة.. كما تم تدعيمهن من خلال الندوات التي عقدت ومشاركتهن في الحملات الانتخابية بالدعم الفني.. وساعد المجلس القومي للمرأة بالندوات ولكن المعركة كانت شرسة لطغيان المال والسلوك اللاأخلاقي الذي ووجهت به المرشحات.
ولعل تجربة فايزة تؤكد حديث المحامية نهاد أبو القمصان مديرة المركز المصري لحقوق المرأة التي تقول: ان نسبة النساء القليلة في المجلس التشريعي لا تعبر عن إرادة نسائية أو اجتماعية وإنما إرادة بعض الجهات الحزبية التي لا ترحب بالمرأة وهو عكس ما يعبر عنه المثقفون ومسؤولو الأحزاب السياسية بأن ضعف المشاركة يعود للمرأة أو الناخبين.. وهو ما يخالف الواقع العملي الذي يرصده المركز من خلال محاولات الكثيرات لخوض الانتخابات وحصولهن على نسبة أصوات ليست بالقليلة.. لكن الصعوبات التي تتعرض لها المرأة خلال الحملات الانتخابية تكون أقوى مما تتحمل.. فهي تتعرض للسب والشائعات غير الأخلاقية.. ولذا هناك مطالبة الآن بالعودة لنظام تخصيص مقاعد للمرأة في المجالس المنتخبة لمساعدة المرأة وتنفيذا للاتفاقيات الدولية التي تنص على إزالة صور التمييز ضدها. ويستدعي تنفيذ ذلك إلى جانب التخصيص إعادة النظر في قانون الانتخابات والعمل على تنفيذ إجراءات لتصحيح النظرة للمرأة وتنمية قدراتها من خلال البرامج التدريبية على العمل السياسي ومهاراته.. وفي هذا الإطار نفذ المركز المصري لحقوق المرأة عدة دورات للسيدات.. كما ينظم المجلس القومي للمرأة عدة برامج للتأهيل السياسي وتدعيم الراغبات بالمعلومات التي تلزمهن عن النظام السياسي





صورة قاتمة
الصورة العامة كما أوضحت الأرقام قاتمة ولكنها تزداد قتامة إذا قربنا العدسة لنلقي نظرة على كل دولة على حدة.
في بيروت ذكر الباحث اللبناني خليل الصغير في دراسة أعدها عن المرأة ودورها في السياسة اللبنانية أنه وعلى الرغم من أن لبنان كان أول بلد عربي يعطي المرأة حق الترشيح والتصويت عام 1952 إلا أن الأمر توقف عند هذا الحد ولم تستطع المرأة اللبنانية إلا في حالات نادرة وكوريثة لزوج أو أب أو أخ أن تجد لها موقعا في نادي السياسة اللبنانية ودون أن تستطيع بناء شخصية سياسية أو قيادية مستقلة.
ويكفي النظر إلى مجموع النساء اللبنانيات العاملات في الحقل السياسي أو الحقول العامة الأخرى لندرك مدى الهوة بين الصورة النمطية المنتشرة عن تحرر اللبنانية من التقاليد الذكورية المتسلطة وقدرتها على أن تكون فردا منتجا ذا شخصية مستقلة.
الوضع ليس أفضل كثيرا في باقي الدول العربية كما وضحت الأرقام رغم تبني عدد من الدول لنظام الحصص "الكوتة".
