حقائق أساسية عن النفط لرئيس يظهر عليه الإجهاد
الاقتصادية
فيليب ستيفنز
ما الذي حدث لظاهرة الاحتباس الحراري؟ تحركت القافلة السياسية، كما قيل لنا. التغير المناخي أصبح قصة الأمس. الخطر الكبير الحالي لا يأتي من حرق كميات كبيرة من النفط، بل من الملايين التي لا تحصى من براميل النفط التي تسربت إلى خليج المكسيك من منصة لشركة برتيش بتروليوم. إن كارثة ديب ووتر هورايزون هي تذكير بأن السياسيين قادرون على التعامل مع مشكلة واحدة فقط في الوقت نفسه. وقد أظهر باراك أوباما علامات تدل على أنه يختلف عنهم، لكن حتى هذا السياسي الواثق جدا من نفسه نسي كيف يمشي ويمضغ العلكة في الوقت ذاته. الرئيس الذي كان يفخر بقدرته على الحفاظ على رباطة جأشه يرى الآن أن من الضروري إثبات أنه قادر على الشعور بالذعر مثل أي شخص. في العام الماضي أعلن أوباما أن التراكم غير المسيطر عليه للكربون في الغلاف الجوي للأرض يشكل تهديدا وجوديا على مستقبل الكوكب. وقبل أيام فقط، جاء في استراتيجية الأمن القومي لإدارته أن خطر التغير المناخي «حقيقي وعاجل وخطير». هذه الكلمات تمت كتابتها قبل أن يقرأ أوباما استطلاعات الرأي ويستنتج أنه لم يبذل جهودا كافية للشعور بآلام الناس في لويزيانا وولايات الخليج الأخرى. وهو يتلقى دروسا في كيفية إظهار عواطفه، خوفا من أن يؤثر الغضب الشعبي المتزايد جراء تأثير التسرب على رئاسته، مثلما أثر إعصار كاترينا على رئاسة بوش. وقبل كارثة ديب ووتر هورايزون، كانت ابنة أوباما، ماليا، تريد أن تعرف ماذا سيفعل والدها لمنع الاحتباس الحراري من تدمير الكوكب. وما يقلق ماليا الآن، كما يقول والدها، هو تأثير كارثة النفط على النظام الإيكولوجي البحري وعلى سبل معيشة ملايين الأمريكيين الذين يعيشون على طول شواطئ الخليج. ومن الجيد، كما أعتقد، أن يستمع أقوى رئيس في العالم إلى أطفاله. لكن في الحقيقة الكارثة أظهرت أوباما في أسوأ أحواله. فما الذي حدث لوعد البيت الأبيض بأنه سيبحث عن الفرصة في كل محنة؟ إنني لا أدافع عن بريتش بتروليوم، ولا أشعر بالغضب إذا كان الرئيس الأمريكي يعتقد أنه يمكن حشد الأصوات عن طريق إثارة المشاعر المعادية لبريطانيا. فالبريطانيون سيجتازون المحنة. ويمكن القول إن برتيش بتروليوم تخبطت في استجابتها للأزمة. وإذا ثبت وجود إهمال، لا شك أن الشركة ستضطر لدفع مليارات الدولارات لتعويض الدمار الذي أحدثه التسرب. ومع ذلك، لا شك أن رئيس أقوى دولة في العالم قادر على التفكير في أمور أفضل لفعلها من مجرد ابتكار طرق جديدة لتشويه سمعة الرئيس التنفيذي لشركة برتيش بتروليوم، توني هيوارد. مثلا، يمكنه أن يستنتج العلاقة الواضحة بين الأخطار البيئية التي لا يمكن تجنبها للتنقيب عن الهيدروكربونات تحت قاع المحيطات وشهية أمريكا التي لا تشبع للنفط. والسبب في وجود منصة ديب ووتر هورايزون هو أن الولايات المتحدة تستهلك ربع إنتاج النفط العالمي، على الرغم من أن نسبة سكانها إلى سكان العالم تبلغ واحداً على 20.
