هل تعود "أوبك" لآلية النطاق السعري؟
الاقتصادية
خالد أحمد عثمان
خلال اجتماع مؤتمرها الذي انعقد في آذار (مارس) 2000م اعتمدت منظمة الأقطار المصدرة للبترول "أوبك" آلية النطاق السعري. وحدث هذا الاعتماد بطريقة أشبه باتفاق الجنتلمان Gentleman Agreement، وهو مصطلح سياسي دولي عربه أستاذنا الدكتور محمد طلعت الغنيمي، يرحمه الله، بأنه (اتفاق الشرفاء)، ويقصد به الاتفاق الشفوي الذي يتم بين القائمين بالشؤون الخارجية لدولتين أو أكثر يتبنون فيه المنهج الذي يرون أن تنتهجه دولهم بشأن أمر دولي معين. فمؤتمر "أوبك" لم يصدر قراراً مكتوباً باعتماد آلية النطاق السعري وإنما اكتفى بالموافقة الشفوية عليها. وكانت قواعد هذه الآلية تقضي بأن تخفض "أوبك" إنتاجها بمقدار 500 ألف برميل يوميا في حالة انخفاض السعر عن 22 دولارا أمريكيا للبرميل لمدة عشرة أيام وزيادة الإنتاج بالمقدار ذاته إذا تجاوز سعر البرميل 28 دولارا لمدة 20 يوماً.
وجدير بالذكر أن المقصود بالسعر في هذه الآلية هو سعر سلة "أوبك" التي يتم تسعيرها آنذاك طبقا لمتوسط أسعار سبعة أنواع من النفط هي النفط العربي السعودي الخفيف ومزيج الصحراء الجزائري وبوني الخفيف النيجيري، ودبي الإماراتي وتيناخوانا الخفيف الفنزويلي واستيموس المكسيكي، وقد دخل الخام المكسيكي المذكور ضمن سلة خامات "أوبك" على الرغم من أن المكسيك ليست عضوا في "أوبك". ويعد سعر سلة "أوبك" هو المؤشر الرئيسي لأسعار النفط في الأسواق الدولية لأن أكثر أنواع النفط تداولاً في هذه الأسواق هي خامات سلة "أوبك"، ويكون عادة سعر سلة "أوبك" أقل من سعر مؤشر (مزيج برنت) الأوروبي، وسعر خام (غرب تكساس) الأمريكي لأن سلة "أوبك" تضم مزيجا من النفوط الخفيفة والثقيلة.
وبعد خمس سنوات من اعتماد آلية النطاق السعري قررت "أوبك" في مؤتمرها الذي انعقد بتاريخ 30/1/2005م في العاصمة النمساوية (فيينا) تعليق العمل بهذه الآلية نظرا للارتفاع المستمر لسعر النفط وتجاوزه للنطاق السعري على مدى فترة طويلة حيث بلغ سعر سلة "أوبك" مستويات تزيد آنذاك على 46 دولاراً وقد صاحب ذلك انخفاض قيمة الدولار الذي يتخذ أساساً لتسعير النفط، وبالتالي فلم تعد هذه الآلية ملائمة، وعلى أثر تعليق العمل بها صرح المهندس علي بن إبراهيم النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية السعودي بأن "أوبك" تدرس إيجاد آلية سعرية جديدة مناسبة لأسعار نفوط المنظمة. ولكن أوضاع السوق النفطية العالمية ثبطت همة "أوبك" عن إيجاد آلية نطاق سعري جديد ولم يعد أحد يتحدث عنها فأصبحت نسيا منسيا، إذ استمرت أسعار النفط في الارتفاع لأسباب عديدة تخرج عن سيطرة "أوبك" وتبعا لذلك لم يعد في مقدرتها الدفاع عن أي نطاق سعري جديد. وعلى الرغم من أن المعروض من النفط كان أكثر من الطلب فإن أسعار النفط واصلت ارتفاعها حتى وصلت إلى نحو 147.27 دولار للبرميل في شهر تموز (يوليو) 2008م ثم بدأت مرحلة التراجع شيئا فشيئا حتى وصل سعر سلة "أوبك" في 21/10/2008م إلى 64.63 دولار للبرميل علما أن هذه السلة أصبحت تضم 13 نوعا من النفط الخام وهي: خام صحاري الجزائري، جيراسول الأنغولي، ميناس الإندونيسي، الإيراني الثقيل، البصرة الخفيف العراقي، خام التصدير الكويتي، خام السمر الليبي، خام بوني الخفيف النيجيري، الخام البحري القطري، الخام العربي الخفيف السعودي، خام مربان الإماراتي، خام بي سي إف 17 من فنزويلا، وخام أورينت الإكوادوري. وأدى هذا التدهور في أسعار النفط إلى أن تقرر "أوبك" في اجتماع مؤتمرها الطارئ الذي انعقد في فيينا بتاريخ 24/10/2008م إلى تخفيض إنتاج دول المنظمة بمقدار مليون و500 ألف برميل يوميا اعتبارا من الأول من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2008م بحيث يصبح الإنتاج 27.2 مليون برميل بعد أن كان 28.8 مليون برميل. وعلى أثر ذلك صرح الوزير النعيمي أنه يتعين على "أوبك" الانتظار حتى تظهر آثار هذا القرار في سوق النفط قبل أن تدرس أي تخفيضات أخرى، مؤكدا أن السوق هي التي تحدد سعر النفط، وأن منظمة "أوبك" ليس لديها أي خطط لتبني نطاق سعري مستهدف.