ففي مصر قالت السفيرة سميحة أبو ستيت مستشارة المجلس القومي للمرأة ان نسبة المشاركات في مجلس الشعب 4.2% وفي مجلس الشورى 7.5% وهي نسبة ضئيلة للغاية.. وما زالت مشاركة المرأة السياسية تحتاج إلى عمل جاد، ولذا فإن أحد اهتمامات المجلس هو تأهيل المرأة لخوض المعترك السياسي. فهل يحل نظام الحصص المشكلة ولو مؤقتا؟
المرأة عدو المرأة
تقول الدكتورة فاطمة خفاجي عضو المجلس القومي للمرأة في مصر.. ان هذا النظام ليس معمولا به في الدول العربية فقط وإنما هناك 77 دولة في العالم تأخذ بنظام الحصص للمرأة من خلال أشكال مختلفة من التطبيق منها ما ينص عليه في دستور الدولة ومنها ما ينص عليه في لوائح الوزارات.. وهناك النسبة التطوعية التي تتبناها بعض الأحزاب السياسية عند ترشيح النساء في قوائم الانتخابات. لكن هذه النسبة لا تكفي لضمان حق النساء في المناصب العليا.. ففي المغرب طلبت المنظمات الأهلية تخصيص نسبة من قوائم الترشيح للمرأة فرفض مجلس الشعب.. فعملت المنظمات على إقناع الأحزاب بإدراج المرأة ضمن قوائمها بنسبة معينة في وثيقة شرف.. ونجح الأمر بدخول 35 سيدة للبرلمان لأول مرة.. لكن تراجعت النسبة في انتخابات المحليات التالية مما يجعل هناك حاجة لقانون يثبت حق النساء في مقاعد محددة ولتكن 25% من المقاعد لأن المرأة لا تستطيع التنافس في المعركة الانتخابية مع الرجل كما أثبتت التجارب بالإضافة إلى أن المرأة نفسها لا تثق بالمرأة ولا تشجعها.
فهل هذا صحيح؟
تجربة الانتخابات في البحرين والتي لم تفز فيها ولا واحدة من المرشحات الثماني تثبت هذه الحقيقة.
الدكتورة فخرية الديري واحدة من ست بحرانيات دخلن مجلس الشورى بالتعيين تقول: "لم يفزن ربما لأنها كانت التجربة الأولى ولم يكن الناخبون على ثقة من أن المرأة ستكون على قدر المسؤولية. والسبب الثاني في اعتقادي هو أن المرأة لم تعط صوتها للمرشحات.. فعدد النساء في البحرين يصل إلى أكثر من نصف تعداد السكان.. ولو أعطين أصواتهن للمرشحات لفزن بالتأكيد. وهناك سبب ثالث وهو أن النساء لم يكن مستعدات، فلم تكن هناك آلية تحضرهن قبل ترشيحهن".
ومن الأردن تؤيدها سناء المصري رئيسة إحدى الجمعيات الخيرية قائلة: "المرأة نفسها عدو المرأة وهى السبب وراء عدم فوز المرشحات في الانتخابات".
إلا أن سناء ترفض تعميم مقولة أن المرأة توضع في المراكز السياسية أو القيادية كمجرد ديكور، ففي بعض الدول العربية يصدق هذا القول وفي البعض الآخر يتم ذلك بناء على إيمان فعلي بأهمية المرأة وقدرتها وفعاليتها.
وتوافقها على هذا الرأي النائبة الأردنية حياة المسيمي التي تعتقد أن البيئة العربية وراء عدم إعطاء المرأة فرصتها.. وتؤكد أن هناك بعض الدول تحدد نسبة من المقاعد في مجالس الشعب للنساء خضوعا أو استجابة للضغوط الدولية.
مرحلة ضرورية
وتؤكد الوزيرة المغربية نزهة الشقروني أن نظام الحصص يعتبر مرحلة ضرورية في إصلاح أوضاع المشاركة النسائية في الحقل السياسي الوطني لأنه يعتبر آلية وليس هدفا في حد ذاته ومن خلاله نسعى إلى التطوير التدريجي لمساهمة النساء على كافة مستويات مراكز القرار الإداري والسياسي.
الدكتورة نجوى كامل مديرة مركز أبحاث المرأة بكلية الإعلام جامعة القاهرة تتفق مع هذا الرأي وتناقشه قائلة: "قد يحدث في بداية تطبيق قانون تخصيص مقاعد للنساء أن تصل للمقعد من لا تستحقه ولكن هذا لا يجعلنا نتراجع عن المطالبة بتلك النسبة لأن مشاركة من ليست على الكفاءة المطلوبة يمكن أن يجعلها تتدرب على هذه المناصب التي ظلت بعيدة عنها مما يكسبها قدرا كبيرا من المهارات المطلوبة.
