وجـهة الأسـد نحـو الـحـرب
بقلم: عاموس جلبوع
عن "معاريف"
في أعقاب العملية الاسرائيلية في سورية (وموجة التخمينات في هذا الشأن) ينطلق عندنا مرة اخرى النهج "المؤيد لسورية"، الذي يقول بالتقريب هكذا: سورية أسيرة بين ذراعي الدب الايراني؛ وهي تتردد بين "محور الشر" وبين "محور الخير"؛ الرئيس الاسد يرغب في سلام حقيقي مع اسرائيل بل انه مستعد ان يأتي الى القدس دون شروط؛ يجب مساعدته لانقاذ نفسه من الدب ومن عالم الشر؛ ملزمون بالحديث معه، واعطائه الاراضي التي يريدها، وسيأتي الخلاص لاسرائيل وللشرق الاوسط.
هذا برأيي نهج مغلوط من أساسه، منقطع عن فهم الشرط الاساس لسورية ومن المفهوم الامني القومي لديها. في اساس المفهوم السوري، كما تبلور أساسا منذ صعود حافظ الاسد الى الحكم في العام 1970 يقبع نهج تقدم الاهداف الوطنية من خلال القوة، او التهديد باستخدامها (مباشرة من جانب سورية، او من خلال "الفروع").
وكان التعبير عن ذلك حيال اسرائيل: المساعي العسكرية هي الاساس، فيما أن المساعي السياسية والدبلوماسية هي بعد مساعد مهمته تحسين الشروط للمساعي العسكرية، او السماح لسورية بعبور فترات ضعف عامة. وبكلمات اخرى: على سورية أن تصل ــ وهذا سيستغرقها الكثير من الوقت والكثير من الصبر ــ الى موقف قوة عسكرية بحيث يتيح لها ان تفرض على اسرائيل "سلاما سورية" معناه العملي الحصول على كل هضبة الجولان دون أي تنازل سياسي جوهري من جانبها. عمليا، مجانا! (خلافا لمصر الانهزامية). سورية ومفهومها المستند الى القوة (ولا سيما لبنان والاردن عانيا منه) هي أم "محور الشر" في الساحة العربية، التي مارست الارهاب والابتزاز ضد معظم الدول العربية في عهد حافظ الاسد.
مفهوم الامن السوري بعناصره المختلفة اجتاز بالطبع الكثير من التعديلات والتحديثات، وفقا للواقع المتغير. احد الامور المركزية فيه بدأ في نهاية الثمانينيات: الاتحاد السوفييتي، العامل الدولي الذي وقف الى جانب سورية وسلحها بالمجان تقريبا ــ سقط؛ الولايات المتحدة اصبحت الشرطي العالمي. اما حافظ الاسد ففهم بأن على سورية ان تجتاز فترة غير سهلة من الضعف، ولهذا اتخذ خطوتين اساسيتين، الاولى: لعب لعبة المسيرة السياسية، ولا سيما حيال الولايات المتحدة (أقل بكثير منه حيال اسرائيل!)، والثانية: حيال اسرائيل، أخذ يشرع في مسيرة تعاظم للقوى بعيدة المدى، أساسها بناء قوة من النار الصاروخية، ذات قدرة على البقاء، مع رؤوس متفجرة كيماوية، تغطي كل اراضي اسرائيل. ولهذا الغرض فانه يوثق التعاون العسكري مع ايران (الذي بدأ قبل نحو 10 سنوات من ذلك)، ومع كوريا الشمالية التي تزوده، ضمن امور اخرى بصواريخ سكاد ــ سي لمدى 600كم.
وعندما تسلم بشار الاسد الحكم، في صيف 2000، واصل نفس المفهوم الاساس: أحاديث عن السلام، ولا سيما حيال الاميركيين (وبالتأكيد بعد أن احتلوا العراق)، تفعيل محافل ارهابية وبناء موقف قوة عسكري ــ استراتيجي حيال اسرائيل من أجل فرض "سلام سوري" عليها. ولكن في هذا السياق يخيل أنه قال لنفسه: "كل ما فعله أبي يمكنني أن افعله بشكل اسرع وافضل". وقد فعل ثلاثة اشياء اساسية. الاول، وثق بشكل خفي وعلني الحلف العسكري ــ الاستراتيجي مع ايران. ليس لانه اضطر لعمل ذلك، وليس لان طهران فرضت نفسها عليه، بل انطلاقا من اختيار واعٍ. فهو يحتاج لايران في صراعه مع اسرائيل، وهو يحتاج الى حليف ناجح. شيء ثانٍ، وثق جدا التعاون الاستراتيجي مع كوريا الشمالية الى ابعاد لم تتضح في عهد أبيه، ثم وثق التعاون مع "حزب الله" وبدأ يزوده بأنواع من السلاح، بنوعية وكمية امتنع أبوه عنها.
والى ذلك وقعت ثلاثة احداث أساس: بشار، في لحظة ضعف، أخرج الجيش السوري من لبنان، وهكذا خان التراث الذي خلفه له ابوه؛ روسيا بوتين بدأت تعود الى مسرح الشرق الاوسط وتساعد في الجهود السورية لبناء القوة العسكرية؛ حرب لبنان الثانية مست جزئيا بصورة الردع الاسرائيلي في نظر القيادة السورية. هذه هي الخلفية الاستراتيجية السورية ــ التاريخية والحالية ــ للعملية الاسرائيلية في سماء سورية. المستقبل الذي ينتظرنا محمل بالطبع بعدم اليقين. ولكن من شبه المؤكد أن مؤيدي نهج "ملزمون بالحديث مع الاسد" لن يغيروا رأيهم. وحتى لو بلغ السيف رقابهم، فانهم سيهمسون بأن وجهة الاسد للسلام وحده وليس للقتل.
