إسرائيل والذرّة: خيار شمشون أم حكمة سليمان؟
زئيف معوز
("يديعوت أحرونوت" 26/9/2007)
إن التقارير الواردة عن شن هجوم اسرائيلي على منشأة نووية نقلتها كوريا الشمالية الى سوريا، تزيد حدة المعضلات الحقيقية المتعلقة بالسياسة النووية الإسرائيلية. فالمؤسسة الأمنية وكذلك معظم الخبراء الأكاديميين في هذا المجال يفضلون التغطي تحت ظل الاجماع المقدس ـ الضبابية ومحاولات المحافظة على الاحتكار. بيد أن السيرورات الإقليمية التي من شأنها بلوغ مرحلة النضج في المستقبل غير البعيد، تفرض إعادة النظر في هذه السياسة وفي تناقضاتها الداخلية.
إيران آخذة في الاقتراب من الحصول على القدرة النووية. وثمة عدد متزايد من الدول العربية* ضمنها مصر، سوريا، السعودية، الأردن ودول الخليج ـ بدأت الاستعداد جديا للحصول على القدرة النووية، سواء بتطوير قدرة ذاتية أو عن طريق شراء مثل هذه القدرة من جهات أجنبية. وثمة أسباب عديدة وكثيرة لاهتمامها المتزايد بالذرة: بعضها يشعر بالتهديد المباشر في ضوء القدرة النووية الإيرانية، وبعضها الآخر معنيّ بالحصول على وسائل ردع في وجه اي هجوم اسرائيلي، وثمة بينها من يعيش في شعور متواصل من الإهانة في ضوء دونيتها التكنولوجية.
أياً تكن الأسباب، على اسرائيل أن تأخذ في الحسبان الاحتمال الواقعي بأنه في المستقبل القريب سيشهد الشرق الأوسط أكثر من دولتين تتمتعان بقدرة نووية عسكرية. "نظرية بيغن" التي صيغت في عقب الهجوم الإسرائيلي على المفاعل النووي العراقي سنة 1982، والتي تفيد أن اسرائيل ستعمل لمنع تسلح دول في المنطقة بسلاح الدمار الشامل، لن تكون عملية مع مرور الوقت.
إن العمليات العسكرية، مهما كانت ناجحة، هي من قبيل وضع "لصقة بليستر" على طرف عضو مقطوع. فهل سنهاجم مصر أو الأردن إذا قررتا الحصول على سلاح نووي؟ ماذا سنفعل مع تركيا إذا حصلت على قدرة نووية؟ وحتى مهاجمة إيران تبدو معقدة تقنياً وخطيرة من الناحية العسكرية والسياسية. وإذا كان قد حصل هجوم في سوريا وخرجنا منه بثمن بخس (حتى الآن)، لكن احداً لا يضمن أننا قادرون على تكرار المناورة. فالسوريون تعلموا من التجرية، وفي المرة المقبلة سيحرصون على إخفاء، توزيع أو تقوية قدراتهم.
يُفترض بقدرتنا النووية أن تكون ردعية، إلا أن التمسك بـ " نظرية بيغن" يدل على أن اسرائيل لا تؤمن بالردع المتبادل: طالما أن جهة ما في المنطقة تبدأ بممارسة نشاط نووي فإننا سننتقل الى حالة الهلع العميق الى مغامرة عسكرية بعيدة المدى. وعليه يبدو أننا لا نؤمن بقدرة الردع النووية. والأخطر من ذلك كله، هو أن قدرتنا النووية تشكل عاملا محفزا في سباق التسلح غير التقليدي الآخذ في التفاقم. وعلينا أن نأخذ في الحسبان أنه في المجال النووي لا يوجد "نصف حمل": على المدى الطويل سيكون الخِيار الحقيقي لإسرائيل بين شرق أوسط نووي وبين شرق أوسط نظيف من سلاح الدمار الشامل.
لكن كما ثبت في حرب لبنان الثانية، لا يوجد لإسرائيل سياسة خارجية، يوجد لها سياسة أمن، وحتى هذه مليئة بالثقوب مثل الجبنة السويسرية. لكن إذا وافقنا على التحرر من الاعتقاد الساذج بأن العمليات العسكرية ستحل مشاكل الأمن لإسرائيل، وإذا أردنا القيام بمبادرات سياسية، وعدم الانجرار خلف المبادرات السياسية للآخرين، فيمكننا البدء بإعادة تحريك حوار اقليمي يرمي الى اقامة نظام أمن يشمل نزعا حقيقيا ومراقبا لسلاح الدمار الشامل من الشرق الأوسط. ولا يدور الحديث هنا عن مغامرة أحادية الجانب، كما لا يتعلق الأمر بتركيز حصري على سلاح الدمار الشامل، بل ببناء منظومة أمن تضم مؤسسات دولية لتقليص التهديدات، للتعاون الأمني، ولتسوية النزاعات. وثمة في المنطقة اهتمام مصلحة كبيرة بهذا الأمر، كما أنه ثمة مكان للحوار، المباشر أو غير المباشر، في هذا المجال مع دول مثل سوريا وإيران.
إن القدرة النووية الإسرائيلية هي ورقة المساومة الأهم. وبما أنها لا تردع، فقد حان الوقت لاستخدامها ديبلوماسياً.
