شرق أوسط أوروبي على طريقـة ساركوزي
بقلـم : تسفي برئيل
عـن "هآرتس"
لدى نيكولاي ساركوزي، رئيس فرنسا، فكرة: إقامة تكتل شرق اوسطي على غرار الاتحاد الاوروبي كنوع من "اوروبا دون اوروبيين". بذلك يمكن لاوروبا أن تبني لنفسها منظومة دفاعية في مواجهة الـمهاجرين الـمسلـمين واخراج دولة طموحة مثل تركيا من داخلها بصورة أساسية.
العالـم الاسلامي وفقا للخطة الفرنسية سينقسم وفقا لـمفتاح جديد، ليس مفتاحا اميركيا مثل ذاك الذي تمخض عن "محور الشر" السياسي - الاسلامي، ولا عربيا يميز بين الدول العربية وتلك غير العربية في الدول الـمسلـمة. هذا شرق اوسط اوروبي يختار لنفسه القريبين منه.
وفقا لتعريف ساركوزي، ستكون في هذا التجمع الشرق اوسطي 15 دولة: سبع منها اسلامية - تركيا، لبنان، مصر، ليبيا، تونس، الجزائر والـمغرب، بالاضافة الى اسرائيل. هذا تكتل سيضمن التعريف الاوروبي "للاسلام الصحيح"، ليس اسلاما مثل الاسلام الدارج في السعودية، أو في دول الخليج، ولا اسلاما ايرانيا أو باكستانيا أو ماليزيا. ليست لدى فرنسا في الواقع أية مشكلة في اجراء علاقات تجارية متشعبة مع كل هذه الدول، ولكن عندما يتعلق الأمر باوروبا فمن الأفضل إبعاد هذا الاسلام عنها.
ساركوزي يبني مصفاة
قبل خمس سنوات نشر الـمفكر الـمصري مصطفى الفقي، رئيس لجنة الخارجية في مجلس الشعب الـمصري، مقالة مهمة اشتكى فيها من أن الدول العربية عموما والـمبدعين العرب خصوصا، قد سمحوا للأطراف الاسلامية غير العربية بتحديد طبيعة وجوهر الاسلام. مقصده كان بالطبع حركة طالبان، ولكنه لـم يذكر أن مبدعين سعوديين، أي عربا أقحاحا، هم الذين تبنوا التعريف الـمتطرف للاسلام. ولكن في أساس هذه الـمقالة كانت فكرة الخوف على سمعة الاسلام "الصحيح".
هناك شك في أن يكون ساركوزي قد قرأ مقالة الفقي هذه، ولكن بناء مصفاة شرق اوسطية لتمر الدول الاسلامية الـمعتدلة من خلالها - أي وفقا للتعريف الاوروبي أو الفرنسي للصحة والسلامة الاسلامية - هو نوع من محاولة رسم جيب جديد في خارطة الحضارة التي أعلن عنها صموئيل هنغتنغتون في كتابه "صراع الحضارات". حضارة شرقية اخرى من انتاج الغرب.
السؤال هو هل يوجد اسلام شرق اوسطي يختلف عن الاسلام الذي هو ليس من الشرق الاوسط. لـماذا أنتجت مصر وتركيا والـمغرب، ناهيك عن لبنان غير الـمسلـم، وتونس العلـمانية "اسلاما مختلفا" بينما تمثل الدول التي تقع وراء ساحل البحر الـمتوسط في نظر الغرب اسلاما مهددا؟ الجواب على ما يبدو لا يكمن في الاسلام كدين وانما في الدول والانظمة التي تحدد مكانة هذا الدين - وليس العقيدة - في الدولة.
مثل الـمسيحيين الديمقراطيين
في الانتخابات البرلـمانية في الـمغرب التي جرت في بداية الشهر تجسد توقع واحد ودحض آخر: الناخبون لـم يتوجهوا الى صناديق الاقتراع (37 في الـمائة من اصحاب حق التصويت) على ما يبدو لانهم لا يصدقون التغيرات التي ستأتي من البرلـمان وانما يعتقدون بأن أي تغيير اذا حدث فسيأتي من ناحية الـملك محمد الخامس. في الـمقابل لـم ينتصر حزب "العدالة والتنمية" في الـمغرب. وبالرغم من ذلك من الـمحتمل ان يدخل هذا الحزب الديني لاول مرة الحكومة.
