سوق الأسهم السعودية والأزمة المالية العالمية
الاقتصادية
د. عبد العزيز مسعد الوذيناني - 04/11/1429هـ
[email protected]
خلال شهر تشرين الأول (أكتوبر) هوت سوق الأسهم السعودية إلى مشارف الخمسة آلاف نقطة، أي ما يعادل أقل من 55 في المائة من قيمتها العادلة. السؤال الذي يدور في أذهان كثير من المتابعين للسوق السعودية هو: هل لهذه التراجعات الحادة ما يبررها؟ مما لا شك فيه أن الاقتصاد العالمي بأكمله يتأثر سلباً وإيجاباً بما يحدث في السوق الأمريكية، بحكم أن الاقتصاد الأمريكي هو الاقتصاد الأكبر في العالم، فما حدث من تراجعات حادة في الأسواق العالمية خلال الأسابيع القليلة الماضية كان إلى حدٍ كبير نتيجة لعاملين: الأول هو هلع المستثمرين من حدوث كساد اقتصادي عالمي طويل الأمد، والثاني هو البيع بكميات كبيرة من قبل مديري صناديق التحوط العالمية لتغطية مراكزهم المالية.
فالمتتبع لأحوال الأسواق العالمية خلال الأسابيع القليلة الماضية يرى أن التراجعات في الأسواق العالمية كانت أكثر حدة من التراجعات في السوق الأمريكية، على الرغم من أن المشكلة التي أدت إلى هذه الانهيارات نشأت في الولايات المتحدة وما زالت تبعاتها تمثل خطرا على المنشآت المالية الأمريكية أكثر من غيرها، ولكننا نجد أن السوق الأمريكية من أقل الأسواق تراجعاً. فعلى سبيل المقارنة خلال السنة الحالية تراجعت السوق السعودية بنسبة تصل إلى 50 في المائة بينما تراجعات الداو جونز لم تتجاوز 35 في المائة، واسترد جزءا منها خلال الأسبوع الماضي. كما أسلف، التراجعات تعم جميع الأسواق العالمية والسبب يرجع إلى موجة الخوف التي سيطرت على كثير من المستثمرين من حدوث كساد اقتصادي عالمي، ولهذا لجأ كثير من كبار المستثمرين في الأسواق العالمية دون استثناء حتى في الأسواق الأوروبية إلى تصفية استثماراتهم المقيمة بالعملات المحلية وشراء استثمارات مقيمة بالدولار الأمريكي، باعتبار أن الدولار أكثر أمناً من معظم العملات العالمية.
ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: ما علاقة كل هذا بسوقنا المحلية؟ أو بالأصح هل ما يحدث من تراجعات حادة إن لم نقل انهيارات في سوق الأسهم السعودية يمكن تفسيرها في ضوء السببين المشار إليهما أعلاه؟ قبل محاولة الإجابة عن هذه التساؤلات لعلني أستعرض - باختصار - مع القرّاء الكرام النقاط الأربع التالية:
أولاُ: السوق السعودية لا توجد فيها - حسب علمي - صناديق تحوط، ولا توجد فيها صناديق استثمارات عالمية قد تضطر لتصفية محافظها المحلية لمواجهة التزامات أخرى في الأسواق العالمية.
ثانياً: عملتنا المحلية مرتبطة بالدولار الأمريكي، أو بالأصح الريال السعودي مثبت مقابل الدولار، وهذا مفيد للسوق السعودية لسببين: السبب الأول هو أن الهجرة من العملات المحلية إلى الدولار التي اجتاحت الأسواق العالمية في الأسابيع القليلة الأخيرة مُستبعدة الحدوث في السوق السعودية، وهذا يجعلنا نستبعد أن يكون السبب وراء التراجعات المتلاحقة التي حدثت في السوق السعودية يعود لوجود مستثمرين محليين يقومون بتصفية محافظهم المقيمة بالريال السعودي والتوجه إلى الأصول المقيمة بالدولار الأمريكي. والسبب الثاني هو أن تثبيت سعر الريال السعودي أمام الدولار الأمريكي يجعل وارداتنا في هذه الفترة بالأخص أرخص بكثير عما كانت عليه في السابق وهذا يصب في مصلحة المستهلك المحلي، وبالتالي الاقتصاد السعودي.
ثالثاً: نحن لسنا اليابان أو أمريكا أو حتى كوريا الجنوبية أو الصين أو تايوان فاقتصادنا لا يعتمد على تصدير السلع والخدمات، وبالعربي الفصيح نحن بلد مستهلك (مستورد) في المقام الأول، وهذا يجعل استفادتنا من تراجع أسعار السلع والخدمات في الأسواق العالمية أكثر بكثير من ضررها علينا. أنا هنا لا أقلل من الحقيقة التي نعرفها جميعاً وهي أننا مُصدر رئيس للبترول الذي يشكل أهم مصدر من مصادر دخلنا القومي، ولكن الحقيقة التي يجب ألا ننساها هو أن أسعار البترول ما زالت فوق 60 دولاراً للبرميل، ربما تكون هذه الأسعار أقل من القيمة العادلة والتي يُعتقد أن تكون في حدود 80 دولاراً للبرميل، وحتى 60 دولاراً للبرميل ليست بسيئة، إذا ما أخذنا في الحسبان متوسط أسعار البترول الذي بُنيت عليها الميزانية التقديرية للدولة للسنة الحالية.
رابعاً: حتى الصادرات السعودية (وهي بالمناسبة قليلة كنسبة أو مكون من مكونات الدخل القومي)، خاصة المرتبطة بالبترول ومشتقاته ستكون أكثر تنافسية من مثيلاتها في الأسواق العالمية، بحكم أنها تحصل على المواد الخام بأسعار تنافسية لا تتوافر للشركات المنافسة، فهذا من شأنه تخفيف أي آثار محتملة لأي كساد اقتصادي على أرباح الشركات السعودية التي تعتمد على التصدير مثل "سابك".
بناء على ما تقدم فإنه يمكن القول إن ما يحدث في السوق السعودية من تراجعات حادة منذ منتصف العام الحالي ليس له ما يبررهُ من الناحية الاقتصادية، فمن المفروض أن تكون السوق السعودية الأقل تأثراً بموجة الهلع التي تجتاح الأسواق العالمية، وذلك لأن الأسباب التي أدت إلى انهيار الأسواق المالية العالمية ليس لها وجود يُذكر في الاقتصاد السعودي. فأنا هنا لا أقول يجب ألا تتأثر السوق السعودية بما يحدث في الأسواق العالمية ولكن هناك شيء اسمهُ النسبية المبنية على معطيات معقولة، وهذا هو الغياب الأكبر في سوقنا المحلية، فمن وجهة نظري فإن السوق السعودية عند مستواها الحالي تمثل فرصة استثمارية قد لا تتعوض بالنسبة لكثير من المستثمرين، وهذا يشمل جميع القطاعات دون استثناء، وللفصاح فإني مستثمر طويل الأجل في عدد من الشركات السعودية ولو كان عندي مزيد من الأموال لاشتريت أكثر.