هل هي نهاية الرأسمالية الأمريكية؟
تركي فيصل الرشيد
هنالك أصوات عالية تتنبأ بنهاية الرأسمالية تسمعها من رؤساء دول واقتصاديين من جميع أنحاء العالم.
الأزمة المالية الأمريكية والتي امتدت آثارها الكارثية حول العالم رغم أن الرأسمالية الأمريكية مرت بالعديد من الكوارث والانهيارات المالية ولكن تم التجاوز والتغلب على تلك الكوارث المالية في الماضي. لا شك أن هذه الكارثة المالية هذه المرة سوف تكون مختلفة، وستنتج عنها نهاية الرأسمالية الأمريكية وليس الرأسمالية بمعنى الهيمنة الاقتصادية الأمريكية.
الأزمة المالية الحالية هي من الضخامة بحيث لا يوازيها أي شيء من الكوارث الماضية. سوف تتطلب هذه الكارثة تدخلاً كبيراً جداً لعودة الأمور المالية إلى وضعها الطبيعي. معدل الركود الاقتصادي الأمريكي خلال 20 سنة الماضية كان 8 أشهر.
في الماضي كانت الحكومات حول العالم تملك الكثير من قطاع الأعمال وتتحكم في الكثير من الأسعار مثل المكالمات الهاتفية وأسعار التذاكر وأسعار الحديد. غير أن العولمة والانفتاح التجاري العالمي قللا كثيراً من قدرات الحكومات على التدخل المباشر في الأسعار. فهل يمكن الرجوع إلى الماضي والانغلاق؟ الإجابة الحتمية: لا يمكن ذلك.
العالم الآن يعتمد على قوة عولمة الشركات والحكومات كلها تعتمد حرية حركة البضائع وانفتاح الأسواق والجميع ذاق حلاوة الانفتاح الاقتصادي خلال السنين الماضية ولا أحد يستطيع إيقاف ذلك الحراك. الكثير من الدول سوف تنفتح على العالم أكثر ولكن بمراقبة ونوع من المتابعة الحكومية الدقيقة.
القوة الاقتصادية الأمريكية سوف تضعف كثيراً بعد هذه الأزمة المالية لأسباب كثيرة نذكر منها أن الكثير من المراقبين في أنحاء العالم كانوا ينظرون إلى الاقتصاد الأمريكي على أنه الأكثر حداثة وأكثر تطوراً وأكثر إنتاجية في العالم.
كان العالم يستمع إلى صنَّاع القرار الأمريكي بكل احترام وخوف. اليوم الجميع يتساءل ويتعجب: هل أصحاب وصناع القرار الأمريكي يعرفون ماذا يفعلون! ما معنى هذا الذي يجري؟ المعنى هو فقدان وخسارة المصداقية وهذا له ثمن غال جداً. يقول أحد الأكاديميين: سوف ينظر في المستقبل إلى هذه الفترة على أنها فترة انتقال رأس المال العالمي إلى خارج الولايات المتحدة.
الولايات المتحدة جذبت خلال العقود الماضية 80% من فوائض ومدخرات العالم مما سمح ومكن الشعب الأمريكي من العيش في رفاهية أكثر بكثير من قدراته المتاحة، لكن هذه الحقبة أوشكت على النهاية.
أمريكا عليها أن تعمل بجهد أكبر لكي تجذب الاستثمارات مثل بقية بلدان العالم.
ليس المطلوب الكثير من التدخل الحكومي الأمريكي أو عدم التدخل الحكومي بل المطلوب حكومة ذكية. بكل أسف الحكومة الأمريكية الآن تتجه نحو الطريق الخطأ وذلك بمحاولة ترقيع قوانين قديمة وغير فعالة وبرامج إعانات غير نافعة ودفع الكثير من الأموال إلى أصحاب المصالح الكبرى بدلا من تحريك ودفع يؤديان إلى نمو طويل الأجل. في خطبة ألقاها (بول فولكر) رئيس الاحتياطي الفدرالي الأسبق في فبراير 2005 قال فيها: تبدو الظروف خطيرة وصعبة أكثر من أية فترة أتذكرها، ويمكنني أن أتذكر الكثير. وإن ما يقلقني فعلياً هو وجود القليل من الرغبة أو القدرة لفعل أي شيء إزاء الأمر".
