عقارات دبي .. القلق يتزايد مع تراجع الأسعار
الاقتصادية
سايمون كير ورولا خلف
راهن بيتر، وهو رجل أعمال مخضرم، على سوق دبي العقارية الصاعدة صاروخياً قبل عامين، واشترى شقتين في مشروع تطوير المدينة الدولية منخفض التكاليف، الذي يتكون من شبكة من المباني بالقرب من طريق دبي الدائري.
وبعد بيعهما والحصول على ربح جيد، صرف واحدا من شيكين، لكن البنك رد الشيك الآخر بقيمة 300 ألف درهم إماراتي (81700 دولار). وقال "السمسار (العقاري) الذي أتعامل معه اختفى في البحرين. لا أعتقد أنه سيعود بسرعة".
وفي ضوء حالة الحذر القائمة في السوق، قليلون هم الذين فوجئوا بهرب ذلك السمسار. وخيمت مخاوف متزايدة، ناشئة عن توقعات قوية بحدوث تصحيح في قطاع العقارات، على أشهر الصيف الهادئة وشهر رمضان الكريم. وزاد من حدة المخاوف تقرير لمورجان ستانلي يتوقع تراجعاً بنسبة 10 في المائة في أسعار العقارات بنهاية عام 2009.
وفاقم الاضطراب المالي العالمي خلال أيلول (سبتمبر)، العصبية في أسواق العقارات والأسهم في البلاد. وقال بنك HSBC أخيرا، إن الأسعار تراجعت بنسبة 4 في المائة في دبي و5 في المائة في أبو ظبي، عاصمة اتحاد الإمارات، خلال تشرين الأول (أكتوبر).
ويعمل المضاربون على التخلي عن استثماراتهم العقارية، الأمر الذي يخفض الأسعار للمرة الأولى منذ بداية الطفرة عام 2002، حين فتحت دبي سوق العقارات للمشترين العرب غير الخليجيين.
وبحسب ماريوس ماراثيفيتس، الاقتصادي العامل في ستاندر تشارتر: "من الممكن أن يكون التصحيح نعمة خفية. كانت لدينا سوق بالغة السخونة".
وقال محمد العبار، رئيس المجموعة العقارية "إعمار"، إن الحكومة شكلت لجنة استشارية لموازنة العرض والطلب، وهو مؤشر على أن الحكومة يمكن أن تعمل على إبطاء المشروعات المستقبلية لتمكين السوق من العودة إلى العمل بهدوء.
وأضاف: "يمكنك أن تشهد تأخيراً في المشروعات، لكن السوق لا تزال تعاني نقص العرض. وإذا استطاع الاقتصاد الإماراتي تحقيق نمو إيجابي، فمن الممكن أن تستمر هذه السوق في اجتذاب الناس".
إن تراجع نشاطات المبيعات يمثل عكساً لاتجاه صعودي قوي دام 18 شهراً تضاعف في ظله بعض الأسعار أكثر من مرة. ويقول وكلاء العقارات إن الأسعار تراجعت بما يصل إلى 50 في المائة في المواقع التي شهدت أعلى الارتفاعات، مثل جزيرة نخيل القائمة على أرض مدفونة داخل البحر، وكذلك في مشروعات إعمار للتطوير العقاري حول برج دبي الذي هو أعلى بناية في العالم.
وكانت اللطمة الأقوى من نصيب العقارات التي لم يتم اكتمال بنائها بعد، الأمر الذي يفسر ما يتحدث عنه HSBC من تراجع أعمق في الأسعار في أبو ظبي، حيث معظم العقارات المعدة للبيع لم يكتمل بناؤها بعد.
غير أن معظم المحللين مازالوا متحمسين إزاء وضع العقارات في الإمارات في الأجل الطويل، على الرغم من الأحزان الحالية في السوق .