وتدلل الدكتورة نجوى على أهمية تخصيص مقاعد للنساء بقولها: "في الفترة من 1979 وحتى 1987 كانت الحصة المقررة للمرأة في مصر 30 مقعدا من مجمل 444 مقعدا بالإضافة إلى فتح الباب للمشاركة أيضا في المقاعد الباقية من خلال الانتخابات.. ولهذا وصلت 38 سيدة إلى مقاعد البرلمان خلال العمل بنظام الحصة.. ولكن فور التراجع عن الأخذ بهذا النظام لم يتعد عدد اللائي استطعن دخول المجلس في الدورة التالية 18 سيدة ووصلن في آخر دورة سنة 2000 إلى 11 سيدة فقط من بينهن 6 بالتعيين المباشر من رئيس الجمهورية.
رغبة صادقة
وعلى الرغم من أن السعودية تعد من البلدان التي لم تهيئ بعد مقاعد للمرأة في البرلمانات للمشاركة المحلية أو الدولية إلا أن الدكتورة لبنى الأنصاري عضوة اللجنة التنفيذية لحقوق الإنسان والأستاذة المشاركة في كلية الطب بجامعة الملك سعود بالرياض. من رأيها أن تحديد نسبة من المقاعد للنساء هو إيمان حقيقي بأهمية دور المرأة ورغبة صادقة في أن تتم مشاركتها في العمل السياسي بتأن وعلى نحو تدريجي مقبول لدى المجتمع.
وأضافت: "هناك من يرى أن تحجيم دورها بمقاعد محدودة هو إهانة لها لأنه تمثيل غير كاف لا يعبر عن وزنها وثقلها في المجتمع ولكني أنظر إلى إيجابيات هذا الوضع.. وأرى أنها خطوة مرحلية جيدة لتدريب المجتمع ككل، نسائه ورجاله على أن وجود المرأة في الحياة السياسية التشريعية والتنفيذية أمر طبيعي وضروري.. وعندما يقتنع المجتمع بذلك ويتجاوز المعوقات النفسية والاجتماعية التي تحول دون تقبل المرأة في المجال السياسي سيرشحها وينتخبها تلقائيا وبالتالي تنتفي الحاجة إلى هذه الخطوة المؤقتة".
شعور بالتفاؤل
وللباحثة السياسية والكاتبة السعودية الدكتورة وفاء عبد الله الرشيد من المنطقة الشرقية بالخبر رأي آخر تشرحه قائلة: "إذا أردنا تناول الموضوع من الناحية التاريخية فالسبب في ندرة النساء في الساحة السياسية يعود إلى دخولها مجال التعليم متأخرة عن الرجل.. وإن كان الحديث يدور عن المرأة السعودية فليس لدينا برلمان ومجلس الشورى لا يسمح فيه بمقعد للمرأة وإن كان يحرص على استشارة النساء خارجه في كل الأمور".
وترى الرشيد أنه رغم نجاح المرأة في عدد من البلاد العربية في الوصول إلى مقاعد الوزارة ومراكز القرار العليا ومقاعد البرلمانات إلا أنهن يواجهن معوقات كثيرة تمنع ظهور ثقلهن الاجتماعي.. ويزداد الموقف صعوبة عندما نأخذ في الحسبان الموروثات الاجتماعية التي لا تساندها.
الدكتورة السعودية رغم ما قالته تشعر بالتفاؤل الذي يظهر في كلماتها وهي تقول: "نحن في السعودية لم نخض التجربة بعد وإن خضناها وفشلنا في أول مرة فليست تلك مشكلة خاصة وتوجد بالفعل نماذج مشرفة في عدد من البلدان".
ومن رأي الدكتورة وفاء أن ارتفاع نسبة سقوط المرشحات من النساء لا يقتصر على وطننا العربي بل يحدث ذلك في العالم كله "لأن المواقع السياسية كانت في وقت من الأوقات حكرا على الرجال مثلها مثل غيرها في الكثير من المهن.. ولكنني متأكدة أنه مع الوقت سيتغير هذا الوضع.
نتائج مخجلة
الجميع يؤكد ضرورة نظام الكوتة.. والنظام موجود فعلا في عدد من الدول.. فهل كانت نتائجه إيجابية؟ ولماذا تحتاج له المرأة أصلا؟ هل هذا لنقص في قدراتها؟ أم لضعف في اتقان فنون اللعبة السياسية؟
الوزيرة المغربية نزهة الشقروني ترد قائلة: "أفضل القول ان ضعف المشاركة النسائية في الحقل السياسي هو نتيجة للثقافة الذكورية السائدة.. لكن ما يجب التأكيد عليه أن هذه الأوضاع تتفاوت من بلد عربي لآخر.. ففي الوقت الذي قطعت فيه النساء في بعض البلدان العربية اشواطا بعيدة في مشاركتهن على مستوى القرار الإداري والسياسي نجد أنهن في بلدان أخرى محرومات حتى من حق التصويت.. الأمر إذاً لا يتعلق بإتقان اللعبة السياسية ولكن بمدى قبول المجتمع بكافة مكوناته للمساهمة النسائية في هذه اللعبة".
