ولكنهم يحسنون الذبحة
محمد السحيمي
تتألف لجان الرقابة الشرعية، حسب الختم "المنفِّط" على مؤخرة عنقك، إن كان له مقدمة، من فريقين تجمع بينهما، وبين كل مواطن مؤمن بالله ورسوله، النية الحسنة في البعد عن المعاملات الربوية، التي نص القرآن المجيد على تحريمها، أو الإذن بحربٍ من الله تعالى، وهما: الفريق الفقهي، ويمثله فقهاء أجلاَّء، بعضهم من هيئة كبار العلماء في المملكة، وهو ـ باعتراف كباره في أكثر من مناسبة ـ غير ملمٍّ، كونه غير متخصص، بدقائق المعاملات البنكية المعقَّدة، خاصَّةً في الجوانب الدولية، و"العولمة"، ولهذا يعوِّل كثيراً في اتخاذ قراراته على الفريق الثاني، الذي يمثله مجموعة من البنكيين/ الصيارفة، الحاظين بثقته ورعاً، وتقوى، وذمة، ونزاهة!
وهنا لابد أن تتساءل ـ وأنت تتحسس الختم ـ: من يحق له تسمية المعاملات التي تتمخض عنها اجتماعات الفريقين بـ "الشرعية"، أو"الإسلامية": الفقيه الذي لا يفهم المعاملات البنكية، أم "الصيرفي" الذي لا يفهم أصول الاستنباط الفقهي؟ وبعبارة أخرى: لا جدل في تحريم الربا، ولا نقاش في أن من يخاف الله ملزم بالابتعاد عن أية شبهة قد تمحق حياته كلها، ولكن أقل المؤمنين علماً، يوقن أن الله تعالى حرَّم أيضاً الجشع، والغرر، وأكل أموال الناس بالباطل؟ وهل عِلَّةُ تحريم الربا تكمن في إجراءات شكلية، تمنع أكله أضعافاً مضاعفةً بأية طريقة؟ أم فيما يفضي إليه التعامل بالربا، من الكسب دون إنتاج ينفع الناس، وغبنٍ واضحٍ في نسبة الربح من البيع المؤجل ـ إذا افترضنا أن ما يتم هو كذلك فعلاً ـ التي تصل تراكمياً إلى 45% في المعدَّل؟ فلماذا لا تتدخل "الهيئة الشرعية" في تحديد النسبة بـ10% تؤخذ مرةً واحدة، وتضاف إلى قيمة القرض ـ بعد بيع السلعة ـ سواء سددتَ المبلغ في سنة أم في عشرين سنة؛ لكيلا تكون غطاءً شرعياً لمحرَّماتٍ لا تقل عن الربا خطورة؟
وتأمَّل "شرعنة" بطاقات الائتمان كيف تتم، وهي إقراض مالٍ بمال: فبعد أن تأخذ فائدتها السنوية تحت مسمَّى "رسوم إصدار"، تحدِّد لك مبلغاً ـ وهو ثلاثون ألفاً بالمعدل ـ لك الخيار في أخذه نقداً، أو إنفاقه في مشتريات، ومصاريف سفرٍ، وغيرها، فإن سددت حسب القسط الذي ألزمتَ به نفسك، وحسب الحد الائتماني "الزهيد"، الذي حددوه هم لك شهرياً، سلمتَ من الربا "اسم الله علينا"، أما إن صرفت المبلغ دفعة واحدة في علاج أحد والديك، فلن يتورع البنك عن سحب كامل راتبك/ قوتك وقوت عيالك، غير عابئٍ بالعقد الذي حددت فيه قدرتك التسديدية بقسط مناسب! ولأن راتبك لا يكفي للتسديد في الموعد المحدد، فستضطر لدفع فائدة ربوية صريحة تحت مسمى "غرامات تأخير"، مصدقة من.. تحسس الختم جيداً!
أما إذا تساءلت عن الخدمات التي تقدمها البنوك للوطن والمواطن، مقابل مَصِّها لدمه باسم "الاقتصاد الإسلامي"، فستوقن بأن الإجراء الشرعي الوحيد، الذي تلتزم به بحذافيره هو الأثر الشريف: "إذا ذبح أحدكم فليحسن الذبحة"!
جريدة الوطن