سؤال بسيط لمؤسسة النقد في قلب العاصفة!
الاقتصادية
عبد الله باجبير - 12/11/1429هـ
لا يختلف اثنان على إنجازات السياسة المالية في المملكة خلال الفترة الماضية والفضل الأكبر يعود للقيادة الحكيمة بقيادة خادم الحرمين الملك عبد الله، حفظه الله، الذي وضع نصب عينه تخفيض الدين العام وتكوين احتياطي نقدي خلال الفترة الماضية، وقد أثبتت الأيام نظرته الثاقبة والبُعد الاستراتيجي لهذه السياسة.
وقد قامت الجهات المنفذة للسياسة المالية والنقدية سواء وزارة المالية أو مؤسسة النقد بعمل جيد أيضا في تنفيذ التوجيهات الحكيمة والحرص على عدم الدخول في مغامرات غير محسوبة، فقد قاومت الضغوط الكبيرة التي فرضها الرأي العام بضرورة فك ارتباط العملة المحلية بالدولار في ظل التضخم خلال العام الماضي، وقاومت النداءات العديدة بتكوين صندوق سيادي للاستثمار بشكل دولي أسوة بما يتم في الدول الخليجية المجاورة، وتثبت هذه الأيام أن السياسات التي اتبعتها الجهات التنفيذية كانت جيدة حتى الآن وفي محلها.
ولكن الخوف الحالي هو تكوين رأي لدى تلك الجهات التنفيذية للسياسة المالية والنقدية بضرورة صواب رأيها بغض النظر عن آراء الآخرين وعدم الالتفات لكافة الآراء الأخرى التي قد يكون بعضها في مصلحة الاقتصاد الوطني لكن تعتقد الجهات التنفيذية أنها الأدرى بمصلحة الاقتصاد الوطني وهي فقط تحدد ما يتم الإعلان عنه وما يتم التصريح به، لأنها تعلم القرار الأفضل وهي فقط قادرة على اتخاذ القرار الصحيح، ولكن نذكر فقط بأن أفضل العقول الاقتصادية في العالم قد أخطأت في تقدير بعض الأمور المالية ولم تستمع لآراء الآخرين، مما نتج عنه كارثة مالية عالمية، وبأن من كان يعتبر أب الاقتصاد العالمي حتى عدة أسابيع سابقة وهو ألان جرينسبان، لم يستطع اتخاذ قرار صحيح بخصوص تنظيم المشتقات المالية في عام 2004، عندما كان في مجال يسمح له باتخاذ القرار لإيمانه بآليات السوق الحر وقدرتها التصحيحية، ومن المؤكد أن لنجاح سياساته السابقة خلال العشرين عاما دورا في اعتقاده أنه الأدرى والأقدر على اتخاذ القرار الصحيح لمصلحة الاقتصاد الوطني بغض النظر عن آراء الآخرين.
وإن كنا نعتبر من هذه الأزمة المالية فإن الشفافية والوضوح هي أهم عبرة يتم استخلاصها ووجود أي موضوع غير واضح وغير مفهوم في الأوضاع المالية يعتبر بحد ذاته مؤشرا إلى أن هناك مشكلة ما، وهذا ما يقودنا إلى التساؤل عن عدم رغبة مؤسسة النقد في الإفصاح عما هي الاستثمارات التي لدينا في الأوراق المالية الخارجية التي تفوق التريليون ريال، التي تعتبر الاحتياطي الأكبر الذي تم تكوينه، ما هي هذه الاستثمارات في الأوراق المالية الخارجية، وفي أي أوعية استثمارية موجودة؟ وحسب تعريف الأوراق المالية طويل الأجل هي إما أن تكون سندات وإما أسهما ولكل نوع مخاطر مختلفة، أما إذا كانت أوراقا مالية قصيرة الأجل فهي أذونات الخزانة وشهادات إيداع وأوراق تجارية وقبولات مصرفية، ومن الواضح أن لكل نوع مخاطر مختلفة وبعض الجهات التي اختفت في "وول ستريت" كانت مصدرة لهذا النوع من الأوراق المالية سواء القصيرة أو الطويلة، ولكن نستشف من تصريحات مؤسسة النقد أن معظم هذه الاستثمارات في سندات الخزانة الأمريكية هي الأقل مخاطر وهي التي تدفع أقل فوائد تناسبا مع المخاطرة، وهو ما لمحت إليه المؤسسة في عدة مناسبات ومع ذلك نحن نتساءل: لماذا لا ترغب المؤسسة في الإفصاح والشفافية التي نادينا ونادى غيرنا بها في عدة مناسبات، ودافعنا في ذلك هو المصلحة الوطنية أم أنها الأدرى والأقدر فقط على تحديد ذلك؟! سؤال بسيط في وسط العاصفة!