ومن رأي الوزيرة المغربية أن نظام الكوتة غير كاف خصوصا أنه لا يصل إلى نسبة معقولة.
ومن رأي الباحثة السعودية الدكتورة وفاء عبد الله الرشيد أن تحديد نسبة من المقاعد للنساء، سواء كان بغرض الديكور أو نابعا من إيمان حقيقي، يعتبر فرصة يجب الترحيب بها لأن المرأة التي تملك الكفاءة والعقل والنضج حتى وإن كان موقعها في البداية وجد من باب الديكور فبإمكانها استغلاله لتحوله إلى ضرورة حقيقية.
عوامل ذاتية
بعض الآراء ألقت الخطأ على المرأة نفسها.. إذ ترد خديجة الزومي عضو المجلس البلدي لمدينة سلا بالمغرب والمديرة الإدارية للوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل.. محدودية النساء في البرلمانات والمراكز السياسية القيادية إلى عوامل ذاتية ملتصقة بالمرأة لأن العديد من النساء لا يكون لديهن الاستعداد المطلوب لخوض هذا النوع من المغامرات.. إضافة إلى افتقار التربية التي تتلقاها المرأة للمهارات السياسية والتي تؤهلها لدخول التجربة الانتخابية.
وتفسر الزومي انخفاض العدد رغم نظام الكوتة قائلة: "ينبغي أولا مقارنة نسبة ترشيح النساء بنسب ترشيح الرجال.. وتأمل الدوائر التي ترشح فيها النساء وما إذا كانت من الدوائر التي يضمن الحزب الفوز بمقاعدها أو ما إذا كانت دوائر تسيطر عليها العقلية الذكورية مما يفسر النتائج المتواضعة لنجاح النساء.. بينما في مصر أرجعت الدراسات تراجع نسبة النساء بالبرلمانات العربية إلى عوامل شخصية خاصة بالمرأة نفسها وإحجامها عن المشاركة وعدم ثقتها بقدرتها بالإضافة لعوامل التنشئة الاجتماعية وغياب التمويل أو الدعم الأسري للمرأة إذا ما قررت العمل بالسياسة. وضعف المهارات نقطة أخرى تعوق المرأة للعمل في المجال السياسي كما أن هناك عوامل مجتمعة لا تشجعها على خوض الانتخابات أو الإدلاء بصوتها إضافة للعوامل السياسية في كل دولة ومنها عدم تشجيع الأحزاب لخوض المرأة الانتخابات ودعمها في حملتها الانتخابية.
وترد الدكتورة السعودية لبنى الأنصاري على ذلك قائلة: "إذا كانت المرأة تنقصها مهارات العمل في المجال السياسي فإنها تكتسب عادة وتصقل بالممارسة. والمرأة في معظم المجتمعات العربية لم تشارك بشكل واضح في صنع القرار السياسي لأن معظمها ما زال يعتبر السياسة ساحة الرجال لكن يجب ألا نغفل أنها تشارك بشكل غير مباشر في اختيارات وقرارات لها انعكاسات سياسية وتؤثر في شكل المجتمع وفي الأجيال القادمة ومسيرة التنمية".
وتنفي الدكتورة وفاء الرشيد من الخبر أن قلة الوجود النسائي في الشارع السياسي حدث بسبب نقص المهارات لدى النساء، تقول: "ليس كل من يعمل بالسياسة يحمل شهادات تخرج من العلوم السياسية.. فالسياسة علم ناتج عن تجربة والسياسة هي هوية الشارع.. وبالتأكيد يحتاج السياسي إلى نوع من الصقل ومهارات ترتيب الأفكار والخلفية التاريخية.. والمرأة ستصقل مهاراتها بالتجربة وإن بدأت من أصغر نقطة".
