Announcement

Collapse
No announcement yet.

البطالة بين السعوديين.. وتحديات المستقبل

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • البطالة بين السعوديين.. وتحديات المستقبل

    البطالة بين السعوديين.. وتحديات المستقبل
    لا يستغرب استمرار النقاش - حامي الوطيس- الذي أثير مجددًا في الآونة الأخيرة بين وزير العمل الدكتور غازي القصيبي والقطاع الخاص في المملكة ؛ بإعلانه التمسك بالنسبة المحددة للسعودة في القطاع الخاص 5% - 20%، وبالذات في القطاع التجاري. وعندما تستمع إلى وجهتي نظر الطرفين، تجد أن لكل منهما مبرراته المقنعة. فالدولة - وهي الراعية لهذا المجتمع - يصعب عليها أن تراقب حجب القطاع الخاص فرص العمل المتاحة لديه أمام المواطنين، في الوقت الذي تشرع فيه تلك الأبواب أمام العمالة الوافدة دون اتخاذ إجراءات. في الوقت الذي يدافع فيه القطاع الخاص عن موقفه ذلك، بأن ميله إلى توظيف الأكفأ والأقل أجرًا هو أمر حتمي تصعب مناقشته وخاصة في ظل أجواء المنافسة الشديدة التي يعيشها، وأنه لا يمكن أن يتحول إلى تبني غير ذلك من منطلق المواطنة والتي لا أحد يشكك فيها؛ فهو يسعى إلى ضمان استمرار مساهمته في نمو الاقتصاد المحلي.
    هذا النقاش المستمر لفترة طويلة، هو نتاج وضع فريد يتمثل في المعدلات المرتفعة من البطالة بين السعوديين، في الوقت الذي تزيد فيه معدلات الطلب على العمالة الوافدة والتي تجاوز عددها سبعة ملايين - حسب الإحصاءات الرسمية -، وبالتالي فهي معضلة اقتصادية واجتماعية مرشحة لأن تتفاقم وبشكل كبير مستقبلاً ما لم تتم مواجهتها.
    فإذا أردنا أن نتبين السبب الكامن وراء هذه البطالة بين السعوديين فلن نجد سببًا واحدًا هو المسؤول عن البطالة بين السعوديين، بل العديد من الأسباب التي تضافرت خلال فترة العقدين الماضيين وأدت إلى هذا الوضع. فالخلل الواضح في النظام التعليمي أدى ويؤدي إلى عدم تأهيل السعوديين لدخول سوق العمل، وأصبح الكثير من الشهادات التي يحملونها - والتي يفترض بأنها جواز مرور بالنسبة لهم للحصول على وظيفة- هي أقل بكثير مما يطلبه صاحب العمل سواء من حيث طبيعة التخصص المنصوص عليه في هذه الشهادات أو طبيعة المواد التطبيقية والمهارات التي تؤهل حاملها للانخراط المباشر في الوظيفة.
    فعدم المواءمة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل في المملكة، ساهم إلى حدٍ كبير في انتشار البطالة بين السعوديين، وفي الوقت الذي ساهم فيه فرض السعودة في توظيف أعداد لا بأس بها في القطاع الخاص، إلا أن العديد منها قد تحول من فئة البطالة الإجبارية إلى فئة البطالة المقنعة، فالبعض يعتبر موظفًا يحصل على راتب في آخر الشهر لكن لا توكل إليه أعمال أو لنقُلْ أعمالاً محدودة، وإنما تعكس الاضطرار إلى توظيفه في المؤسسة أو الشركة المرغمة على الوفاء بنسب السعودة المحددة لها. وبالتالي أصبحت ظاهرة البطالة المقنعة لا تقتصر فقط على تواجدها في القطاع العام الحكومي بل وأيضًا في القطاع الخاص، وهو مالا تجده في أي اقتصاد ينشد تحقيق الاستغلال الأمثل لموارده البشرية. بل اضطرت إليه المملكة للتخفيض من معدلات البطالة.
    ومحدودية إيجاد فرص عمل جديدة إن كانت مقبولة خلال فترة الركود النسبي الذي عاشه الاقتصاد السعودي- نتيجة انخفاض الإيرادات البترولية-، فإنَ فترة الانتعاش الاقتصادي التي نعيشها منذ أن بدأت أسعار البترول العالمية في الارتفاع، يفترض بها أن تزيل هذا العائق أمام مزيد من توظيف السعوديين. فأعداد المشروعات الضخمة الجديدة في السنوات الأخيرة في تزايد بمعدلات غير مسبوقة، وبالتالي فمعدلات الطلب على العمالة هي أيضًا في تزايد، إلا أن معظم الزيادة في الطلب تتمثل في زيادة الطلب على العمالة الوافدة، وحسب الإحصاءات الرسمية فإن نسبة هذه الزيادة قد فاقت الـ 100%، حيث استقدمت المملكة أكثر من 750 ألف عامل غير سعودي إضافي في عام 2006 مقارنة باستقدام 353ألف عامل غير سعودي عام 2005. صحيح أن كثيراً من هذه الزيادة جاءت في قطاع البناء والتشييد وفي مجالات تتطلب عمالة متدنية الكفاءة والأجر وبالتالي ينخفض إقدام العمالة السعودية عليها، إلا أن جزءًا من هذه الزيادة يمثل فئة تتطلب كفاءات عالية ومدربة لا تجد العدد الكافي من السعوديين المؤهلين للحصول عليها.
