Announcement

Collapse
No announcement yet.

السياسة السعودية واشكالية الدين والسياسة

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • السياسة السعودية واشكالية الدين والسياسة

    السياسة السعودية واشكالية الدين والسياسة
    د. سعيد الشهابي


    تساؤلات كثيرة طرحت قبل انعقاد 'قمة حوار الاديان' التي عقدت الاسبوع الماضي في نيويورك وبعدها، حول دوافع المملكة العربية السعودية لطرح المبادرة التي تجسدت في عقد القمة المذكورة. انطلقت هذه التساؤلات لاسباب عديدة: اولها ان السعودية لا تملك سجلا ناصعا في مجال الحرية الدينية، فلا تسمح لغير المسلمين بممارسة شعائرهم علنا، وتمارس قمعا منهجيا ضد اتباع المذاهب الاسلامية غير المذهب الوهابي.

    ثانيها: هل ان دعوة رئيس الكيان الاسرائيلي للقمة خطوة على طريق التطبيع بين الرياض وتل ابيب، ووسيلة لتنشيط 'مبادرة السلام' السعودية التي تبنتها الجامعة العربية وطرحت باسم 'المبادرة العربية'؟ ثالثها: ما مدى نجاح مبادرة من هذا النوع في ظل غياب المؤسسات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني الكفيلة بتنفيذ بنود المشروع وتحويله الى ثقافة شعبية في الاوساط الدينية المختلفة؟ رابعها: لماذا لم تطرح المبادرة كمشروع اسلامي اوسع تتبناه منظمة المؤتمر الاسلامي، على غرار مبادرة السلام السعودية المشار اليها؟ خامسها: ألا تعتبر مشاركة شخصيات سياسية لديها سجلات سوداء في ادائها السياسي والعسكري وخوضها الحروب ضد الآخرين، تشويها للطرح الديني، واضرارا بصورة النقاء والطهر المرتبطة بالدين في اذهان الناس؟ سادسها: عندما يطرح الدين في أهم محفل دولي بمشاركة هؤلاء الساسة، ألا يبدو انها محاولة للتسابق على استغلال الدين في المعركة السياسية والامنية المحتدمة مع مجموعات العنف والتطرف؟ أليس ذلك محاولة من طرف آخر لاختطاف الدين كما فعلت تلك المجموعات؟ سابعها: ان طرح الحوار الديني في وسط سياسي كالامم المتحدة لا يحضره الا الزعماء والسياسيون، ينقل الحوار من مكانه الطبيعي الى عالم السياسة المعروف بالمراوغة والتدليس والسعي المتواصل لاستغلال كافة الوسائل لتبرير الظلم والانحراف، فلماذا لم يدع الزعماء الدينيون والنشطاء للقمة؟ واذا لم يكن ذلك ممكنا، أوليس بالامكان اصدار قرارات عن القمة بتحويل الحوار الى مكانه الطبيعي خارج اروقة الامم المتحدة، ليتحرك في مساراته الطبيعية في مؤسسات المجتمع المدني والمحافل الدينية ومراكز النفوذ الديني في الفاتيكان والازهر والنجف وقم وغيرها؟ هذا اذا اريد للحوار ان يتحول الى مشروع دولي حقيقي، وان لا تكون نهايته على غرار مشروع 'حوار الحضارات' الذي كانت المرة الاولى والاخيرة التي اهتمت الامم الامم المتحدة به كانت عندما طرح امام المنظمة الدولية وأقرته كمشروع، وخصصت العام 2001 عاما لحوار الحضارات. فهل حدث في ذلك العام ما يؤكد رغبة اكيدة في الحوار بين الحضارات؟ ام ان العالم شهد أسوأ اوقاته في تلك الفترة التي شهدت حوادث 11 ايلول (سبتمبر) وضرب افغانستان؟

