ليبرمان.. في "الحكاية السياسية الفارغة"
بقلـم: بن كاسبيت
عن "معاريف"
افيغدور ليبرمان سأل ايهود اولـمرت وأعوانه في يوم، الاربعاء، عما أنجزوه، وعن البصمات التي تركوها هنا، "أُنظروا من حولكم، هل نجحتم في تغيير شيء ما، ذلك لاننا نعلـم أن الحكاية السياسية هي كلام فارغ. لن ينطلي ذلك على أي أحد وأنتم تعرفون انكم لا تستطيعون القيام بأي شيء جوهري. ما تبقى هو محاولة تغيير الواقع السلطوي الصعب هنا. أنا لا أنوي البقاء في هذا الائتلاف من دون أن نسير حول ذلك معا وبكل قوة. هذا جيد لكم ايضا، وسيُسجل على اسمكم كذلك".
اللقاء جرى في ديوان رئيس الوزراء في القدس. شارك فيه رئيس الوزراء ايهود اولـمرت، ونائبه حاييم رامون، وسكرتير الحكومة عوفيد يحزقيل، ورئيس لجنة الدستور في الكنيست، عضو الكنيست مناحيم بن ساسون. خطاب ليبرمان كان ملتهبا ولكن الطريق كان مشرعا أمامه من ذي قبل. اولـمرت لا يعتقد بأن هذه الحكاية السياسية كلام فارغ، كما يقول ليبرمان، ولكنه يعرف أنها ستكون كذلك من دون ليبرمان. من الواضح لرئيس الوزراء انه لـم يعد قادرا على مواصلة مماطلة ايفيت ليبرمان بوعود فارغة. عليه هذه الـمرة أن يعطيه البضاعة التي يطلبها: تغيير طريقة الحكم التي تعتبر "طفل" ليبرمان، ومن الآن فصاعدا ستصبح ايضا طفل اولـمرت، وهما يعانقانه معا.
اولـمرت أدرك أن عليه أن يسير مع ليبرمان كل هذا الطريق لانه لا يملك طريقا آخر. ليس لديه ائتلاف اذا رحل ايفيت الـمفضل لديه بآلاف الـمرات على البدائل الـمختلفة الاخرى (بما في ذلك ايهود باراك). لـماذا؟ لان اولـمرت يحب ليبرمان جدا ويصدقه ويعتبره شخصا موثوقا مصداقا وجديا. هو في نظره شخص واضح لا يناور ولا يحاور، شخص يمكن العمل معه، وكلـمته هي كلـمة. وماذا بالنسبة لليبرمان؟ هو يفكر نفس الشيء بصدد اولـمرت. ليبرمان يعتقد أن اولـمرت جدي وقوي وسياسي حاذق جدا يعرف كيف يقود في البحر العاصف، ووعده هو وعد.
هذا الوضع الـمثالي بين الاثنين اختُرق عدة مرات في الآونة الأخيرة. ايفيت يمقت الجمود. هو وعد ناخبيه بتغيير طريقة الحكم وتمرير وثيقة الزوجية واخافة الفلسطينيين. لـم ينجح في احراز أي شيء من هذه الامور. هو لـم يعد يخيف الفلسطينيين كذلك، واولـمرت يجلس معهم متفاوضا حول التسوية الدائمة. ليبرمان يقرأ الاستطلاعات ويرى مكانته الصعبة فيها، بما في ذلك في اوساط القادمين الجدد، ويدرك أن عليه أن يفعل شيئا ما.
ايضا الفوضى الآتية من الناحية السياسية تقلقه وتقض مضجعه. لذلك يأتي لاولـمرت مع مهلة إنذارية. تغيير طريقة الحكم هنا والآن، وإلا فانه سينصرف الى بيته. معنى ذلك هو أن اولـمرت ايضا سيرحل الى بيته. اولـمرت الذي يُبقي نتنياهو على نار هادئة (وفقا لأتباع اولـمرت نتنياهو يريد الدخول الى الحكومة اذا اتضح أن فينوغراد قد تلاشى)، يعرف أنه لن تقوم له قائمة من دون ايفيت. بهذه الطريقة ولدت الـمبادرة الـمشتركة لتغيير طريقة الحكم.
اولـمرت عيّن عوفيد يحزقيل للشروع في بلورة اغلبية برلـمانية في الكنيست. البداية ليست سيئة: 29 مندوبا من كديما و11 من ليبرمان ومن ثم يأتي الدعم من حزب العمل وبعض الأيادي من الليكود وشاس. اولـمرت تعهد بجلب شاس. من الـمثير أن نعرف في هذه الحالة كم سيكلفنا ذلك (في هذه الحالة كل ثمن يُدفع يساوي قيمته تقريبا). يحزقيل تفاوض مع جدعون ساعر، فقال له الأخير "سيكون وضعكم صعبا معنا". من الناحية الاخرى نتنياهو مؤيد منهجي لتغيير طريقة الحكم، وربما يتسامى ويتعاون مع هذه الخطوة. وماذا عن ايهود باراك؟ الشخص التي ألقى خطابات مقنعة جدا حول الدور غير الـمحتمل الذي يتحمله رئيس الوزراء في اسرائيل وحول نواقص ومساوئ الجهاز وحقيقة عدم امكانية الحكم هنا بجدية وتنفيذ الامور، هذا الشخص يتهرب من الالتقاء بليبرمان ومن التعهد له. ربما يُضحي بهذه الخطوة التاريخية التي تغير وجه الحكم لصالح كوبونات سياسية صغيرة؟ ليس من الـممكن أن تتكهن بما يفكر به.
