ماذا حقّقت إسرائيل من خلال هجومها على سوريا؟
دينيس روس،
ذو نيو ريبابليك
إنّ المحافظة على طابع الغموض على صعيد العلاقات الدوليّة مفيد في بعض الأحيان. لكن، غالبًا ما تصبح المسألة موضع سخرية لا سيّما عند اتّخاذ خطوة من دون الإعتراف بها لِتَجِد أنّ كلّ من حولك مدركٌ بأمرها. وتنطبق هذه الحالة على الهجوم العسكري الإسرائيلي الذي استهدف مواقع شمال سوريا.
يغيب الحديث الإسرائيلي والإعترافات عن هذا الموضوع. من جهتهم، وصف السوريّون ما جرى بحادثة تصدّوا خلالها للطائرات الإسرائيليّة المعادية التي انتهكت الأجواء السوريّة وألقت بذخائرها شمال البلاد. أمّا الرئيس الأميركي فرفض التعليق على ما جرى من دون نفيه بالطّبع، تاركًا الإنطباع بأنّ أمرًا خطرًا قد حصل.
ويبدو الأمر فعلاً خطيرًا. فإنّ التقارير التمهيديّة التي صدرت عن مصادر مجهولة في إسرائيل أو عن الإستخبارات الإسرائيليّة أفادت بأنّ الجيش الإسرائيلي استهدف مفاعلات شمال سوريا يبدو أنّ كوريا الشماليّة زوّدتها بمواد نوويّة. كما وأنّ غياب تسرّب المعلومات من الجانب الإسرائيلي يمنح التقارير طابعًا يسهل تصديقه. فلطالما اعتُبِرَت إسرائيل أفضل الدول المتكتّمة على الأسرار. لكن، إن استثنينا هذه الحادثة، نجد أنّ إسرائيل أصبحت أسوأ الدول المتكتّمة لا سيّما مع تسرّب كمّ هائل من المعلومات باستمرار. (فقد سبق لي مرّةً أن شاركت في مفاوضات. وأصرّ وقتها رئيس الوزراء الإسرائيلي على الإجتماع بي على انفراد إذ اعتبر أنّ هذه هي الوسيلة الوحيدة لمنع تسرّب المعلومات خارج غرفة الإجتماع من جهته.)
لعبت إسرائيل على هذا الصعيد دورها بدهاء كبير خصوصًا مع الصّمت الذي لفّ إنتقادات الدول العربيّة إزاء الهجوم الإسرائيلي وموقفها من سوريا. في الواقع، فإنّ تهنئة إسرائيل على الهجوم الذي شنّته كاد ليُجبِر الدول العربيّة على إدانته نظرًا للجوء إسرائيل إلى القوّة وجهودها الأحاديّة الجانب لإعادة فرض إرادتها في المنطقة.
فما سبب شنّ إسرائيل لهذا الهجوم في هذا الوقت؟
ممّا لا شكّ فيه أنّ أيّ تطوّر على صعيد البرنامج النووي السوري يزيد من قلق الإسرائيليين ويخفّف من قدرتهم على التحمّل. لقد رصدت إسرائيل منذ مدّة تحرّكات جديّة على مستوى العلاقات العسكريّة بين سوريا وكوريا الشماليّة. أمّا كوريا الشماليّة فزوّدت سوريا بنظام صواريخ متقدّم وبصواريخ أرضيّة دقيقة الإحداثيّات وبعيدة المدى. ويدرك الإسرائيليّون أنّ كوريا الشماليّة قامت ببيع كافّة أنظمة الأسلحة التي طوّرتها. وبالتالي، لفتت برامج كوريا الشماليّة النوويّة وتعاونها العسكري المستمرّ مع سوريا انتباه إسرائيل التي عمدت إلى مراقبة الأمر عن كثب.
إذًا، عكس الهجوم الإسرائيلي من جهة الجهود الرامية إلى القضاء على برنامج كوريا الشماليّة النووي بحيث لا يعد قادرًا على السماح لسوريا بتطوير قدراتها النوويّة. إلاّ أنّ هذه النقطة لا تشكّل سوى جزءًا من القضية.
