Announcement

Collapse
No announcement yet.

الأزمة المالية وإيرادات دول "أوبك"

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • الأزمة المالية وإيرادات دول "أوبك"

    الأزمة المالية وإيرادات دول "أوبك"




    الاقتصادية

    د. أنس بن فيصل الحجي

    في أواخر التسعينيات، عندما كانت أسعار النفط منخفضة جدا كانت إيرادات "أوبك" من صادرات النفط أقل من 3 في المائة من الناتج المحلي الأمريكي. عندما ارتفعت أسعار النفط لم تتغير الصورة كثيرا، مع أن عدد دول "أوبك" ازداد من 11 إلى 13، كما ارتفع إنتاج أغلب الدول الأعضاء: إذا استمرت أسعار النفط بمعدل 100 دولار يوميا ولمدة سنة كاملة، وقامت "أوبك" بإنتاج 32 مليون برميل يوميا (إنتاج "أوبك" في أيلول (سبتمبر) الماضي كان 32.16 مليون برميل، ولكنه انخفض إلى ما دون 30 مليون برميل في الفترة الأخيرة)، فإن عائدات دول "أوبك" تبلغ نحو 8 في المائة من الناتج المحلي الأمريكي. لو دققنا أكثر لوجدنا أن عائدات "أوبك" بناء على الفروض السابقة أكبر قليلا من إيرادات أكبر شركتين أمريكيتين إكسون موبيل وول مارت. ولو دققنا أكثر لوجدنا أن ثروة شخص أمريكي واحد تساوي الناتج المحلي لبعض دول "أوبك". ثم جاءت الأزمة المالية، فتدهورت قيمة الشركات، وتدهور معها الناتج المحلي الأمريكي، ولكنها خفضت أيضا أسعار النفط، الأمر الذي جعل النسب القديمة نفسها تقريبا.

    باختصار, عوائد النفط ما زالت صغيرة حتى بالعرف العالمي، ولا يمكنها وحدها أن تحل أزمة السيولة العالمية، خاصة أن 700 مليار التي قررت الحكومة الأمريكية استخدامها لإنقاذ البنوك تكون أكبر من عائدات "أوبك" كلها في العام المقبل إذا استمرت أسعار النفط في مستوياتها الحالية.


    الإعلام العربي وتقدير إيرادات "أوبك"

    تطالعنا بعض الصحف من وقت إلى آخر بملخص عن تقرير "حكومي أمريكي" عن إيرادات "أوبك" الشهرية بعناوين رنانة، دون تمحيص أو تعليق من الخبراء، كما يقتضي العرف الصحافي. ولو كان لدى إعلاميينا "ثقافة نفطية" لتمكنوا من حساب إيرادات أوبك حتى قبل أن تنشر في "تقرير حكومي أمريكي"، ولو كان لديهم ثقافة نفطية لما وصفوه بـ "الحكومي" لأنه لا علاقة له بالحكومة الأمريكية. التقرير تصدره إدارة معلومات الطاقة، وهي هيئة مستقلة تماما، تتبع إداريا وزارة الطاقة الأمريكية. هذه "الاستقلالية" تنفي كون التقرير "حكومياً". مهمة إدارة معلومات الطاقة، حسب القانون الأمريكي، أن تقدم معلومات مستقلة مجانية للجميع، لذلك فإن الحصول على التقرير لا يعد "خاصاً" بوسيلة إعلامية معينة، ولا يعد سبقا صحافيا. المهم في الأمر أنه ليس هناك أي قيمة علمية لهذا التقرير، الأمر الذي أدى إلى إيقافه كلما عانت الإدارة من ضائقة مالية.

    قد يظن البعض أن هناك خبراء يقومون بإعداد هذه التقارير، ولكن الحقيقة غير ذلك، حيث إن من يقوم بإعدادها هم شباب في مقتبل العمر تخرجوا حديثا مهمتهم إدخال المعلومات في برنامج "إكسل" ثم شرح هذه المعلومات كما هي. هذا يعني أن خبرة من يكتب هذا التقرير لا تتجاوز كثيرا خبرة الإعلامي الذي ترجم التقرير. أما كيفية الحساب فهي بسيطة للغاية وغير علمية على الإطلاق، حيث يقوم الموظف بطرح الاستهلاك المحلي من الإنتاج، ثم يضرب الفرق بمتوسط أسعار نفوط البلد. هذه هي الإيرادات حسب "تقرير حكومي أمريكي"! المشكلة أن بيانات الاستهلاك الحالية غير معروفة حتى للبلد الذي يحسبون إيراداته، فكيف يحسبونها؟ بما أن لديهم بيانات الاستهلاك القديمة، فإنهم يحسبون معدل النمو فيها، ثم يحسبون البيانات الجديدة بناء عليها، أو بناء على ما يصدر في "الصحف" (لاحظوا الدائرة المفرغة هنا)! بغض النظر عن الأخطاء الكبيرة في طريقة الحساب، إلا أنه يمكن لأي شخص في أي مكان أن يقوم بهذه التقديرات. هذا يعني أنه ليس هناك أي خاصية لهذه التقديرات كونها "حكومية" أو "أمريكية".