خمسة مبادئ وضعت في هذا الاسبوع بين اولـمرت وليبرمان.
1- رئيس الكتلة الأكبر هو رئيس الحكومة، لا مساومة ولا ابتزاز ولا مناورات وزيارات مكوكية لبيت الرئيس ذهابا وإيابا. اذا حصل الليكود على 28 مقعدا، والعمل 27 مقعدا؟ نتنياهو سيكون رئيس الوزراء. عليه أن يبدأ في مفاوضات ائتلافية وأن يشكل الحكومة. من هنا ينخفض مستوى الابتزاز.
2- القانون النرويجي يدخل حيز التنفيذ. الوزراء يستقيلون فورا من الكنيست، فاما أن تكون سلطة تنفيذية أو تشريعية، لا يمكن أن تجمع بين الاثنتين. فصل السلطات هنا واضح.
3- حجب الثقة: بنّاء، بتوقيع 66 عضو كنيست يؤيدون ترشيح رئيس وزراء بديل. اسقاط رئيس الوزراء سيلزم الكنيست بالقيام ببهلوانية سياسية نادرة تُدخل زهافا غلئون وموشيه غفني في نفس قائمة الـموقعين الـمؤيدين لذلك الـمرشح. هذا ليس سهلا. خطوة ستضيف الكثير جدا من الاستقرار للجهاز.
4- نسبة الحسم ستُرفع الى 3 في الـمائة (من الـمحتمل أن تهبط الى 5ر2 في الـمائة في نهاية الـمطاف).
5- الـميزانية ستحصل على مصادقة الكنيست حتى 31 كانون الاول في منتصف الليل. بعد ذلك بدقيقة تنحل الكنيست ويذهبون الى الانتخابات. بهذه الطريقة سيوفرون على الدولة اشهر "التمديد" الثلاثة حتى نهاية آذار التي تتحول عادة الى اشهر ابتزاز إجرامي. اعضاء الكنيست سيعرفون أن هناك موعدا محددا وليس من بعده أي موعد آخر أو حكم أو موقع في الكنيست.
هذه الرزمة ليست في الواقع حلـم النظام الرئاسي الذي يحلـم به ليبرمان، ولكنها تُحسن جدا من الاستقرار وطريقة الحكم. هي تُهدئ الجهاز وحول رئيس الوزراء الى انسان أكثر هدوءا وأكثر تركيزا وغير مُحتاج الى احصاء نفسه وأنصاره في كل ربع ساعة، رئيس وزراء قادر ايضا على القيام بخطوات غير شعبية والإقدام على مجريات معقدة قد تمتد لعامين أو ثلاثة أعوام، من دون أن يضطر الى التركيز على الـمناورات العابرة حتى يُحسن وضعه في الاستطلاعات. هذه الرزمة ستُدخل بعض العقلانية والاستقرار لاسرائيل، ومع ذلك تبقى الكنيست على حالها كسيادة، وتبقى الديمقراطية البرلـمانية كطريقة متبعة.
لعَيْنَيْكَ فقط
وفي هذه الاثناء تتواصل الـمفاوضات بين اولـمرت وأبو مازن، على انفراد. عموما مصطلح "على انفراد" يتحول في مناطقنا الى مسألة قابلة للانفجار. اولـمرت يقوم بكل شيء تقريبا على انفراد. لقاءاته مع القادة الاجانب تشتمل دائما على فصل طويل من اللقاءات الـمنفردة. باراك ايضا يحب ذلك، أما تسيبي لفني فهي التي ابتدعت هذه الطريقة. عُقدة الارتياب والشك عند هذه الـمرأة تفوق كل الأرقام القياسية، فهي تقوم بكل شيء وحدها بما في ذلك لقاءاتها مع سلام فياض، وتخشى من التسريب حتى لنفسها. هناك شيء مميز في اللقاءات الـمنفردة لانها تقلص جدا من مستوى التسريبات، ولكنها تمس في نفس الوقت بسلامة الحكم والأداء الـمهني الذي يفترض أن يكون منظما ومسجلا وموثقا.
لنعد الى اولـمرت: السرية في اللقاءات بينه وبين أبو مازن مسألة يحرص عليها. هما يجلسان ويتحدثان حول مبادئ التسوية الدائمة بين اسرائيل والفلسطينيين، والعالـم صامت. هناك صمت مطبق تقريبا: سياسيا، واعلاميا ودوليا. في مكان آخر وفي زمن آخر ومع أبطال آخرين كانت مثل هذه الـمفاوضات لتتحول الى عنوان دولي مدوٍ. تخيلوا لانفسكم جلوس رابين أو نتنياهو أو شارون أو باراك مع القائد الـمنتخب من الجانب الآخر في سلسلة لقاءات محاولين معا صياغة "الـمبادىء الأساسية" للحل. أية جلبة كانت ستندلع هنا.
والآن؟ اللامبالاة تُخيم في الـمحيط. الاتصالات سرية وهي بصعوبة تشق طريقها نحو الصفحات الأمامية في الصحف، واحيانا تغيب عنها. في كل مرة يستجمع أحد الصحافيين طاقته ويرفع عنوانا ما. ومرة اخرى تغيب الـمسألة عن الأنظار. لا أحد ينفي ولا أحد يرد، ولا جدل ولا عواصف. هذا الهدوء يقتل أتباع رئيس الوزراء. هم يسألون انفسهم كيف يحدث ذلك في الوقت الذي يجري فيه التفاوض حول التسوية الدائمة. أما عند أبو مازن فالهدوء يُبشر بالخير تحديدا. اذا كان اولـمرت يخشى من السقوط السياسي، فأبو مازن يعرف أن سقوطه يمكن أن يكون جسديا وشخصيا. حياته وحياة سلام فياض ليستا مسألة بديهية. حماس ستبذل كل ما في وسعها حتى تمنع خطوة الـمصالحة بين الضفة الغربية واسرائيل مثلـما فعلوا كل شيء لعرقلة اوسلو، بعد مقتل رابين وقبله ايضا.