بقلم: عاموس جلبوع
عن "معاريف"
في أعقاب العملية الاسرائيلية في سورية (وموجة التخمينات في هذا الشأن) ينطلق عندنا مرة اخرى النهج "المؤيد لسورية"، الذي يقول بالتقريب هكذا: سورية أسيرة بين ذراعي الدب الايراني؛ وهي تتردد بين "محور الشر" وبين "محور الخير"؛ الرئيس الاسد يرغب في سلام حقيقي مع اسرائيل بل انه مستعد ان يأتي الى القدس دون شروط؛ يجب مساعدته لانقاذ نفسه من الدب ومن عالم الشر؛ ملزمون بالحديث معه، واعطائه الاراضي التي يريدها، وسيأتي الخلاص لاسرائيل وللشرق الاوسط.
هذا برأيي نهج مغلوط من أساسه، منقطع عن فهم الشرط الاساس لسورية ومن المفهوم الامني القومي لديها. في اساس المفهوم السوري، كما تبلور أساسا منذ صعود حافظ الاسد الى الحكم في العام 1970 يقبع نهج تقدم الاهداف الوطنية من خلال القوة، او التهديد باستخدامها (مباشرة من جانب سورية، او من خلال "الفروع").
وكان التعبير عن ذلك حيال اسرائيل: المساعي العسكرية هي الاساس، فيما أن المساعي السياسية والدبلوماسية هي بعد مساعد مهمته تحسين الشروط للمساعي العسكرية، او السماح لسورية بعبور فترات ضعف عامة. وبكلمات اخرى: على سورية أن تصل ــ وهذا سيستغرقها الكثير من الوقت والكثير من الصبر ــ الى موقف قوة عسكرية بحيث يتيح لها ان تفرض على اسرائيل "سلاما سورية" معناه العملي الحصول على كل هضبة الجولان دون أي تنازل سياسي جوهري من جانبها. عمليا، مجانا! (خلافا لمصر الانهزامية). سورية ومفهومها المستند الى القوة (ولا سيما لبنان والاردن عانيا منه) هي أم "محور الشر" في الساحة العربية، التي مارست الارهاب والابتزاز ضد معظم الدول العربية في عهد حافظ الاسد.
مفهوم الامن السوري بعناصره المختلفة اجتاز بالطبع الكثير من التعديلات والتحديثات، وفقا للواقع المتغير. احد الامور المركزية فيه بدأ في نهاية الثمانينيات: الاتحاد السوفييتي، العامل الدولي الذي وقف الى جانب سورية وسلحها بالمجان تقريبا ــ سقط؛ الولايات المتحدة اصبحت الشرطي العالمي. اما حافظ الاسد ففهم بأن على سورية ان تجتاز فترة غير سهلة من الضعف، ولهذا اتخذ خطوتين اساسيتين، الاولى: لعب لعبة المسيرة السياسية، ولا سيما حيال الولايات المتحدة (أقل بكثير منه حيال اسرائيل!)، والثانية: حيال اسرائيل، أخذ يشرع في مسيرة تعاظم للقوى بعيدة المدى، أساسها بناء قوة من النار الصاروخية، ذات قدرة على البقاء، مع رؤوس متفجرة كيماوية، تغطي كل اراضي اسرائيل. ولهذا الغرض فانه يوثق التعاون العسكري مع ايران (الذي بدأ قبل نحو 10 سنوات من ذلك)، ومع كوريا الشمالية التي تزوده، ضمن امور اخرى بصواريخ سكاد ــ سي لمدى 600كم.
وعندما تسلم بشار الاسد الحكم، في صيف 2000، واصل نفس المفهوم الاساس: أحاديث عن السلام، ولا سيما حيال الاميركيين (وبالتأكيد بعد أن احتلوا العراق)، تفعيل محافل ارهابية وبناء موقف قوة عسكري ــ استراتيجي حيال اسرائيل من أجل فرض "سلام سوري" عليها. ولكن في هذا السياق يخيل أنه قال لنفسه: "كل ما فعله أبي يمكنني أن افعله بشكل اسرع وافضل". وقد فعل ثلاثة اشياء اساسية. الاول، وثق بشكل خفي وعلني الحلف العسكري ــ الاستراتيجي مع ايران. ليس لانه اضطر لعمل ذلك، وليس لان طهران فرضت نفسها عليه، بل انطلاقا من اختيار واعٍ. فهو يحتاج لايران في صراعه مع اسرائيل، وهو يحتاج الى حليف ناجح. شيء ثانٍ، وثق جدا التعاون الاستراتيجي مع كوريا الشمالية الى ابعاد لم تتضح في عهد أبيه، ثم وثق التعاون مع "حزب الله" وبدأ يزوده بأنواع من السلاح، بنوعية وكمية امتنع أبوه عنها.
والى ذلك وقعت ثلاثة احداث أساس: بشار، في لحظة ضعف، أخرج الجيش السوري من لبنان، وهكذا خان التراث الذي خلفه له ابوه؛ روسيا بوتين بدأت تعود الى مسرح الشرق الاوسط وتساعد في الجهود السورية لبناء القوة العسكرية؛ حرب لبنان الثانية مست جزئيا بصورة الردع الاسرائيلي في نظر القيادة السورية. هذه هي الخلفية الاستراتيجية السورية ــ التاريخية والحالية ــ للعملية الاسرائيلية في سماء سورية. المستقبل الذي ينتظرنا محمل بالطبع بعدم اليقين. ولكن من شبه المؤكد أن مؤيدي نهج "ملزمون بالحديث مع الاسد" لن يغيروا رأيهم. وحتى لو بلغ السيف رقابهم، فانهم سيهمسون بأن وجهة الاسد للسلام وحده وليس للقتل.