Announcement

Collapse
No announcement yet.

أين يتجه الاقتصاد العالمي؟

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • أين يتجه الاقتصاد العالمي؟

    أين يتجه الاقتصاد العالمي؟




    الاقتصادية

    د. عبد العزيز الغدير - 07/11/1429هـ
    [email protected]

    من القصص الشعبية الجميلة ذات المغزى أن ثعلبا رأى جملا باركا فقال لجماعته من الثعالب سأربط ذيلي بذيل البعير وأسحبه إلى جحري لأقطع الشتاء بلحمه الكثير والطيب، وذهب وربط ذيله بذيل البعير وأراد أن يسحبه، ولكن أنى له ذلك، فشعر به البعير فثار، وإذا بالثعلب على ظهره وهو يسير فرأى هذا المنظر الأسد، فسأل الثعلب إلى أين يا أبا الحصين؟ فقال له: حجاج، ثم ما لبث البعير أن شعر بشيء على ظهره فرجع مدرهما فرآه الأسد فقال: مالك رجعت يا أبا الحصين قال له: هجّاج (هارب)، واختتم الثعلب حديثه قائلا: حنا في ذيل الخيِّر إن حج حجينا وإن هج هجينا.
    سئل أحد الاقتصاديين الأمريكان، وهو حاصل على جائزة نوبل للاقتصاد، عن وضع الدولار والاقتصاد الأمريكي، ووضع أمريكا إذا انهار الدولار، فكانت إجابته بسيطة، حيث قال "لا تقلقوا على أمريكا، لأن ثلثي الدولارات موجودة خارج أمريكا". وأضيف "لا تقلقوا على أمريكا فمعظم حكومات العالم مرتبطة سياسيا بأمريكا، كما أن قواعدها العسكرية تغطي الكرة الأرضية على اليابسة والماء"، كما أن أمريكا التي تستهلك ربع الطاقة المنتجة في العالم لا تقبل مقابل وارداتها إلا بالدولار لضمان وجود الدولار في أنحاء العالم، وكل ذلك لم يكن متاحا لأي دولة سقطت اقتصاديا في السابق من الأزمان لأي سبب كان.
    إذن اقتصادات العالم مرتبطة ارتباطا وثيقا بالاقتصاد الأمريكي، الذي إن اشتكى منه جزء تداعت له اقتصادات العالم بالسهر والحمي، ونزف الأموال والتعاون، والتكامل، بل التدافع لعلاجه، وهذه الوضعية لم تكن متاحة لأي اقتصاد عالمي قوي سابق "الألماني قبل الحرب العالمية على سبيل المثال"، ما يجعل إسقاط الآثار التي عانتها تلك الاقتصادات عندما تعرضت لمشكلات مشابهة لما يتعرض له الاقتصاد الأمريكي حاليا إسقاطات غير دقيقة، فالاقتصاد الأمريكي يملك من الأدوات السياسية، المالية، العسكرية، والتقنية ما لم تكن تلك الاقتصادات تملكه.
    وإذا أدركنا أن الأدوات التحليلية القائمة على التفسير التاريخي غير قادرة على تمكيننا من توقع المستقبل، فعلينا أن ندرك أيضا أن الأدوات التحليلية الأخرى قادرة على تحليل الواقع للتنبؤ في المستقبل إذا وقعت المشكلة في أي قطاع اقتصادي، حيث يقوم القطاع المالي بمعالجته بمرور الزمن. وبما أن المشكلة هذه المرة وقعت في القطاع المالي ذاته، حيث تعرضت فرضياته التي بنيت عليها العمليات المصرفية والتمويلية والاستثمارية إلى هزة عنيفة أفقدت الجميع الثقة بها، فإنه من الصعب التنبؤ بالمستقبل دون معلومات حقيقية وأكيدة صادرة من صناع القرار الأمريكي، خصوصا أولئك الذين يعملون وراء الستار في "وول ستريت" في نيويورك.