مزيد من الثقة
وفي الكويت لا تنفي الكاتبة الصحفية آسيا البعيجان أن عدد النساء القادرات على تولي المناصب القيادية قليل قياسا بنسبة الإناث في الوطن العربي ولا يمتلكن المؤهلات التي يحتاجها المركز السياسي ولكنها تشير إلى أن المجتمعات العربية تعاني من قصور في التعامل مع المرأة، فهناك من يرى أنها غير قادرة على اتخاذ القرار الحاسم إذا لزم الأمر كونها تميل إلى عاطفتها.
وترفض الباحثة الكويتية نوال الغزي فكرة وجود عوامل أنثوية تقلل من قدراتها السياسية. وترى أن عدم فوز المرشحات من النساء في الانتخابات راجع لاعتبارات تتعلق بالموروث العشائري الذي يحكم قبضته على الإنسان العربي. ولن يتغير الوضع في رأيها ما لم تتغير النظرة القاصرة التي تهيمن على عقلية الرجل الشرقي.
وترى الناشطة السياسية الكويتية نجاح حسين أن المرأة العربية لا تنقصها المبادرة في تنفيذ العمل السياسي، لكن تنقصها الثقة التي تدعم موقفها. فالهيمنة الذكورية كبيرة إلى درجة أن بعض الحكومات العربية تضع المرأة في منصب قيادي ثم تسحب منها الصلاحيات لأنها لا تؤمن بقدراتها.
قصور التشريعات
ومن عمان تدلي آمنة الزعبي رئيسة اتحاد المرأة الأردنية برأيها قائلة: "قلة عدد النساء في الشارع السياسي ليس لعدم كفاءتها أو قدرتها على تحمل المسؤولية في المراكز القيادية وإنما لأن هناك تمييزا ضد المرأة العربية خاصة في القوانين التي ما زالت تشكل عقبة رئيسية أمامها.. ومع ذلك فقد استطاعت الوصول في عدد من الدول إلى البرلمان كما تولت مراكز وزارية وقيادية".
المشكلة كما أشارت رئيسة اتحاد المرأة الأردنية بالنسبة للمرأة العربية ليس فقط انخفاض نسبة تمثيلها في المواقع التشريعية.. فرغم وصول عدد من النساء إلى مقاعد الوزارة في الإمارات والبحرين وقطر ومعظم البلاد العربية الأخرى بالإضافة للمجال الدبلوماسي الذي ستدخله قريبا المرأة السعودية.. وعلى الرغم من احتلال العديد لمناصب قيادية عليا في الشركات والجامعات إلا أنها ما زالت تقابل الكثير من الصعوبات في المواقع التنفيذية العليا.
تقول نجاة السويدي أول كويتية تترأس مجلس إدارة شركة في بلدها.. إن المرأة في المواقع القيادية يتم عزلها عن القرارات الهامة، خاصة في المجتمعات الذكورية التي ترى في المرأة القيادية ديكورا وجيها لجهة العمل بينما لا يتم اشراكها في القرارات المصيرية.
ومن الكويت أيضا تتفق معها في الرأي عضو لجنة المرأة الدولية نرجس الشطي بقولها: "المرأة في عالمنا العربي تقلدت مناصب ديكورية لا قرار لها فيها وسمحت لها الحكومات بالوصول إليها تحت ضغط المنظمات الدولية ولإثبات أننا لسنا عالما ثالثا ونؤمن بالمساواة بين الرجل والمرأة".
خديجة الزومي في المغرب تختلف مع الشطي في الكويت وترد قائلة: "لا أرى في تحديد نسبة من المقاعد للنساء في مجالس الشعب والبرلمانات ديكورا أو ملئاً للمقاعد الشاغرة ولا يمكن التعميم لأن هناك نساء يحملن مسؤوليات جسيمة ولا يمكن لأحد أن يتصور أنهن قد وصلن إلى هذه المراكز الحساسة والهامة تطبيقا لمبدأ المقاعد الشاغرة.
معوقات وتحديات
الجميع يؤكد على أن المرأة في الميدان السياسي وفي المراكز القيادية تواجه كماً من المعوقات فما هي؟
الرئيسة السابقة للمجلس النسائي اللبناني المحامية إقبال دوغان تقول: "من أهم المعوقات عدم الوعي لدى جماهير النساء بأهمية دورهن في العمل السياسي.. وأيضا عدم اقتناع النساء بضرورة تأييد المرشحات والعمل لهن على نطاق الجماهير الواسعة.. وعدم اهتمام الدول بوضع استراتيجيات لتشجيع النساء وعدم تبني التنظيمات النسائية وبعض المجالس النسائية لأولوية وصول المرأة إلى مراكز القرار".
