قرية ببقالة واحدة تؤكد صعوبة تحقيق الحلم الفلسطيني
وادي الأردن ـ الضفة الغربية ـ رويترز:
في عالم آخر ربما تكون قرية الحديدية أبعد ما تصل إليه دولة فلسطينية مستقبلية ولكن سكان القرية من الرعاة يتحدثون عن المصاعب التي تقف دون هذا الحلم. تقع القرية في الركن الشمالي الشرقي من الضفة الغربية وهي عبارة عن مجموعة من الأكواخ تأوي أسرا وماشية تحميهم من البيئة الصحراوية القاسية. فحتى لو نال الزعماء الفلسطينيون اعتراف الأمم المتحدة بدولتهم الشهر الجاري يقول سكان الحديدية إن ذلك لن يسهم في تحسين مستوى معيشتهم وتخفيف ضغوط سلطات الاحتلال الإسرائيلية.
والحديدية جزء من الضفة الغربية لكنها تقع داخل المنطقة الحدودية التي تعتبرها إسرائيل حيوية، وقامت قوات الأمن الإسرائيلية بهدم أكواخ القرية التي تقام دون تراخيض أكثر من مرة منذ عام 1997. ويبلغ عدد سكان القرية حاليا نحو 100 نسمة وهو ربع عدد السكان قبل 14 عاما.
وقال عبد الرحيم بشارات الممثل الرسمي لسكان القرية "البقاء على الأرض هدفنا الأول والأخير". وتابع "غادر ضعاف النفوس وكان آخرهم في عام 2008. من بقوا اتخذوا قرارا.. لا لمزيد من إجراءات الطرد الجبري".
وتظهر في المكان آثار أحدث أعمال هدم في حزيران (يونيو) ويقف براد وكومة من الأثاث تحت شمس الصحراء الحارقة. ويقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية الذي يوثق مثل هذه الأحداث إن أعمال الهدم شردت 37 شخصا ولكنهم لم يبرحوا مكانهم رغم ذلك.
وأعمال الهدم إحدى المشاكل التي يعاني منها الفلسطينيون الذين يخضعون للاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية.
فثمة قيود تمنع البناء وحرية الحركة كما أن توسع المستوطنات اليهودية قلص الأراضي، ويستهدف المستوطنون بشكل متزايد الفلسطينيين وممتلكاتهم.
ويعد الوصول للماء الذي تسيطر عليه إسرائيل إلى حد كبير مشكلة رئيسية في الحديدية. ولا يثق بشارات الذي تتحكم قوة أجنبية في مجريات حياته بأن الأمور ستتحسن كثيرا حتى بمساندة أغلبية أعضاء الأمم المتحدة لدولة فلسطينية. وقال: "لا يمكن قيام دولة دون حدود". ويقول المسؤولون الفلسطينيون الذين يسعون لكسب اعتراف الأمم المتحدة إنه سيعزز مطلبهم بإقامة دولة في الضفة الغربية على الحدود مع الأردن وقطاع غزة على ساحل البحر المتوسط والقدس الشرقية التي يريدها الفلسطينيون عاصمة لدولتهم.
ويقولون إن التحرك ناجم عن فشل عملية السلام التي تدعمها الولايات المتحدة في انهاء الاحتلال الإسرائيلي لأراضيهم منذ حرب عام 1967. وأزالت إسرائيل بعض نقاط التفتيش التي أقامتها في الضفة الغربية خلال الانتفاضة التي اندلعت في عام 2000 والتي خبت في معظمها بحلول عام 2005 الا أن سيطرتها الكلية على الأراضي تبدو أقوى من أي وقت مضى.
وشيدت إسرائيل جدرانا وأسوارا وحواجز برية ونقاط تفتيش ومناطق إطلاق نار عسكرية وقواعد عسكرية وتقول إن جميعها ضرورية لأمن دولتها. وفي نفس الوقت انتقل نحو 300 ألف من مواطنيها إلى مستوطنات فيما يعتبرونه يهودا والسامرة في الضفة الغربية. ويعيش الآن نحو 200 ألف آخرين في القدس الشرقية وحولها على أراض ضمتها إسرائيل رسميا.
ورغم تشكيل السلطة الفلسطينية مؤسسات في العامين الأخيرين استعدادا لإقامة دولة فإنها لا تسيطر سوى على قطع من الأراضي في الضفة الغربية تحيط بأكبر المدن والقرى الفلسطينية وهو نظام لتقسيم المناطق قبله الفلسطينيون في التسعينيات اعتقادا بأنه خطوة نحو الاستقلال. ويقول المحامي محمد بركات نيابة عن سكان القرية البالغ تعدادهم 250 نسمة "نحن نعيش في جزيرة الآن".
ولا يوجد حاجز بين قرية النبي صموئيل والقدس ولكن القرويين الذين يلقى القبض عليهم أثناء العمل هناك بشكل غير مشروع معرضون للسجن والغرامة الضخمة. وألقي القبض على عشرة في السنوات الأخيرة ولايزال اثنان في السجن.
ويقول بركات إن نسبة البطالة تصل إلى 90 في المائة ويوجد في القرية متجر (بقالة) صغير وحيد ومدرسة من فصل واحد مساحته أربعة أمتار في أربعة أمتار يدرس فيها 11 تلميذا وكان حتميا أن يبدأ الشبان في الرحيل.