يوجد في أمريكا أغلى نظام رعاية صحية في العالم الصناعي وهو نظام غير فعال. وهناك أكثر هدر في استعمال الطاقة وأقل معدل ادخار وأسوأ برامج صيانة للبنية التحتية وبرامج ضريبية غير فعالة والكثير منها فاسدة. كل هذه العيوب تمت تغطيتها عندما كانت المدخرات العالمية تتدفق على أمريكا وكل هذا سوف يتوقف وتبدأ مرحلة إعادة البناء والعمل الشاق من جديد.
إن الغرض من هذا الاستعراض للأزمة الأمريكية هو محاولة تسليط الضوء على قضية هامة فحواها أن العالم تغير وسوف يتغير بصورة أكبر بعد نهاية هذه الأزمة المالية فإذا كنت - عزيزي القارئ - تعتقد أن الأيام الماضية كانت سيئة لـ (وول ستريت) ولبقية أسواق العالم؟ عليك أن تتريث قليلاً، حيث إن الأمور يمكن أن تكون أكثر سوءاً في المستقبل، خاصة بعد قيام بنك الاحتياطي الفدرالي بتخفيض معدل أسعار الفائدة بثلاثة أرباع نقطة مئوية، ليكون بذلك أشد تخفيض شهده ذلك المعدل في يوم واحد في تاريخ هذا البنك.
هنالك مؤشرات إيجابية تلوح في الأفق فقد أصبح في استطاعة المستهلكين في كل من اليابان، والصين، والهند، وأوروبا، في الوقت الراهن، أن يسدوا الثغرة التي يمكن أن تنتج حين يخفق المستهلكون في الولايات المتحدة في أداء تلك الوظيفة التي دأبوا على أدائها منذ عقود عديدة من الزمن، وهي تتمثل في شراء ما يكفي من البضائع والخدمات التي ينتجها العالم، بحيث يظل بعيداً عن حالات الانكماش الاقتصادي.
أخيراً، يجب على المملكة العربية السعودية محاولة الحد من زيادة حدة التضخم ومحاولة التقليل من تبعية الدولار والتركيز على المشاريع الأساسية وإعادة برمجة الإنفاق الحكومي على المشاريع وفق الأولويات، كما يتطلب الأمر تسريع الإصلاح الاقتصادي وتحسين الأنظمة والتشريعات الاقتصادية.
الخلاصة
يجب أن نراجع سياسة الفوائض المالية. وعند وضعها في ودائع وسندات خزينة للحكومة الأمريكية فإنه من الممكن أن نجد صعوبة في التحكم بها بحجة أنها سوف تضر بالدولار الأمريكي في الوقت الراهن.
أكرر مطالبتي بصندوق سيادي مستقل ومنفصل لتحويل هذه الأموال إلى استثمارات فعالة مباشرة في الخارج وفي الداخل على حد سواء ومثال على الاستثمارات الخارجية اتباع نظام زيادة رأس مال المؤسسات والدخول معها كشريك ويمكن أن يكون مثل هذا الاستثمار على شاكلة مشتريات (وارن بوفيت) الأخيرة لحصص في شركة (جنرال إلكتريك) وبنك (جولدمان ساكس).
أما الاستثمارات الداخلية فهي تتمثل في تجهيز الأراضي بكامل الخدمات وبيعها على المواطنين بسعر التكلفة. لأن وجود الأموال النقدية تجعل المملكة في وضع ضعيف أمام الضغوط الداخلية والخارجية.. حيث دعا رئيس الوزراء البريطاني إلى أن تساهم الصين والدول المنتجة للنفط في الخليج في زيادة الموارد المالية لصندوق النقد الدولي من أجل مساعدة الدول التي تواجه صعوبات بسبب الأزمة المالية. وطالب (روبرت كيميت) نائب وزير المالية الأمريكي، بعقد اجتماعات مع مسؤولي الصناديق السيادية في الخليج العربي الثري بالنفط، وأنّ الولايات المتحدة الأمريكية بحاجة إلى العمل والتعاون مع المنطقة لتتمكن من تخطي الأزمة المالية التي تعصف باقتصادها.
علماً بأنه بعد انخفاض الفائدة يتوقع الاقتصاديون انخفاض الدولار إلى ثلاثة دولارات مقابل اليورو. عندها سوف ترتفع نسبة التضخم إلى أرقام عالية جداً مما يفقد المملكة الكثير من قيمة استثماراتها بحيث يجب أن يباع الدولار بأضعاف سعره الحالي لتحقيق نفس الدخل الذي يتحقق الآن.