الـمسألة هي أن أي واحد لا يأخذ ما يحدث بين الاثنين على محمل الجد. مكانة الاثنين مسألة مشكوك فيها. أوزتان عرجاوان تجلسان معا وتتخبطان بينهما وبين انفسهما. مصير اولـمرت سيتحدد عما قريب. محكمة العدل العليا ستبحث في الاسبوع القادم في الالتماسات الـمقدمة ضد لجنة فينوغراد. سيكون لقرار العليا مغزى هائلا حول استمرارية بقاء رئيس الوزراء. مكانته الشعبية ضعيفة، ورغم بعض الانتعاش إلا أننا لا نرى تغيرا جوهريا في الأفق. أما أبو مازن؟ فوضعه مشابه. هو قد صرح بأنه لن يخوض الانتخابات مرة اخرى (رغم أن القرار قابل للتغيير)، يتمتع بتأييد قليل، فقد غزة ويقاتل من اجل الضفة، وهو يعرف انه لن يستطيع تمرير تسوية أمام جمهوره، وانه لا يستطيع فرض النظام، وان فرصه لدحر الارهاب تشبه جدا احتمالات نجاح جورج بوش في فرض النظام في العراق.
ومع ذلك، تتواصل الـمباحثات. في مستويات ومسارات مختلفة. اولـمرت يجلس مع أبو مازن، وتسيبي لفني تلتقي كثيرا مع فياض، وحاييم رامون ايضا في هذه الحكاية. هو أجرى لقاءات غير قليلة مع فلسطينيين، وهناك لقاء يجري التمهيد له بينه وبين أبو مازن. الـمشكلة هي انه لا يوجد لهذه الاتصالات أب رسمي. هي ليست منظمة، وهي ليست مخططة. كل شيء يقوم على مشاعر اولـمرت الداخلية وعلى الانسجام مع رامون، وعلى الصدف والظروف والـملابسات.
هذا هو السبب وراء عدم قلق افيغدور ليبرمان. ليبرمان قال في يوم الاربعاء، لاولـمرت انه لا ينوي الدخول معه في الـمصيدة السياسية، وانه لن يسمح له بمباغتته وأن لديه خطوطا حمراء. ليبرمان عيّن يسرائيل حسون الذي كان ضالعا في عملية السلام ولديه اتصالات دائمة مع الفلسطينيين، لبلورة مسودة وثيقة "خطوط حمراء" باسم "اسرائيل بيتنا" ليتم تقديمها لرئيس الوزراء. ليبرمان طلب من حسون الانتهاء من الوثيقة خلال شهر. حسون بالـمناسبة يستطيع انهاءها خلال ثلاثة ايام. لأبو مازن ليبرماناته الخاصون، وهم أكثر تطرفا وأكثر حزما وإصرارا. كما أن لديه خطوطا حمراء ايضا. ربما كان هذا هو السبب وراء عدم انفعال وتأثر أحد من جلبة السلام الحالية. الأمل تلاشى وأجراس السلام تبددت وغابت من كثرة الخطوط الحمراء والاشتراطات والعقبات والشكوك.
يسرائيل حسون بالـمناسبة كان ذات مرة رجل سلام. ايهود باراك كان قد كلفه قبل كامب ديفيد وبعده وفي طابا باجراء اتصالات كانت في حينه دافئة جدا مع محمد دحلان وآخرين. الامور تغيرت في هذه الاثناء، وحسون لـم يعد نفس الحسون، كما أن دحلان لـم يعد كما كان. ومع ذلك هناك امكانية بأن لا تكون الوثيقة التي يُعدها حسون عقبة مستحيلة في طريق اولـمرت الى واشنطن.
حسب قول حسون، من الـممكن صياغة اطار مبادئ حول الامور الأساسية الآن بطريقة تُبقي الكعكة كاملة ويخرج منها كل الأطراف شبه راضين. هو يدرك أن سلام فياض يُعتبر "الأمل الابيض والأكبر" لاسرائيل والاميركيين والعالـم العربي الـمعتدل وكل من تبقى. استمرار وجوده وتقويته يحتاج الى أفق سياسي ما. أفق غير واضح وغير مفصل ومُبهم، ولكنه موجود وقائم. هذا يجب أن يكون بيانيا غامضا، ولكنه من دون مضامين حقيقية. شيء مشابه للاتفاق بين عامي أيلون وسري نسيبة، وأقل شبها باتفاق جنيف الذي تطرق للاجئين الفلسطينيين بصورة تفصيلية. هذه الألغام التي يتوجب عدم الاصطدام بها، حسب رأي حسون. يجب وضع الخطوط الحمراء بصورة واضحة وخصوصا في قضية اللاجئين والحرص على أن لا تكون هناك ثغرات. القضية الاقليمية، قضية القدس، أقل اشكالية من اجل هذا الغرض. من سيقرأ برنامج "اسرائيل بيتنا" سيرى أنهم يتحدثون هناك عن دولة فلسطينية وتبادل للـمناطق وعن أحياء فلسطينية في القدس للفلسطينيين. نحن نعيش في محيط معين ونعرفه، حسب قول حسون.
