تركيا أبقت على نافذة أمل
رون بن يشاي
ردت تركيا كما كان متوقعا بغضب شديد على نشر تقرير بالمر، وعلى رفض إسرائيل إصدار اعتذار بسبب أحداث الأسطول إلى غزة. ومع ذلك، لم يكن الرد متطرفا، وأبقت على نافذة لترميم العلاقات في المستقبل- على مستوى منخفض وبسرية وبوساطة الولايات المتحدة. وربما في المستقبل غير البعيد.
السبب الأول لعدم إقدام الأتراك على كسر الأواني هي رغبتهم في الحفاظ على مكانة تركيا كجهة مؤثرة مركزية في الشرق الأوسط. فمن دون علاقات مع إسرائيل، تكون لتركيا قدرة محدودة على بلورة وتوجيه الأحداث في المنطقة، التي ترزح الآن تحت عملية اهتزاز وتغيير اتجاهات متتالية. وفي الآونة الأخيرة فقدت تركيا كليا تأثيرها في سوريا، وفي ليبيا أيضا. وهي لم تُظهر قدرة ديبلوماسية واعدة. وثمة تنافس خفي بين أنقرة والقاهرة، والعلاقات مع إسرائيل تُعتبر ذُخر مهم لقدرة انتاج ثقل مضاد مقابل مصر وإيران.
السبب الثاني هو الولايات المتحدة. فتركيا مهمة جدا بالنسبة للأتراك، حتى في سياق الحروب، أو الأصح في سياق الانسحابات المخططة من العراق وأفغانستان. فأنقرة عضو مهم في المدماك الشرقي للناتو، الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة عمليا. كما أن موقع تركيا يتيح نشاطات لوجستية سريعة للولايات المتحدة ومن داخل الدول التي يدور فيها القتال، وهي مهمة جدا أيضا للحفاظ على الاستقرار في داخل العراق.
نتيجة لهذه الأسباب، لم تطلق تركيا النار من كل المدافع، بل ردت بصورة منضبطة نسبيا- وإن كان الرد مدويا- على رفض إسرائيل الاعتذار. الرد ينقسم إلى رد ديبلوماسي ولرد على المستوى العسكري- الأمني.
الرد الديبلوماسي تمثل في تخفيض مستوى العلاقات بدرجة واحدة. عمليا، تركيا تعود بذلك إلى نمط العلاقات الذي ساد بينها وبين إسرائيل في ثمانينات القرن الماضي، قبل اتفاقات أوسلو. كما أن السفير الإسرائيلي غابي ليفي كان أصلا على وشك انهاء خدمته، وهو الآن في عطلة صيفية. السفير التركي في إسرائيل عاد منذ مدة إلى بلاده لـ"للتشاور". من هنا، العلاقات الديبوماسية لم تُقطع، والعلاقات القنصلية ستتواصل كالمعتاد، وفي الواقع، من دون أية عراقيل تقريبا. فالمحادثات والمشاورات الاستراتيجية تجري أصلا على مستوى القادة.
كما أن تركيا لم تغير قيد أنملة إجراءات الدخول والخروج منها إلى إسرائيل، وامتنعت عن الإشارة والتلميح عن أي تغيير ممكن في العلاقات الاقتصادية بين الدولتين، التي يصل حجمها إلى عشرات مليارات الدولارات.
بالنسبة إلى العلاقات العسكرية- هذه العلاقات كانت دافئة جدا في السابق، وفي مركزها التعاون الاستخباري، المناورات الجوية والبحرية المشتركة، وصفقات شراء أمنية تركية من إسرائيل. منذ الأسطول، ألغت أنقرة كل المناورات والتدريبات العسكرية المشتركة. ونتيجة لذلك، تلقت ردا غير لطيف من جانب دول الناتو، التي ألغى بعضها مشاركته في التدريب الجوي الواسع النطاق في تركيا. كما أُلغي تدريب الإنقاذ البحري.
من كل ما ورد يمكن القول أن تركيا خسرت أكثر من إسرائيل، لأنه لا يمكن عدم الاعتراف بالخبرة الواسعة للطيارين الإسرائيليين ولطواقم البر الإسرائيلية. من ربح هي اليونان- الخصم التقليدي لتركيا- التي وثّقت إسرائيل علاقاتها معها، كبديل عن مناطق التدريب التي خسرتها في تركيا.