* كاتب سعودي
http://www.alwatan.com.sa/news/write...8044&Rname=210
تركي فيصل الرشيد
هنالك أصوات عالية تتنبأ بنهاية الرأسمالية تسمعها من رؤساء دول واقتصاديين من جميع أنحاء العالم.
الأزمة المالية الأمريكية والتي امتدت آثارها الكارثية حول العالم رغم أن الرأسمالية الأمريكية مرت بالعديد من الكوارث والانهيارات المالية ولكن تم التجاوز والتغلب على تلك الكوارث المالية في الماضي. لا شك أن هذه الكارثة المالية هذه المرة سوف تكون مختلفة، وستنتج عنها نهاية الرأسمالية الأمريكية وليس الرأسمالية بمعنى الهيمنة الاقتصادية الأمريكية.
الأزمة المالية الحالية هي من الضخامة بحيث لا يوازيها أي شيء من الكوارث الماضية. سوف تتطلب هذه الكارثة تدخلاً كبيراً جداً لعودة الأمور المالية إلى وضعها الطبيعي. معدل الركود الاقتصادي الأمريكي خلال 20 سنة الماضية كان 8 أشهر.
في الماضي كانت الحكومات حول العالم تملك الكثير من قطاع الأعمال وتتحكم في الكثير من الأسعار مثل المكالمات الهاتفية وأسعار التذاكر وأسعار الحديد. غير أن العولمة والانفتاح التجاري العالمي قللا كثيراً من قدرات الحكومات على التدخل المباشر في الأسعار. فهل يمكن الرجوع إلى الماضي والانغلاق؟ الإجابة الحتمية: لا يمكن ذلك.
العالم الآن يعتمد على قوة عولمة الشركات والحكومات كلها تعتمد حرية حركة البضائع وانفتاح الأسواق والجميع ذاق حلاوة الانفتاح الاقتصادي خلال السنين الماضية ولا أحد يستطيع إيقاف ذلك الحراك. الكثير من الدول سوف تنفتح على العالم أكثر ولكن بمراقبة ونوع من المتابعة الحكومية الدقيقة.
القوة الاقتصادية الأمريكية سوف تضعف كثيراً بعد هذه الأزمة المالية لأسباب كثيرة نذكر منها أن الكثير من المراقبين في أنحاء العالم كانوا ينظرون إلى الاقتصاد الأمريكي على أنه الأكثر حداثة وأكثر تطوراً وأكثر إنتاجية في العالم.
كان العالم يستمع إلى صنَّاع القرار الأمريكي بكل احترام وخوف. اليوم الجميع يتساءل ويتعجب: هل أصحاب وصناع القرار الأمريكي يعرفون ماذا يفعلون! ما معنى هذا الذي يجري؟ المعنى هو فقدان وخسارة المصداقية وهذا له ثمن غال جداً. يقول أحد الأكاديميين: سوف ينظر في المستقبل إلى هذه الفترة على أنها فترة انتقال رأس المال العالمي إلى خارج الولايات المتحدة.
الولايات المتحدة جذبت خلال العقود الماضية 80% من فوائض ومدخرات العالم مما سمح ومكن الشعب الأمريكي من العيش في رفاهية أكثر بكثير من قدراته المتاحة، لكن هذه الحقبة أوشكت على النهاية.
أمريكا عليها أن تعمل بجهد أكبر لكي تجذب الاستثمارات مثل بقية بلدان العالم.
ليس المطلوب الكثير من التدخل الحكومي الأمريكي أو عدم التدخل الحكومي بل المطلوب حكومة ذكية. بكل أسف الحكومة الأمريكية الآن تتجه نحو الطريق الخطأ وذلك بمحاولة ترقيع قوانين قديمة وغير فعالة وبرامج إعانات غير نافعة ودفع الكثير من الأموال إلى أصحاب المصالح الكبرى بدلا من تحريك ودفع يؤديان إلى نمو طويل الأجل. في خطبة ألقاها (بول فولكر) رئيس الاحتياطي الفدرالي الأسبق في فبراير 2005 قال فيها: تبدو الظروف خطيرة وصعبة أكثر من أية فترة أتذكرها، ويمكنني أن أتذكر الكثير. وإن ما يقلقني فعلياً هو وجود القليل من الرغبة أو القدرة لفعل أي شيء إزاء الأمر".