وهذه الإحصاءات هي بطبيعة الحال جزء كبير أيضاً من تفسير أسباب كون الكوكب يواجه زيادة لا يمكن تحملها في درجات الحرارة. فإذا كانت أغنى دولة في العالم وأكبر مستهلكة للنفط ليست مستعدة للحد من انبعاثات غازات الدفيئة التي تسبب الاحتباس الحراري، لن تتحول أي دولة، خاصة الصين، إلى الاقتصاد منخفض الكربون. يقول أوباما في استراتيجية الأمن القومي إن على الولايات المتحدة ممارسة قيادتها بالقدوة. حسن، تخفيض استهلاك الولايات المتحدة من النفط يعني تقليل عمليات الحفر والتنقيب في أعماق البحار، وتقليل خطر حدوث انفجار آخر، وسيشجع ذلك حكومات أخرى على أخذ الاحتباس الحراري على محمل الجد ويساعد على إبطاء ارتفاع درجات حرارة الأرض. ويمكن حينها للرئيس أن يقول لأطفاله إنه يستطيع النوم بهدوء لأنه اتخذ الخطوات الصحيحة في كلتا المسألتين. لكن أوباما وجد علاقة بين إنتاج النفط والتغير المناخي، وهي بالضبط العلاقة الخاطئة. فحتى حلول الوقت الذي اتخذ فيه قراره بتجميد عمليات الحفر على الشواطئ بعد حدوث الكارثة، كان الرئيس قد أعطى شركات النفط حرية العمل في مياه الخليج على أمل أن يساعده هذا على ضمان دعم الكونغرس لتشريع يفرض سعرا متواضعا على الكربون. وتبدو هذه الصفقة الضارة الآن قديمة على أقل تقدير. وكي نكون منصفين، لم تكن إدارة أوباما وحدها من تراجع عن العمل الجاد لمعالجة مشكلة الاحتباس الحراري منذ النتائج المخيبة للآمال التي تمخضت عنها قمة كوبنهاجن في كانون الأول (ديسمبر). ففي الشهر الماضي، نشرت المفوضية الأوروبية اقتراحات تحث الاتحاد الذي يضم 27 دولة عضواً، على خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة أكبر مما كان مزمعاً. وتراجعت الحكومات في ذعر. وكانت الخطة الأوروبية الأصلية تنص على خفض الانبعاثات بنسبة 20 في المائة بحلول عام 2020، مقارنة بمستويات عام 1990. وتعتقد المفوضية أن الانخفاض الحاد في النشاط الاقتصادي خلال فترة الركود الأخيرة يجعل هذه النسبة قليلة جدا، وهي تريد زيادتها إلى 30 في المائة، إلا أن السياسيين وكبار رجال الأعمال يشعرون بالذعر. فهم يحتجون بالقول إن الحكومات الأوروبية ستفلس وربما ترتد اقتصاداتهم إلى الركود. ويوضحون أن هذا ليس الوقت المناسب لوضع عبء تكاليف إضافية على الصناعة. ويعكس هذا الجواب استجابة أوباما: دعونا نعود لممارسة الأعمال كالمعتاد قبل أن نبدأ بالقلق ثانية بشأن التغير المناخي. فكلتا الاستجابتين تخطئان النقطة الأساسية المهمة. انظر من كثب إلى عمق الأمر وستكتشف أن هناك خيطاً رابطاً يدعى الاستدامة. وكما أعلم، كانت هذه الكلمة مستخدمة من قبل أشخاص بسطاء، لكنها الآن تفسر العلاقة بين المشاكل العالمية المعقدة التي تواجه الحكومات الغربية. إن التغير المناخي والحفر في أعماق البحار والنمو الاقتصادي ليست قضايا يمكن فصلها بدقة. فكل منها مستدام فقط بقدر ما تولي اهتماما للقضايا الأخرى. بعبارة أخرى، يجب على السياسيين أن يتعلموا كيف يمشون ويمضغون العلكة ويصفرون في آن معا. وكما جاء في استراتيجية الأمن القومي لأوباما: سيؤدي الكوكب الذي ترتفع درجة حرارته إلى «تدهور الأرض في جميع أنحاء العالم (...) وليس هناك من حل فعّال لمشكلة التغير المناخي لا يعتمد على تحمل جميع الدول مسؤولية أفعالها ومسؤولية الكوكب الذي نتركه وراءنا». إن أفضل القادة السياسيين هم الذين يثبتون أنهم يسيطرون على الأحداث، حتى حين تسوء الأمور كثيرا. إلا أن الرئيس الأمريكي وضع نفسه في دور المتفرج الغاضب البائس عبر قضاء وقته في توبيخ هيوارد وتقديم وعود بمعاقبة المسؤولين عن ذلك. ولا يستطيع أوباما معالجة التسرب الذي يقع على عمق ميل في خليج المكسيك، لكن إذا استذكر بعض خطاباته الرنانة خلال حملته الرئاسية، يمكنه استغلال الكارثة لتشكيل حوار جديد عن العلاقات التي لا يمكن تجنبها بين تسرب النفط والتغير المناخي والنمو الاقتصادي المستدام.