كيف، اذاً، تسعى الـمؤسسة السياسية الاسلامية خلافا للـمجموعات الراديكالية والارهابية لطرح نفسها في الـمغرب؟. في مقابلة أجرتها صحيفة "ليموند" مع سعد الدين العثماني، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، أوضح بأنهم "لا يحبون مصطلح اسلامي وانهم يصرون دائما على ان لديهم ارتباطا بالاسلام مثل الـمسيحيين الديمقراطيين".
العثماني معني باصلاحات اقتصادية وقانونية وخصوصا ادارية. هو لا يتحدث عن انقلاب ديني وانما عن اتجاه محدد للقيم مثل ذاك الذي يتحدث عنه الـمحافظون الجدد في الولايات الـمتحدة مثلا. هذا ايضا حزب عدد النساء عضوات البرلـمان فيه أعلى من أي حزب آخر. بهذه الطريقة يدير هذا الحزب حواره ليس فقط مع الحكم وانما مع من يحدد اليوم سلـم القيم "الصحيح" - الغرب.
فانوس ومصباح كهربائي
إن لـم يكن الحزب الديني في الـمغرب قد وصل بعد الى الحكم، فالوضع في تركيا مختلف. رمز حزب العدالة والتنمية الـمغربي هو فانوس يخرج منه نور قليل، اما رمز حزب العدالة والتنمية التركي فهو ضوء مصباح يشع نورا ولديه سبب جيد لذلك. في آخر آب استكمل هذا الحزب سيطرته على كل مؤسسات الدولة الأساسية: البرلـمان، الحكومة والآن الرئاسة ايضا. ولكن خلافا للـمغرب تركيا هي دولة علـمانية من ناحية التعريف، ولذلك يعتبر انتصار حزب العدالة والتنمية التركي أكبر بكثير.
وهكذا بدلا من الاحتفال بانتصار الدين على الدولة، يفضل الاسلام السياسي في تركيا ايضا طأطأة رأسه والسماح بوجود تعريفات علـمانية وإضفاء لونه عليها: ديمقراطية، حقوق انسان، اقتصاد حر، الدخول الى اوروبا وتقليص قوة الجيش. صحيح أن زوجة الرئيس تغطي رأسها، إلا انها صرحت بأنها لن تشارك في الـمناسبات العامة، وبذلك لن تخالف القانون. في تركيا ايضا يعتبر النموذج الـمسيحي الديمقراطي مثالا يحتذى والعلـمانية ليست خاضعة للانتقادات، فهي مطلوبة فقط لتبني سلـم قيم محافظ مثل الاحتشام وعدم شرب الكحول علانية أو إزالة لافتات الشوارع التي تعرض الفتيات بملابس البحر. ولكن يبدو ان الامر الذي يميز الحزب الديني التركي أكثر من غيره هو ادراكه بأنه لا يرتكز فقط على جمهور الـمؤمنين الـمتدينين، وأن الدين بحد ذاته ليس ضمانة للانتصار السياسي. زيادة تأييد الحزب بنسبة 12 في الـمائة في الانتخابات الاخيرة لا تعني أن نصف السكان الأتراك قد تحولوا الى متعصبين اسلاميين (47 في الـمائة صوتوا للحزب)، وانما ان اولئك الناخبين يعتقدون بقدرة هذا الحزب سياسيا واقتصاديا في مواجهة خصومه العلـمانيين الآخرين.
دول يتوجب تدجينها
اذا كانت تركيا تعتبر في نظر اوروبا رمزا للدولة الشرق اوسطية غير العربية التي تُكتب لغتها بأحرف لاتينية، إلا انها ما زالت اسلامية بدرجة تكفي لتشويش هدوء اوروبا الـمسيحية البيضاء، فالـمغرب ولبنان والجزائر وتونس هم في نظر اوروبا عموما، وفرنسا خصوصا، دول فرانكفونية. لغتها الرسمية هي العربية وديانتها هي الاسلام ولكن الفرنسية التي يتحدثون بها في الشوارع والنوادي وتظهر على لافتات الشوارع تعتبر عاملا يقرب هذه الدول من اوروبا، يقرب ولكنه لا يجعلها منتمية؛ وهو بالتأكيد لا يهدد بالانتماء مثل ما تسعى اليه تركيا.
طالبة مغربية تزمع على الزواج من شاب بلجيكي - أي ذو جذور بلجيكية وليس من احدى الدول العربية - قالت لي ان كونك بلجيكيا يعني من هذه الناحية ان تعيش جيدا ولكن ليس فقدان ثقافتك. الـمطلوب هو مستوى معيشة ليس متوفرا في الـمغرب. "ولكني مسرورة لان زوجي الـمستقبلي يحب الـمأكولات الـمغربية التي أعدها".