    وهنالك عوامل قد تدفع بمشكلة البطالة في المملكة إلى الزيادة أو على الأقل الاستمرار في معدلاتها الحالية، ومنها:
    أولاً: تركيبة المجتمع السعودي، والتي تشكل فيها فئة الشباب الفئة الغالبة، حيث إن 75% من سكان المملكة هم أقل من 30 سنة، 59% منهم أقل من 20سنة. هذا المجتمع الشاب في تركيبته يمثل تحديًا كبيرًا. فهو عامل قوة للاقتصاد السعودي لو تم استغلاله بالصورة المطلوبة من خلال إيجاد المناخ المناسب لتعليمه وتدريبه، إلا أنه أيضًا يمثل ضغطًا متزايدًا على سوق العمل السعودي يتطلب معه إيجاد فرص وظيفية جديدة سنوية لا تقل عن معدلات نمو أعداد الداخلين إلى هذا السوق والتي تتراوح حاليًا في حدود 4% سنويًا.
    ثانيًا: إن فترة الطفرة الاقتصادية الحالية والتي تزيد معها فرصة إيجاد وظائف إضافية والمرتبطة بمعدلات النمو الاقتصادي المرتفعة، قد لا تستمر لفترات طويلة، مالم يحدث تنويع حقيقي تدريجي للاقتصاد السعودي خلال الفترة القادمة، يقل معه الاعتماد شبه المطلق على إيرادات تصديرالبترول الخام. ولا يمكن في نفس الوقت الركون إلى التوقعات بأن أسعار البترول العالمية ستظل عند مستوياتها الحالية لفترات طويلة، فلا أحد يستطيع أن يتوقع ما سيحدث في سوق البترول العالمية والتي تخضع لكثير من المتغيرات تخرج عن إرادة وتأثير الدول المنتجة له. ولابد أن لا تفسر الزيادة الحالية في توظيف السعوديين نتيجة لهذه الطفرة الاقتصادية بأنها تيار منتظم مستدام من الفرص الوظيفية الإضافية المتاحة للسعوديين، خاصة في ظل التنامي الأسرع في اتجاه هذه الفرص نحو مزيد من استقدام العمالة الوافدة من جهة وعدم ضمان استمرار هذه الطفرة من جهة أخرى.
    ثالثًا: إن استمرار عدم التوازن والخلل القائم في فرص العمل المتاحة للمرأة السعودية، ينبئ بمعدلات بطالة مرتفعة ومتزايدة بين السعوديات. ففي الوقت الذي تذكر فيه الأرقام الرسمية أن معدلات البطالة بين الذكور لا تزيد عن 9%، فإنها تصل إلى 25% بين الإناث.
    رابعًا: إن الانطباع بأن العامل السعودي لا يعمل ولا يلتزم بأخلاقيات العمل، وأن إنتاجيته محدودة، يفترض أن يكون شيئاً من الماضي، فتجربة اتساع دائرة البطالة دفعت بالكثير من السعوديين إلى قبول التحدي لإثبات أنهم الأفضل، وأصبحوا يتنافسون على تحسين مهاراتهم ويتمسكون بوظائفهم ويلتزمون بكل متطلبات الوظيفة وشروطها مهما كانت قساوتها، وإلا فإن البديل بالنسبة لهم هو حصولهم على لقب " عاطل عن العمل "، وهو الذي أصبح مرفوضَا اجتماعيًا وقد يدفع الشاب إلى السلوكيات غير السليمة.
    ولست هنا في سبيل مناقشة الحلول المتاحة لمعالجة مشكلة البطالة بين السعوديين فهنالك مجلدات من الدراسات التي تتناول هذه الحلول، لكن ما ينقصها هو أن تكون خطة وطنية تشترك في إعدادها مختلف الجهات المعنية حكومية وغير حكومية، وأن يكتب لها التطبيق السريع والمتابعة الدقيقة. في الوقت الذي نعرف أن معظم هذه الحلول يتطلب وقتًا كبيرًا للحصول على النتائج المرجوة، خاصة أن محور هذه الإجراءات يتمثل في إصلاح التعليم، وهو ما بادرت الدولة في تبنيه بعد الاعتراف بعدم مواءمة مخرجاته لمتطلبات سوق العمل.
    ويظل التدريب وإعادة التدريب ضمن الحلول التي تعطي مردودا سريعا في الفترة القصيرة، ويمكن أن يمثل مُسكِّنَا فعالاً ريثما يتم الانتهاء من الجراحة الشاملة والمتمثلة في بقية الإصلاحات. وأعتقد أن البرامج القائمة في مجال التدريب وما هو مخطط لتنفيذه يمثل نواة لبرنامج التدريب الشامل الذي يعمل على توفير الكفاءات السعودية المستوفية لمتطلبات سوق العمل والتي تستطيع - ليس عن طريق فرض السعودة - انتزاع نصيبها العادل في هذا السوق بجدارة واقتدار.

Working...
X