تدابير مقترحة
النساء حددن المشكلة ووضعن أيديهن على العلة.. فما هو العلاج؟
تجيب إقبال دوغان: "لا بد من البدء بسياسة حكومية خاصة تعمل على اشتراك المرأة في العمل السياسي.. وتبني توصيات مؤتمر بكين 1995 باعتماد كوتة نسائية لا تقل عن 30% من مراكز القرار التشريعي والتنفيذي كمرحلة انتقالية من أجل إحداث الصدمة الإيجابية اللازمة ومن ثم يكون هناك تطبيع تدريجي لإلغاء نظام الكوتة حيث إن مبدأ تخصيص الحصص ليس فيه الكثير من الديمقراطية. لكن تطبيق هذا المبدأ لا بد أن يتزامن مع عمل الهيئات النسائية للقيام بحملات لتوعية النساء بضرورة المشاركة الفعلية في العمل السياسي وعلى الخصوص ممارسة حق الاقتراع والترشيح".
وتركز المحامية اللبنانية على أهمية وضرورة إعداد مجموعات من النساء مدربات على العمل السياسي وعلى خوض المعارك الانتخابية من اتصال وتفاوض وحملات دعائية وماكينات انتخابية وغيرها. والمجلس النسائي اللبناني بصدد إعداد هذه المجموعات على جميع الأراضي اللبنانية حيث يحدث تناغم لهذه الجهود من خلاله لإدارة حركة التوجه السياسي للمرأة اللبنانية ودعمها للوصول لمراكز القرار وأهمها المجلس النيابي.
وترى الدكتورة السعودية وفاء الرشيد أن مشكلتنا هي عدم وجود تأهيل أو تدريب للنساء للعمل السياسي أو الخدمة المدنية.. وإن لم يبدأ هذا التأهيل من الصغر فلن يجدي. والحل في رأيها يبدأ بالديموقراطية التي يجب تعليمها للطفل.. فترتكز أسسها في ذهنه منذ نعومة أظافره.
وتعطي الدكتورة وفاء مثلا باليمن حيث يوجد برلمان للأطفال.. وتقول: "نحن أيضا نستطيع تنظيم مجلس شورى للأطفال وتصبح لدينا انتخابات في المدارس. وبذلك تدخل كلمات جديدة إلى مجتمعنا مثل الانتخابات والأجندة وغيرها من الكلمات والمفاهيم التي يتم غرسها في أذهان الأطفال ومع كبرهم يصبح المجتمع جاهزا".
وترى خديجة الزومي عضو المجلس البلدي لمدينة سلا في المغرب أن أسباب غياب المرأة عن الساحة السياسية يعود لأسباب ثقافية تربوية تستمد قوتها من المجتمع الأبوي السائد.. والحل له علاقة بالإقناع العام بأن العمل السياسي يشمل الرجل والمرأة مع تفعيل الديموقراطية داخل الأحزاب لأننا لا يمكن أن نحقق ديموقراطية داخل أحزاب معطوبة.
على عاتق المرأة
ومن السعودية تضع الدكتورة لبنى الأنصاري المسؤولية على أكتاف النساء تقول: "بوسعنا أن نتعلم من تجارب الآخرين ممن سبقونا في هذا المجال.. وبشكل عام فإني أرى أن العبء الأكبر من الجهود المطلوبة لزيادة مشاركة المرأة وتعزيز دورها في الحياة السياسية يقع على عاتق المرأة ذاتها.. فعلى الرغم من أنها كانت قريبة من المجتمع والقواعد الشعبية بحكم ممارستها للعمل الاجتماعي إلا أن المجتمع يتردد في إتاحة الفرصة لها للمشاركة السياسية.