هل هذا هو معنى الشرق اوسطية التي يتحدث عنها ساركوزي؟ من الـمشكوك في ذلك، لان ذلك التجمع الشرق اوسطي الذي تحدث عنه مخصص في السياق لتنظيم، إن لـم يكن منع، هجرة تلك الطالبة الـمغربية والـملايين من امثالها الى الدول الاوروبية. ساركوزي يتحدث عن شرق اوسطية تكون مثل السور الواقي والـمنطقة العازلة، ليست عربية تماما، ولكنها ليست اوروبية بالـمرة. الـمنطقة الخيالية التي سترشح اليها فقط دول عربية لا تتميز فقط بالوحدة الجغرافية وانما يجمعها تلك الـمسافة الـمحددة ثقافيا التي تُبعدها عن "العروبة".
اذا كانت هذه هي نية ساركوزي بالفعل فكيف سيدخل الى تجمعه دولا مثل مصر أو ليبيا، الاولى ما زالت ترى نفسها محددة رئيسية للحوار العربي، والثانية تتحرك بين العروبة والانتماء لافريقيا، والأهم من ذلك كيف يمكن لدول فرانكفونية مثل لبنان والـمغرب أن تتدبر امورها في البازل الشرق اوسطي بينما هي محاطة بقيود العروبة، وبعضها تصهر قوة الاسلام فيها حتى درجة الفلوكلور؟.
يبدو أن الـمحاولات الغربية لخلق قواسم مشتركة ثقافية بصورة مريحة لهم مسألة غير مقبولة على الشرق الاوسط وتندرج في اطار الكولونيالية الجديدة. الشرق اوسطية هي مصطلح باهت، ولكنه لا يختلف كثيرا عن مصطلح "العالـم الثالث". ربما سيكون من الأصح القول ان الشرق اوسطية هي الرواية الفرنسية - الاوروبية للشرق الاوسط الجديد الذي ينادي به بوش، أي دولا يتوجب تدجينها وفقا لـمعايير غربية. الفرق يكمن في تعريف الغرب، اوروبيا او أميركيا، الذي يسعى لفرض شروطه، وليس في جوهر الدول التي يفترض بها أن تتبنى الاملاءات.
بقلـم : تسفي برئيل
عـن "هآرتس"
لدى نيكولاي ساركوزي، رئيس فرنسا، فكرة: إقامة تكتل شرق اوسطي على غرار الاتحاد الاوروبي كنوع من "اوروبا دون اوروبيين". بذلك يمكن لاوروبا أن تبني لنفسها منظومة دفاعية في مواجهة الـمهاجرين الـمسلـمين واخراج دولة طموحة مثل تركيا من داخلها بصورة أساسية.
العالـم الاسلامي وفقا للخطة الفرنسية سينقسم وفقا لـمفتاح جديد، ليس مفتاحا اميركيا مثل ذاك الذي تمخض عن "محور الشر" السياسي - الاسلامي، ولا عربيا يميز بين الدول العربية وتلك غير العربية في الدول الـمسلـمة. هذا شرق اوسط اوروبي يختار لنفسه القريبين منه.
وفقا لتعريف ساركوزي، ستكون في هذا التجمع الشرق اوسطي 15 دولة: سبع منها اسلامية - تركيا، لبنان، مصر، ليبيا، تونس، الجزائر والـمغرب، بالاضافة الى اسرائيل. هذا تكتل سيضمن التعريف الاوروبي "للاسلام الصحيح"، ليس اسلاما مثل الاسلام الدارج في السعودية، أو في دول الخليج، ولا اسلاما ايرانيا أو باكستانيا أو ماليزيا. ليست لدى فرنسا في الواقع أية مشكلة في اجراء علاقات تجارية متشعبة مع كل هذه الدول، ولكن عندما يتعلق الأمر باوروبا فمن الأفضل إبعاد هذا الاسلام عنها.
ساركوزي يبني مصفاة
قبل خمس سنوات نشر الـمفكر الـمصري مصطفى الفقي، رئيس لجنة الخارجية في مجلس الشعب الـمصري، مقالة مهمة اشتكى فيها من أن الدول العربية عموما والـمبدعين العرب خصوصا، قد سمحوا للأطراف الاسلامية غير العربية بتحديد طبيعة وجوهر الاسلام. مقصده كان بالطبع حركة طالبان، ولكنه لـم يذكر أن مبدعين سعوديين، أي عربا أقحاحا، هم الذين تبنوا التعريف الـمتطرف للاسلام. ولكن في أساس هذه الـمقالة كانت فكرة الخوف على سمعة الاسلام "الصحيح".
