كيف يؤثر المناخ في حياتنا ؟
لعله أول ما يجول بخاطرك عند قرآءة هذا العنوان هو التفكير في الأثر الذي يصنعه المناخ في حياتنا من ناحية الغذاء أوالملبس أو غير ذلك على سبيل المثال لا الحصر .
إذا كان هذا ما قد فكرت فيه ، فعليك ألا تشك لحظة في صحة ذلك .
ولكن ..
في هذا الموضوع نهتم بدراسة المناخ بشكل أعمق من ذلك ، سنتناول الظواهر الطبيعية التي يكون للمناخ دور فيها ، الظواهر التي تكاد أن تعد أحداثا يومية لا نلقي لها بالا ، إلا أن تأثيرها على حياتنا لا يمكن تجاهله ، ( رياح - أعاصير - براكين - زلازل - فيضانات - ... إلخ ) الكثير من الظواهر الطبيعية قد تؤثر في حياتنا بشكل لا يمكن تصوره !
معلومة هامة :
بالرغم من ازدياد قوة الكوارث الطبيعية وأثرها التدميري في العصر الحالي عما كانت عليه في الماضي ، إلا أن العلماء يؤكدون أن تأثيرها على حياتنا أصبح أقل ضررا !
وفي كلتا الحالتين توصف الظاهرة بأنها مسببة للدمار .
عندما تقرأ المعلومة السابقة قد لا تصدق : كيف كان تأثير الكوارث الطبيعية كبيرا في الماضي ، في حين أنه محدود حاليا ؟
إذا كنت لا تصدق فإليك بهذه الأمثلة :
* حدث ملفت للنظر :
في حوالي العام2200 ق.م انفجر بركان رئيسي في منطقة شرق البحر المتوسط ، وتدفقت من هذا البركان كميات هائلة من الرماد الدقيق إلى الجو .
هل تتوقع ما أثر ذلك ؟
1 - كمية الرماد ظلت في الجو لفترة امتدت لحوالي 278 سنة ، حاجبة الشمس طوال هذه الفترة . وبالطبع تحولت هذه المنطقة إلى منطقة باردة جليدية تماما ، وتغيرت ملامحها طيلة هذه الفترة . " هل تتخيل هذه المناطق - على ارتفاع الحرارة فيها - وهي تقبع في الجليد ؟ "
2 - تأخرت الرياح الغربية الرطبة الأوسطية ، وانخفض سقوط الأمطار شتاء ، الأمر الذي حـَرَمَ نهري الفرات ودجلة من مياه الأمطار ، وسقوط الثلج في مرتفعات الأناضول البعيدة ، وهكذا انقطع فيضانهما أيضا .
ولكن ..
هناك سؤال قد يحير الكثيرين : كيف استطاع العلماء معرفة ما حدث في مثل هذا الوقت " 2200 ق.م " ؟
ولكن للإجابة على هذا السؤال بسيطة : ستجد الحل في " اسطوانة اللب " ( بالطبع هناك العديد من الطرق ، ولكن هذه الطريقة التي استخدمت لمعرفة هذا الحدث ) .
س / ما هي اسطوانة اللب ؟
اسطوانة اللب ( Cores ) تطلق عند العلماء على عينات اسطوانية تؤخذ بالحفر عميقا في ألواح الجليد أو قاع البحر ، باستخدام بريمة خاصة . ثم تنظف عينة اسطوانة أو قضيب الجليد من الشوائب الخارجية ، ويحتفظ بها في غرف تجميد إلى أن يتم فحصها معمليا . تمثل الاسطوانة قطاعا طويلا في الجليد تكونت طبقاته على مر الزمن ، ويمكن تحليلها لما يوجد من غاز وغبار وبقايا وحبوب لقاح .. إلخ .
* حدث آخر :
في حاولي العام 3800 ق.م تحول مسار الرياح الموسمية من المحيط الهندي لتتجه جنوبا ، وتغير نمط سقوط الأمطار . فأخذت أمطار الشتاء تبدأ متأخرة وتنتهي مبكرة ، وبالتالي أصبح على المزارعين أن يعتمدوا على مياه النهر وحدها لمحاصيلهم النامية وهي تقارب النضج . أصبحت فيضانات النهر الآن تأتي بعد جني المحاصيل ، الأمر الذي يعني أن الزراعة تعتمد على مياه انخفض تدفقها كثيرا .
معلومة : كلمة " الرياح الموسمية " هنا نسبة إلى المصطلح الجغرافي " Monsoon " أي الرياح الموسمية ، وليست نسبة إلى الموسم بمعنى الوقت .
* نهر المسيسيبي :
يعتبر نهر المسيسيبي من أشهر أنهار العالم ، ولكن .. ما تاريخ هذا النهر ؟
أسس المستوطنون الفرنسيون مدينة نيوأورليانز في العام 1718م فوق حواجز مرتفعة تطل على نهر المسيسيبي . وبعد ذلك بعدة شهور حدث فيضان عظيم غمرت مياهه أساسات المدينة ، وجعل الفرنسيين يستنتجون أن عليهم أن يتحكموا في مجرى النهر .
تعرضت المدينة للفيضان ثانية في العامين 1735م و 1785م ، وكذلك على فترات طويلة بما يكفي لأن ينسى سكانها : ما الذي يكون عليه الفيضان العالي ؟
بحلول العام 1812م كان هناك حواجز اصطناعية تمتد على 300كم في بعض الأماكن ، وقد صممت أساسا لحماية أراضي المزارع . وازداد الطلب على مزارع السكر بحلول العام 1828م حنى أن الحواجز وصلت إلى رأس الدلتا .