    وثمة اشكاليات اخرى، فكرية وايديولوجية، ترتبط بالدعوة لحوار الاديان. من هذه الاشكاليات التداخل المتواصل بين الدين والسياسة، وعدم امكان الفصل بشكل حاد بين ما هو ديني وما هو سياسي، وصعوبة الغاء الابعاد الدينية من الخطاب السياسي. فعندما تحدث العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، أمام قمة نيويورك، كان التداخل بين الدين والسياسة واضحا في خطابه، اذ انطوى كلامه على القلق من استمرار حالة الجفاء بين الاديان، معتبرا ان التحاور في ما بينها ضرورة للحفاظ على الامن والسلم الدوليين. هذه حقيقة، وان كانت الوقائع لا تشير الى ان السياسيين يستوعبونها بشكل جلي عندما يتخذون القرارات السياسية اما بقمع اتباع الاديان او المذاهب الأخرى التي لا تتواءم مع معتقداتهم، او عندما تقحم الفكرة الدينية بشكل ممجوج في الصراع، او البحث عن مبررات دينية للقرارات السياسية، او عندما يمارس العنف والارهاب باسم الدين. ولم يكن خطاب الرئيس الامريكي الذي يوصف بانه 'مسيحي متدين' خاليا من هذه الاشكالات. فهذا 'المسيحي المتدين' كما تصفه وسائل الاعلام، اتخذ قرارات سياسية خطيرة تنصلت منها الكنيسة بشكل واضح. فلم يحظ بدعم كنسي مثلا وهو يتخذ قرار الحرب ضد العراق، ووقفت الكنيسة ضد تلك الحرب ولم يفلح الرئيس الامريكي في اقناع رجال الكنيسة بانها 'حرب عادلة' وفق التعريفات الكنسية. الرئيس بوش سعى لتبديد الصورة السوداء الكالحة لعهده، واشار الى ان الدفاع عن الحرية الدينية عنصر محوري في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، لافتا الى ان الحرية الدينية 'أساس المجتمع الصحي'. ولم تفته الاشارة الى الولايات المتحدة قائلا 'لقد ساعدت أمتنا في الدفاع عن حرية الآخرين الدينية من تحرير معسكرات الاعتقال في أوروبا (في الحرب العالمية الثانية) الى حماية المسلمين في مناطق مثل كوسوفو وأفغانستان والعراق'. انها اشكالية صعبة عندما يضفي جورج بوش شيئا من الشرعية الدينية على سياساته، خصوصا بعد ان رفض الامريكيون تلك السياسات، وصوتوا ضده وضد حزبه في الانتخابات الاخيرة. وقد تدنت شعبيته الى ثماني نقاط مئوية أقل مما حظي به رتشارد نيكسون في أحلك فترات رئاسته، بعد قضية 'ووترغيت' مباشرة.

    اما توقيت القمة فهو الآخر يثير تساؤلات مهمة. فقد جاء المؤتمر قبيل انعقاد قمة ما اصبح يسمى 'الدول الـ 20' التي تضم، بالاضافة الى الدول الصناعية الثماني، دولا عديدة اخرى ذات قوة اقتصادية متميزة مثل الصين والهند والسعودية. هدف القمة هذه المرة كان حث الدول الأقل تضررا بالأزمة المالية الدولية العاصفة على ضخ الاموال في المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، من اجل تخفيف حدة الأزمة. وكانت هذه المؤسسات قد شهدت تراجعا في قدراتها وامكاناتها المالية بسبب حجم المشكلة التي كادت تؤدي ببعض الدول مثل ايسلاندا والمجر الى الافلاس. الأزمة الاقتصادية التي هي الأخطر منذ ثمانين عاما، ساهمت فيها عوامل عديدة من بينها سياسات تحرير الاقتصاد، وتشجيع الانفاق الفردي المدعوم بالقروض الهائلة من المصارف والبطاقات النقدية، بالاضافة الى ما تستنزفه الصراعات المسلحة من قدرات وأموال بلا حدود. يضاف الى ذلك بث ثقافة البذخ المفرط الذي لا يوازيه عمل منتج من قبل الافراد والمؤسسات. واليوم مطلوب من الدول النفطية، وفي مقدمتها السعودية، تمويل العجوزات الهائلة في اقتصادات الغرب، وضخ الاموال في المؤسسات المالية الدولية خصوصا صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. ومن المؤكد ان ضغوطا كبيرة مورست على هذه الدول لتقديم المزيد من الدعم المالي، في مقابل تشجيع بعض المبادرات كحوار الاديان الذي طرحته السعودية.