الى أي استنتاج يقود كل ذلك؟ انه اذا سار اولـمرت مع ليبرمان لتغيير طريقة الحكم في القدس فمن الـمحتمل أن يسير ليبرمان معه الى مؤتمر السلام في واشنطن، ليس جسديا بالطبع، لانه من الصعب جدا رؤية ايفيت جالسا مع أبو مازن، ولكن من الناحية الائتلافية. الجدول الزمني لهاتين الخطوتين متشابه: الشتاء والخريف. وماذا بعد ذلك؟ الله هو الأكبر، ولكن فينوغراد كبير ايضا.
ما هي مبادئ اللباب التي سيتم التوصل اليها بين الجانبين؟ هنا ايضا لا حاجة الى أن يكون الـمرء عبقريا كبيرا حتى يعرف. بالـمناسبة، في بداية الاسبوع بعد اللقاء الأخير بين اولـمرت وأبو مازن نشرت قناة "الجزيرة" سبقا صحافيا مدويا وفيه كل مبادئ اللباب التي قدمها اولـمرت لأبو مازن. صورة الوثيقة الحقيقية بُثت في التلفاز وفيها مسودة اولـمرت التي قُدمت لأبو مازن كما يتم الادعاء. كانت هناك عاصفة كبيرة وخصوصا في العالـم العربي، وكل الأطراف نفت ذلك. الآن اتضح انهم قد نفوا ذلك عن حق. هناك وثيقة كهذه، وقد قُدمت للفلسطينيين وهي ليست رسمية، وبالأساس لـم تُقدم من قبل اولـمرت وانما من قبل من؟ يوسي بيلين. الشخص والأسطورة. هذا الشخص الذي يسبق غيره دائما بخطوة أو اثنتين أو جيل بأكمله، ومن بعد ذلك يسير كل شيء وفق مسودته.
هل تبعد مسودة بيلين كثيرا عن الـمسودة التي يعكف عليها اولـمرت وأبو مازن الآن؟ ليس بالتأكيد. الامر الـمؤكد هو انها أكثر تفصيلا. حاييم رامون يعتقد أن من الواجب التوصل الى وثيقة من صفحة ونصف. من دون تفصيلات.
إليكم الـمسودة التي تتبلور الآن: اقامة دولة فلسطينية الى جانب دولة اسرائيل. الدولة ستقام على أساس خطوط حزيران 1967، اسرائيل ستحتفظ بجزء من الكتل الاستيطانية ويجري تبادل للـمناطق بين الجانبين. وكذلك: القدس ستكون عاصمة للدولتين. الأحياء الفلسطينية ستكون تحت سيطرة الدولة الفلسطينية. والأحياء اليهودية تحت سيطرة اسرائيل بما في ذلك حائط الـمبكى وجبل الزيتون. الحوض الـمقدس سيكون خاضعا لنظام خاص. هل تريدون تفاصيل حول هذا النظام الخاص؟ لا حاجة. وما هو العلـم الذي سيُرفع فوقه؟ ليس الآن. هذا رغم أن الرئيس شمعون بيريس مثلا مستعد من الآن للـموافقة على رفع علـم اسلامي سعودي أو مغربي أو غير ذلك.
قضية اللاجئين ستكون الـمسألة الأشد صعوبة. ستكون هنا حاجة الى التهام كعكة متعفنة وإبقائها كاملة كما هي. كل شيء يتعلق بالصياغة. بيريس قال ذات مرة: انه اذا كان لديك شخص يُجيد الصياغة فمن الـممكن كتابة كل شيء. هذا ما حدث في كامب ديفيد بين بيغن والسادات، عندما لـم يوافق بيغن على السماع عن تقرير الـمصير للفلسطينيين، فجلبوا حينئذ اهارون باراك الذي عرف كيف يكتب ذلك، فقبِل بيغن.
قضية اللاجئين يجب أن تحصل على حل عادل ومتفق عليه، كما سيجيء في الوثيقة، اللاجئون سيعودون الى وطنهم في فلسطين. السؤال هو اذا كان ذلك سيشمل ايضا الحالات الانسانية التي تستطيع العودة الى اسرائيل بموافقتها. هنا توجد ثغرة سيسارع يسرائيل حسون الى اغلاقها. أو على سبيل الـمثال مصطلح مثل "انهاء الاحتلال". هل ستشتمل وثيقة اللباب على عبارة كهذه؟ هم يُسمون ذلك احتلالا ونحن لا، الـمهم أن ينتهي، أليس كذلك؟.
هذا ليس مؤكدا. اللقاء الأخير بين اولـمرت وأبو مازن كان معقولا. هما اتفقا على أن يبدأ الجانبان بعد اللقاء القادم بتبادل الـمسودات. الارباك يُهيمن في هذه الاثناء على الجانب الاسرائيلي. حاييم رامون لا يجد نفسه تماما بين اولـمرت وأتباعه (توربوفيتش وترجمان)، هذا من جهة، ومن جهة اخرى بين تسيبي لفني وايهود بارك. هو يعتقد أن هناك حاجة الى تشكيل "ادارة سلام" يكون على رأسها مستوى سياسي (هو)، ويجب تجنيد كل أطراف الائتلاف لهذه الادارة من اجل الحفاظ عليها. اولـمرت يفضل إبقاء الامور قريبا منه واستخدام الاشخاص الـموثوقين بالنسبة له. لفني لا تنوي التنازل عن أي شيء، وبارك ينتظر في مكمنه بهدوء حتى يقلب الطاولة عندما تحين اللحظة الحاسمة. كل هؤلاء معا يُحولون الأمل الأكبر بين اولـمرت وأبو مازن الى مسألة مشكوك فيها جدا، ولذلك لا يزال الهدوء النسبي مُخيماً.
