لتربية العاطفية للشباب في إطار إسلامي
د.عجيل جاسم النشمي
المشاكل العاطفية أو الجنسية من أبرز القضايا التي تعاني منها مجتمعاتنا المعاصرة,ولانعدو الحقيقة إن قلنا أنها ثورة جنسية عالمية صارخة.
ولهذا فقد تأسست لها وفي سبيلها مؤسسات تربوية,ودور للرعاية وأجهزة إعلامية متخصصة بل أصبح الجنس علماً تخصصياً مستقلاً.
فالإسلام ينظر الى مشكلة الجنس بمنظار وفطرة هذا الإنسان فالله عز وجل الذي فطر الإنسان هو الذي ركز الرغائب والغرائز فيه وجعل حياته مرهونة بإشباع هذه الغرائز فالإنسان يجوع ويعطش ويرغب بالتملك ويحب المال والأولاد وغير ذلك.
ويريد الباري عز وجل أن يحفظ الحياة واستمرارها ويستخلف الناس في هذه الأرض وهو هدف سام عظيم فجعل الرغبة الجنسية فطرة مركبة في الإنسان تدفعه بشدة كي يحفظ النسل واستمراره ولذا جعل الاسلام الاعتداء على النسل معرضاً للعقوبة التي تصل حد الموت,وجعل الله عز وجل هذا الحنين والرغبة بين الجنسين الرجل والمرأة وجعل خلق الرجل وشكله بصورة تؤدي الى تحقيق هذه الرغبة والحنين وبالتالي المحافظة على النسل والجنس البشري,وكذلك خلق المرأة بهيئة معينة يتم فيها هذا الأمر.
فالإحساس بهذه الرغبة هو إحساس بأمر فطري في نفس الإنسان يجب أن لااصطدم معه وأن اجعل هذا التفكير في حدوده التي لاتقعد عن عمل ولاتنزوي بي الى ركن يتسلل اليه الشيطان,وأفهم فهماً مدركاً أن الاسلام لايمنعني من إفراغ ماأحسه وأن أشبع هذه الرغبة ولكنها بطريقها المحدد وفي وقتها الذي أستطيع تحمل تبعاته,إنه ليس من حقي أن أفرغ هذه الطاقة في أي مكان وبأي طريقة كانت ومع أي فتاة شئت.
إن هناك طرقاً للوصول الى هذا الأمر ينظمها ديني تحقيقاً لهدفه النظيف الذي لاأهضم فيه حق غيري ولاأعتدي على أعراض الناس ولاأدنس نفسي في وحل الخطيئة.
وأعلم وأنا أفكر في هذا الجنس إنني بشر من عقل وجسم وروح ويجب ألا تجري رغبة جنسية الى نسيان ذاتي وإني باختبار وقدرة على ضبط نفسي ورغباتها وأستجيب لعقل راشد وروح إيمانية عالية يسددان لهذا الجسم ورغباته الطريق,إنني أختلف عن الحيوان الهائم المعدوم الاختيار والتصرف.
وأدرك أن رغبتي هذه لها وقت محدد تتوافر فيه ظروف معينة أستطيع في ظلها أن أتحمل تبعة ما أنا مقدم عليه فلابأس أن أأجل هذه الطاقة وأصرف نفسي بالصبر والعمل الجاد المثمر وأن أسد فراغ وقتي بما يصلح ويفيد.
إعتساف الطريق لن يؤدي الى تحقيق رغبتي كما يريدها ربي.
إن هذا الاعتساف وتعجل الخطوات قد يؤدي الى مشاكل نفسية واجتماعية لاأستطيع مواجهتها.
فإذا ماسرت الى إشباع هذه الرغبة بطريقها المرسوم فإني حينئذ أصل الى ظل وارف وماء عذب وحياة هادئة ومتعة نظيفة وحرية هناك مطلقة.
فالأدخر هذه الطاقة التي لم يحن وقتها – والتي يؤجرني الله عليها – فإن الإسلام محتاج إليها حاجته لكل الطاقات الأخرى متناسقة في إطار العقل والجسم والروح.
إنه الشمول حتى في العواطف,إنه الالتزام حتى في الشهوات,إنه استسلام حتى في المشاعر والأحاسيس,إنه الانقياد للتوجيه والامتثال للأمر والنهي.