    وثمة بعد آخر لقمة حوار الاديان، تمثل بحضور رئيس الكيان الاسرائيلي، شمعون بيريز، الامر الذي اعتبر خطوة على طريق التطبيع مع الكيان الاسرائيلي تحت غطاء الحوار الديني. وقد لوحظ عزوف اغلب حكام دول مجلس التعاون عن الحضور باشخاصهم، ولم يحضر منهم سوى أمير الكويت وملك البحرين، بينما تغيب سلطان عمان ورئيس دولة الامارات العربية المتحدة وأمير قطر، برغم ان الدعوة وجهت لهم مباشرة من العاهل السعودي شخصيا. وهذا مؤشر للحساسيات والاختلافات حول بعض القضايا السياسية (في حالة قطر) او المذهبية (سلطنة عمان) او الحدودية (دولة الامارات). ويشير ذلك الى غياب الاجماع الخليجي على المشروع السعودي، بسبب الاعتبارات المذكورة. هذا مع العلم ان دولة قطر نظمت مؤتمرات للتقريب والحوار الاسلامي ـ الاسلامي وكذلك حوار الاديان. فلماذا تتعدد المشاريع ذات الطبيعة الواحدة؟ ولماذا يصعب على هذه الدول الاتفاق ولو ضمن خطوط عريضة لطرح مبادرات او مشاريع خصوصا اذا كانت كبيرة من هذا النوع؟ وثمة بعد آخر يشير اليه بعض مناوئي الطرح السعودي، مفاده ان مبادرة حوار الاديان تهدف لتمهيد الطريق امام المبادرة السعودية للسلام في الشرق الاوسط. فمشاركة وفد اسرائيلي رفيع المستوى في قمة نيويورك ستساهم في كسر الجليد بين العرب والاسرائيليين وتمهيد الطريق للمزيد من التطبيع النفسي والسياسي.

    الى اين ستؤول مبادرة العاهل السعودي حول حوار الاديان؟ وهل ان لدوره في المؤتمر الاقتصادي أثر مباشر على مستقبل تلك المبادرة؟ هذا يعتمد على عدد من الامور. اولها مدى تجذر القناعة لدى السعوديين انفسهم بضرورة الحوار. فللحوار مستلزمات اهمها الاعتراف بالآخر من جهة والشعور بضرورة الحوار معه لتطوير العلاقة وتفادي الخلافات. والثاني: ان تتعمق ثقافة الحوار، وتصبح لغة التعامل مع الآخرين، خصوصا مع المخالفين في العقيدة. والثالث: ان تكون ثقافة الحوار شاملة، بمعنى ان تشمل الجميع، فلا تقتصر على فئة دون أخرى. ولكي تستطيع السعودية انجاح مشروع الحوار الديني، عليها أن تبدأه مع مواطنيها، فتبدأ الحوار مع اتباع المذاهب الاخرى غير الوهابية، كالصوفية والاسماعيليين والشيعة. مطلوب منها ان تسمح لأتباع الديانات الاخرى بممارسة شعائرهم بحرية، وان لا تحاكم الناس على هويتهم وانتمائهم الديني. فمن قال ان الاسلام يمنع الآخرين من ممارسة شعائرهم وهو الذي يقول: لكم دينكم ولي دين؟ رابعا: ان الحوار الديني يتطلب ايمانا بحرية التعبير وحرية الفكر. وقد لمح الرئيس الامريكي الى أمر مهم، برغم الاختلاف الكبير معه، اذ ربط نجاح مشروع حوار الاديان بوجود ممارسة ديمقراطية. وهذه حقيقة. ففي غياب الحريات العامة لا يستطيع الناس التعبير عن آرائهم ومواقفهم، وبالتالي تغيب اجواء الحوار والتفاهم. ويشعر المواطنون انهم مقموعون، وان عليهم اتباع الرأي الرسمي بدون مناقشة. ولم يعرف عن السعودية احترامها للحريات العامة، خصوصا حرية التعبير والنقد، كما لم يعرف عنها حماسها لتقنين الحياة السياسية ضمن اجندة وطنية يتم التوافق بشأنها من خلال الحوار والنقاش والاستفتاء. وما لم يتم احتواء سلوك مجموعات 'الامر بالمعروف والنهي عن المنكر' التي تمتلك صلاحيات واسعة لفرض نمط واحد من الممارسات الدينية وفق المذهب الوهابي، فسوف تظل الحرية الدينية سرابا بلا واقع. فاذا كان الملك عبد الله جادا في ترويج الحوار الديني فالمطلوب ان يرى العالم مصاديق لذلك الشعار في الواقع السعودي، وذلك بإعطاء الاقليات الدينية، المسلمة وغيرها، حقوقها الطبيعية ليس في العبادة فحسب، بل في انماط حياتها وحقوقها السياسية.