بقلـم: بن كاسبيت
عن "معاريف"
افيغدور ليبرمان سأل ايهود اولـمرت وأعوانه في يوم، الاربعاء، عما أنجزوه، وعن البصمات التي تركوها هنا، "أُنظروا من حولكم، هل نجحتم في تغيير شيء ما، ذلك لاننا نعلـم أن الحكاية السياسية هي كلام فارغ. لن ينطلي ذلك على أي أحد وأنتم تعرفون انكم لا تستطيعون القيام بأي شيء جوهري. ما تبقى هو محاولة تغيير الواقع السلطوي الصعب هنا. أنا لا أنوي البقاء في هذا الائتلاف من دون أن نسير حول ذلك معا وبكل قوة. هذا جيد لكم ايضا، وسيُسجل على اسمكم كذلك".
اللقاء جرى في ديوان رئيس الوزراء في القدس. شارك فيه رئيس الوزراء ايهود اولـمرت، ونائبه حاييم رامون، وسكرتير الحكومة عوفيد يحزقيل، ورئيس لجنة الدستور في الكنيست، عضو الكنيست مناحيم بن ساسون. خطاب ليبرمان كان ملتهبا ولكن الطريق كان مشرعا أمامه من ذي قبل. اولـمرت لا يعتقد بأن هذه الحكاية السياسية كلام فارغ، كما يقول ليبرمان، ولكنه يعرف أنها ستكون كذلك من دون ليبرمان. من الواضح لرئيس الوزراء انه لـم يعد قادرا على مواصلة مماطلة ايفيت ليبرمان بوعود فارغة. عليه هذه الـمرة أن يعطيه البضاعة التي يطلبها: تغيير طريقة الحكم التي تعتبر "طفل" ليبرمان، ومن الآن فصاعدا ستصبح ايضا طفل اولـمرت، وهما يعانقانه معا.
اولـمرت أدرك أن عليه أن يسير مع ليبرمان كل هذا الطريق لانه لا يملك طريقا آخر. ليس لديه ائتلاف اذا رحل ايفيت الـمفضل لديه بآلاف الـمرات على البدائل الـمختلفة الاخرى (بما في ذلك ايهود باراك). لـماذا؟ لان اولـمرت يحب ليبرمان جدا ويصدقه ويعتبره شخصا موثوقا مصداقا وجديا. هو في نظره شخص واضح لا يناور ولا يحاور، شخص يمكن العمل معه، وكلـمته هي كلـمة. وماذا بالنسبة لليبرمان؟ هو يفكر نفس الشيء بصدد اولـمرت. ليبرمان يعتقد أن اولـمرت جدي وقوي وسياسي حاذق جدا يعرف كيف يقود في البحر العاصف، ووعده هو وعد.
هذا الوضع الـمثالي بين الاثنين اختُرق عدة مرات في الآونة الأخيرة. ايفيت يمقت الجمود. هو وعد ناخبيه بتغيير طريقة الحكم وتمرير وثيقة الزوجية واخافة الفلسطينيين. لـم ينجح في احراز أي شيء من هذه الامور. هو لـم يعد يخيف الفلسطينيين كذلك، واولـمرت يجلس معهم متفاوضا حول التسوية الدائمة. ليبرمان يقرأ الاستطلاعات ويرى مكانته الصعبة فيها، بما في ذلك في اوساط القادمين الجدد، ويدرك أن عليه أن يفعل شيئا ما.
ايضا الفوضى الآتية من الناحية السياسية تقلقه وتقض مضجعه. لذلك يأتي لاولـمرت مع مهلة إنذارية. تغيير طريقة الحكم هنا والآن، وإلا فانه سينصرف الى بيته. معنى ذلك هو أن اولـمرت ايضا سيرحل الى بيته. اولـمرت الذي يُبقي نتنياهو على نار هادئة (وفقا لأتباع اولـمرت نتنياهو يريد الدخول الى الحكومة اذا اتضح أن فينوغراد قد تلاشى)، يعرف أنه لن تقوم له قائمة من دون ايفيت. بهذه الطريقة ولدت الـمبادرة الـمشتركة لتغيير طريقة الحكم.
اولـمرت عيّن عوفيد يحزقيل للشروع في بلورة اغلبية برلـمانية في الكنيست. البداية ليست سيئة: 29 مندوبا من كديما و11 من ليبرمان ومن ثم يأتي الدعم من حزب العمل وبعض الأيادي من الليكود وشاس. اولـمرت تعهد بجلب شاس. من الـمثير أن نعرف في هذه الحالة كم سيكلفنا ذلك (في هذه الحالة كل ثمن يُدفع يساوي قيمته تقريبا). يحزقيل تفاوض مع جدعون ساعر، فقال له الأخير "سيكون وضعكم صعبا معنا". من الناحية الاخرى نتنياهو مؤيد منهجي لتغيير طريقة الحكم، وربما يتسامى ويتعاون مع هذه الخطوة. وماذا عن ايهود باراك؟ الشخص التي ألقى خطابات مقنعة جدا حول الدور غير الـمحتمل الذي يتحمله رئيس الوزراء في اسرائيل وحول نواقص ومساوئ الجهاز وحقيقة عدم امكانية الحكم هنا بجدية وتنفيذ الامور، هذا الشخص يتهرب من الالتقاء بليبرمان ومن التعهد له. ربما يُضحي بهذه الخطوة التاريخية التي تغير وجه الحكم لصالح كوبونات سياسية صغيرة؟ ليس من الـممكن أن تتكهن بما يفكر به.
خمسة مبادئ وضعت في هذا الاسبوع بين اولـمرت وليبرمان.
