الأزمة المالية وحسن النيات
الاقتصادية
د. عبد العزيز بن نايف العريعر - عضو مجلس الشورى 11/11/1429هـ
قال أحد الرؤساء الأمريكيين في مقولة متداولة في أمريكا عند الحديث عن النيات "إن الطريق إلى الدمار مفروش بحسن النيات".
حيث إن أحد الأسباب الأساسية للانهيارات المالية التي لم تذكر كثيراً على الرغم من غزارة المقالات هي حسن النيات من قبل المشرعين الأمريكيين في مجلسي النواب والشيوخ، حيث كانت الأهداف النبيلة حول تمكين أكبر عدد من المواطنين الأمريكيين من امتلاك مسكن كانت وراء دعم الحزب الديمقراطي مؤسستي "فردي ماك وفاني مي" الماليتين لتسهيل حصول المواطن الأمريكي على قروض ميسرة ودعم الحزب الجمهوري لتحرير الأسواق المالية من القيود وتخفيف الرقابة تحت مقولة إن الأسواق سوف تصحح نفسها وإن التحرير سيأتي بمزيد من النمو والابتكار وتمكين المواطنين من الحصول على القروض والخدمات بيسر وسهولة.
إن الرغبة في تطوير العمل المصرفي بشقيه التجاري والاستثماري وتشجيع الابتكار في الأدوات (المالية والاستثمارية) كان أيضاً وراء التحرير المبالغ فيه للأنظمة المالية والاقتصادية والضريبية في الغرب خلال رئاسة ريجان في الولايات المتحدة والسيدة تاتشر في المملكة المتحدة حيث ألغيت في الولايات المتحدة الأنظمة والقوانين مثل "جلاس ستيجل ومكفادن" والتي كانت تحد من عمليات بنوك الاستثمار وتضع حاجزاً بين عملية الاستثمار والعمليات المصرفية العادية والتوسع بين الولايات للبنوك الكبيرة وفروعها المتعددة وكذلك عمليات تخصيص الأنشطة الاقتصادية الكبيرة في المملكة المتحدة وتحرير الأنظمة والحد من تدخل الدولة.
إنني أعتقد أن هذه الأزمة العالمية في بدايتها وأنها ستدوم طويلاً وسيمتد أثرها إلى الأنشطة الاقتصادية المختلفة وستؤثر فيها وفينا جميعاً من خلالها بطرق مختلفة وكثيرة ومتداخلة لذا يجب إنشاء مجالس متابعة في كل دولة من دول مجلس التعاون ومجلس موحد في الأمانة العامة أو في الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى تجتمع دورياً خلال هذه السنة لدراسة التداعيات الكثيرة التي ستنجم عن هذه الحادثة أو الكارثة أو الصاعقة التي حلت على العالم بهذه السرعة وبهذا العمق والتوصيات المستمرة لعلاج آثارها بعد دراسة تلك الآثار أو استشرافها من خلال دراسة ما حدث ويحدث خارج المنطقة الخليجية والقرارات التي تتخذ لمواجهتها ومدى نجاحها.
إن هذه الأزمة أو الكارثة المالية التي أصابت مفاصل النظام المصرفي العالمي التي تعرف أسبابها بدقة ولكن آثارها وعلاجها سيأخذان وقتاً وجهداً كبيراً يجب النظر إليها كمرض معد وأن يتلخص علاجه مثله مثل الأمراض الأخرى في ثلاث محاور تتلخص في ثلاث مراحل.
المرحلة الأولى:
تتمثل في العمل على الإسعاف والتهدئة واستقرار الوضع أو كما يسمى بالمصطلح الطبي Stablization.
المرحلة الثانية:
وهي التشخيص وتحديد المشكلة في كل قطاع وتحديد العلاج الأفضل لها "Fixation".
المرحلة الثالثة:
وتختص بالإنعاش ومعالجة المرض وإعادة النشاط إلى سابق عهده أو ما يسمى بمصطلح Recovery أو التعافي والشفاء من المرض.
