أمس حديث «التضخم»... واليوم حديث «الكساد»!
عبدالله بن ربيعان - الحياة
سبحانك ربي ما أسرع تقلبات الأيام، فمنذ ثلاثة أشهر كان الحديث العالمي يدور حول «التضخم» وارتفاع الأسعار بدءاً بالنفط ومروراً بالغذاء وليس انتهاءً بالحديد والمعادن وغيرها من السلع في ظاهرة لم تسلم منها دولة في العالم، والآن الأزمات توحّد العالم، فقد بدأت الوفود والمطالبات والهجوم على دول النفط وتحديداً «أوبك»، خصوصاً المملكة، محملين الدول المنتجة للنفط كل تبعات الغلاء التي اجتاحت العالم، من دون إشارة إلى منتجي الغذاء وإيقاف تصديره في الدول الكبرى المنتجة له، بل وتجاوزت المطالب إلى التلميح بمحاكمة دول «اوبك» ومسؤولي النفط فيها، على رغم تأكيدات المنظمة ان الأسعار التي قاربت الـ150 دولاراً للبرميل لم تأت نتيجة عجز في العرض، وإنما كانت نتيجة انخفاض الدولار وهو العملة الرئيسية للنفط ومضاربات التجار، من دون ان يكون لـ«أوبك» أي دور في ذلك.
ولأن الأيام دول، فها هي الأزمة المالية تصدر من أميركا إلى أوروبا وآسيا وأفريقيا من دون جمرك، ولينقلب الموضوع رأساًً على عقب، فلا حديث يعلو على حديث الكساد المتوقع ان يخيم على أميركا وأوروبا ومن ثم ينتقل إلى بقية أصقاع الأرض، ولتعود المقارنات بين كساد القرن الحادي والعشرين وكساد الثلاثينات من القرن الماضي.
ولأن المصطلح مهم للغاية خصوصاً في وقت الأزمات، فإن غالبية التوقعات الاقتصادية تشير إلى أن العالم مقبل على فترة (ركود recession وتباطؤ Downturn) وليس كساداً Depression وفارق كبير بين المصطلحين في علم الاقتصاد، والأولان أقل من الثاني بكثير.
ولوعدنا إلى تاريخ الكساد الكبير الذي انطلق من نيويورك وخيم على العالم خلال الفترة من 1929 إلى 1933، فإن أحداثه السيئة كانت انكماش الاقتصاد الأميركي بنسبة بلغت 30 في المئة، وارتفاع البطالة إلى 25 في المئة، وانخفاض الأسعار بمعدل سنوي بلغ 10 في المئة خلال فترة الكساد، وهي أرقام لم يحدث إلى الآن ما يقارب ربعها (ومن المتوقع ألا يحدث)، فالانكماش المتوقع في الناتج المحلي الأميركي هذا العام لا يتجاوز في أسوأ التقديرات نصفاً في المئة وشتان بين النصف والثلاثين، والبطالة مازالت في حدودها المقبولة، والأسعار لم يطرأ عليها انخفاض يذكر.
لذا فإن غالبية التوقعات تشير إلى أن العالم مقبل فقط على ركود وتباطؤ في النمو، لأنه على رغم كبر حجم الأزمة التي يمر بها العالم إلا أن التدخلات السريعة من الحكومات ستعيد العربة خلف الحصان. بل ومن المتوقع حدوثه وفقاً لرئيس معهد هدسون للدراسات الاقتصادية اروين ستيلزر في مقالة له نشرتها «التايمز» اللندنية الأحد الماضي إذ لن يخرج عن كونه أزمة ركود وتباطؤ في النمو، مشيراً إلى أن العالم منذ فترة الكساد الكبير مرّ بعشر حالات انتعاش (بمتوسط أربع سنوات للفترة)، كما مرّت على العالم أيضاً أربع حالات ركود (متوسط الفترة عام إلى عامين) لعل أسوأها هو ركود 1969-1970، وركود 1973-1974.