هناك شك في أن يكون ساركوزي قد قرأ مقالة الفقي هذه، ولكن بناء مصفاة شرق اوسطية لتمر الدول الاسلامية الـمعتدلة من خلالها - أي وفقا للتعريف الاوروبي أو الفرنسي للصحة والسلامة الاسلامية - هو نوع من محاولة رسم جيب جديد في خارطة الحضارة التي أعلن عنها صموئيل هنغتنغتون في كتابه "صراع الحضارات". حضارة شرقية اخرى من انتاج الغرب.
السؤال هو هل يوجد اسلام شرق اوسطي يختلف عن الاسلام الذي هو ليس من الشرق الاوسط. لـماذا أنتجت مصر وتركيا والـمغرب، ناهيك عن لبنان غير الـمسلـم، وتونس العلـمانية "اسلاما مختلفا" بينما تمثل الدول التي تقع وراء ساحل البحر الـمتوسط في نظر الغرب اسلاما مهددا؟ الجواب على ما يبدو لا يكمن في الاسلام كدين وانما في الدول والانظمة التي تحدد مكانة هذا الدين - وليس العقيدة - في الدولة.
مثل الـمسيحيين الديمقراطيين
في الانتخابات البرلـمانية في الـمغرب التي جرت في بداية الشهر تجسد توقع واحد ودحض آخر: الناخبون لـم يتوجهوا الى صناديق الاقتراع (37 في الـمائة من اصحاب حق التصويت) على ما يبدو لانهم لا يصدقون التغيرات التي ستأتي من البرلـمان وانما يعتقدون بأن أي تغيير اذا حدث فسيأتي من ناحية الـملك محمد الخامس. في الـمقابل لـم ينتصر حزب "العدالة والتنمية" في الـمغرب. وبالرغم من ذلك من الـمحتمل ان يدخل هذا الحزب الديني لاول مرة الحكومة.
كيف، اذاً، تسعى الـمؤسسة السياسية الاسلامية خلافا للـمجموعات الراديكالية والارهابية لطرح نفسها في الـمغرب؟. في مقابلة أجرتها صحيفة "ليموند" مع سعد الدين العثماني، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، أوضح بأنهم "لا يحبون مصطلح اسلامي وانهم يصرون دائما على ان لديهم ارتباطا بالاسلام مثل الـمسيحيين الديمقراطيين".
العثماني معني باصلاحات اقتصادية وقانونية وخصوصا ادارية. هو لا يتحدث عن انقلاب ديني وانما عن اتجاه محدد للقيم مثل ذاك الذي يتحدث عنه الـمحافظون الجدد في الولايات الـمتحدة مثلا. هذا ايضا حزب عدد النساء عضوات البرلـمان فيه أعلى من أي حزب آخر. بهذه الطريقة يدير هذا الحزب حواره ليس فقط مع الحكم وانما مع من يحدد اليوم سلـم القيم "الصحيح" - الغرب.
فانوس ومصباح كهربائي
إن لـم يكن الحزب الديني في الـمغرب قد وصل بعد الى الحكم، فالوضع في تركيا مختلف. رمز حزب العدالة والتنمية الـمغربي هو فانوس يخرج منه نور قليل، اما رمز حزب العدالة والتنمية التركي فهو ضوء مصباح يشع نورا ولديه سبب جيد لذلك. في آخر آب استكمل هذا الحزب سيطرته على كل مؤسسات الدولة الأساسية: البرلـمان، الحكومة والآن الرئاسة ايضا. ولكن خلافا للـمغرب تركيا هي دولة علـمانية من ناحية التعريف، ولذلك يعتبر انتصار حزب العدالة والتنمية التركي أكبر بكثير.