وازداد قلق الجهات الأمنية الإسرائيليّة إزاء امتلاك سوريا للأسلحة ونشرها المزيد من القوّات وقيامها بتدريبات عسكريّة والحديث عن إمكانيّة اندلاع حرب بين البلدَين. وبدا لي أن المسؤولون العسكريّون الإسرائيليّون الذين قابلتهم مقتنعين بأنّ الرئيس بشار الأسد يؤمن بقدرته على محاربة إسرائيل. وأفادت الإستخبارات الإسرائيليّة أنّ الرئيس السوري قادرٌ على مواجهة إسرائيل مستخدمًا نحو 20 ألف صاروخ بالإضافة إلى أسلحة كيميائيّة تشكّل رادعًا يمنع إسرائيل من شنّ الهجوم على المواقع السوريّة الحيوية. وبيدو الرئيس الأسد بحسب المصادر نفسها متأثّرًا بما حقّقه حزب الله خلال حربه ضدّ إسرائيل في صيف العام 2006 ممّا يزيد من ثقته في قدرته على مواجهة إسرائيل لفترة محدّدة.
سعت إسرائيل إلى البحث عن طرق تقنع من خلالها الرئيس الأسد بأنّه مخطئٌ في تقديره للأمور وبأنّه لن يتمكّن من إدارة الحرب على طريقته وبوجوب عدم اللعب بالنّار. وخضع الجيش الإسرائيلي هذا الصيف لتدريبات عسكريّة لم تقتصر على تحسين أداءه واستعداده وإنّما شكّلت وسيلةً لتوجيه رسالة للرئيس السوري. وجاء الهجوم للقضاء على برامح سوريا النوويّة وتعزيز رسالة الردع الإسرائيليّة. وكان الهدف إعلام الرئيس الأسد بأنّ إسرائيل قادرة على فضح كلّ أسرار بلاده. فإنّ عمليّة إبقاء القادة منهمكين داخليًّا لاستكشاف ما تلمّ به إسرائيل وما لا تعرفه تُعتبر ملزمةً في دولةٍ ذات نظام متآمر شديد الإرتياب.
وتضمّن الهجوم رسالةً أخرى مفادها أنّ إسرائيل قادرة على استهداف ما تريد ومتى تريد، بصرف النظر عمّا إذا كان هذا الهدف يحمل قيمةً عاليةً بالنسبة لنظام الأسد. من هنا، شكّل الصمت العربي (المتأثّر بالسكون الإسرائيلي) مصدر قلق للرئيس السوري خصوصًا وأنّ الدول العربيّة تبدو غير مهتمّة بالمعاناة السوريّة وبأمكانيّة فقدان نظام الأسد لهيبته وقدراته العسكريّة.
واعتُبِرَ الهجوم تهديدًا للقدرة النوويّة السوريّة كما وأعاد تعزيز صورة الرادع الإسرائيلي في عيون النظام السوري. ونُقِلَ عن رئيس الإستخبارات العسكريّة الإسرائيليّة الجنرال آموس يادلين إعلام مجلس الوزراء الإسرائيلي "باستعادة البلاد لقوّتها الرادعة."
لا شكّ أنّ سلوك إسرائيل هذا تناول إيران في الوقت عينه. وقد أشارت وسائل الإعلام حديثًا أنّ الحادثة التي وقعت في سوريا في تموز/يوليو الماضي داخل مصنع كيميائي تسبّبت بمقتل عدد من الخبراء الإيرانيين. ولعلّ الأمر لم يكن صدفةً إذ من الممكن أن تكون إسرائيل تسعى إلى توجيه رسالة لإيران حول قدرتها أو بالأحرى رغبتها في حماية نفسها ممّن يعمد إلى تهديدها بأسلحة الدمار الشامل.
ففيما تبدو إيران مصمّمة على دفع برنامجها النووي إلى الأمام وقلقةً إزاء رغبة إسرائيل في التحرّك، تسعى إسرائيل إلى التصرّف لتبرهن عن قدرتها في بذل كافّة الجهود لحماية أمن بلادها. ومع عجز الولايات المتّحدة عن التقدّم في العراق وعدم قدرتها على وقف برامج إيران النوويّة، يشير الإسرائيليّون إلى إدارة الرئيس بوش وغيرها إلى أنّهم سيتّخذون القرار الملائم إن لم يتصرّف المجتمع الدولي حيال الأمر.
يتطلّب فنّ الحكم تطويع كافّة أدوات الدّولة للتأثير على الأصدقاء والأعداء. ويعكس الهجوم الإسرائيلي على المفاعل السوري استخدام الأدوات العسكريّة للتأثير على نفسيّة الدول الفاعلة على الساحة الدولية. وتبقى إسرائيل بانتظار تأثير رغبتها بعد أن أصدرت بيانها مع العمل على عدم إطلاق شرارة صراعٍ أوسع.
