هل يمكن وقف نزيف سوق الأسهم؟
وديع أحمد كابلي - الوطن
أكتب مقالي مع بداية أسبوع جديد من التداول في سوق الأسهم السعودي، وأنا أرى اللون الأحمر يغلف كل الشركات المتداولة في السوق وقد هبط معظمها إن لم يكن كلها بالنسبة القصوى 10%.
فقد أخطأت التوقعات بأن نزيف السوق أشرف على التوقف بعد إغلاق السوق يوم الأربعاء الماضي وعودة السوق الأمريكي إلى الصعود بقوة، لأن حالة التراجع مازالت مستمرة في السوق السعودي، وهذا يدل على اتساع حالة التشاؤم لدى المتعاملين في السوق وفقدان الثقة لدى المستثمر فأصبح الناس يتخلصون مما يمتلكون من أسهم خشية فقدان قيمتها بالكامل،وهذه حالة عجيبة ولا تحدث إلا في النادر وعند حدوث حروب عالمية أو انهيار كامل!
لقد هبطت أسعار الأسهم بشكل لا يتناسب مع المقومات الاقتصادية للدولة، فبالرغم من الأخبار السيئة التي تقذفها إلينا وسائل الإعلام المتعددة كل يوم بل كل ساعة، إلا أن هناك بعض العوامل الإيجابية التي يجب أخذها في الحسبان فإن تصريحات خادم الحرمين الشريفين حفظه الله بأن لدى الدولة مبلغ 400 مليار دولار سوف تنفقها على المشاريع المختلفة خلال السنوات الـ5 القادمة، كان يجب أن يطمئن المواطنين إلى أن هذه الدولة سوف تستمر في الإنفاق وهذا بدوره سيغذي الاقتصاد الوطني ويمده بالأموال التي يحتاجها لتسيير دفة الاقتصاد والخروج به من الأزمة المالية العالمية بأقل قدر من الخسائر.
ولكن.. يظهر أن غالبية المواطنين لم يسمعوا أو يقرؤوا هذا الخبر، وإن كانوا قرؤوه لم يفهموا ما هو فحواه وكيف يمكن أن ينتعش الاقتصاد وبالتالي سوق الأسهم؟
وكان المفروض أن يقوم وزير المالية بعقد مؤتمر صحفي لشرح ماذا يعني أن الدولة ستنفق 400 مليار دولار (أي 1500 مليار ريال سعودي) أي بمعدل 300 مليار ريال سنوياً على المشاريع وعلى تنمية الاقتصاد الوطني، حيث إن هذا المبلغ كاف لإبقاء حجم الاقتصاد الكلي على ما هو عليه.
إن ظهور وزير المالية في مؤتمر صحفي أمام الجميع سيكون له أثر إيجابي على المتعاملين في سوق الأسهم، حيث إنه هو أكبر مسؤول عن الاقتصاد والمال في هذه البلد، ولا يكون الكلام فقط لتطمين الناس، ولكن لإعطائهم الحقائق والأرقام وتوضيح ما هي المشروعات التي يتم تنفيذها والتي سوف تنفذ في المستقبل وكيف سيكون أثرها على الاقتصاد الوطني وعلى سوق الأسهم.
لقد اقترحت في مقال سابق أن تدرس الدولة إنشاء صندوق حكومي جديد لشراء أسهم الشركات المحلية والاستثمار فيها للمستقبل، كما اقترحت منع البنوك من تسييل المحافظ بشكل غير منسق وإعطاء فرصة أكبر للمستثمرين لتصفية أسهمهم بشكل تدريجي.
لقد قامت بعض الدول الخليجية بتطبيق بعض هذه الأفكار، وتدرس بعض الحكومات الخليجية أن تقوم الدولة بشراء نسبة 10% من جميع الشركات المتداولة في السوق، وهذا سوف يعيد الثقة للمستثمرين بأن الدولة تقف معهم في خندق واحد، ولا تقف موقف المتفرج فقط، بحجة حرية الأسواق!
وإذا كانت الدولة تقول إن اقتصادنا الوطني قوي وإن هذه الأزمة ستنتهي خلال سنتين أو ثلاث، فلماذا لا تشتري هي هذه الأسهم وتحقق منها ربحا في المستقبل عندما تتحسن السوق؟
هنا تكمن المصداقية.. فإذا أردت أن يصدقني الناس فلابد أن أصدق نفسي أولاً!
والناس تنظر الآن الأفعال التي يحسون بها، وليس مجرد الأقوال والتطمينات التي ثبت أن ليس لها تأثير حتى الآن.
كما يمكن دراسة موضوع السماح للشركات بشراء أسهمها من السوق بنسبة معينة لا تتعدى 10% على الأكثر.
كل هذه الأفكار يمكن دراستها كوسائل لوقف النزيف المستمر والمؤلم في سوق الأسهم، والتي لو استمرت ستؤدي إلى خراب بيوت كثير من المواطنين البسطاء، وازدياد نسبة الفقر والجريمة، والتذمر وعدم الرضا.
لقد منح الله الإنسان العقل ليستعمله في الخروج من مثل هذه المشاكل والأزمات، ولقد أثبت الإنسان دائماً وعلى مدى التاريخ أنه قادر على تخطي كل التحديات التي قابلته في الماضي وانتصر عليها وخرج منها أقوى مما كان.
وعلينا الآن أن نقف جميعاً صفاً واحداً، حكومة وشعباً، في وجه هذه الأزمة الاقتصادية الحادة والتغلب عليها بإرادتنا، وبعون الله (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)، فإنه إذا وجدت الإرادة، فإن الحلول موجودة.
*أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز بجدة
وديع أحمد كابلي - الوطن
أكتب مقالي مع بداية أسبوع جديد من التداول في سوق الأسهم السعودي، وأنا أرى اللون الأحمر يغلف كل الشركات المتداولة في السوق وقد هبط معظمها إن لم يكن كلها بالنسبة القصوى 10%.
فقد أخطأت التوقعات بأن نزيف السوق أشرف على التوقف بعد إغلاق السوق يوم الأربعاء الماضي وعودة السوق الأمريكي إلى الصعود بقوة، لأن حالة التراجع مازالت مستمرة في السوق السعودي، وهذا يدل على اتساع حالة التشاؤم لدى المتعاملين في السوق وفقدان الثقة لدى المستثمر فأصبح الناس يتخلصون مما يمتلكون من أسهم خشية فقدان قيمتها بالكامل،وهذه حالة عجيبة ولا تحدث إلا في النادر وعند حدوث حروب عالمية أو انهيار كامل!
لقد هبطت أسعار الأسهم بشكل لا يتناسب مع المقومات الاقتصادية للدولة، فبالرغم من الأخبار السيئة التي تقذفها إلينا وسائل الإعلام المتعددة كل يوم بل كل ساعة، إلا أن هناك بعض العوامل الإيجابية التي يجب أخذها في الحسبان فإن تصريحات خادم الحرمين الشريفين حفظه الله بأن لدى الدولة مبلغ 400 مليار دولار سوف تنفقها على المشاريع المختلفة خلال السنوات الـ5 القادمة، كان يجب أن يطمئن المواطنين إلى أن هذه الدولة سوف تستمر في الإنفاق وهذا بدوره سيغذي الاقتصاد الوطني ويمده بالأموال التي يحتاجها لتسيير دفة الاقتصاد والخروج به من الأزمة المالية العالمية بأقل قدر من الخسائر.
ولكن.. يظهر أن غالبية المواطنين لم يسمعوا أو يقرؤوا هذا الخبر، وإن كانوا قرؤوه لم يفهموا ما هو فحواه وكيف يمكن أن ينتعش الاقتصاد وبالتالي سوق الأسهم؟
وكان المفروض أن يقوم وزير المالية بعقد مؤتمر صحفي لشرح ماذا يعني أن الدولة ستنفق 400 مليار دولار (أي 1500 مليار ريال سعودي) أي بمعدل 300 مليار ريال سنوياً على المشاريع وعلى تنمية الاقتصاد الوطني، حيث إن هذا المبلغ كاف لإبقاء حجم الاقتصاد الكلي على ما هو عليه.
إن ظهور وزير المالية في مؤتمر صحفي أمام الجميع سيكون له أثر إيجابي على المتعاملين في سوق الأسهم، حيث إنه هو أكبر مسؤول عن الاقتصاد والمال في هذه البلد، ولا يكون الكلام فقط لتطمين الناس، ولكن لإعطائهم الحقائق والأرقام وتوضيح ما هي المشروعات التي يتم تنفيذها والتي سوف تنفذ في المستقبل وكيف سيكون أثرها على الاقتصاد الوطني وعلى سوق الأسهم.
لقد اقترحت في مقال سابق أن تدرس الدولة إنشاء صندوق حكومي جديد لشراء أسهم الشركات المحلية والاستثمار فيها للمستقبل، كما اقترحت منع البنوك من تسييل المحافظ بشكل غير منسق وإعطاء فرصة أكبر للمستثمرين لتصفية أسهمهم بشكل تدريجي.
لقد قامت بعض الدول الخليجية بتطبيق بعض هذه الأفكار، وتدرس بعض الحكومات الخليجية أن تقوم الدولة بشراء نسبة 10% من جميع الشركات المتداولة في السوق، وهذا سوف يعيد الثقة للمستثمرين بأن الدولة تقف معهم في خندق واحد، ولا تقف موقف المتفرج فقط، بحجة حرية الأسواق!
وإذا كانت الدولة تقول إن اقتصادنا الوطني قوي وإن هذه الأزمة ستنتهي خلال سنتين أو ثلاث، فلماذا لا تشتري هي هذه الأسهم وتحقق منها ربحا في المستقبل عندما تتحسن السوق؟
هنا تكمن المصداقية.. فإذا أردت أن يصدقني الناس فلابد أن أصدق نفسي أولاً!
والناس تنظر الآن الأفعال التي يحسون بها، وليس مجرد الأقوال والتطمينات التي ثبت أن ليس لها تأثير حتى الآن.
كما يمكن دراسة موضوع السماح للشركات بشراء أسهمها من السوق بنسبة معينة لا تتعدى 10% على الأكثر.
كل هذه الأفكار يمكن دراستها كوسائل لوقف النزيف المستمر والمؤلم في سوق الأسهم، والتي لو استمرت ستؤدي إلى خراب بيوت كثير من المواطنين البسطاء، وازدياد نسبة الفقر والجريمة، والتذمر وعدم الرضا.
لقد منح الله الإنسان العقل ليستعمله في الخروج من مثل هذه المشاكل والأزمات، ولقد أثبت الإنسان دائماً وعلى مدى التاريخ أنه قادر على تخطي كل التحديات التي قابلته في الماضي وانتصر عليها وخرج منها أقوى مما كان.
وعلينا الآن أن نقف جميعاً صفاً واحداً، حكومة وشعباً، في وجه هذه الأزمة الاقتصادية الحادة والتغلب عليها بإرادتنا، وبعون الله (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)، فإنه إذا وجدت الإرادة، فإن الحلول موجودة.
*أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز بجدة