وهكذا بدلا من الاحتفال بانتصار الدين على الدولة، يفضل الاسلام السياسي في تركيا ايضا طأطأة رأسه والسماح بوجود تعريفات علـمانية وإضفاء لونه عليها: ديمقراطية، حقوق انسان، اقتصاد حر، الدخول الى اوروبا وتقليص قوة الجيش. صحيح أن زوجة الرئيس تغطي رأسها، إلا انها صرحت بأنها لن تشارك في الـمناسبات العامة، وبذلك لن تخالف القانون. في تركيا ايضا يعتبر النموذج الـمسيحي الديمقراطي مثالا يحتذى والعلـمانية ليست خاضعة للانتقادات، فهي مطلوبة فقط لتبني سلـم قيم محافظ مثل الاحتشام وعدم شرب الكحول علانية أو إزالة لافتات الشوارع التي تعرض الفتيات بملابس البحر. ولكن يبدو ان الامر الذي يميز الحزب الديني التركي أكثر من غيره هو ادراكه بأنه لا يرتكز فقط على جمهور الـمؤمنين الـمتدينين، وأن الدين بحد ذاته ليس ضمانة للانتصار السياسي. زيادة تأييد الحزب بنسبة 12 في الـمائة في الانتخابات الاخيرة لا تعني أن نصف السكان الأتراك قد تحولوا الى متعصبين اسلاميين (47 في الـمائة صوتوا للحزب)، وانما ان اولئك الناخبين يعتقدون بقدرة هذا الحزب سياسيا واقتصاديا في مواجهة خصومه العلـمانيين الآخرين.
دول يتوجب تدجينها
اذا كانت تركيا تعتبر في نظر اوروبا رمزا للدولة الشرق اوسطية غير العربية التي تُكتب لغتها بأحرف لاتينية، إلا انها ما زالت اسلامية بدرجة تكفي لتشويش هدوء اوروبا الـمسيحية البيضاء، فالـمغرب ولبنان والجزائر وتونس هم في نظر اوروبا عموما، وفرنسا خصوصا، دول فرانكفونية. لغتها الرسمية هي العربية وديانتها هي الاسلام ولكن الفرنسية التي يتحدثون بها في الشوارع والنوادي وتظهر على لافتات الشوارع تعتبر عاملا يقرب هذه الدول من اوروبا، يقرب ولكنه لا يجعلها منتمية؛ وهو بالتأكيد لا يهدد بالانتماء مثل ما تسعى اليه تركيا.
طالبة مغربية تزمع على الزواج من شاب بلجيكي - أي ذو جذور بلجيكية وليس من احدى الدول العربية - قالت لي ان كونك بلجيكيا يعني من هذه الناحية ان تعيش جيدا ولكن ليس فقدان ثقافتك. الـمطلوب هو مستوى معيشة ليس متوفرا في الـمغرب. "ولكني مسرورة لان زوجي الـمستقبلي يحب الـمأكولات الـمغربية التي أعدها".
هل هذا هو معنى الشرق اوسطية التي يتحدث عنها ساركوزي؟ من الـمشكوك في ذلك، لان ذلك التجمع الشرق اوسطي الذي تحدث عنه مخصص في السياق لتنظيم، إن لـم يكن منع، هجرة تلك الطالبة الـمغربية والـملايين من امثالها الى الدول الاوروبية. ساركوزي يتحدث عن شرق اوسطية تكون مثل السور الواقي والـمنطقة العازلة، ليست عربية تماما، ولكنها ليست اوروبية بالـمرة. الـمنطقة الخيالية التي سترشح اليها فقط دول عربية لا تتميز فقط بالوحدة الجغرافية وانما يجمعها تلك الـمسافة الـمحددة ثقافيا التي تُبعدها عن "العروبة".
اذا كانت هذه هي نية ساركوزي بالفعل فكيف سيدخل الى تجمعه دولا مثل مصر أو ليبيا، الاولى ما زالت ترى نفسها محددة رئيسية للحوار العربي، والثانية تتحرك بين العروبة والانتماء لافريقيا، والأهم من ذلك كيف يمكن لدول فرانكفونية مثل لبنان والـمغرب أن تتدبر امورها في البازل الشرق اوسطي بينما هي محاطة بقيود العروبة، وبعضها تصهر قوة الاسلام فيها حتى درجة الفلوكلور؟.
يبدو أن الـمحاولات الغربية لخلق قواسم مشتركة ثقافية بصورة مريحة لهم مسألة غير مقبولة على الشرق الاوسط وتندرج في اطار الكولونيالية الجديدة. الشرق اوسطية هي مصطلح باهت، ولكنه لا يختلف كثيرا عن مصطلح "العالـم الثالث". ربما سيكون من الأصح القول ان الشرق اوسطية هي الرواية الفرنسية - الاوروبية للشرق الاوسط الجديد الذي ينادي به بوش، أي دولا يتوجب تدجينها وفقا لـمعايير غربية. الفرق يكمن في تعريف الغرب، اوروبيا او أميركيا، الذي يسعى لفرض شروطه، وليس في جوهر الدول التي يفترض بها أن تتبنى الاملاءات.