دينيس روس،
ذو نيو ريبابليك
إنّ المحافظة على طابع الغموض على صعيد العلاقات الدوليّة مفيد في بعض الأحيان. لكن، غالبًا ما تصبح المسألة موضع سخرية لا سيّما عند اتّخاذ خطوة من دون الإعتراف بها لِتَجِد أنّ كلّ من حولك مدركٌ بأمرها. وتنطبق هذه الحالة على الهجوم العسكري الإسرائيلي الذي استهدف مواقع شمال سوريا.
يغيب الحديث الإسرائيلي والإعترافات عن هذا الموضوع. من جهتهم، وصف السوريّون ما جرى بحادثة تصدّوا خلالها للطائرات الإسرائيليّة المعادية التي انتهكت الأجواء السوريّة وألقت بذخائرها شمال البلاد. أمّا الرئيس الأميركي فرفض التعليق على ما جرى من دون نفيه بالطّبع، تاركًا الإنطباع بأنّ أمرًا خطرًا قد حصل.
ويبدو الأمر فعلاً خطيرًا. فإنّ التقارير التمهيديّة التي صدرت عن مصادر مجهولة في إسرائيل أو عن الإستخبارات الإسرائيليّة أفادت بأنّ الجيش الإسرائيلي استهدف مفاعلات شمال سوريا يبدو أنّ كوريا الشماليّة زوّدتها بمواد نوويّة. كما وأنّ غياب تسرّب المعلومات من الجانب الإسرائيلي يمنح التقارير طابعًا يسهل تصديقه. فلطالما اعتُبِرَت إسرائيل أفضل الدول المتكتّمة على الأسرار. لكن، إن استثنينا هذه الحادثة، نجد أنّ إسرائيل أصبحت أسوأ الدول المتكتّمة لا سيّما مع تسرّب كمّ هائل من المعلومات باستمرار. (فقد سبق لي مرّةً أن شاركت في مفاوضات. وأصرّ وقتها رئيس الوزراء الإسرائيلي على الإجتماع بي على انفراد إذ اعتبر أنّ هذه هي الوسيلة الوحيدة لمنع تسرّب المعلومات خارج غرفة الإجتماع من جهته.)
لعبت إسرائيل على هذا الصعيد دورها بدهاء كبير خصوصًا مع الصّمت الذي لفّ إنتقادات الدول العربيّة إزاء الهجوم الإسرائيلي وموقفها من سوريا. في الواقع، فإنّ تهنئة إسرائيل على الهجوم الذي شنّته كاد ليُجبِر الدول العربيّة على إدانته نظرًا للجوء إسرائيل إلى القوّة وجهودها الأحاديّة الجانب لإعادة فرض إرادتها في المنطقة.
فما سبب شنّ إسرائيل لهذا الهجوم في هذا الوقت؟
ممّا لا شكّ فيه أنّ أيّ تطوّر على صعيد البرنامج النووي السوري يزيد من قلق الإسرائيليين ويخفّف من قدرتهم على التحمّل. لقد رصدت إسرائيل منذ مدّة تحرّكات جديّة على مستوى العلاقات العسكريّة بين سوريا وكوريا الشماليّة. أمّا كوريا الشماليّة فزوّدت سوريا بنظام صواريخ متقدّم وبصواريخ أرضيّة دقيقة الإحداثيّات وبعيدة المدى. ويدرك الإسرائيليّون أنّ كوريا الشماليّة قامت ببيع كافّة أنظمة الأسلحة التي طوّرتها. وبالتالي، لفتت برامج كوريا الشماليّة النوويّة وتعاونها العسكري المستمرّ مع سوريا انتباه إسرائيل التي عمدت إلى مراقبة الأمر عن كثب.
إذًا، عكس الهجوم الإسرائيلي من جهة الجهود الرامية إلى القضاء على برنامج كوريا الشماليّة النووي بحيث لا يعد قادرًا على السماح لسوريا بتطوير قدراتها النوويّة. إلاّ أنّ هذه النقطة لا تشكّل سوى جزءًا من القضية.