يوجد في أمريكا أغلى نظام رعاية صحية في العالم الصناعي وهو نظام غير فعال. وهناك أكثر هدر في استعمال الطاقة وأقل معدل ادخار وأسوأ برامج صيانة للبنية التحتية وبرامج ضريبية غير فعالة والكثير منها فاسدة. كل هذه العيوب تمت تغطيتها عندما كانت المدخرات العالمية تتدفق على أمريكا وكل هذا سوف يتوقف وتبدأ مرحلة إعادة البناء والعمل الشاق من جديد.
إن الغرض من هذا الاستعراض للأزمة الأمريكية هو محاولة تسليط الضوء على قضية هامة فحواها أن العالم تغير وسوف يتغير بصورة أكبر بعد نهاية هذه الأزمة المالية فإذا كنت - عزيزي القارئ - تعتقد أن الأيام الماضية كانت سيئة لـ (وول ستريت) ولبقية أسواق العالم؟ عليك أن تتريث قليلاً، حيث إن الأمور يمكن أن تكون أكثر سوءاً في المستقبل، خاصة بعد قيام بنك الاحتياطي الفدرالي بتخفيض معدل أسعار الفائدة بثلاثة أرباع نقطة مئوية، ليكون بذلك أشد تخفيض شهده ذلك المعدل في يوم واحد في تاريخ هذا البنك.
هنالك مؤشرات إيجابية تلوح في الأفق فقد أصبح في استطاعة المستهلكين في كل من اليابان، والصين، والهند، وأوروبا، في الوقت الراهن، أن يسدوا الثغرة التي يمكن أن تنتج حين يخفق المستهلكون في الولايات المتحدة في أداء تلك الوظيفة التي دأبوا على أدائها منذ عقود عديدة من الزمن، وهي تتمثل في شراء ما يكفي من البضائع والخدمات التي ينتجها العالم، بحيث يظل بعيداً عن حالات الانكماش الاقتصادي.
أخيراً، يجب على المملكة العربية السعودية محاولة الحد من زيادة حدة التضخم ومحاولة التقليل من تبعية الدولار والتركيز على المشاريع الأساسية وإعادة برمجة الإنفاق الحكومي على المشاريع وفق الأولويات، كما يتطلب الأمر تسريع الإصلاح الاقتصادي وتحسين الأنظمة والتشريعات الاقتصادية.
الخلاصة
يجب أن نراجع سياسة الفوائض المالية. وعند وضعها في ودائع وسندات خزينة للحكومة الأمريكية فإنه من الممكن أن نجد صعوبة في التحكم بها بحجة أنها سوف تضر بالدولار الأمريكي في الوقت الراهن.
أكرر مطالبتي بصندوق سيادي مستقل ومنفصل لتحويل هذه الأموال إلى استثمارات فعالة مباشرة في الخارج وفي الداخل على حد سواء ومثال على الاستثمارات الخارجية اتباع نظام زيادة رأس مال المؤسسات والدخول معها كشريك ويمكن أن يكون مثل هذا الاستثمار على شاكلة مشتريات (وارن بوفيت) الأخيرة لحصص في شركة (جنرال إلكتريك) وبنك (جولدمان ساكس).
أما الاستثمارات الداخلية فهي تتمثل في تجهيز الأراضي بكامل الخدمات وبيعها على المواطنين بسعر التكلفة. لأن وجود الأموال النقدية تجعل المملكة في وضع ضعيف أمام الضغوط الداخلية والخارجية.. حيث دعا رئيس الوزراء البريطاني إلى أن تساهم الصين والدول المنتجة للنفط في الخليج في زيادة الموارد المالية لصندوق النقد الدولي من أجل مساعدة الدول التي تواجه صعوبات بسبب الأزمة المالية. وطالب (روبرت كيميت) نائب وزير المالية الأمريكي، بعقد اجتماعات مع مسؤولي الصناديق السيادية في الخليج العربي الثري بالنفط، وأنّ الولايات المتحدة الأمريكية بحاجة إلى العمل والتعاون مع المنطقة لتتمكن من تخطي الأزمة المالية التي تعصف باقتصادها.
علماً بأنه بعد انخفاض الفائدة يتوقع الاقتصاديون انخفاض الدولار إلى ثلاثة دولارات مقابل اليورو. عندها سوف ترتفع نسبة التضخم إلى أرقام عالية جداً مما يفقد المملكة الكثير من قيمة استثماراتها بحيث يجب أن يباع الدولار بأضعاف سعره الحالي لتحقيق نفس الدخل الذي يتحقق الآن.
* كاتب سعودي
http://www.alwatan.com.sa/news/write...8044&Rname=210
Comment