هل تستمر أسعار النفط في الانخفاض؟
الاقتصادية
د. أنس بن فيصل الحجي
يعجبني في موضوع النفط أشياء عديدة منها أن ما يحدث في أسواق النفط يتكرر في كثير من الأحيان، الأمر الذي يعني تكرار المقالات والأفكار نفسها، خاصة أن التغيرات في أسواق النفط دورية، وكل التغيرات الهيكلية في النهاية دورية. ويعجبني أن كثيرا من السياسيين والمسؤولين النفطيين يتناسون دروس التاريخ بسرعة، الأمر الذي يعني أيضا تكرار المقالات والأفكار والتعليقات التي كتبت منذ عدة سنوات! ويعجبني تكرار هذه المواضيع، لأنها تؤدي إلى زيادة الكفاءة في الكتابة وتحسن طريقة توصيل المعلومة. ببساطة، الأفكار المطروحة أدناه مكررة، وستتكرر.
إذا استمرت الأسعار في الانخفاض فإن هذا سيكون على المدى القصير فقط، وما كان لأسعار أن تنخفض لولا الأزمة المالية من جهة، والكساد الاقتصادي من جهة أخرى. أما على المدى المتوسط والطويل، فإن الأسعار سترتفع، وهناك من يتوقع وصولها إلى 130 دولارا للبرميل مرة أخرى. هذا الارتفاع لا يعود إلى المضاربات، ولكن إلى أساسيات السوق التي لن ترفع الأسعار فقط، ولكنها سترفعها بشكل كبير، ومن دلائل اقتناع تجار النفط بهذه الفكرة أن الأسعار المستقبلية أعلى من الأسعار الحالية بشكل ملحوظ.
أسباب توقع ارتفاع أسعار النفط عديدة، فيما يلي أهمها:
1. انخفاض نمو إنتاج النفط: كل مشاريع التنقيب والتوسعة التي تم تبنيها في العامين الأخيرين اعتُمِدَت بناء على أسعار نفط مرتفعة، وفي جو ارتفعت فيه تكاليف التنقيب بشكل كبير. هذه المشاريع سيتم تأخيرها أو إلغاؤها في ظل الأسعار الحالية، لأن الأسعار الحالية لا تغطي تكلفة هذه المشاريع. هذا يعني أن كمية النفط التي ستتوافر في المستقبل أقل مما كان متوقعا، وسيسهم ذلك في تخفيض المعروض وارتفاع الأسعار. وحتى لو لم تحدث الأزمة المالية، فإن مشاريع زيادة الطاقة الإنتاجية لن تفي بالزيادة المستمرة في الطلب على النفط، خاصة أن مشاريع التوسعة في كبار الدول المنتجة ستنتهي خلال عامين، وليس هناك خطط توسعية أكبر من ذلك.
2. انخفاض صادرات النفط: أسهم النمو السكاني في الدول النفطية الناتج عن ارتفاع معدل المواليد وهجرة الملايين من الناس إليها في زيادة معدلات استهلاك الطاقة في هذه الدول بشكل فاق كل التوقعات، بما في ذلك توقعات الخطط الخمسية لهذه الدول. وعزز من قوة هذا النمو في استهلاك الطاقة النمو الاقتصادي الناتج عن ارتفاع أسعار النفط في السنوات الأخيرة. هذا النمو في الطلب على الطاقة سيستمر، وسيسهم في تخفيض صافي صادرات النفط، الأمر الذي سيخفض معروض النفط، وسيرفع الأسعار، إضافة إلى ذلك فإن تبني عديد من دول أوبك صناعات كثيفة الطاقة مثل البتروكيماويات وغيرها سيسهم في زيادة الاستهلاك المحلي للنفط وانخفاض صادراته. ورغم أن المدخلات الرئيسة في صناعة البتروكيماويات تتمثل في الغاز أكثر من النفط، إلا أن نقص إمدادات الغاز في بعض المناطق نتج عنه التحول عن تبني الغاز كخيار أمثل لتوليد الكهرباء، الأمر الذي أجبر شركات الكهرباء على استهلاك مزيد من النفط والمشتقات النفطية.
3. زيادة الطلب على النفط: رغم وجود أزمة مالية وكساد اقتصادي وشكوك حول تخفيض الإنتاج، إلا أن الأسعار ما زالت فوق 50 دولارا للبرميل. ورغم احتمال هبوطها على المدى القصير، إلا أن انتعاش اقتصادات الدول الصناعية والهند والصين سيزيد الطلب على النفط ويرفع أسعاره. هذا الارتفاع سيدعم نمو استهلاك الطاقة في الدول المنتجة للنفط، وسيخفض الصادرات النفطية كما ذكر أعلاه. وهناك أسباب أخرى سترفع الطلب على النفط، منها فشل عديد من مشاريع "البدائل" بسبب الأزمة المالية من جهة، وانخفاض أسعار النفط من جهة أخرى.
4. ارتفاع التكاليف: ستستقر الأسعار على المدى الطويل حول التكلفة الحدية للإنتاج. وتعرّف التكلفة الحدية هنا بأنها تكلفة إنتاج آخر برميل يتم استهلاكه، وهذا يأتي من مناطق مرتفعة التكاليف مثل المياه العميقة لخليج المكسيك وبحر الشمال والبرازيل، أو من الرمال النفطية في ولاية ألبرتا الكندية. هذه التكاليف قد تتجاوز 70 دولارا للبرميل، وهذا أعلى من مستويات الأسعار الحالية، الأمر الذي يعني ارتفاع أسعار النفط في المستقبل.
5. تعظيم الكمية المستخرجة: تهدف عديد من الدول النفطية إلى تعظيم الكمية المستخرجة من حقول النفط، وهذا يتطلب إدارة الاحتياطيات بكفاءة وإطالة عمر الاحتياطيات، الأمر الذي يتطلب عدم زيادة الإنتاج بطريقة تتجاوب مع ارتفاع أسعار النفط.
خلاصة الأمر أن كل الدلائل تشير إلى أن أسعار النفط سترتفع مع بداية ظهور بوادر الانتعاش في الدول الصناعية.