وازداد قلق الجهات الأمنية الإسرائيليّة إزاء امتلاك سوريا للأسلحة ونشرها المزيد من القوّات وقيامها بتدريبات عسكريّة والحديث عن إمكانيّة اندلاع حرب بين البلدَين. وبدا لي أن المسؤولون العسكريّون الإسرائيليّون الذين قابلتهم مقتنعين بأنّ الرئيس بشار الأسد يؤمن بقدرته على محاربة إسرائيل. وأفادت الإستخبارات الإسرائيليّة أنّ الرئيس السوري قادرٌ على مواجهة إسرائيل مستخدمًا نحو 20 ألف صاروخ بالإضافة إلى أسلحة كيميائيّة تشكّل رادعًا يمنع إسرائيل من شنّ الهجوم على المواقع السوريّة الحيوية. وبيدو الرئيس الأسد بحسب المصادر نفسها متأثّرًا بما حقّقه حزب الله خلال حربه ضدّ إسرائيل في صيف العام 2006 ممّا يزيد من ثقته في قدرته على مواجهة إسرائيل لفترة محدّدة.
سعت إسرائيل إلى البحث عن طرق تقنع من خلالها الرئيس الأسد بأنّه مخطئٌ في تقديره للأمور وبأنّه لن يتمكّن من إدارة الحرب على طريقته وبوجوب عدم اللعب بالنّار. وخضع الجيش الإسرائيلي هذا الصيف لتدريبات عسكريّة لم تقتصر على تحسين أداءه واستعداده وإنّما شكّلت وسيلةً لتوجيه رسالة للرئيس السوري. وجاء الهجوم للقضاء على برامح سوريا النوويّة وتعزيز رسالة الردع الإسرائيليّة. وكان الهدف إعلام الرئيس الأسد بأنّ إسرائيل قادرة على فضح كلّ أسرار بلاده. فإنّ عمليّة إبقاء القادة منهمكين داخليًّا لاستكشاف ما تلمّ به إسرائيل وما لا تعرفه تُعتبر ملزمةً في دولةٍ ذات نظام متآمر شديد الإرتياب.
وتضمّن الهجوم رسالةً أخرى مفادها أنّ إسرائيل قادرة على استهداف ما تريد ومتى تريد، بصرف النظر عمّا إذا كان هذا الهدف يحمل قيمةً عاليةً بالنسبة لنظام الأسد. من هنا، شكّل الصمت العربي (المتأثّر بالسكون الإسرائيلي) مصدر قلق للرئيس السوري خصوصًا وأنّ الدول العربيّة تبدو غير مهتمّة بالمعاناة السوريّة وبأمكانيّة فقدان نظام الأسد لهيبته وقدراته العسكريّة.
واعتُبِرَ الهجوم تهديدًا للقدرة النوويّة السوريّة كما وأعاد تعزيز صورة الرادع الإسرائيلي في عيون النظام السوري. ونُقِلَ عن رئيس الإستخبارات العسكريّة الإسرائيليّة الجنرال آموس يادلين إعلام مجلس الوزراء الإسرائيلي "باستعادة البلاد لقوّتها الرادعة."
لا شكّ أنّ سلوك إسرائيل هذا تناول إيران في الوقت عينه. وقد أشارت وسائل الإعلام حديثًا أنّ الحادثة التي وقعت في سوريا في تموز/يوليو الماضي داخل مصنع كيميائي تسبّبت بمقتل عدد من الخبراء الإيرانيين. ولعلّ الأمر لم يكن صدفةً إذ من الممكن أن تكون إسرائيل تسعى إلى توجيه رسالة لإيران حول قدرتها أو بالأحرى رغبتها في حماية نفسها ممّن يعمد إلى تهديدها بأسلحة الدمار الشامل.
ففيما تبدو إيران مصمّمة على دفع برنامجها النووي إلى الأمام وقلقةً إزاء رغبة إسرائيل في التحرّك، تسعى إسرائيل إلى التصرّف لتبرهن عن قدرتها في بذل كافّة الجهود لحماية أمن بلادها. ومع عجز الولايات المتّحدة عن التقدّم في العراق وعدم قدرتها على وقف برامج إيران النوويّة، يشير الإسرائيليّون إلى إدارة الرئيس بوش وغيرها إلى أنّهم سيتّخذون القرار الملائم إن لم يتصرّف المجتمع الدولي حيال الأمر.
يتطلّب فنّ الحكم تطويع كافّة أدوات الدّولة للتأثير على الأصدقاء والأعداء. ويعكس الهجوم الإسرائيلي على المفاعل السوري استخدام الأدوات العسكريّة للتأثير على نفسيّة الدول الفاعلة على الساحة الدولية. وتبقى إسرائيل بانتظار تأثير رغبتها بعد أن أصدرت بيانها مع العمل على عدم إطلاق شرارة صراعٍ أوسع.