باحثون: مخالفات المرور المضاعفة مرهقة ومناقضة للمفهوم الشرعي
الاقتصادية
خميس السعدي من مكة المكرمة
حذر باحثون شرعيون من توجه إدارة المرور السعودية لتطبيق نظام حديث يقضي بمضاعفة المخالفة في حال عدم الإيفاء بها خلال شهر من تاريخ إصدارها، ملمحين إلى أن النظام يعد مناقضا لمقتضى الشرعية الإسلامية، كما أن فيه مشقة على كثير من الناس، وأن من الممكن الاستعانة بغيره من العقوبات التي ستعمل بدورها على زجر المخالف وردعه عن مخالفة الأنظمة المرورية دون أن تشق عليه.
ويرى الباحثون عدم جوازها لأسباب أخرى حيث بينوا أنه يكتفى بأصل العقوبة المالية المقررة في المخالفة لسببين هما: أن أصل الجواز مختلف، وأن أصل العقوبة التعزيرية بمضاعفتها عند العجز عن السداد هو اختراع مبتدع.
أوضح الشيخ خالد عبد الرحمن الشايع الباحث الشرعي والأكاديمي أن نظام المرور الجديد الذي تتوجه الإدارة العام للمرور لتطبيقه فيما يتعلق بمضاعفة المخالفة المرورية يتجاذبه أمران هما الحزم في تطبيق النظام والمشقة والتضييق على من لا يستطيع السداد، ويرى أن من المفترض أن تتجه إدارة المرور إلى أساليب أكثر واقعية وأقرب إلى التطبيق في تنظيم شؤون المرور وما يتبعها من عقوبات وزواجر خاصة أن مهمتها التنظيم وحماية السلامة المرورية وليست مهمتها جباية المال.
وأضاف الشايع "أرى أن الحزم في تطبيق النظام يمكن أن يتم باستخدام أساليب أخرى كحجز المركبة وإلزام قائدها بحضور دورات تدريبية وتوجيهية، كإلزامه بخدمة المجتمع، لكن مضاعفة قيمة الغرامة فيها مشقة بينة خاصة أن بعض الناس قد يمنعهم من سداد المخالفة في المرة الأولى أنهم لا يجدون المال الكافي"، مؤكداً أن الأمر يخالف مقتضى السياسة الشرعية لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه"، كما أنه يخالف توجهات ولاة الأمر والقيادة الكريمة التي ترغب في تنظيم أمور الناس من غير مشقة عليهم.
ودعا الشايع إدارة المرور لدى سنها الأنظمة والتشريعات أن تتأكد من عدم مخالفتها قواعد الشريعة الإسلامية، لافتا إلى أن لدينا في المملكة مرجعاً مختصاً بمثل هذه الأمور وهي دار الإفتاء ممثلة في المفتي العام واللجنة الدائمة للإفتاء، متوقعاً أن المرور لم يتجه لإقرار نظامه إلا وقد أخذ بهذا الاعتبار.
وأبان الشايع أن في الأصل أن لولي الأمر أو من ينيبه أن يسن من الإجراءات والتنظيمات ما تنتظم به حياة الناس في عموم المجالات، مضيفاً أن الأصل تدل عليه نصوص عديدة من الكتاب والسنة، مع ملاحظة أن هذه التنظيمات مقيدة بعدم مخالفتها ما أمر الله به أو أمر به رسوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ لقول النبي "إنما الطاعة بالمعروف"، مؤكدا أنه يتوجب أن يتم الأمر بمعروف بما يكفل تطبيق الأنظمة دون أن تفرض المشقة على الناس.
من جهته قال الدكتور محمد بن رديد المسعودي أستاذ الفقه والأصول في جامعة الطائف، عضو التوعية والإفتاء في المسجد الحرام "هذه العقوبة المضاعفة التي تتوجه لها إدارة المرور يتمحور الحديث حولها في نقطتين هما: حول أصلها وهو العقوبة المالية الابتدائية، وهي خاضعة للعقوبات المالية غير المقدرة في الشريعة الإسلامية، وجمهور العلماء يقولون بعدم جوازها وقيل بجوازها، إذ إنها عقوبة مفوضة لرأي الإمام كسائر العقوبات التعزيرية الأخرى، وأنا أرى بجوازها شرط ألا تكون مجحفة"، مضيفاً أن النقطة الثانية فهي حول مضاعفة العقوبة المالية في حال عدم السداد في غضون مدة محددة, وهذه المضاعفة أرى عدم جوازها ويكتفى بأصل العقوبة المالية المقررة في المخالفة وذلك لسببين هما: أن أصل الجواز مختلف فلا نزيد الخلاف شقة خاصة مع عدم ذكر رأي العلماء القائلين بجواز أصل العقوبة التعزيرية بمضاعفتها عند العجز عن السداد فهو اختراع مبتدع، وأن الباعث على هذه المضاعفة ربما كان الجشع والطمع وكسب الأموال بأي طريقة كانت مع ما يلحق العاجزين عن السداد الفوري من الضوائق المالية، والناس مستورون مع ما في ذلك من الحرج والإصرار والإضرار، حيث إن قواعد الشريعة الإسلامية تنفي ذلك.
وأكد المسعودي أن مضاعفة المخالفة قد تكون في حال الرغبة في تحقيق الأرباح أشبه ما يكون بالأعمال الربحية والربوية وليس مجراها مجرى العقوبات المالية.