    تقدم هذه التقديرات التي تترجمها بعض وسائل الإعلام العربية تقديرات اسمية وحقيقية لإيرادات النفط. الغريب في الأمر أن الإيرادات الحقيقية لدول "أوبك" محسوبة بناء على معدلات التضخم في الولايات المتحدة، بدلا من أن تكون محسوبة بناء على معدلات التضخم في دول "أوبك"!


    الإيرادات الفعلية .. نظرة موضوعية

    1. ما يهم مواطني الدول المصدرة للنفط ليس إيرادات النفط كما تنقلها وسائل الإعلام العربية عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية. ما يهمهم هو القوة الشرائية لصافي عائدات النفط.

    2. يقصد بالقوة الشرائية ما يمكن استيراده من سلع وخدمات مقابل كل برميل مصدر من النفط. هذا يعني أنه يجب أخذ قيمة الدولار والتضخم في البلاد التي نستورد منها في الحسبان. تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية لا تنظر إلى هذين الأمرين على الإطلاق، الأمر الذي يجعلها تبالغ في تقدير إيرادات أوبك.

    3. يقصد بصافي العائدات هو ما يتبقى من الإيرادات بعد دفع كل التكاليف. المشكلة هنا هي تعريف "التكاليف"، فإذا قصرنا التكاليف على تكاليف استخراج النفط من باطن الأرض، فإن هذا لا يشمل سعر النفط كسلعة تملكها الدولة المنتجة، فهل التكاليف هي تكاليف الاستخراج فقط، أم أنها تكاليف الإنتاج إضافة إلى سعر النفط نفسه؟ وكيف يحدد سعر النفط؟ هل نحدده بناء على تكلفة إيجاد برميل آخر محل البرميل المستخرج؟ وهل هذا البرميل من الحقل نفسه أم من حقول الأخرى؟ وهل يحدد بناء على تكاليف النفط في السعودية أم في القطب الشمالي أم في خليج المكسيك؟ أم يحدد بناء على تكاليف الطاقة البديلة للنفط؟ وإذا تكلمنا عن تكاليف النفط كمصدر ناضب، فإن هناك احتمالا أن تكون الدول النفطية تحقق خسائر كبيرة، رغم بلوغ الإيرادات مستويات قياسية.

    4. في ظل دولار منخفض ومعدلات فائدة قريبة من الصفر ومعدلات تضخم عالية، فإن الإيرادات المدخرة تفقد قيمتها مع الزمن!

    5. هناك أدلة مثبتة أن بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية عن استهلاك النفط في الدول المنتجة أقل من الواقع، الأمر الذي يضخم الصادرات، وبالتالي الإيرادات.

    6. يصر زميلي خوان ببلو بيريز، وهو ابن ألفونسو بيريز، الوزير الفنزويلي الذي أسس "أوبك" مع عبد الله الطريقي، أول وزير بترول سعودي، على أن الإيرادات يجب أن تقيّم بناء على ما يترجم منها إلى تنمية حقيقية مستدامة. بناء على هذا المعيار، فإن دول النفط تخسر الكثير يوميا من إنتاج النفط!

    7. بما أن بعض دول النفط أصبحت محل أطماع الدول الأخرى بعد اكتشاف النفط، فإن إنفاقها على التسليح أعلى مما لو لم تكتشف النفط، هذا يعني أن تكاليف إنتاج النفط يجب أن تتضمن الإنفاق الزائد على التسليح الناتج عن وجود النفط في المنطقة.

    إذا صافي إيرادات دول "أوبك" الحقيقية أقل بكثير مما يوحي به التقرير "الحكومي الأمريكي"، إن جاز لنا فعلا أن ندعوه بـ "تقرير". من هذا المنطلق فإن دور هذه الإيرادات في حل الأزمة العالمية محدود جدا.

    الزيتون عندما يُضغط يخرج الزيت الصافي فإذا شعرت بمتاعب الحياة تعصرقلبك فلا تحزن انه "الله" يريد أن يخرج أحلى ما فيك ايمانك دعاءك وتضرعك




Working...
X