بقلم : تركي فيصل الرشيد
هل يعي العالم العربي وحكومة السودان حجم المخاطر المحيطة من حوله؟ وهل القيادة قادرة على مواجهه المخاطر والأعداء؟
بنظرة سريعة لموارد السودان الطبيعية. يملك السودان احتياطي يعادل 1.16 مليار برميل وهو الاحتياطي الخامس والثلاثون من حيث الحجم في العالم.
يملك السودان احتياطيا كبيرا من الغاز الطبيعي. يملك واحدا من أكبر ثلاثة مناجم لليورانيوم العالي النقاوة في العالم. يملك رابع أكبر منجم نحاس في العالم. كل هذه الثروات ليست بمتناول الشركات الأمريكية. تملك شركة النفط الصينية 40% من الكونسورتيم الذي يسيطر على حقول النفط السودانية. ما هي العقبة أمام الشركات الأمريكية ؟ العقبة هي وجود السودان على قائمة الدول التي ترعى الإرهاب حسب تصنيف وزارة الخارجية الأمريكية.
المؤلف ر جيرمي سكايل مؤلف الكتاب بلاك ووتر، جيش المرتزقة الأقوى في العالم، الذي كان من أوائل الكتب في العالم التي سلطت الضوء على وجود المرتزقة في مرافقة قوات الاحتلال الرسمية التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية في العراق المحتل فقال "إن شركة بلاك ووتر هي مجرد شركة واحدة فقط تعمل بحصانة وأمان كاملين في العراق وهي تقوم عمليا بمضاعفة أعداد القوات الأمريكية في العراق. غير أن بلاك ووتر هي الأكثر تأثيرا ونفوذا بين كل تلك الشركات. لقد خلقت واشنطن من الناحية العملية جيشا في الظل من أجل تفادي أمرين هامين: أولا الرأي العام وثانيا الرقابة العامة".
الشركة تأسست عام 1996 باسم "بلاك ووتر أمريكا" على يد المليونير الأمريكي إريك برنس وهو مسيحي يميني راديكالي ومليونير كبير عمل ممولا رئيسيا ليس لحملات الرئيس بوش الانتخابية وحسب بل لاستراتيجية مسيحية يمينية أكثر اتساعا, خدم في القوات الخاصة للبحرية الأمريكية مع عدد من المنتمين إلى المحافظين الجدد. وهو ما مهد لتعاون شركته لاحقا مع الإدارة المحافظة للرئيس جورج بوش وخصوصا في العراق.
يدعي إريك أنه يمكنه التعبئة خلال مدة وجيزة لحماية اللاجئين في السودان بأقل من 60 % من تكاليف الأمم المتحدة أو الناتو.
إن قيمة السودان بالنسبة إلى بلاك ووتر تمتد إلى ما هو أبعد من عملية حفظ السلام أو القلق الإنساني المزعوم على الضحايا في دارفور. السودان هو بطاقة لبلاك ووتر للدخول إلى عالم جديد بالكامل من النمو الممكن. دارفور هي صرخة الاحتشاد لعملية إعادة تقسيم الغنائم والفوز بعقود كبرى ولشركة بلاك ووتر. العالم أجمع يطالب المرتزقة بالخروج من العراق ولكنه يطالب الآن بالتدخل في دارفور وهذا يسهل العملية لاستقدام جنود من جميع أنحاء العالم. شعار هذه الحملة (اخرجوا من العراق، ادخلوا دارفور).
الهدف الحصول عل ثروات السودان وانتزاع الغنيمة من الشركات الصينية وإعطائها إلى شركات أمريكية. تم الكشف مؤخرا على أن زوجة المرشح الرئاسي الأمريكي مكين سندي مستثمرة بمبلغ مليوني دولار بصناديق تملك شركات تعمل في دول أفريقية وقد باعت حصتها بعد نشرها في وسائل الإعلام.