وهجر نحو 50 شخصا أو خمس السكان القرية إلى الجهة الأخرى من الجدار العازل في الضفة الغربية خلال العامين الماضيين.
وقال بركات "الأسهل أن أنتقل إلى رام الله ولكن لا أفكر في الرحيل عن قريتي".
ومن قرية النبي صموئيل يمكن أن ترى أفق رام الله وهي حاليا المركز الإداري للدولة المرتقبة. وثمة تناقض صارخ بين مجمع الوزارات الجديد وقصر الرئاسة فيها والطرق غير الممهدة في القرية. ويقول منتقدون إن السلطة الفلسطينية تركز اهتمامها على المدينة بشكل كبير وحولتها لعاصمة فعلية تحل محل القدس الشرقية الموجودة خلف الجدار العازل في الضفة الغربية وهي جزء من المدينة التي تصفها إسرائيل بأنها عاصمتها التي لا يمكن تقسيمها. وتزين النافورات والتماثيل الميادين في رام الله وهي ضمن شبكة الطرق الفلسطينية التي طورت في الضفة الغربية بدعم مالي من مانحين دوليين بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وتجوب شوارع المدينة وحدات الشرطة المزودة بسيارات دورية جديدة من طراز فولكسفاجن ودراجات نارية إيطالية.
وغالبا ما يشيد مسؤولون زائرون بأعمال بناء الدولة التي يقودها رئيس الوزراء سلام فياض.
وتشير السلطة إلى نقطتي اختلاف رئيسيتين بين المؤسسات التي شيدتها ومشروع مماثل قاده الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في التسعينيات. ويوجد حاليا نظام للإدارة المالية يتسم بالشفافية يقلص اعتمادها على دعم المانحين كما أن قوات الأمن التي دربت بمساعدة غربية تسهم في منع أعمال عنف ضد إسرائيل. وقال غسان الخطيب المتحدث باسم السلطة الفلسطينية إنها مستعدة لقيام دولة والاستقلال وفق معايير المجتمع الدولي.
وذكر تقرير أصدره البنك الدولي الشهر الحالي أنه يمكن مقارنة المؤسسات العامة للسلطة إيجابا بدول أخرى في المنطقة وخارجها وهو سبب آخر يدفع مسؤولين فلسطينيين للقول إنهم مستعدون لقيادة دولة حقيقية. ولكن حتى إن لجأ المسؤولون الفلسطينيون للأمم المتحدة فإن السلطة تواجه أزمة مالية خانقة تبرز هشاشتها. والسبب المباشر هو تراجع المعونات الأجنبية التي تحتاج إليها السلطة لسد العجز المتوقع أن يصل إلى 900 مليون دولار العام الجاري. والسبب الأعمق هو ضعف الاقتصاد الفلسطيني. ويقول البنك الدولي إن القيود الإسرائيلية التي تعوق القطاع الخاص ينبغي رفعها لإتاحة الفرصة لزيادة قاعدة إيرادات السلطة الفلسطينية والاستمرار في بناء المؤسسات. وفي الأشهر الثلاثة الأخيرة عجزت السلطة مرتين عن صرف أجور موظفيها وعددهم 150 ألفا في الوقت المحدد وبالكامل مما أضر بمكانتها. وسيضر الفشل في نيل الاستقلال خلال السنوات القليلة المقبلة بمصداقيتها. ويقول منتقدو السلطة إن استراتيجيتها القائمة على التفاوض مع إسرائيل فشلت. وثمة مشكلة أخرى تتمثل في فشل السلطة وحماس في إخضاع الضفة الغربية وغزة لقيادة واحدة كما لم تجر انتخابات منذ عام 2006.
ويقول جورج جياكامان أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت قرب رام الله "شرعية السلطة الفلسطينية على المحك لأن الفلسطينيين لم يتصوروا أن تعمل كوحدة محلية كبيرة بشكل دائم". وقال "من الواضح أن هذا غير كاف. ستنهار دون عملية سياسية تحظى بمصداقية".
وفي غزة تواجه حركة حماس معضلة فيما تحاول التوفيق بين التزامها المعلن بالكفاح المسلح ضد إسرائيل ومسؤولياتها كحكومة حريصة على تفادي عمليات انتقامية إسرائيلية مؤلمة. وفي الجيب الساحل الذي توقع عرفات ذات مرة أن يصبح سنغافورة الشرق الأوسط يقبع المطار الدولي الذي يحمل اسمه كأثر بعد عين لمشروعه لبناء دولة في التسعينيات.
وتحول المطار إلى أنقاض وهو رمز متداع لفترة سابقة حين راودت الفلسطينيين الآمال باحتمال بزوغ دولة مستقلة.
وربما يقول البعض إن أوان حل الدولتين قد فات.. ربما. لكن الربيع العربي ربما يعطي زخما جديدا. فإذا بدأت حكومات عربية تعكس تعاطفا شعبيا مع القضية الفلسطينية فقد تواجه إسرائيل ضغطا أكثر من ذي قبل. وقال جياكامان "أكثر من أي وقت مضى أرى إمكانات للمستقبل". وعلى المدى القصير يتفق معه عبد الرحيم بشارات في الحديدية وبركات في قرية النبي صموئيل على أهمية الصمود. وقال "ينبغي أن يتوقع المرء التوجه التالي .. كيفية البقاء .. كيفية الاستمرار نستمر لأن الفلسطينيين يدركون أنه ميزة استراتيجية مهمة".