الأسباب والأبعاد النفسية المرتبطة بالتدخين
يتأثر المدخن بنسبة النيكوتين التي تدخل جسده بسبب التدخين. وهذا يجعله يستمر ويصبح مدخناً، لأن الإقلاع قد يسبب له متاعب صحية لا يقوى على تحملها أو مواجهتها. هكذا يفسر العديد من الأفراد سبب استمرار الشخص في التدخين وعدم رغبته في محاولة الإقلاع. والواقع أن هذا الجانب هو نصف الحقيقة. أما النصف الآخر فهو خصوصية العلاقة بين المدخن والسيجارة.
فالتدخين عند بعض الشباب مرتبط بحدث معين مثل تناول الشاي أو القهوة أو بعد الوجبات، وقد علق أحدهم بقوله «الشاي من غير سيجارة زي الشباك من غير ستارة»! وبعضهم من يربط التدخين بمواجهة المشاكل والزهق والخروج من الضيق وقد دلل أحد الشباب على ذلك بقوله «ممكن الواحد يلاقي مشاكل أمامه ويطلع في السجاير أرفه وزهقه وهي بتهدي لو الواحد متضايق». والتدخين يرتبط أيضا بمشاهدة التليفزيون بما يحتويه من مباريات، أفلام وأغان.
فالتدخين لمدة طويلة يخلق داخل المدخن الشاب نوعاً من الارتباط النفسي بالسيجارة وبالحالة المزاجية التي يكون فيها عند التدخين وهي حالة يشتاق إليها المدخن ويجد صعوبة في التخلي عنها. وقد وصف الغالبية من الشباب المدخن في محافظات البحث هذا الارتباط بتأكدهم على أن التدخين هو «شيء» بممارسته يجتمعون بالأصدقاء، فالشلة تجتمع وتتحدث وأيضا تدخن..
وهكذا يرتبط التدخين في ذهن العديد من الشباب بالصحبة والدردشة والوقت الممتع، ولهذا فقد وجدنا بعض من الشباب لا يدخن إلا في حالة اجتماعه وصحبته للأصدقاء وكأنهم بذلك يستحضرون حالة نفسية ومزاجية معينة يرغبون أن يعيشوا فيها ويتذكروها ويساعدهم في الاسترجاع ممارسة الأشياء نفسها التي اعتادوها وقت الصحبة وعادة ما يكون التدخين أحد هذه الأشياء.
أيضاً أشار بعض أفراد العينة إلى أنهم يستعينون بالتدخين لقتل الفراغ الذي يواجهونه في حياتهم اليومية ونعني هنا فراغ الدور والوقت معا. فالشاب في سن صغيرة عادة ما يواجه مشكلة عدم وجود دور أو قيمة اجتماعية له تجعله يشعر بأهميته ووجوده، لذا قد يلجأ إلى التدخين أو غيره لقتل هذا الشعور.
ويرى بعض الشباب أن التدخين وسيلة لمواجهة الضغوط النفسية والاجتماعية المختلفة التي يواجهونها، فترى مجموعة كبيرة من الشباب، خاصة المدخنين في ذلك سبباً يدفع الشباب للتدخين وخاصة الضغط الناتج عن المذاكرة والدراسة، فأحد الشباب قال مؤكداً (أنا ادخنها في وقت المذاكرة والدراسة وببطلها في الإجازة).
وذكرت مجموعة أخرى أن التدخين يساعد على مواجهة وتحمل المشاكل بكل أنوعها وخاصة الأسرية، فقد أيد هذا السبب نسبة كبيرة من الأفراد فهم يرون أن التدخين وسيلة يلجأون إليها عند مرورهم بحالة مزاجية غير طيبة، فعلى حد تعبير أحدهم «ممكن الواحد يلاقي مشاكل قدامه فيطلع في السجاير أرفه وزهقه فهي تهدي الواحد». ويدخن شباب آخرون من أجل «حب التجربة والفضول» الذي يسيطر على الشباب خاصة في بداية مرحلة المراهقة.
وعلى هذا من الواضح أن مشكلة التدخين ليست إلا قمة الهرم التي يأتي أسفلها القدر الكبير من المشكلات شديدة الخطورة على مستقبل الشباب، والمجتمع ككل، فالتدخين يتعدى كونه سيجارة إلى أنه البداية لطريق مليء بالمخاطر. كما أن أغلب الشباب يرون فيه الحل في كثير من مشاكلهم كما ورد سالفا ولا يشعرون به كمشكلة في حد ذاته وانه بداية لطريق من الاستسلام والضعف والمرض الحتمي.