1- رئيس الكتلة الأكبر هو رئيس الحكومة، لا مساومة ولا ابتزاز ولا مناورات وزيارات مكوكية لبيت الرئيس ذهابا وإيابا. اذا حصل الليكود على 28 مقعدا، والعمل 27 مقعدا؟ نتنياهو سيكون رئيس الوزراء. عليه أن يبدأ في مفاوضات ائتلافية وأن يشكل الحكومة. من هنا ينخفض مستوى الابتزاز.
2- القانون النرويجي يدخل حيز التنفيذ. الوزراء يستقيلون فورا من الكنيست، فاما أن تكون سلطة تنفيذية أو تشريعية، لا يمكن أن تجمع بين الاثنتين. فصل السلطات هنا واضح.
3- حجب الثقة: بنّاء، بتوقيع 66 عضو كنيست يؤيدون ترشيح رئيس وزراء بديل. اسقاط رئيس الوزراء سيلزم الكنيست بالقيام ببهلوانية سياسية نادرة تُدخل زهافا غلئون وموشيه غفني في نفس قائمة الـموقعين الـمؤيدين لذلك الـمرشح. هذا ليس سهلا. خطوة ستضيف الكثير جدا من الاستقرار للجهاز.
4- نسبة الحسم ستُرفع الى 3 في الـمائة (من الـمحتمل أن تهبط الى 5ر2 في الـمائة في نهاية الـمطاف).
5- الـميزانية ستحصل على مصادقة الكنيست حتى 31 كانون الاول في منتصف الليل. بعد ذلك بدقيقة تنحل الكنيست ويذهبون الى الانتخابات. بهذه الطريقة سيوفرون على الدولة اشهر "التمديد" الثلاثة حتى نهاية آذار التي تتحول عادة الى اشهر ابتزاز إجرامي. اعضاء الكنيست سيعرفون أن هناك موعدا محددا وليس من بعده أي موعد آخر أو حكم أو موقع في الكنيست.
هذه الرزمة ليست في الواقع حلـم النظام الرئاسي الذي يحلـم به ليبرمان، ولكنها تُحسن جدا من الاستقرار وطريقة الحكم. هي تُهدئ الجهاز وحول رئيس الوزراء الى انسان أكثر هدوءا وأكثر تركيزا وغير مُحتاج الى احصاء نفسه وأنصاره في كل ربع ساعة، رئيس وزراء قادر ايضا على القيام بخطوات غير شعبية والإقدام على مجريات معقدة قد تمتد لعامين أو ثلاثة أعوام، من دون أن يضطر الى التركيز على الـمناورات العابرة حتى يُحسن وضعه في الاستطلاعات. هذه الرزمة ستُدخل بعض العقلانية والاستقرار لاسرائيل، ومع ذلك تبقى الكنيست على حالها كسيادة، وتبقى الديمقراطية البرلـمانية كطريقة متبعة.
لعَيْنَيْكَ فقط
وفي هذه الاثناء تتواصل الـمفاوضات بين اولـمرت وأبو مازن، على انفراد. عموما مصطلح "على انفراد" يتحول في مناطقنا الى مسألة قابلة للانفجار. اولـمرت يقوم بكل شيء تقريبا على انفراد. لقاءاته مع القادة الاجانب تشتمل دائما على فصل طويل من اللقاءات الـمنفردة. باراك ايضا يحب ذلك، أما تسيبي لفني فهي التي ابتدعت هذه الطريقة. عُقدة الارتياب والشك عند هذه الـمرأة تفوق كل الأرقام القياسية، فهي تقوم بكل شيء وحدها بما في ذلك لقاءاتها مع سلام فياض، وتخشى من التسريب حتى لنفسها. هناك شيء مميز في اللقاءات الـمنفردة لانها تقلص جدا من مستوى التسريبات، ولكنها تمس في نفس الوقت بسلامة الحكم والأداء الـمهني الذي يفترض أن يكون منظما ومسجلا وموثقا.
لنعد الى اولـمرت: السرية في اللقاءات بينه وبين أبو مازن مسألة يحرص عليها. هما يجلسان ويتحدثان حول مبادئ التسوية الدائمة بين اسرائيل والفلسطينيين، والعالـم صامت. هناك صمت مطبق تقريبا: سياسيا، واعلاميا ودوليا. في مكان آخر وفي زمن آخر ومع أبطال آخرين كانت مثل هذه الـمفاوضات لتتحول الى عنوان دولي مدوٍ. تخيلوا لانفسكم جلوس رابين أو نتنياهو أو شارون أو باراك مع القائد الـمنتخب من الجانب الآخر في سلسلة لقاءات محاولين معا صياغة "الـمبادىء الأساسية" للحل. أية جلبة كانت ستندلع هنا.
والآن؟ اللامبالاة تُخيم في الـمحيط. الاتصالات سرية وهي بصعوبة تشق طريقها نحو الصفحات الأمامية في الصحف، واحيانا تغيب عنها. في كل مرة يستجمع أحد الصحافيين طاقته ويرفع عنوانا ما. ومرة اخرى تغيب الـمسألة عن الأنظار. لا أحد ينفي ولا أحد يرد، ولا جدل ولا عواصف. هذا الهدوء يقتل أتباع رئيس الوزراء. هم يسألون انفسهم كيف يحدث ذلك في الوقت الذي يجري فيه التفاوض حول التسوية الدائمة. أما عند أبو مازن فالهدوء يُبشر بالخير تحديدا. اذا كان اولـمرت يخشى من السقوط السياسي، فأبو مازن يعرف أن سقوطه يمكن أن يكون جسديا وشخصيا. حياته وحياة سلام فياض ليستا مسألة بديهية. حماس ستبذل كل ما في وسعها حتى تمنع خطوة الـمصالحة بين الضفة الغربية واسرائيل مثلـما فعلوا كل شيء لعرقلة اوسلو، بعد مقتل رابين وقبله ايضا.