    نعم يمر الاقتصاد العالمي بمرحلة مفصلية ومخاض مؤلم تتداخل فيه المتغيرات الظاهرة والباطنة بشكل يصعب معه التنبؤ بما هو آت، ولكن بكل تأكيد أن الاقتصاد الأمريكي ـ الذي أستطيع أن أقول إنه هو الذي استطاع أن يهيكل النظام المالي العالمي حتى بات الدولار المدعوم بالإنتاج العالمي والقواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في معظم دول العالم بما في ذلك العالم الغربي ـ عملة عالمية ذات قيمة حقيقية بالنسبة للفرد، فضلا عن المنشآت الاقتصادية والحكومات، وبالتالي فإن الاقتصاد الأمريكي هو الذي سينقذ العالم من تلك الأزمة إذا رغب ذلك القائمون عليه في الوقت الذي يريدون ويعتقدون أنه الوقت الأنسب لمصلحتهم بالدرجة الأولى ومصلحة حلفائهم بالدرجة الثانية.
    لا أعول كثيرا على الاقتصاد الروسي الذي عانى تضخمات شديدة وها هو يعاني انهيارات متسارعة في سوق الأوراق المالية "السوق تفتح وتغلق بشكل عجيب"، كما أن العملة الروسية ليست العملة الاستراتيجية القوية المدعومة بالمنتجات المطلوبة عالميا، فضلا عن ندرة حلفاء روسيا السياسيين، أما الاقتصاد الصيني فكلنا يعلم أنه يتمتع بأكثر من ترليوني دولار أمريكي يعمل على المحافظة على قيمتها من التدهور، لذلك فإن الصين من الدول الأكثر ترشيحا لشراء سندات الخزانة الأمريكية بهدف الإسهام في إنقاذ الاقتصاد الأمريكي "الذيل الصيني معقود بالذيل الأمريكي". إذن نحن أمام اثنين كبار لا تعويل عليهما، وإن صرحا غير مرة بضرورة التخلي عن التعامل بالدولار في المعاملات التجارية بين الدول.
    بكل تأكيد نحن أمام أزمة مالية خلقت حالة عدم استقرار نقدي، حيث لا يدرك أي منا في القادم من الأيام قيمة النقود التي يمتلكها الشرائية، نعم نرى انكماشا في الأسعار في الوقت الراهن ما يجعلنا نتفاءل بارتفاع القوة الشرائية للنقود التي بين أيدينا، ولكن لسنا على ثقة باستمرارية ذلك، فميزة هذه التغيرات الحاصلة أنها سريعة جداً، ما يجعلنا نمسي على شيء ونصبح على شيء آخر تماما، وهو ما يجعل يوم الأربعاء في سوقنا يوم البيع لا الشراء.
    أين يتجه الاقتصاد العالمي؟ أعتقد أن الأسابيع الستة المقبلة قد تكون أسابيع حاسمة تنجلي من خلالها الرؤية، خصوصا بعد تحديد الفائز في الانتخابات الأمريكية، وإلى ذاك الوقت نسأل الله أن يجنب الاقتصاد العالمي هزات شديدة حتى يقرر الأمريكان إلى أين نحن ذاهبون في ظل قيادة جديدة، وقد تكون الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية حافزا لهم للبحث عن نظام اقتصادي عالمي جديد يعالج الاختلالات التي أدت إلى ما نحن فيه من أزمة مالية خانقة.
    كما نسأل الله أن تعمل حكومتنا الرشيدة على استثمار الأموال أولا بأول في مشاريع رأسمالية منتجة توفر السلع والخدمات، خصوصا الضرورية، في أي ظرف اقتصادي كان.


    كاتب اقتصادي

    الزيتون عندما يُضغط يخرج الزيت الصافي فإذا شعرت بمتاعب الحياة تعصرقلبك فلا تحزن انه "الله" يريد أن يخرج أحلى ما فيك ايمانك دعاءك وتضرعك




Working...
X