وتردف الأنصاري قائلة: "لعل المرأة العربية كانت من الحكمة والذكاء أن ركزت نشاطها في المجالات التي تستطيع أن تنجح فيها وأن تحقق من خلالها وجودا فعالا ومؤثرا في المجتمع. وبالتالي تشارك بشكل غير مباشر في الحياة السياسية.. ولكنها بالتأكيد قادرة على المشاركة في اتخاذ القرار السياسي بشكل مباشر ولا ينقصها سوى التخلص من الأمية السياسية والوعي بأهمية دورها. ولا بد أيضا من العمل على تغيير الصورة الذهنية لدى المجتمع".
تغيير جذري
وفي الكويت ترى نجاح حسين أن المرأة لا تنقصها روح المبادرة في تنفيذ العمل السياسي ولكن الهيكل القائم الآن في الدول العربية يحتاج إلى تغيير جذري.
وضمن نفس المعنى تقول الباحثة الكويتية نوال الغزي ان المجتمع يستمد قوانينه من الموروث الاجتماعي الغارق في العادات والتقاليد والنظم التقليدية ولا يعترف بما حققته المرأة.. ويراها غير قادرة على امتلاك زمام الأمور القيادية ولذلك يجب أولا تغيير النظرة القاصرة التي تهيمن على عقلية الرجل الشرقي.
أما أبرز الحلول التي تراها الأردنية سناء المصري والتي يمكن أن تعمل على تغيير وضع المرأة العربية فهي الحرص على إظهار القيادات النسائية ذات الكفاءة العالية والاهتمام بالنساء اللائي لا يمتلكن أية مهارات مميزة لتدريبهن ورفع كفاءتهن.. وإشراك النساء في المؤتمرات ونشر الوعى بينهن ليساندن بعضهن بعضا.
ومن مصر تؤكد الكاتبة أمينة شفيق التي كانت إحدى المرشحات في آخر انتخابات برلمانية سنة 2000 والتي شاركت فيها 100 مرشحة لم يفز منهن سوى خمس فقط.. انه حماية للمرأة والرجل المرشح أيضا لابد من وضع ميثاق سياسي أو إصدار قانون يجرم الشتم والسب واستخدام الإشاعات في المعارك الانتخابية.
معركة شرسة
وفايزة الطهطاوي نائبة برلمانية مصرية شرحت كيف دعمتها وزميلاتها المرشحات المنظمات غير الحكومية مثل رابطة المرأة العربية والمركز المصري لحقوق المرأة.. كما تم تدعيمهن من خلال الندوات التي عقدت ومشاركتهن في الحملات الانتخابية بالدعم الفني.. وساعد المجلس القومي للمرأة بالندوات ولكن المعركة كانت شرسة لطغيان المال والسلوك اللاأخلاقي الذي ووجهت به المرشحات.
ولعل تجربة فايزة تؤكد حديث المحامية نهاد أبو القمصان مديرة المركز المصري لحقوق المرأة التي تقول: ان نسبة النساء القليلة في المجلس التشريعي لا تعبر عن إرادة نسائية أو اجتماعية وإنما إرادة بعض الجهات الحزبية التي لا ترحب بالمرأة وهو عكس ما يعبر عنه المثقفون ومسؤولو الأحزاب السياسية بأن ضعف المشاركة يعود للمرأة أو الناخبين.. وهو ما يخالف الواقع العملي الذي يرصده المركز من خلال محاولات الكثيرات لخوض الانتخابات وحصولهن على نسبة أصوات ليست بالقليلة.. لكن الصعوبات التي تتعرض لها المرأة خلال الحملات الانتخابية تكون أقوى مما تتحمل.. فهي تتعرض للسب والشائعات غير الأخلاقية.. ولذا هناك مطالبة الآن بالعودة لنظام تخصيص مقاعد للمرأة في المجالس المنتخبة لمساعدة المرأة وتنفيذا للاتفاقيات الدولية التي تنص على إزالة صور التمييز ضدها. ويستدعي تنفيذ ذلك إلى جانب التخصيص إعادة النظر في قانون الانتخابات والعمل على تنفيذ إجراءات لتصحيح النظرة للمرأة وتنمية قدراتها من خلال البرامج التدريبية على العمل السياسي ومهاراته.. وفي هذا الإطار نفذ المركز المصري لحقوق المرأة عدة دورات للسيدات.. كما ينظم المجلس القومي للمرأة عدة برامج للتأهيل السياسي وتدعيم الراغبات بالمعلومات التي تلزمهن عن النظام السياسي