الـمسألة هي أن أي واحد لا يأخذ ما يحدث بين الاثنين على محمل الجد. مكانة الاثنين مسألة مشكوك فيها. أوزتان عرجاوان تجلسان معا وتتخبطان بينهما وبين انفسهما. مصير اولـمرت سيتحدد عما قريب. محكمة العدل العليا ستبحث في الاسبوع القادم في الالتماسات الـمقدمة ضد لجنة فينوغراد. سيكون لقرار العليا مغزى هائلا حول استمرارية بقاء رئيس الوزراء. مكانته الشعبية ضعيفة، ورغم بعض الانتعاش إلا أننا لا نرى تغيرا جوهريا في الأفق. أما أبو مازن؟ فوضعه مشابه. هو قد صرح بأنه لن يخوض الانتخابات مرة اخرى (رغم أن القرار قابل للتغيير)، يتمتع بتأييد قليل، فقد غزة ويقاتل من اجل الضفة، وهو يعرف انه لن يستطيع تمرير تسوية أمام جمهوره، وانه لا يستطيع فرض النظام، وان فرصه لدحر الارهاب تشبه جدا احتمالات نجاح جورج بوش في فرض النظام في العراق.
ومع ذلك، تتواصل الـمباحثات. في مستويات ومسارات مختلفة. اولـمرت يجلس مع أبو مازن، وتسيبي لفني تلتقي كثيرا مع فياض، وحاييم رامون ايضا في هذه الحكاية. هو أجرى لقاءات غير قليلة مع فلسطينيين، وهناك لقاء يجري التمهيد له بينه وبين أبو مازن. الـمشكلة هي انه لا يوجد لهذه الاتصالات أب رسمي. هي ليست منظمة، وهي ليست مخططة. كل شيء يقوم على مشاعر اولـمرت الداخلية وعلى الانسجام مع رامون، وعلى الصدف والظروف والـملابسات.
هذا هو السبب وراء عدم قلق افيغدور ليبرمان. ليبرمان قال في يوم الاربعاء، لاولـمرت انه لا ينوي الدخول معه في الـمصيدة السياسية، وانه لن يسمح له بمباغتته وأن لديه خطوطا حمراء. ليبرمان عيّن يسرائيل حسون الذي كان ضالعا في عملية السلام ولديه اتصالات دائمة مع الفلسطينيين، لبلورة مسودة وثيقة "خطوط حمراء" باسم "اسرائيل بيتنا" ليتم تقديمها لرئيس الوزراء. ليبرمان طلب من حسون الانتهاء من الوثيقة خلال شهر. حسون بالـمناسبة يستطيع انهاءها خلال ثلاثة ايام. لأبو مازن ليبرماناته الخاصون، وهم أكثر تطرفا وأكثر حزما وإصرارا. كما أن لديه خطوطا حمراء ايضا. ربما كان هذا هو السبب وراء عدم انفعال وتأثر أحد من جلبة السلام الحالية. الأمل تلاشى وأجراس السلام تبددت وغابت من كثرة الخطوط الحمراء والاشتراطات والعقبات والشكوك.
يسرائيل حسون بالـمناسبة كان ذات مرة رجل سلام. ايهود باراك كان قد كلفه قبل كامب ديفيد وبعده وفي طابا باجراء اتصالات كانت في حينه دافئة جدا مع محمد دحلان وآخرين. الامور تغيرت في هذه الاثناء، وحسون لـم يعد نفس الحسون، كما أن دحلان لـم يعد كما كان. ومع ذلك هناك امكانية بأن لا تكون الوثيقة التي يُعدها حسون عقبة مستحيلة في طريق اولـمرت الى واشنطن.
حسب قول حسون، من الـممكن صياغة اطار مبادئ حول الامور الأساسية الآن بطريقة تُبقي الكعكة كاملة ويخرج منها كل الأطراف شبه راضين. هو يدرك أن سلام فياض يُعتبر "الأمل الابيض والأكبر" لاسرائيل والاميركيين والعالـم العربي الـمعتدل وكل من تبقى. استمرار وجوده وتقويته يحتاج الى أفق سياسي ما. أفق غير واضح وغير مفصل ومُبهم، ولكنه موجود وقائم. هذا يجب أن يكون بيانيا غامضا، ولكنه من دون مضامين حقيقية. شيء مشابه للاتفاق بين عامي أيلون وسري نسيبة، وأقل شبها باتفاق جنيف الذي تطرق للاجئين الفلسطينيين بصورة تفصيلية. هذه الألغام التي يتوجب عدم الاصطدام بها، حسب رأي حسون. يجب وضع الخطوط الحمراء بصورة واضحة وخصوصا في قضية اللاجئين والحرص على أن لا تكون هناك ثغرات. القضية الاقليمية، قضية القدس، أقل اشكالية من اجل هذا الغرض. من سيقرأ برنامج "اسرائيل بيتنا" سيرى أنهم يتحدثون هناك عن دولة فلسطينية وتبادل للـمناطق وعن أحياء فلسطينية في القدس للفلسطينيين. نحن نعيش في محيط معين ونعرفه، حسب قول حسون.