لم نصل لأثر واحد أو إحساس واحد يؤثر في الشباب المدخن بشكل واضح بل تباينت الاستجابات ما بين كون التدخين عادة مرتبطة بهم وبانفعالاتهم، هذا ما ورد على لسان العديد من أفراد العينة، فهم يرون «أن التدخين جزء من انفعالاتهم المختلفة» أما باقي الاستجابات جاءت كلها مشيرة إلى أن التدخين يعطي لهم إحساس بالهدوء والانسجام فمنهم من قال «إنها بترفع الموود بتاعك للطبيعي» وآخر أكد أنه «بحس إن أنا هادئ ولو عصبي».
ونجد أن انتشار الشيشة بين الشباب في الوقت الحالي دليل آخر على أن التدخين هو «فعل» يربط بين الأصدقاء وتواجدهم وهو جزء من تجمعاتهم، فالشيشة ليست فقط «تقليعة» جديدة كما يراها العديد من الشباب بل هي «فعل» يجمع الشباب وحالة يستحضرها الأصدقاء للاستمتاع بالوقت والصحبة، فهي كما ذكر أحد الشباب «روشنة»، وهي مرتبطة بتجمع الأصدقاء في أماكن معينة مثل المول، الحسين أو المقاهي الحديثة المنتشرة.
وقد جاءت نسبة ليست بقليلة من الشباب محايدين ولا مبالين بهذه الظاهرة، فجاء رأي أحدهم بأن «لو جت الشيشة مش هاقول لا.... لكن مش هاروح أشربها مخصوص» وهؤلاء فريق لا يرفض الشيشة ولكن لا يقبلها. وتعتبر هذه نقطة في غاية الأهمية لأن هذا الفريق يدخن الشيشة أو السجائر بشكل متقطع وغير منتظم وهم لا يرون أنفسهم مدخنين بل فقط يشاركون الأصدقاء وقت التجمعات.
ومن المدهش أن نسبة الإناث في هذا الفريق نسبة عالية خاصة في محافظة القاهرة والاسكندرية. وقد عبرت إحدى الفتيات عن هذه الحالة في قولها «أنا مش متعودة على التدخين والشيشة باشربها كل فين وفين»، وقالت أخرى «أنا مابعتبرش نفسي مدخنة علشان أنا عارفة أن اللي بيشرب مابيبطلش وأنا باشرب على فترات متباعدة».
ومع إن تلك المجموعة لا تعتبر نفسها من المدخنين وأنهم قادرون على السيطرة على أنفسهم في أي وقت إلا إن الحقيقة أنهم من المؤكد في الطريق إلى إدمان التدخين وليس في طريق الإقلاع عنه، وهم فئة يجب العمل معهم من خلال برامج توجه لهم من خلال الجمعيات الأهلية.
أما عن وجود فرق بين تدخين السيجارة والشيشة، فقد أيدت الغالبية من العينة أن الشيشة أكثر ضرراً من السجاير لأنها «أشد» وأيضاً «بتخنق» فالشيشة أثقل من السجاير وضررها أكثر بكثير. وقد جاء رأي أحد الشباب منفرداً فذكر أن «الشيشة أرحم من السيجارة «ومن المهم الإشارة هنا أن مازال الضرر الصحي للشيشة غير واضح لكثير من الشباب وناتج عن قصور في الوعي الصحي.
حيث انه لا يعلم الكثير من الشباب أن للشيشة أضرارا أخرى بالإضافة إلى أضرار التدخين وهي أنها من الممكن أن تنقل الكثير من الأمراض وخصوصا الدرن. ومن خلال المقابلات التي تمت في القاهرة والاسكندرية والمنيا أتضح أن ظاهره تدخين البنات للشيشة منتشرة في القاهرة والاسكندرية وأنه أصبح مشهدا عاديا ومتكررا أن ترى الفتيات على المقاهي وهن يدخن الشيشة.
وعلى الجانب الآخر هذه الظاهرة تكاد تكون منعدمة في محافظة المنيا حيث ينال موضوع تدخين الفتيات الرفض القاطع من الجنسين وحتى في حالة وجود فتاة مدخنة، فإنها تحيطه بسرية تامة ولا تجهر به فقد وجدنا صعوبة بالغة في مقابلة فتيات مدخنات في محافظة المنيا.
ومن الواضح أن أسباب التدخين كثيرة ومتداخلة وكلها مؤثرة مثل التأثر بالأصدقاء، الفراغ والبطالة، التقليد وحب التجربة، وأيضا الهروب من المشاكل، ولكن النتيجة واحدة في النهاية وهي تدمير لصحة ومستقبل الشباب.
وفي ظل هذا مازال الشباب يرى أن التأثير السلبي للسجائر من الناحية الصحية مازال بعيدا عنهم، حيث إنهم الآن لا يشعرون بتأثير مباشر وأن المرض قد يأتي في السن المتقدمة ونفس الشيء في الشيشة. وعلى هذا فإنه من الضروري التركيز في البرامج الموجهة للشباب على أن أغلب مرضى ضغط الدم والقلب أصبحوا في هذه الآونة من الشباب.
Comment