واختم بالإشارة إلى أن الدول التي كانت تشير إلى «أوبك» بأصابع الاتهام في ارتفاع الأسعار قبل أشهر معدودة بدأت التوافد على دول المنظمة بحثاً عن حل لأزماتها الاقتصادية والمالية، مطالبة إياها بضخ سيولة لا تقل عن 250 بليون دولار في صندوق النقد الدولي، وأتساءل مع الكثيرين: حينما كانت أسعار النفط تراوح عند 10 و12 دولاراً، هل طالب أحد من الدول الكبرى بمساعدة «أوبك» أو نظر إلى أزماتها الاقتصادية ولو على سبيل التعاطف وليس تقديم الحلول؟
* اقتصادي سعودي - بريطانيا
عبدالله بن ربيعان - الحياة
سبحانك ربي ما أسرع تقلبات الأيام، فمنذ ثلاثة أشهر كان الحديث العالمي يدور حول «التضخم» وارتفاع الأسعار بدءاً بالنفط ومروراً بالغذاء وليس انتهاءً بالحديد والمعادن وغيرها من السلع في ظاهرة لم تسلم منها دولة في العالم، والآن الأزمات توحّد العالم، فقد بدأت الوفود والمطالبات والهجوم على دول النفط وتحديداً «أوبك»، خصوصاً المملكة، محملين الدول المنتجة للنفط كل تبعات الغلاء التي اجتاحت العالم، من دون إشارة إلى منتجي الغذاء وإيقاف تصديره في الدول الكبرى المنتجة له، بل وتجاوزت المطالب إلى التلميح بمحاكمة دول «اوبك» ومسؤولي النفط فيها، على رغم تأكيدات المنظمة ان الأسعار التي قاربت الـ150 دولاراً للبرميل لم تأت نتيجة عجز في العرض، وإنما كانت نتيجة انخفاض الدولار وهو العملة الرئيسية للنفط ومضاربات التجار، من دون ان يكون لـ«أوبك» أي دور في ذلك.
ولأن الأيام دول، فها هي الأزمة المالية تصدر من أميركا إلى أوروبا وآسيا وأفريقيا من دون جمرك، ولينقلب الموضوع رأساًً على عقب، فلا حديث يعلو على حديث الكساد المتوقع ان يخيم على أميركا وأوروبا ومن ثم ينتقل إلى بقية أصقاع الأرض، ولتعود المقارنات بين كساد القرن الحادي والعشرين وكساد الثلاثينات من القرن الماضي.
ولأن المصطلح مهم للغاية خصوصاً في وقت الأزمات، فإن غالبية التوقعات الاقتصادية تشير إلى أن العالم مقبل على فترة (ركود recession وتباطؤ Downturn) وليس كساداً Depression وفارق كبير بين المصطلحين في علم الاقتصاد، والأولان أقل من الثاني بكثير.
ولوعدنا إلى تاريخ الكساد الكبير الذي انطلق من نيويورك وخيم على العالم خلال الفترة من 1929 إلى 1933، فإن أحداثه السيئة كانت انكماش الاقتصاد الأميركي بنسبة بلغت 30 في المئة، وارتفاع البطالة إلى 25 في المئة، وانخفاض الأسعار بمعدل سنوي بلغ 10 في المئة خلال فترة الكساد، وهي أرقام لم يحدث إلى الآن ما يقارب ربعها (ومن المتوقع ألا يحدث)، فالانكماش المتوقع في الناتج المحلي الأميركي هذا العام لا يتجاوز في أسوأ التقديرات نصفاً في المئة وشتان بين النصف والثلاثين، والبطالة مازالت في حدودها المقبولة، والأسعار لم يطرأ عليها انخفاض يذكر.
لذا فإن غالبية التوقعات تشير إلى أن العالم مقبل فقط على ركود وتباطؤ في النمو، لأنه على رغم كبر حجم الأزمة التي يمر بها العالم إلا أن التدخلات السريعة من الحكومات ستعيد العربة خلف الحصان. بل ومن المتوقع حدوثه وفقاً لرئيس معهد هدسون للدراسات الاقتصادية اروين ستيلزر في مقالة له نشرتها «التايمز» اللندنية الأحد الماضي إذ لن يخرج عن كونه أزمة ركود وتباطؤ في النمو، مشيراً إلى أن العالم منذ فترة الكساد الكبير مرّ بعشر حالات انتعاش (بمتوسط أربع سنوات للفترة)، كما مرّت على العالم أيضاً أربع حالات ركود (متوسط الفترة عام إلى عامين) لعل أسوأها هو ركود 1969-1970، وركود 1973-1974.
واختم بالإشارة إلى أن الدول التي كانت تشير إلى «أوبك» بأصابع الاتهام في ارتفاع الأسعار قبل أشهر معدودة بدأت التوافد على دول المنظمة بحثاً عن حل لأزماتها الاقتصادية والمالية، مطالبة إياها بضخ سيولة لا تقل عن 250 بليون دولار في صندوق النقد الدولي، وأتساءل مع الكثيرين: حينما كانت أسعار النفط تراوح عند 10 و12 دولاراً، هل طالب أحد من الدول الكبرى بمساعدة «أوبك» أو نظر إلى أزماتها الاقتصادية ولو على سبيل التعاطف وليس تقديم الحلول؟
* اقتصادي سعودي - بريطانيا