بالنسبة للتعاون الإستخباري لا يمكن التوسع في الكلام، لكن هذا التعاون كف أيضا عن أن يكون وديا ودافئا كما كان حتى العام 2010. السبب لذلك: قبل سنة، عيّن رئيس الحكومة التركية، رجب طيب أردوغان، المقرب منه، رجل الحزب الإسلامي الذي يرأسه، رئيسا لجهاز التجسس الخارجي لبلاده ( الجهاز الموازي للموساد). هذا التعيين، إلى جانب التقارب بين تركيا وإيران إلى ما قبل عدة أشهر، دفع إسرائيل إلى إعادة النظر في العلاقات الاستخباراتية وإلى إدراتها بحذر. بدورهم تصرف الأتراك بصورة مشابهة في السنة الماضية، وبذلك، فإن الإعلان عن تجميد العلاقات العسكرية ليست خسارة كبيرة. فالتعاون الاستراتيجي في المجال الأمني جُمد عمليا قبل أكثر من سنة.
ليس واضحا ما إذا كان الأتراك يشملون ضمن التجميد مجال المشتريات الأمنية أيضا، لكن هذا لا يغير في حقيقة الأمر شيئا. فمنذ سنة ونصف، منذ تدهور العلاقات بعد الأسطول، لم يجري التوقيع على صفقات مشتريات أمنية جديدة بين الصناعات الأمنية الإسرائيلية والتركية. ومع ذلك، قررت إسرئيل عدم عرقلة تنفيذ الصفقات التي وُقع عليها، قبل عدة سنين، ومن بينها صفقة طائرات من دون طيار كبيرة تم إنجازها.
إذا قررت تركيا تجميد الصفقات الأمنية، فلن يكون كبير الضرر الذي سيلحق بالاقتصاد الإسرائيلي، على الرغم من أن الصناعات الأمنية ستخسر سوقاً بالمليارات.
لقد تضررت جدا العلاقات العسكرية بين تركيا وإسرائيل جراء السيطرة الإسلامية على القيادة العليا للجيش، والمس المقصود من قبل رئيس الحكومة أردوغان بالقيادة العسكرية القديمة، التي سعت جدا للحفاظ على ما بقي من العلاقات مع إسرائيل. لذلك، الإعلان التركي اليوم، وعلى الرغم من أن يبدو دراماتيكيا، إلآ أنه لا يغير كثيرا من الوضع القائم على أرض الواقع، ويترك مجالا للترميم.
("يديعوت أحرونوت" 3/9/2011)
ترجمة: عباس اسماعيل
رون بن يشاي
ردت تركيا كما كان متوقعا بغضب شديد على نشر تقرير بالمر، وعلى رفض إسرائيل إصدار اعتذار بسبب أحداث الأسطول إلى غزة. ومع ذلك، لم يكن الرد متطرفا، وأبقت على نافذة لترميم العلاقات في المستقبل- على مستوى منخفض وبسرية وبوساطة الولايات المتحدة. وربما في المستقبل غير البعيد.
السبب الأول لعدم إقدام الأتراك على كسر الأواني هي رغبتهم في الحفاظ على مكانة تركيا كجهة مؤثرة مركزية في الشرق الأوسط. فمن دون علاقات مع إسرائيل، تكون لتركيا قدرة محدودة على بلورة وتوجيه الأحداث في المنطقة، التي ترزح الآن تحت عملية اهتزاز وتغيير اتجاهات متتالية. وفي الآونة الأخيرة فقدت تركيا كليا تأثيرها في سوريا، وفي ليبيا أيضا. وهي لم تُظهر قدرة ديبلوماسية واعدة. وثمة تنافس خفي بين أنقرة والقاهرة، والعلاقات مع إسرائيل تُعتبر ذُخر مهم لقدرة انتاج ثقل مضاد مقابل مصر وإيران.
السبب الثاني هو الولايات المتحدة. فتركيا مهمة جدا بالنسبة للأتراك، حتى في سياق الحروب، أو الأصح في سياق الانسحابات المخططة من العراق وأفغانستان. فأنقرة عضو مهم في المدماك الشرقي للناتو، الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة عمليا. كما أن موقع تركيا يتيح نشاطات لوجستية سريعة للولايات المتحدة ومن داخل الدول التي يدور فيها القتال، وهي مهمة جدا أيضا للحفاظ على الاستقرار في داخل العراق.
نتيجة لهذه الأسباب، لم تطلق تركيا النار من كل المدافع، بل ردت بصورة منضبطة نسبيا- وإن كان الرد مدويا- على رفض إسرائيل الاعتذار. الرد ينقسم إلى رد ديبلوماسي ولرد على المستوى العسكري- الأمني.
