الأمن الغذائي
الاقتصادية
لا يعتبر القراصنة مصدر القلق الوحيد على الساحل الإفريقي. الاتفاقية التي تتفاوض عليها شركة ديو لوجيستيكس Daewoo Logistics مع حكومة مدغشقر تعتبر مثالاً على الجشع والسلب. ومما يؤسف له أنها ليست إلا آخر مثال وقح على ظاهرة أوسع. فتحت غطاء أمن الغذاء، أو أمن الطاقة، تسعى الدول الغنية إلى شراء الموارد الطبيعية في البلدان الفقيرة. وفي حين أن رأس المال الأجنبي والتكنولوجيا يجب أن يكونا موضع ترحيب من جانب البلدان التي لديها فائض من الموارد، إلا أن شروط ونطاق الاتفاقية الراهنة يثيران أسئلة خطيرة.
يجب أن تصب أية اتفاقية في النهاية في مصلحة السكان المحليين. أما في حالة مدغشقر فيبدو أن الاتفاقية ذات صبغة استعمارية جديدة. وإذا ما تم إقرارها وثبت زيف الوعود التي قدمتها شركة دايو لوجيستيكس، سيفقد شعب مدغشقر نصف أرضه الزراعية.
فبدلاً من الالتزام بتقاسم منافع الإنتاجية العالية التي يمكن أن تتأتى من الاستثمار الأجنبي في التقنية الزراعية والبنية التحتية مقابل قيمة إيجارية عادلة للأرض، يبدو أن الشركة الكورية الجنوبية تعمل على الحصول على الأرض مقابل مبلغ اسمي ومقابل مجرد الحديث عن خلق وظائف. رما تتملك مدغشقر الأرض المعنية بصورة رسمية، لكن صغار الزرّاع الذين فلحوها على مدى أجيال معرضون لفقدان سبل عيشهم. وزيادة على ذلك، فإن جزءاً كبيراً من الأرض هو غابة في الوقت الراهن. وبالتالي يمكن أن يتعرض هذا المورد الذي يحتمل أن يكون قيماً في محاربة التغير المناخي للدمار إلى أبد الآبدين.
وبعيداً عن كونها اتفاقية مربحة للطرفين، فإن فوائدها غير واضحة بالنسبة لكوريا الجنوبية أيضاً. فقد يأتي يوم تنتج فيه حقول مدغشقر نصف واردات الجزيرة من الذرة، لكن فكر فيما يمكن أن يحدث في أزمنة القحط. لن يقف أهل مدغشقر ليراقبوا الغذاء وهو يشحن من موانئهم. وهذا درس تعلمته الصين. فبينما يسعدها أن تستغل الموارد المعدنية في إفريقيا، فقد تراجعت الصين عن مساعيها على الصعيد الزراعي هناك.
ورغم تراجع أسعار المواد الغذائية، فإن الأمن الغذائي ما زال يقض مضجع البلدان المستوردة للحبوب في مناطق الشرق الأوسط، وشمالي إفريقيا، وآسيا. وسعر الغذاء ليس دائماً مبعث القلق الرئيسي، فالقيود التي فرضتها بلدان مثل الأرجنتين على الصادرات الزراعية خلال موجة الرعب الأخيرة من نقص المواد الغذائية أثارت شبح عدم قدرة المستوردين على وضع أيديهم على المنتجات بالمرة.
وتوجد حلول لهذه المشكلات من شأنها أن تعود بالنفع على المصدرين والمستوردين على حد سواء، دون أن تفوح منها رائحة الاستعمار الجديد. أحد هذه الحلول يتمثل في مساعدة الزرّاع المحليين على زيادة الإنتاجية وبيع الفائض في الأسواق العالمية من خلال حصولهم على القروض من بنوك التنمية. أما منافستهم على المواد الغذائية الشحيحة فمحكوم عليها بالفشل، إلا إذا عاد الاستعمار القديم من قبره. وذلك يوم يجب ألا يأتي.