محفظة الاستثمار الكويتية .. ضرورة سوقية
الاقتصادية
د.جاسم حسين
بعثنا هذا المقال من الكويت، وذلك على خلفية مشاركتنا بمؤتمر برلماني ناقش تعزيز آليات محاربة الفساد المالي. وكنا قد قررنا سلفا كتابة مقال حول نتائج (المؤتمر العالمي الثالث للبرلمانيين ضد الفساد)، لكن عدلنا عن رأينا في أعقاب إعلان الحكومة الكويتية موافقتها على توصية بإنشاء محفظة مالية رسمية للشراء المباشر من البورصة.
بدورنا نؤيد هذه الخطوة ونراها مناسبة حفاظا على المكتسبات الاقتصادية للبلاد. فمن شأن ترك الأمور من دون تدخل رسمي حدوث تطورات لا تحمد عقباها في وقت لاحق، فضلا عن ارتفاع تكلفة التدخل. نقول ذلك في ضوء وجود مزاعم بأن فاتورة خطط إنقاذ أسواق المال من الانهيار قد ارتفعت بسبب عدم تدخل السلطات المعنية في الوقت المناسب.
فاتورة الإنقاذ
برزت مشكلة أزمة الرهن العقاري للسطح للمرة الأولى في صيف عام 2007 في الولايات المتحدة، بعد أن تبين عدم قدرة نسبة غير قليلة من المقترضين تسديد الديون المترتبة عليهم (خدمة الدين فضلا عن الرأسمال). وتطلب الأمر تقديم الرئيس الأمريكي جورج بوش خطة إنقاذ بقيمة 700 مليار دولار (يشكل هذا الرقم نحو 80 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة). وقد وافق مجلس النواب الأمريكي على الخطة في بداية شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، حيث فتح المشرعون للحكومة إمكانية شراء الأصول المتعثرة من المصارف والمؤسسات المالية الأمريكية بلا استثناء، شرط خضوعها إلى النظم الرقابية والاحتفاظ بهذه الأصول إلى موعد الاستحقاق، أو بيعها في الوقت أو الظروف والأسعار التي تحقق فيها أعلى عائد لدافعي الضرائب.
حقيقة القول، استغرب البعض من توظيف أموال لإنقاذ مؤسسات بعض المؤسسات المالية. بيد أنه لم يكن أمام إدارة الرئيس بوش من مفر، لأن فاتورة ترك الأمور تزيد مرات عن تكلفة توظيف أموال عامة لإنقاذ الوضع من حيث انهيار بعض المؤسسات المالية، ما يعني خسارة عدد غير قليل من الوظائف وبيع منازل الناس. وتبعت الولايات المتحدة دول أخرى في إقرار خطط خاصة لغرض إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان
أهداف المحفظة
عودة لموضوع المقال، فقد قرر مجلس الوزراء الكويتي في الأسبوع الماضي, تكليف الهيئة العامة للاستثمار بإنشاء محفظة استثمارية طويلة الأجل بالتعاون مع المؤسسات الحكومية الأخرى للاستثمار في سوق الكويت للأوراق المالية وفق أسس استثمارية موضوعية ومهنية تحقق الأهداف المنشودة في دعم الاقتصاد الوطني وتعزيز أجواء الثقة وتكريس دعائم استقرار السوق واحتواء التداعيات السلبية على القطاعات الاقتصادية المختلفة.
وعلمنا بأن سر إشراك جهات رسمية أخرى الهيئات المستقلة والتأمينات الاجتماعية ومؤسسة البترول مع الهيئة العامة للاستثمار يعود في جانبه إلى تفويت الفرص على المستثمرين لمعرفة التوجهات الاستثمارية للمحفظة، فضلا عن معرفة حجم الأموال التي سيتم استثمارها في شركات دون غيرها. تمتلك الهيئة العامة للاستثمار ملكية معلنة في بعض المؤسسات المدرجة في البورصة وتعد الهيئة العامة للاستثمار بمثابة الذراع الاستثمارية أو الصندوق السيادي للكويت حيث تبلغ قيمة أصولها 265 مليار دولار حسب أفضل الإحصاءات المتوافرة.
خطوة متأخرة نسبيا
يبدو لنا أن مقولة (متأخر لكن ليس متأخرا جدا) تنطبق بالضرورة على الخطوة الكويتية. ومرد كلامنا تراجع أداء مؤشر البورصة لأكثر من 30 في المائة منذ بداية العام الجاري. وقد ضاق عدد غير قليل من المستثمرين الصغار ذرعا بأداء السوق ونجحوا في إقناع السلطة القضائية بوقف التعامل في سوق الكويت للأوراق المالية بتاريخ 17 من الشهر الجاري. وزعم هؤلاء بوجود عملية تلاعب للأسعار من قبل مجموعة من كبار المستثمرين بغرض الدفع بالأسعار للأسفل لتحقيق أهداف استثمارية. بدورها نجحت الحكومة في إقناع المحكمة بالعدول عن قرار الحجز (سوف تنظر محكمة الاستئناف في القضية مجددا يوم الأربعاء المقبل).
تتميز الخطة بأنها طويلة الأجل، حيث من المقرر أن تبقي الاستثمارات في البورصة لفترة خمس سنوات. لا شك لدى الجهات الحكومية تغيير نوعية الأصول التي يرغبون في اقتنائها لكن يجب أن تبقى الأموال في السوق لتحقيق الأهداف المرجوة مثل ضمان توافر السيولة والعمل على إعادة الثقة للمعاملات. وحتى كتابة المقال لم يتم الكشف عن القيمة المالية للمحفظة، فضلا عن تفاصيل آليات التنفيذ وخصوصا المسائل الفنية. الرقم المتداول في أوساط المهتمين في حدود 11 مليار دولار أي نحو 8 في المائة من القيمة السوقية للشركات المدرجة.
الخطوة الكويتية بحاجة إلى استنساخ من قبل حكومات أخرى في دول مجلس التعاون بواسطة توظيف جانب من الفوائض المالية التي تم تكديسها في السنوات القليلة الماضية بسبب ارتفاع أسعار النفط (يشكل الدخل النفطي نحو ثلاثة أرباع إيرادات الخزانة العامة في جميع دول المجلس). باختصار ليس من الصواب ترك جانب حيوي من الاقتصاد يتعرض لتراجع بسبب تصدع الثقة دون أن تحرك الجهات المسؤولة ساكنا وكأن الأمر لا يعنيها. الأمر المؤكد هو أن أداء أسواق المال يعد المرآة الحقيقية للآفاق المستقبلية للاقتصاديات الوطنية.