وعلى الرغم من هذا القرار فقد واصلت أسعار النفط هبوطها حيث وصل سعر سلة "أوبك" في 12/11/2008م إلى 47.73 دولار للبرميل، بينما وصل سعر مزيج برنت إلى 55.99 دولار للبرميل، وتراجع سعر النفط الخام الأمريكي في بورصة نيويورك التجارية (نايمكس) فوصل إلى 56.4 دولار للبرميل.
وحاولت "أوبك" إقناع بعض الدول المنتجة للنفط غير الأعضاء بأن تخفض مستويات إنتاجها بهدف التعاون معها لوقف تدهور الأسعار لكن "أوبك" أخفقت في مسعاها، فروسيا، كما قال الوزير الجزائري شكيب خليل، ردت بأن لديها أولويات، والنرويج رفضت، أما المكسيك فلم ترد.
إزاء استمرار هبوط الأسعار قررت "أوبك" عقد اجتماع تشاوري طارئ في القاهرة يوم 29 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري لبحث إجراءات مواجهة التراجع المستمر لأسعار النفط والحفاظ على استقرار الأسواق العالمية، علماً أنه من المقرر أن يعقد المؤتمر التالي للمنظمة اجتماعاً يوم 17/1/2009م في مدينة وهران الجزائرية لإعادة تقويم وضع السوق النفطية ودراسة الاحتمالات في النصف الأول من عام 2009م.
وأرجع بعض المحللين هبوط أسعار النفط إلى تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي وإلى الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة لمواجهة الأزمة المالية العالمية الناشئة عن أزمة الرهون العقارية الأمريكية وارتفاع قيمة الدولار. ويرى بعض الخبراء أن أسعار النفط يمكن أن تنخفض بسهولة إلى 40 أو 35 دولاراً قبل أن تنتعش سريعاً جداً والسؤال الذي يطرح نفسه هل استمرار هبوط الأسعار سيدفع منظمة "أوبك" إلى وضع نطاق سعري جديد؟
الرئيس الفنزويلي شافيز دعا إلى إعادة العمل بنظام النطاق السعري، واقترح أن يكون بين 80 و90 دولاراً للبرميل، وصرح وزير الطاقة والصناعة القطري عبد الله بن حمد العطية بأن سعر النفط ينبغي أن يظل فوق مستوى 70 دولاراً للبرميل من أجل تشجيع الاستثمار في زيادة الطاقة الإنتاجية وتفادي نشوب أزمات مستقبلية في الإمدادات، أما وزير الطاقة الجزائري، الرئيس الدوري الحالي لـ "أوبك" شكيب خليل فقد صرح بأنه يتوقع خفضا جديدا للإنتاج إذا بقي سعر البرميل دون 70 دولاراً حتى الاجتماع المقبل للمنظمة في مدينة وهران. وقال أيضا "لقد قلنا دائما إن هدفنا هو أن يراوح سعر البرميل بين 70 و90 دولارا فإذا لم يصل سعر البرميل إلى هذا المستوى فمن المحتمل أن يكون هناك تخفيض جديد" وذهب إلى الاتجاه ذاته مندوب إيران في مجلس محافظي منظمة "أوبك" حيث صرح بأن إيران ستؤيد قرار خفض إنتاج النفط لأنه سيسهم في تدعيم سعر برميل النفط لمستويات مقبولة بين 70 و80 دولاراً للبرميل.
ويلاحظ من هذه التصريحات أنها تدعو إلى وضع حد أدنى لسعر النفط للدفاع عنه ووقف المسار النزولي فقد فيه النفط 60 في المائة من قيمته منذ وصوله في منتصف تموز (يوليو) الماضي إلى مستوى قياسي فوق 147 دولاراً للبرميل، ولا توجد أي مطالبة بتحديد حد أعلى للسعر مما يعني تفضيل دول "أوبك" ترك تحديد الحد الأقصى للسعر لعوامل العرض والطلب في الأسواق.
ونخلص من جميع ما سبق إلى القول إنه آن الأوان لمنظمة "أوبك" أن تحدد مستوى السعر المناسب لها الذي ينبغي الدفاع عنه لتحقيق توازن الأسواق النفطية وضمان حصول دولها على عائدات كافية لتلبية متطلبات تنفيذ برامجها الإنمائية والاستثمارية.