( بروفيسور في العلوم السياسية، رئيس مشروع العلاقات الدولية في جامعة كولومبيا، زميل كبير في المعهد متعدد المجالات في هرتسليا)
زئيف معوز
("يديعوت أحرونوت" 26/9/2007)
إن التقارير الواردة عن شن هجوم اسرائيلي على منشأة نووية نقلتها كوريا الشمالية الى سوريا، تزيد حدة المعضلات الحقيقية المتعلقة بالسياسة النووية الإسرائيلية. فالمؤسسة الأمنية وكذلك معظم الخبراء الأكاديميين في هذا المجال يفضلون التغطي تحت ظل الاجماع المقدس ـ الضبابية ومحاولات المحافظة على الاحتكار. بيد أن السيرورات الإقليمية التي من شأنها بلوغ مرحلة النضج في المستقبل غير البعيد، تفرض إعادة النظر في هذه السياسة وفي تناقضاتها الداخلية.
إيران آخذة في الاقتراب من الحصول على القدرة النووية. وثمة عدد متزايد من الدول العربية* ضمنها مصر، سوريا، السعودية، الأردن ودول الخليج ـ بدأت الاستعداد جديا للحصول على القدرة النووية، سواء بتطوير قدرة ذاتية أو عن طريق شراء مثل هذه القدرة من جهات أجنبية. وثمة أسباب عديدة وكثيرة لاهتمامها المتزايد بالذرة: بعضها يشعر بالتهديد المباشر في ضوء القدرة النووية الإيرانية، وبعضها الآخر معنيّ بالحصول على وسائل ردع في وجه اي هجوم اسرائيلي، وثمة بينها من يعيش في شعور متواصل من الإهانة في ضوء دونيتها التكنولوجية.
أياً تكن الأسباب، على اسرائيل أن تأخذ في الحسبان الاحتمال الواقعي بأنه في المستقبل القريب سيشهد الشرق الأوسط أكثر من دولتين تتمتعان بقدرة نووية عسكرية. "نظرية بيغن" التي صيغت في عقب الهجوم الإسرائيلي على المفاعل النووي العراقي سنة 1982، والتي تفيد أن اسرائيل ستعمل لمنع تسلح دول في المنطقة بسلاح الدمار الشامل، لن تكون عملية مع مرور الوقت.
إن العمليات العسكرية، مهما كانت ناجحة، هي من قبيل وضع "لصقة بليستر" على طرف عضو مقطوع. فهل سنهاجم مصر أو الأردن إذا قررتا الحصول على سلاح نووي؟ ماذا سنفعل مع تركيا إذا حصلت على قدرة نووية؟ وحتى مهاجمة إيران تبدو معقدة تقنياً وخطيرة من الناحية العسكرية والسياسية. وإذا كان قد حصل هجوم في سوريا وخرجنا منه بثمن بخس (حتى الآن)، لكن احداً لا يضمن أننا قادرون على تكرار المناورة. فالسوريون تعلموا من التجرية، وفي المرة المقبلة سيحرصون على إخفاء، توزيع أو تقوية قدراتهم.
يُفترض بقدرتنا النووية أن تكون ردعية، إلا أن التمسك بـ " نظرية بيغن" يدل على أن اسرائيل لا تؤمن بالردع المتبادل: طالما أن جهة ما في المنطقة تبدأ بممارسة نشاط نووي فإننا سننتقل الى حالة الهلع العميق الى مغامرة عسكرية بعيدة المدى. وعليه يبدو أننا لا نؤمن بقدرة الردع النووية. والأخطر من ذلك كله، هو أن قدرتنا النووية تشكل عاملا محفزا في سباق التسلح غير التقليدي الآخذ في التفاقم. وعلينا أن نأخذ في الحسبان أنه في المجال النووي لا يوجد "نصف حمل": على المدى الطويل سيكون الخِيار الحقيقي لإسرائيل بين شرق أوسط نووي وبين شرق أوسط نظيف من سلاح الدمار الشامل.
لكن كما ثبت في حرب لبنان الثانية، لا يوجد لإسرائيل سياسة خارجية، يوجد لها سياسة أمن، وحتى هذه مليئة بالثقوب مثل الجبنة السويسرية. لكن إذا وافقنا على التحرر من الاعتقاد الساذج بأن العمليات العسكرية ستحل مشاكل الأمن لإسرائيل، وإذا أردنا القيام بمبادرات سياسية، وعدم الانجرار خلف المبادرات السياسية للآخرين، فيمكننا البدء بإعادة تحريك حوار اقليمي يرمي الى اقامة نظام أمن يشمل نزعا حقيقيا ومراقبا لسلاح الدمار الشامل من الشرق الأوسط. ولا يدور الحديث هنا عن مغامرة أحادية الجانب، كما لا يتعلق الأمر بتركيز حصري على سلاح الدمار الشامل، بل ببناء منظومة أمن تضم مؤسسات دولية لتقليص التهديدات، للتعاون الأمني، ولتسوية النزاعات. وثمة في المنطقة اهتمام مصلحة كبيرة بهذا الأمر، كما أنه ثمة مكان للحوار، المباشر أو غير المباشر، في هذا المجال مع دول مثل سوريا وإيران.
إن القدرة النووية الإسرائيلية هي ورقة المساومة الأهم. وبما أنها لا تردع، فقد حان الوقت لاستخدامها ديبلوماسياً.
( بروفيسور في العلوم السياسية، رئيس مشروع العلاقات الدولية في جامعة كولومبيا، زميل كبير في المعهد متعدد المجالات في هرتسليا)