كيف صامت أمم من قبلكم؟*!
چيهان حسين
رمضان،* هو اسم الشهر التاسع من تاريخنا الهجري،* والشهر الوحيد من شهور السنة الذي ذكره القرآن الكريم صراحة،* ودائرة المعارف الاسلامية تقول*: 'إن رمضان مشتق من* 'رمض*' وفي ذلك اشارة إلي حر الصيف،* مما يدل علي الفصل الذي وقع فيه هذا الشهر في فصول السنة حينما كان العرب القدماء دائبين علي محاولة التوفيق بين سنتهم والسنة الشمسية بالاستعانة بأشهر* 'النسيء*' وهي تأخير الأشهر الحرم إلي ما بعد ذي الحجة فنهاهم الله سبحانه وتعالي عن ذلك في قوله* 'إنما النسيء زيادة في الكفر*' وفي الجاهلية سموه* 'ناتقا*' وفي ذلك يقول الماوردي لأنه كان ينتقهم أي يزعجهم وقيل لكثرة الأموال التي كانت العرب تجبيها فيه*..
وقال فيه ابن الجوزي في بستان الواعظين* 'مثل الشهور الاثني عشر كمثل يعقوب وأولاده فكما أن يوسف أحب أولاده إليه كذلك رمضان أحب الشهور إلي الله*'.
ويقول المؤرخ* 'ابراهيم عنان*' الباحث في التاريخ الاسلامي وعضو اتحاد المؤرخين العرب ان الصوم عبادة قديمة عرفتها كل الشرائع سماوية كانت أو وثنية لعلها كانت منذ آدم أو علي عهد نوح أو ابراهيم عليهم السلام مصداقا لقول الحق تبارك وتعالي*: 'يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون*'.
وهو ليس خاصا بطائفة من الطوائف ولا برسالة دون أخري بل يشعر بالحاجة الملحة إليه كل كائن حي وإن اختلفت أشكاله وأوقاته باختلاف الأزمنة،* فالمتدين يعرف الصوم علي أنه وسيلة للتقرب من المولي عز وجل،* والمتصوف يعرفه كطريق من طرق صفاء الروح والنفس،* ورجل الاجتماع يعرفه طريقا من طرق تآلف القلوب وربط الاجتماعات،* والذي يتتبع حياة الأمم يجد أنها اعتبرت الصيام ركنا من أركان عبادتها*.. فالكهنة في أيام قدماء المصريين يصومون في* 'أعياد إيزيس*' من ستة إلي سبعة أسابيع كما كان المصريون يصومون في جميع الأعياد الدينية*'..
ويشير المؤرخ إبراهيم عناني إلي أن الصينيين كانوا يصومون بعض أيامهم العادية ويفرضونها علي أنفسهم في أيام الفتن*.
وكان أهل اسبرطة يوجبون علي أنفسهم الصوم قبل قيامهم بشن أي حرب علي أعدائهم طلبا للنصر*.. أما الهند فقد عرفت الصوم في عهد* 'مانافا مانو*' الذي ترجع تعاليمه إلي القرن الحادي عشر قبل المسيح،* وهناك طائفة كانت عبادتها تقوم علي تقديس الشمس،* وكانت تفرض الصوم كل ليلة من* غروب الشمس حتي رؤية جرمها فإن حجبت السحب رؤيته وجبت مواصلة الصوم حتي يظهر جرم الشمس*.
وفرض العهد القديم الصوم علي اليهود لقهر الشهوات حتي يتقربوا إلي الله،* وتفرض التوراة الصوم في بعض المناسبات منها اليوم العاشر من الشهر السابع،* واليوم التاسع من الشهر الثامن،* كما كانوا يصومون يوم الكفارة*.. وكان مظهر تقشفهم في الصوم أنهم كانوا يلبسون المسوح علي أجسادهم وينثرون الرماد علي رءوسهم،* ويتركون أيديهم كما هي مغسولة* ،كما ورد أنهم يصومون أسبوعا تذكارا لخراب أورشليم*.. وقد امتدح الانجيل الصوم واعتبره عبادة كبري*..
ومن أغرب أنواع الصيام*.. صيام الصمت*.. وهو الصمت عن الكلام وقد عرف هذا النوع من الصيام عند اليهود وأخبر الله عنه في قصة مريم حيث قال* 'فاما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا*'.
وقد أكد* 'بلزاك*' وكان أشهر علماء عصره اهتمامه بالصوم العلاجي* فكان يري أن يوما واحدا يصومه الانسان أفضل من تعاطي ما يشير به الأطباء من الدواء،* وكثيرا ما أشاد* 'سينكا*' في الحقبة الأولي من الميلاد بهؤلاء الاطباء القدامي الذين كانوا يشيرون علي مرضاهم بالصوم*.. بل ان* 'كوفيلوس*' الطبيب الاغريقي كتب في السنة العاشرة الميلادية أن سبب سرعة الشفاء عند العبيد أكبر من المرضي الأحرار أن العبيد أكثر دقة في اتباع نظام الصوم العلاجي،* وجاء الاسلام*.. وها هو ذا الدكتور* 'إليكس كاربل*' الحائز علي جائزة نوبل في الطب يقول*: 'إن الصوم ينظف ويبدٌل أنسجتنا وصدق رسول الاسلام حيث قال إن المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء*'.