تفعيل الرهن العقاري
الاقتصادية
سعود بن هاشم جليدان
أدت أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة والأزمة المالية العالمية التي نتجت عنه إلى تراجع الاهتمام بموضوع الرهن العقاري في المملكة خلال هذه الفترة، بل إن عديدا من المصادر التي كانت تبشر بتطبيق نظام الرهن العقاري توقفت عن التطرق إليه. وأدت الأزمة العالمية إلى رفع مستويات المخاوف بخصوص الرهن العقاري وكأنه المسؤول الوحيد عن الأزمة المالية العالمية. وأشار بعض من مفكرينا إلى أن عدم وجود نظام الرهن العقاري في المملكة قد أنقذنا من تبعات الأزمة المالية.
تدل تجارب دول العالم على نجاح نظام الرهن العقاري في دفع التنمية العمرانية والاقتصادية وتمكين ملايين البشر من تملك منازلهم ورفع مستويات معيشتهم. إن فكرة الرهن العقاري ليست محددة بالأساليب المحددة المتبعة في الولايات المتحدة التي أدت إلى الأزمة العالمية، كما أن الأزمة ليست ناتجة عن نظام الرهن العقاري، إنما هي ناتجة عن الجشع والممارسات المالية السيئة التي تبنتها الأسواق المالية واستغلت الرهن العقاري، كما استغلت في عديد من المرات أسواق الأسهم وديون الدول الفقيرة وإساءة إلى البيئة ونشرت الفقر حول العالم. وتم استغلال الرهن العقاري، لأن حجمه هائل وحاجة البشر إليه مرتفعة، ويمكن من خلاله تحقيق مكاسب ضخمة. وسيسعى المستغلون لإساءة استخدام كل ما يجلب لهم أعظم المكاسب، خصوصاً إذا أمنوا العقاب.
لتطوير هذا البلد الحبيب يجب أن نمضي قدماً في تبني وتطبيق كل ما يرفع من شأنه ويحسن مستويات معيشة سكانه. ويجب ألا تخيفنا الأزمة المالية العالمية ولا تثنينا عن المضي قدماً في تبني كل ما يجلب النفع والتقدم. وتفعيل الرهن العقاري سيفيد الكثير من الناس كما سيعزز النمو في هذا البلد. ولا يمنع تفعيل الرهن العقاري ضرورة أخذ العبر من الأزمة الحالية، والاستفادة من نتائجها، وتجنب مخاطر الائتمان المرتفعة وأساليب الاحتيال التي استخدمت لاستغلال حاجة البشر إلى مساكن يرضون عنها وتتفق مع إمكاناتهم. من أهم الدروس المستقاة من أزمة الرهن العقاري هو تجنب استخدام الأدوات والممارسات التي أفضت إلى الأزمة. ويقف توريق الديون العقارية (لذوي الملاءة المالية المنخفضة) بقوة خلف هذه الأزمة، فهو المصدر الأساسي الذي أتت منه كل الأزمة. لهذا ينبغي تجنب أو تجريم توريق الرهن العقاري في المملكة وكذلك منع التأمين على سندات القروض المقدمة لذوي الملاءة المالية المنخفضة. ونشر توريق القروض العقارية أثار أزمة الرهن العقاري الأمريكي حول العالم. كما ينبغي تجنب استخدام معدلات تكاليف الإقراض (الفائدة أو الربح في التمويل الإسلامي) المتغيرة أو المرتبطة بمؤشرات اقتصادية معينة، فقد استخدمت تكاليف الإقراض المتأرجحة للتغرير بذوي الدخول المنخفضة، فتغير معدلات أو تكاليف الإقراض يغري غير القادرين على الاقتراض ويورطهم في تحمل ديون لا يستطيعون سدادها على الأمد البعيد.
ينبغي تحديث وتطوير أساليب تقييم الائتمان وتقييم المقترضين، وتشجيع وجود مزيد من وكالات تقييم الائتمان في المملكة، فقد دلت الأزمة العالمية على أن العقارات المرهونة وحدها لا تعد ضامناً أكيداً للدين، فقد أدى تراجع أسعار العقارات إلى تخلي كثير من المقترضين طواعيةً عن منازلهم وخسرت المصارف جزءا من القروض الممنوحة. ووجود مستويات أفضل في تقييم الائتمان في المملكة سيطور من خدمات توفير الائتمان، ويجنب المقرضين كثيرا من مخاطر التمويل العقاري، كما أنه سيخفض تكاليف الائتمان لذوي الملاءات المالية الجيدة. من النقاط المهمة التي ينبغي التنبه لها، توخي المقرضين المبالغة في منح القروض العقارية في أوقات الفقاعات العقارية، بل إن عليهم أخذ مزيد من الاحتياطات في أوقات الفقاعات العقارية بدلاً من التساهل المتزايد، فمعظم أزمات الائتمان حدثت بسبب تراخي المقرضين في أوقات الطفرات أو الفقاعات الذي يهدد المقرضين والمقترضين بالإفلاس عند انفجار الفقاعات الاقتصادية. وأثبتت الأزمة الأخيرة مجدداً أن فرضية عدم تراجع أسعار العقار فرضية غير سليمة، وأن العقار حاله حال غيره من الأصول مهدد بتراجع الأسعار.
من الأساسيات الضرورية لضمان سلامة نظام الرهن العقاري اشتراط حدود دنيا للدفعات الأولى من القروض العقارية، فعلى مقدمي الائتمان العقاري طلب دفعة أولى تكفي لمقابلة مخاطر تراجع أسعار العقار. وقد يضع نظام الرهن العقاري حداً أدنى للدفعة الأولى لا تقل مثلاً عن 25 في المائة من قيمة العقار، فمثل هذه النسبة تضمن إلى حد كبير ملاءة المقترضين وقدرتهم على إدارة شؤونهم المالية، وبالتالي قدرتهم على السداد وتوفر حماية دنيا مقابل انخفاض أسعار العقار.
إن وضع ضوابط للرهن العقاري ليس الهدف منها التضييق على المقرضين أو المقترضين، ولكن المقصود من استخدامها الحد من حجم المخاطر وضمان سلامة واستمرار النظام في خدمة الأهداف الذي وضع من أجله. وقد أثبتت أزمات العقار مجدداً أنه صعب التسبيل، خصوصاً في أوقات تراجع معدلات النمو الاقتصادي والركود العقاري، ما يستلزم وضع الضوابط والاحتياطات لاستقرار الائتمان العقاري.
Comment