إن حدوث الأزمات هو من متلازمات الاقتصاد الرأسمالي وهذه الأزمة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة ومن المهم إعادة الثقة إلى الأسواق بأسرع ما يمكن وتكرار ذكر الإيجابيات والسلبيات بشفافية حتى لا يتسع المجال للشائعات والشكوك التي تهز الثقة وهي الأساس للعمل المالي والمصرفي والاقتصادي، ودول مجلس التعاون لديها قدرة على تجاوز ذيول هذه الهزة المالية أو الكارثة الاقتصادية التي ستنجم عنها لأن عدد البنوك قليل نسبياً وهي تمتلك رؤوس أموال كافية وذات ملأه تزيد على النسبة التي حددتها المعايير الدولية مثل "معايير بازل" وقروضها محلية لشركات عاملة في السوق المحلي وانكشافها على المشتقات المالية المبتكرة محدود كما أن دول المجلس لديها مادة استراتيجية (النفط) مطلوبة عالمياً وإمداداتها محدودة من خارج المنطقة والطلب على هذه المادة غير مرن بالمصطلح الاقتصادي أي أن الارتفاع أو الانخفاض بالسعر لا يزيد الطلب أو يقلل منه بنسبة النزول أو الصعود بالسعر كما يحدث بالنسبة للمنتجات الصناعية التي تتوافر بدائلها بكثرة والطلب عليها مرن إضافة إلى الاحتياطيات المالية الكبيرة.
إن ما تعانيه أسواق الخليج المالية هو حالة ذعر وعدم يقين عن حجم المشكلة وتأثيراتها المختلفة مثل ما يعانيه المستثمرون في الخارج مع اختلاف حدة الانكشاف من منطقة إلى أخرى ولكن حالة دول مجلس التعاون تختلف كونها دولا نامية حديثة العهد بالهزات المالية والاقتصادية وردة فعلها تتسم بالحدة والانفعال والهلع غير المبرر أحياناً ولذا أقترح النظر في الحلول السريعة التالية:
1- الإعلان عن إنشاء صندوق خليجي لحماية المصارف في دول مجلس التعاون يدار بشكل جماعي ويحدد مبلغا كافيا ويعلن لطمأنة الأسواق وربما لن يصرف منه شيء.
2- التصريح تلو التصريح بالتزام دول المجلس بضمان ودائع البنوك 100 في المائة كما فعلت أيرلندا فور حدوث الهزة وحماها ذلك من الخسائر ولأن تكلفة التأخير كبيرة.
3- تكرار الإعلان عن ضمان القروض بين المصارف في دول المجلس أو ما يسمى "البنيمصرفية".
4- إعلان خطة إنعاش اقتصادي للمشاريع التنموية واستخدام السياسة المالية لدعمها.
5- إعلان وقف الاكتتابات الجديدة أو زيادات رأس المال حتى تتضح الصورة.
6- الإعلان عن وضع ودائع حكومية محددة في المصارف الخليجية دعماً لها وتأكيداً على الثقة بها وليس الوعد بإقراضها فقط.
7- النظر في تسييل جزء من الاحتياطيات الحكومية وتحويلها إلى ذهب لدعم العملات الخليجية أو العملة الموحدة وتأكيد الالتزام بها.
8- النظر في وقف التداول كما يفعل كثير من الدول خلال الأزمات والهلع.
9- تعزيز مبادئ الإفصاح ومعايير الشفافية في البيانات والمعلومات والتصريحات الرسمية والدقة فيها لحماية السوق وعدم فقدان المصداقية.
إن هذه الخطوات مطلوبة وضرورية في المدى القصير لطمأنة السوق لأن العامل النفسي والثقة هما أساس العمل المصرفي والاقتصادي وضروريان للنمو والازدهار الاقتصادي ولأن التأخير في ذلك سيكون مكلفاً وإعادة الثقة بالأسواق من خلال هذه الخطوات سوف تحد أو تلغي الحاجة إلى أي تدخل لأن الثقة وتأكيدها هما الأهم أما في المدى المتوسط والطويل فإن السرعة في تنويع الاقتصاد وتطوير القطاعات الواعدة والاستثمارات في المشاريع الإنتاجية وليست الهامشية والكمالية التي لا تضيف شيئاً إلى النمو بل تعيقه وتبدد الأموال وتجربة كثير من الدول النامية خصوصاً الآسيوية خير مثال حيث استثمرت في الصناعة والتصدير وتحسين الإنتاج ثم قامت في وقت لاحق - ومن الإيرادات المتنامية - بالاستثمار في المشاريع الكمالية والتجميلية من مرافق ومنشآت سياحية وغيرها.
والله الموفق،،،،