الى أي استنتاج يقود كل ذلك؟ انه اذا سار اولـمرت مع ليبرمان لتغيير طريقة الحكم في القدس فمن الـمحتمل أن يسير ليبرمان معه الى مؤتمر السلام في واشنطن، ليس جسديا بالطبع، لانه من الصعب جدا رؤية ايفيت جالسا مع أبو مازن، ولكن من الناحية الائتلافية. الجدول الزمني لهاتين الخطوتين متشابه: الشتاء والخريف. وماذا بعد ذلك؟ الله هو الأكبر، ولكن فينوغراد كبير ايضا.
ما هي مبادئ اللباب التي سيتم التوصل اليها بين الجانبين؟ هنا ايضا لا حاجة الى أن يكون الـمرء عبقريا كبيرا حتى يعرف. بالـمناسبة، في بداية الاسبوع بعد اللقاء الأخير بين اولـمرت وأبو مازن نشرت قناة "الجزيرة" سبقا صحافيا مدويا وفيه كل مبادئ اللباب التي قدمها اولـمرت لأبو مازن. صورة الوثيقة الحقيقية بُثت في التلفاز وفيها مسودة اولـمرت التي قُدمت لأبو مازن كما يتم الادعاء. كانت هناك عاصفة كبيرة وخصوصا في العالـم العربي، وكل الأطراف نفت ذلك. الآن اتضح انهم قد نفوا ذلك عن حق. هناك وثيقة كهذه، وقد قُدمت للفلسطينيين وهي ليست رسمية، وبالأساس لـم تُقدم من قبل اولـمرت وانما من قبل من؟ يوسي بيلين. الشخص والأسطورة. هذا الشخص الذي يسبق غيره دائما بخطوة أو اثنتين أو جيل بأكمله، ومن بعد ذلك يسير كل شيء وفق مسودته.
هل تبعد مسودة بيلين كثيرا عن الـمسودة التي يعكف عليها اولـمرت وأبو مازن الآن؟ ليس بالتأكيد. الامر الـمؤكد هو انها أكثر تفصيلا. حاييم رامون يعتقد أن من الواجب التوصل الى وثيقة من صفحة ونصف. من دون تفصيلات.
إليكم الـمسودة التي تتبلور الآن: اقامة دولة فلسطينية الى جانب دولة اسرائيل. الدولة ستقام على أساس خطوط حزيران 1967، اسرائيل ستحتفظ بجزء من الكتل الاستيطانية ويجري تبادل للـمناطق بين الجانبين. وكذلك: القدس ستكون عاصمة للدولتين. الأحياء الفلسطينية ستكون تحت سيطرة الدولة الفلسطينية. والأحياء اليهودية تحت سيطرة اسرائيل بما في ذلك حائط الـمبكى وجبل الزيتون. الحوض الـمقدس سيكون خاضعا لنظام خاص. هل تريدون تفاصيل حول هذا النظام الخاص؟ لا حاجة. وما هو العلـم الذي سيُرفع فوقه؟ ليس الآن. هذا رغم أن الرئيس شمعون بيريس مثلا مستعد من الآن للـموافقة على رفع علـم اسلامي سعودي أو مغربي أو غير ذلك.
قضية اللاجئين ستكون الـمسألة الأشد صعوبة. ستكون هنا حاجة الى التهام كعكة متعفنة وإبقائها كاملة كما هي. كل شيء يتعلق بالصياغة. بيريس قال ذات مرة: انه اذا كان لديك شخص يُجيد الصياغة فمن الـممكن كتابة كل شيء. هذا ما حدث في كامب ديفيد بين بيغن والسادات، عندما لـم يوافق بيغن على السماع عن تقرير الـمصير للفلسطينيين، فجلبوا حينئذ اهارون باراك الذي عرف كيف يكتب ذلك، فقبِل بيغن.
قضية اللاجئين يجب أن تحصل على حل عادل ومتفق عليه، كما سيجيء في الوثيقة، اللاجئون سيعودون الى وطنهم في فلسطين. السؤال هو اذا كان ذلك سيشمل ايضا الحالات الانسانية التي تستطيع العودة الى اسرائيل بموافقتها. هنا توجد ثغرة سيسارع يسرائيل حسون الى اغلاقها. أو على سبيل الـمثال مصطلح مثل "انهاء الاحتلال". هل ستشتمل وثيقة اللباب على عبارة كهذه؟ هم يُسمون ذلك احتلالا ونحن لا، الـمهم أن ينتهي، أليس كذلك؟.
هذا ليس مؤكدا. اللقاء الأخير بين اولـمرت وأبو مازن كان معقولا. هما اتفقا على أن يبدأ الجانبان بعد اللقاء القادم بتبادل الـمسودات. الارباك يُهيمن في هذه الاثناء على الجانب الاسرائيلي. حاييم رامون لا يجد نفسه تماما بين اولـمرت وأتباعه (توربوفيتش وترجمان)، هذا من جهة، ومن جهة اخرى بين تسيبي لفني وايهود بارك. هو يعتقد أن هناك حاجة الى تشكيل "ادارة سلام" يكون على رأسها مستوى سياسي (هو)، ويجب تجنيد كل أطراف الائتلاف لهذه الادارة من اجل الحفاظ عليها. اولـمرت يفضل إبقاء الامور قريبا منه واستخدام الاشخاص الـموثوقين بالنسبة له. لفني لا تنوي التنازل عن أي شيء، وبارك ينتظر في مكمنه بهدوء حتى يقلب الطاولة عندما تحين اللحظة الحاسمة. كل هؤلاء معا يُحولون الأمل الأكبر بين اولـمرت وأبو مازن الى مسألة مشكوك فيها جدا، ولذلك لا يزال الهدوء النسبي مُخيماً.