بحلول العام 1850م تعرضت بعض الحواجز للانهيار ، وذلك عندما تصدعت اثنان وثلاثون حاجزا . وأطلقا البعض على ذلك العام " العام الكارثي " .
في العام 1879م شكلت الحكومة الفيدرالية " لجنة نهر المسيسيبي " ، وذلك عندما فاض فيه مجرى النهر الرئيسي بأعلى مما حدث قط .
وفي العام 1882م أدى أكثر الفيضانات تدميرا في القرن التاسع عشر إلى تصدع 280 حاجزا . وانتشرت مياه الفيضان في الخارج لأكثر من 110كم .
* هل اقتصرت مشكلة نهر المسيسيبي على الفيضانات ؟
لا ، وإنما هناك كارثة أخرى أكثر خطورة .
أثناء فيضان عام 1882م ظهرت هذه الكارثة ، وهي أن المجرى الرئيسي للنهر ظهر على وشك أن يتحول إلى قناة " أتشافالايا Atchafalaya " خصوصا عندما أخلى سلاح المهندسين النهر من الحطام .
حتى الآن تمت السيطرة على الوضع ، وتولى جهاز سلاح المهندسين الإشراف على هذا النهر .
ولكن ..
ماذا سيحدث لو تغير مجرى النهر إلى قناة اتشافالايا ؟
1 - اختفاء عاصمة الولاية " باتون روج " من الوجود . مع اختفاء الكثير من المناطق .
2 - تتحول مدينة نيو أورليانز إلى مدينة جافة تماما ، بعد أن كانت من أهم الموانيء .
3 - تضرر كل مواقع الصناعة الثقيلة التي تحتشد حول المجرى الرئيسي ، والتي تحتاج إلى المياه .
4 - تدهور اقتصادي يلحق المدن التي كانت تعتمد على النقل النهري .
هذه فقط بعض المشاكل المتعلقة بالمجرى القديم للنهر - في حال تعرض مجرى النهر للتغير - ، ولكن ماذا عن المسار الجديد ؟ هل هو مؤهل ومناسب لاستقبال كمية المياة التي ستجري فيه ؟ إذا كانت الإجابة بـ " لا " فهذا يعني تضاعف لكمية المياه التي يفيض بها النهر ، وغرق المزيد من الأراضي .
* ماذا فعل جهاز سلاح المهندسين للتحكم في هذا النهر وضمان حمايته ؟
- سد سلاح المهندسين الفرع المتسكع للنهر القديم - الذي يغذي قناة أتشافالايا - بإقامة خزان ضخم .
- شيدوا منظومة هويس للسماح للسفن بأن تهبط إلى ما يصل لعشرة أمتار لتمر أسفل النهر عند النقطة الحرجة التي تقع على مسافة 480كم أعلى التيار من عند المصب .
- تحكمت الآن قوات سلاح المهندسين في تدفق النهر فحددوا كمية المياه التي تنساب عبر نيو أورليانز ، والكمية التي تذهب إلى قناة أتشافالايا ، والكمية التي تفيض إلى المستنقعات .
يتساءل براين فاغان قائلا : ( ترى هل تحكموا فيه حقا ؟ معرفة التحكم في النهر لا تتوقف أبدا ، ذلك أن من المحتمل دائما أن يحدث صدع أعلى النهر وتستطيع قوة مياه الفيضان الرهيبة أن تندفع خارجة من أي مكان . حتى وقتنا هذا يعتقد أفراد سلاح المهندسين أنهم احتووا النهر ) .
يظهر لنا من كلامه أنه لا تزال المخاوف من نهر المسيسيبي موجودة - سواء من ناحية فيضاناته أو تغييره لمساره - ، بل وقد تكون في ازدياد ، ولا يدري أحد ماذا يخبيء لنا المستقبل من مفاجآت ؟
يقول مارك توين في كتابه " الحياة فوق المسيسيبي " : ( من يعرف المسيسيبي سوف يجزم فورا - ليس بصوت عال ، وإنما بينه وبين نفسه - بأن عشرة آلاف لجنة للنهر لن تستطيع ترويض هذا المجرى الخارج على القانون ، أو كبح جماحه ، أو تقييده ، ولن تستطيع أن تقول له : " اتجه إلى هنا " أو " اتجه إلى هناك " ، ولن تستطيع أن تجعله مطيعا .. لن تستطيع حجز مساره بأي عقبة لا يمكنه أن يهدمها ، وأن يرقص فوقها ، ويضحك ساخرا جدا ) .
توضح هذه الكلمات التاريخ الطويل لمشاكل هذا النهر .
بعد كل ما سبق : -
هل رأيتم كيف يمكن للمناخ أن يؤثر في حياتنا ؟
إن المناخ له دور هام كعامل من من عوامل الزمن ، أقام حضارات ، وهدم أخرى ، وغير من معالم ثالثة . فرق جماعات ، ولم شمل أخرى . له دور في الإبادة والهلاك ، وكذلك في الحياة .
كانت هذه الوقفات عبارة عن مجموعة من المقتطفات من كتاب : " الصيف الطويل " لمؤلفه / براين فاغان ، عرضتها لكم بأسلوبي . وكان هذا الكتاب ضمن سلسلة عالم المعرفة الصادرة عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت ( رقم 340 ) ، وهو من ترجمة / د . مصطفى فهمي .
منقول