ويقول ماثيو جرين، مدير الأبحاث في شركة كلتونز Cluttons في الإمارات: "هناك الكثير من السلبية المغذية للهلع، إلا أن الأساسيات سليمة. ما عليك سوى النظر إلى النمو السكاني لتدرك أنه سيكون هناك طلب في السوق".
قال سلطان بن سُليم، رئيس شركة نخيل المملوكة من قبل الحكومة، للمصرفيين أخيرا، إن بعض المضاربين المبالغين في توسيع نشاطاتهم كانوا يتخلون عن ممتلكاتهم بخسارة، لكنه توقع أن تواصل الأسواق الارتفاع بمجرد استعادة الثقة. وأضاف أنه رحب بتباطؤ نشاط المبيعات، لأنه أظهر أن المستخدمين النهائيين حلّوا محل المضاربين".
ومع ذلك، الأزمة المصرفية تضرب مشتري المنازل المتوقعين. ورفع بنك لويدز تي إس بي المتطلبات المالية الدنيا للرهون على الـفلل إلى 50 في المائة، وتوقف عن إقراض مشتري الشقق. ويقول مصرفيون إن آخرين يعدّون لفرض قيود مشابهة.
وأظهرت بحوث HSBC تراجعا شهريا في أسعار الـفلل بلغ 19 في المائة في تشرين الأول (أكتوبر). وحرّك ذلك مستوى متراجعا لمعدلات القروض مقابل القيمة.
وأطلقت إعمار برنامجاً لتسهيل شروط السداد لتحفيز الطلب. وتقول وكالة متابعة البيع على الإنترنت Gowealthy.com إنها مستمرة في ملاحظة مبيعات جيدة على العقارات التي لم يكتمل بناؤها بعد، نتيجة لشروط سداد جذابة.
وفي ظل زيادة حادة في تكاليف الإقراض، يواجه مطورو العقارات في الإمارات كذلك مشكلة كبرى في تمويل العقارات المخطط لها، التي تقدر تكاليفها بمليارات الدولارات خلال العقد المقبل، كما يقول المصرفيون.
ويقول المسؤولون الحكوميون إن بعض أكثر المشروعات فخامة، التي ما زالت في انتظار العرض على الجمهور، يمكن أن تؤجل خلال الأشهر المقبلة، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث حتى الآن.
وبينما يتمتع مطورو العقارات المرتبطون بالحكومة بحاجز أمان مالي، فإن مطوري القطاع الخاص يواجهون وضعاً أشد كآبة. واضطرت شركة داماك، أكبر شركة تطوير عقاري تابعة للقطاع الخاص، إلى الاستغناء عن 200 من العاملين فيها، بينما تخلت شركة أمنيات، وهي أيضا شركة تطوير عقاري خاصة، عن عدد من العاملين.
أما فيالق مدينة دبي من الشباب العاملين في مجال السمسرة في العقارات، فمن المتوقع أن يفقدوا في الأشهر المقبلة وظائفهم القائمة على تلقي العمولات، ما لم يحدث تحول رئيسي في المشاعر التي تسود الأسواق.
ويقول مطلعون على دواخل القطاع إن الضوابط التي صيغت أيام الطفرة، والمقرر أن تطبق قريباً، يمكن أن تساعد في تعطيل عودة الحركة إلى الأسواق. وتفكر السلطات المسؤولة عن تنظيم سوق العقارات في دبي، في تطبيق عقود موحدة للتأكد من أن الناس يعرفون بالضبط ما هي المساحات التي يشترونها.
وكان المطورون التجاريون في السابق يبيعون في بعض الأحيان على أساس المساحة الكلية، الأمر الذي يجعل بعض المشترين يشعرون بأنهم لم يتلقوا معاملة عادلة. وستجعل العقود الجديدة العقارات تبدو أغلى.
وقال أحد المطورين العقاريين: "الضوابط وضعت لتهدئة السوق المندفعة، ولم يكن أحد يخطط لوضع تتراجع فيه الأسعار".