السودان قضية محببة إلى الكثير من القوى المسيحية اليمينية ومنها الكريستشان فر يدوم إنتر ناشو نال التي يتربع على مقعد إداراتها الصغير المؤلف من سبعه أعضاء كل من إريك برانس وبول بهرنذز الذي يقوم باللوبي لهذه المجموعة من الإنجيليين الجمهوريين من ذوي الارتباطات الجيدة باستغلال المساعدة الإنسانية كغطاء لنشاطاتها التبشيرية فبالرغم من أنها تعمل في بلاد مسلمه إلا أنها تصرح بالإعلان أن الكتاب المقدس هو كلمة الله الوحيدة المعصومة من الخطأ. لمجموعة الكريستشان فريدوم علاقة طويلة بأزمة السودان بسبب النزاع المسيحي الإسلامي ولقد انخرطت المجموعة في ممارسة العتق من العبودية وكانت تشتري مسيحيين كانت تعتقد أنهم مستعبدون وقد نددت أخيرا بتلك الممارسات قالت إن الاعتاقات أصبحت مصدر تمويل لمجموعات متمردة والكثير من الناس يزورون قصصهم عن العبودية لمحاولات كسب المال يقوم بهرنذز ممثلا لبلاك ووتر وأنه يحمل المال لإنقاذ الناس لكي يبني المستوصفات والمدارس والطرق هدف الشركة هي حصد المكاسب بينما هي حقيقة تخدم الاستراتيجية الأساسية للإدارة وحلفائها الجدد إلى جانب الدوافع السياسية والدينية وتقوم بلاك ووتر بالضغط في جميع الاتجاهات من أجل الانتشار بالسودان وإظهار المرتزقة كحماة للسلام. إن الشركات يمكنها القيام بالكثير لحل الأزمات بالعالم يمكن لشركة المرتزقة إنشاء لواء متعدد الجنسيات من محترفين مقاتلين بسرعة فائقة.
لقد أصبحت في السنوات التالية أكبر المستفيدين مالياً من هذه الحرب، إذ تتجاوز أرباحها السنوية المليار دولار من عقودها السرية مع الحكومة وأكثرها بالتكليف المباشر ومن دون الدخول في أي عطاء أو منافسة. وتملك أكبر قاعدة عسكرية خاصة في العالم. ويتجاوز عدد المنتسبين إلى الشركة المليونين معظمهم خدموا في القوات الخاصة الأمريكية أو مشاة البحرية "المار ينز" أو وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إي" ويتوزع عدد كبير منهم في أرجاء العالم وخصوصاً في العراق. ولدى الشركة معدات عسكرية لا يملكها سوى الجيش الأمريكي وتشاهد طائراتها الهليكوبتر المقاتلة الكحلية وهي تحلق باستمرار فوق أحياء بغداد شاهرة مدافعها ورشاشاتها. كذلك تملك جهازا استخباريا خاصا وتصنع مناطيد المراقبة وتحديد الأهداف المنتشر بعضها في بغداد أيضا، ولديها طائرات "بوينج 727" ومدرعات.
كل ذلك سوف يفتح أبواب كثيرة لقطاعات جديدة من الأعمال.
ولقد بدأت بلاك ووتر بالترويج الإعلامي لقدراتها الهائلة لحفظ السلام بما تملك من أسلحة متطورة ومقاتلين محترفين وصرح وزير الدفاع السوداني الفريق عبدالرحيم حسين أن الأساس في هجوم أم درمان نفذتها حركة العدل والمساواة المسلحة في دارفور وهي قوى إقليمية دولية تتكون من 26 ألف جندي هدفها قلب الحكومة السودانية وقد كافأ الاتحاد الأوروبي المتمردين بنقض اتفاقيه الصلح في دارفور عام 2006 بمال وسلاح وطائرات.
تبقى أزمة دارفور من أهم الأولويات لكل من الولايات المتحدة وأوروبا. ولكن على الرغم من كل المآخذ التي يمكن تسجيلها ضد حكومة السودان، إلا أن سقوط الحكومة المركزية في السودان وتفتيت أكبر دولة أفريقية قد يؤدي إلى مخاطر كبيرة تتخطى الهواجس الحالية.
الخلاصة
يجب على السودان والدول العربية أن تعي المخاطر المحدقة بالسودان ويجب أن يدار الصراع مع المصالح الأمريكية بدون الدخول بمواجهة معهم وليس معنى ذلك تتبع المصالح الأمريكية حتى ولو ضد المصالح السودانية وأن تتوسع المشاركة الشعبية والإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية عاجلا وفتح أبواب الاستثمارات لعدة دول عالمية لكي يحقق التوازن الاستراتيجي للسودان.
* كاتب سعودي
تعليق