فافسلام يقر بالجنس والرغبة الجنسية ولايعدها عيباً ونفرة وكرهاً ولايطلب من المسلم أن يترفع عنها,بل يحثه عليها وإشباع رغبته الفطرية ويطلبها منه في إطارها الذي يرسمه له هذا الدين,بل إن الإسلام يسمو بهذه الرغبة ويجعلها طريق للأجر والمثوبة.
فيبين النبي (صلى الله عليه وسلم) إن المسلم يؤجر ويثاب على إتيانه شهوته بالحلال فيقول الصحابة متعجبين: يارسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر فيقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إجابة الإسلام الواضحة الناصعة "أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر,فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر".
ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو القدوة :"حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة".
ويقول الله تعالى: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) (الأعراف/3).
ويقول عز من قائل: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث) (آل عمران/3).
ويحسب كثير من الناس أن الإسلام يكبت هذه الغريزة الجنسية ويحصرها في نطاق ضيق يؤدي الى كبتها وبالتالي تكون العقد النفسية الحادة.
والحق الصراح في هذا أن الإسلام لايكبت هذه الغريزة,فليس الكبت هو الامتناع عن العمل الغريزي كما يخيل للكثيرين إنما ينشأ الكبت من استقذار الواقع الغريزي في ذاته وعدم اعتراف الإنسان بينه وبين نفسه إن هذا الواقع يجوز ان يخطر بباله أو يشغل تفكيره,والكبت بهذا المعنى مسألة لاشعورية,وقد لايعالجها إتيان العمل الغريزي,فالذي يأتي هذا العمل وفي شعوره إنه يرتكب قذارة لاتليق به,شخص يعاني من الكبت حتى ولو "ارتكب هذا العمل عشرين مرة كل يوم,لأن الصراع سيقوم في داخل نفسه كل مرة بين عمله وماكان يجب أن يعمله,وهذا الشد والجذب في الشعور وفي اللاشعور هو الذي ينشىء العقد والاضطرابات النفسية.
ونحن لانأتي بهذا التفسير لكلمة الكبت من عندنا: بل هو تفسير فرويد نفسه الذي انفق حياته العملية كلها في هذه المباحث وفي التنديد بالدين الذي يكبت نشاط البشرية فهو يقول : يجب أن نفرق تفريقاً حاسماً بين هذا (الكبت اللاشعوري) وبين عدم الإتيان بالعمل الغريزي,فهذا مجرد "تعليق للعمل".
فالكبت إذاً هو استقذار الواقع الغريزي أما تعليق التنفيذ الى أجل آخر فليس هذا بكبت.وبهذه المفاهيم وبهذه النظرة يجب أن تواجه المشكلة فتفتح أبواب الزواج المبكر وتخفض المهور وتسد أبواب الفتنة كلها ويهيأ الجو الملائم لتعيش الغرائز الجنسية نظيفة عفيفة وتؤدي ثمارها,إحصاناً وصيانة للشباب وتقوية للأمة ومازال لدينا سعة في تدارك الأمر فإن مايعانيه مجتمعنا من جراء هذه القضية المفتعلة لم يصل الأمر فيها الى حد الانفجار والثورة بعد,ومازلنا في مقدماتها التي مازالت بقية من الدين والتدين تحول دون انفجارها,لهذا وجب التنبيه الى الوقوف دون استكمال هذه الثورة دورتها,ولن يكون ذلك إلا بتصحيح مفهوم هذه الغريزة لدى الشباب بالإطار الإسلامي الذي يهذبها ولايكبتها,فالوعي الإسلامي الرشيد هو السلاح الوحيد الذي يستطيع المواجهة والحفاظ على حرمات المسلمين وعفتهم,وبدونه ستهدم الحرمات وتنتهك وتقتل الذبيحة وهي مخدرة خائرة القوى ميتة دون طعن.
فلن يستطيع شبابنا المقاومة مادام مجرداً من سلاح الايمان فينبغي أن نهتم بهذه القضية وأن نمسك بخيوطها المبثوثة.
وهي خيوط لم تستكمل بعد حلقاتها ولم تطبق بعد على رقابنا فلننتبه ولنتتبع تلك الخيوط لنقطعها ونستبدلها ببديل إسلامي راشد مرشد.