    لا شك ان المال السعودي وافر، ولذلك فهو قادر على الترويج لبعض الاطروحات الفكرية والدينية. وليس جديدا القول ان المال النفطي الذي ازداد وفرة منذ الطفرة النفطية الاولى في منتصف السبعينات، ساهم بشكل مباشر في نشر ثقافة 'المذهب الواحد' ورفض الاجتهادات التي تمارسها المدارس الفكرية والفقهية الاخرى. هذا المال ساهم كذلك في توسيع دائرة نفوذ المذهب الوهابي الى بلدان لم تكن تعرفه من قبل، خصوصا في شبه القارة الهندية. وفي الوقت نفسه عجزت السياسة السعودية على الصعيد المحلي عن تطوير نفسها، فلم تتوسع دائرة المشاركة السياسية او التعددية الدينية والفكرية. وما يزال حجاج بيت الله الحرام يعانون من تصرفات المجموعات الدينية التي تمتلك تفويضا مطلقا للتعامل مع الحجاج وفق رؤاها الخاصة، ولا تسمح لبقية المسلمين باداء واجباتهم الدينية وفق مذاهبهم. اما غير المسلمين فلم يشعروا يوما بحرية معقولة في الممارسة الدينية. وهذا ما تؤكده المجموعات الناشطة داخل المملكة وما تقوله تقارير المنظمات الدولية خصوصا منظمة 'هيومن رايتس ووتش' التي تتخذ من واشنطن مقرا لها. هذه النظرة الضيقة للدين والمذهب الفقهي أفقدت السعودية القدرة على التحول الى مجتمع متماسك قائم على الاحترام المتبادل بين فئاته ومكوناته العرقية والدينية والمذهبية. ولذلك شهدت المملكة انتفاضات متتالية طوال العقود الثلاثة الاخيرة ابتداء بانتفاضة جهيمان العتيبي، مرورا بانتفاضة أهالي المنطقة الشرقية في الثمانينات، وصولا الى انتفاضة الاسماعيليين في نجران. وجاء سجن المواطن الاسماعيلي احمد تركي الصعب ليحرك الاوضاع الراكدة، ويدفع اكثر من 77 شخصية من ابناء المنطقة لتوقيع عريضة تطالب الملك عبد الله بالتدخل لوقف الفساد المالي والاداري المستشري في منطقة نجران. وحدث ما حدث من مواجهات واعتقالات كشفت الكثير عن الواقع السعودي الحالي.
    لا شك ان رفع شعار حوار الاديان تطور ايجابي، ولكنه لن يأتي بثمار تذكر الا اذا صاحبته قرارات سعودية بفتح مجال الحريات العامة في المملكة، والخروج من عهد القمع والاستبداد وانتهاك حقوق الانسان. صحيح ان طرح المشروع من فوق منبر الامم المتحدة قد وفر له زخما كبيرا، ولكن هذا الزخم لن يلبث ان يتلاشى ما لم يكن مشفوعا بحراك سياسي وفكري، يحرر المملكة من اغلال التعصب والتحجر والتمذهب، ويدخلها عهد الاصلاح السياسي واحترام الآخر، والتخلي عن عقلية الاقصاء والتكفير والقمع. اذا حدث ذلك فسيكون لمبادرة الملك عبد الله نصيب من النجاح.

    ' كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن
    الدكتور تركي فيصل الرشيد

    رجل أعمال . استاذ زائر كلية الزراعة في جامعة اريزونا توسان - مقيم في الرياض .
    يمكن متابعته على تويتر
    @TurkiFRasheed


  • #2
    رد: السياسة السعودية واشكالية الدين والسياسة

    مقال جميل يحكي الواقع السعودي الداخلي بدقة ويحتاج لقراءة متأنية من القيادات السعودية وموقف حازم من التشدد الديني والسماح بالمشاركة الشعبية في إدارة سياسات البلاد الداخلية والخارجية وجعل الشفافية واقعاً لا مجرد شعار ونشر الوعي السياسي بين الناس .

    Comment

    Working...
    X