الرد الديبلوماسي تمثل في تخفيض مستوى العلاقات بدرجة واحدة. عمليا، تركيا تعود بذلك إلى نمط العلاقات الذي ساد بينها وبين إسرائيل في ثمانينات القرن الماضي، قبل اتفاقات أوسلو. كما أن السفير الإسرائيلي غابي ليفي كان أصلا على وشك انهاء خدمته، وهو الآن في عطلة صيفية. السفير التركي في إسرائيل عاد منذ مدة إلى بلاده لـ"للتشاور". من هنا، العلاقات الديبوماسية لم تُقطع، والعلاقات القنصلية ستتواصل كالمعتاد، وفي الواقع، من دون أية عراقيل تقريبا. فالمحادثات والمشاورات الاستراتيجية تجري أصلا على مستوى القادة.
كما أن تركيا لم تغير قيد أنملة إجراءات الدخول والخروج منها إلى إسرائيل، وامتنعت عن الإشارة والتلميح عن أي تغيير ممكن في العلاقات الاقتصادية بين الدولتين، التي يصل حجمها إلى عشرات مليارات الدولارات.
بالنسبة إلى العلاقات العسكرية- هذه العلاقات كانت دافئة جدا في السابق، وفي مركزها التعاون الاستخباري، المناورات الجوية والبحرية المشتركة، وصفقات شراء أمنية تركية من إسرائيل. منذ الأسطول، ألغت أنقرة كل المناورات والتدريبات العسكرية المشتركة. ونتيجة لذلك، تلقت ردا غير لطيف من جانب دول الناتو، التي ألغى بعضها مشاركته في التدريب الجوي الواسع النطاق في تركيا. كما أُلغي تدريب الإنقاذ البحري.
من كل ما ورد يمكن القول أن تركيا خسرت أكثر من إسرائيل، لأنه لا يمكن عدم الاعتراف بالخبرة الواسعة للطيارين الإسرائيليين ولطواقم البر الإسرائيلية. من ربح هي اليونان- الخصم التقليدي لتركيا- التي وثّقت إسرائيل علاقاتها معها، كبديل عن مناطق التدريب التي خسرتها في تركيا.
بالنسبة للتعاون الإستخباري لا يمكن التوسع في الكلام، لكن هذا التعاون كف أيضا عن أن يكون وديا ودافئا كما كان حتى العام 2010. السبب لذلك: قبل سنة، عيّن رئيس الحكومة التركية، رجب طيب أردوغان، المقرب منه، رجل الحزب الإسلامي الذي يرأسه، رئيسا لجهاز التجسس الخارجي لبلاده ( الجهاز الموازي للموساد). هذا التعيين، إلى جانب التقارب بين تركيا وإيران إلى ما قبل عدة أشهر، دفع إسرائيل إلى إعادة النظر في العلاقات الاستخباراتية وإلى إدراتها بحذر. بدورهم تصرف الأتراك بصورة مشابهة في السنة الماضية، وبذلك، فإن الإعلان عن تجميد العلاقات العسكرية ليست خسارة كبيرة. فالتعاون الاستراتيجي في المجال الأمني جُمد عمليا قبل أكثر من سنة.
ليس واضحا ما إذا كان الأتراك يشملون ضمن التجميد مجال المشتريات الأمنية أيضا، لكن هذا لا يغير في حقيقة الأمر شيئا. فمنذ سنة ونصف، منذ تدهور العلاقات بعد الأسطول، لم يجري التوقيع على صفقات مشتريات أمنية جديدة بين الصناعات الأمنية الإسرائيلية والتركية. ومع ذلك، قررت إسرئيل عدم عرقلة تنفيذ الصفقات التي وُقع عليها، قبل عدة سنين، ومن بينها صفقة طائرات من دون طيار كبيرة تم إنجازها.
إذا قررت تركيا تجميد الصفقات الأمنية، فلن يكون كبير الضرر الذي سيلحق بالاقتصاد الإسرائيلي، على الرغم من أن الصناعات الأمنية ستخسر سوقاً بالمليارات.
لقد تضررت جدا العلاقات العسكرية بين تركيا وإسرائيل جراء السيطرة الإسلامية على القيادة العليا للجيش، والمس المقصود من قبل رئيس الحكومة أردوغان بالقيادة العسكرية القديمة، التي سعت جدا للحفاظ على ما بقي من العلاقات مع إسرائيل. لذلك، الإعلان التركي اليوم، وعلى الرغم من أن يبدو دراماتيكيا، إلآ أنه لا يغير كثيرا من الوضع القائم على أرض الواقع، ويترك مجالا للترميم.
("يديعوت أحرونوت" 3/9/2011)
ترجمة: عباس اسماعيل