دفق قلم
المرأة والألعاب الأولمبية
عبد الرحمن صالح العشماوي
أخلاق البشر في هذا العصر تنحدر - في جملتها - إلى هاوية سحيقة من الانحراف، لأنَّ معظم مظاهر التطوُّر المُعاصر مرتبطة بالتحلُّل من القِيم والمبادئ المستقيمة، وتحقيق ما يُسمَّى (الحرية الشخصية) بصورة تتجاوز تعاليم الدين، وضوابط العُرف، ومعالم الخُلق الحسن. المرأة والألعاب الأولمبية
عبد الرحمن صالح العشماوي
كتب كاتب في صحيفة محلِّية مقالاً يُعلِّق به على مقال كاتب آخر في صحيفة محلِّية أخرى يدور حول قرار المنظمة الأولمبية العالمية بعدم السماح لأيَّة دولة بالمشاركة في الدورة القادمة للرياضة - بعد أربع سنوات - ما لم يكن من ضمن الفرق المشاركة من تلك الدولة نساء، وينقل الكاتب الثاني عن الأوَّل قولاً جاء في معناه: ماذا سنصنع نحن إزاء هذا القرار العالمي؟ وكيف سيكون موقف الرافضين لمشاركة المرأة في المجالات الرياضية؟ وهل نبقى معزولين عن العالم بسبب هذا الرفض؟
ثم يؤيِّد الكاتب الثاني هذه التساؤلات ويضيف إليها كلاماً قائماً على ما يلي:
1- صوَّر هذا الأمر بأنه مشكلة كبيرة، وأن هذا القرار الدولي يَضعنا على المحك، خصوصاً وأن فئة من الناس عندنا لا يزالون يبحثون (بأيديهم وأرجلهم) - حسب كتابته - في الكتب لإثبات أنَّ كشف الوجه حرام.
2- صوَّر رفضْ المشاركة - إذا حصل - بأنه انعزال عن العالم، وانقطاع عن التطوُّر والتقدُّم، وإضرار بالعلاقات الدولية.
3- وضع الكاتب نفسه في موقف من يملك حق الإفتاء، فأورد كلاماً جاء فيه إشارة إلى موقف ابن عباس رضي الله عنه، وبعض السلف من كشف الوجه وعدم تحريمهم له، ناقداً بذلك موقف المتشدّدين في هذه المسألة رابطاً بين ذلك، وبين موضوع مشاركة المرأة في الألعاب الأولمبية.
لا أدري إلى متى تظل هذه القضايا المصيرية هاجساً لكلِّ من أمسك بقلم وكتب؟ ولا أدري لماذا هذا التوجُّه الصارخ لدى بعض كُتَّابنا إلى السخرية (المغلَّفة) من مواقف شرعية واضحة في موضوع المرأة؟
لقد كان للمملكة مواقف حاسمة واضحة قبل انضمامها إلى هيئة الأمم المتحدة، فقد تحفَّظت على بعض بنود نظام تلك الهيئة، وبعد مداولات متعددة، أُخذ تحفُّظ المملكة بالاعتبار، ومن أبرز نقاط ذلك الموقف المطالبة باستثناء العَلَم السعودي الذي يحمل اسم الله عز وجل من التَّنكيس حينما تُنكَّس الأعلام لسبب من الأسباب، والمطالبة بعدم إلزام المملكة بما ورد في نظام هيئة الأمم في شأنْ الأُسرة، والقضاء، وكل ذلك مرتبط بالشريعة الإسلامية التي تلتزم بها المملكة دستوراً وحيداً لنظامها، ولقد دخلت المملكة مجالات هيئة الأمم والتعامل مع العالم متمسِّكة بثوابتها فيما سبق ذكره، فليس غريباً ولا صعباً على المملكة أن يكون لها موقف واضح من مشاركة المرأة في الألعاب الأولمبية وفق ثوابتها الشرعية، بل إنَّ هذا هو المنتظر من المملكة، وهو الأجدر بها وبموقعها المهم بصفتها دولة إسلامية كبرى.
وإني لأعجب من بعض الكُتَّاب الذين يلوون أعناق الأدلة الشرعية، ويضعونها في غير مواضعها، فما علاقة خِلاف العلماء في جواز كشف وجه المرأة بمشاركة المرأة في الألعاب الأولمبية؟ وما علاقة ابن عباس رضي الله عنه بهذا؟
وهل يصلح أن يكون رأي من قال بإباحة كشف وجه المرأة دليلاً على جواز مشاركتها في ألعاب تقتضي من الاختلاط والملابس ما لا يشك مسلم عاقل في حرمته؟ أم أن المرأة ستشارك في تلك الألعاب بثياب فضفاضة أو عباءة؟
ما أجدر الكاتب أن يقف عند حدٍّ معين احتراماً لثوابت الشرع من جانب، ولنفسه من جانب آخر.
إننا ننتظر من كُتَّابنا - وفقهم الله - أن يقفوا في صفِّ بلادهم ومجتمعهم وتعاليم دينهم بلا تردد، وبوضوح كامل، فذلك من أوجب واجبات الأمانة في الكتابة.
المملكة دولة إسلامية واعية، وهي قادرة على بيان موقفها الواضح من ذلك القرار الأولمبي بما يقتضيه شرع الله الذي تحكِّمه، ولن يجعلها في موقفها من ذلك في عزلة أبداً، فهي دولة ذات علاقات سياسية واقتصادية واسعة لا غنى للعالم عنها.
إشارة:
يقول يزيد بن ضبَّة:
لا تبديَنَّ مقالة مأثورة
لا تستطيع إذا مضت إدراكَها