Announcement

Collapse
No announcement yet.

أميركا وإسـرائيل: ملفـات متـداخلة

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • أميركا وإسـرائيل: ملفـات متـداخلة

    أميركا وإسـرائيل: ملفـات متـداخلة

    بقلـم : الوف بن، وشموئيل روزنر

    عن "هآرتس"


    في إحدى النوادر حول علاقات الرئيس هاري ترومان مع الصحافة، ينقلون مؤتمرا صحافيا كان قد عقده في أواخر شهر كانون الثاني 1946، "سيدي الرئيس"، توجه اليه الـمراسل، "هل تؤيد سياسة وزارة الخارجية القائلة بأن على الولايات الـمتحدة..." - هو لـم يتمكن من انهاء سؤاله. ترومان اندفع مع جواب قاطع: "ليست لدى وزارة الخارجية سياسة، إلا اذا كنت مؤيدا لها"، ذكّر الرئيس السائل.

    الرئيس جورج بوش، الذي يستند الآن مضطرا إلى تركة ترومان - رئيس منصرف في أدنى مستوى من التأييد الجماهيري ويتحسن وضعه في الرأي العام فقط بعد سنوات طويلة من ذلك - سمع بالتأكيد هذه الحكاية ذات مرة أو قرأ عنها. لذلك كان من الـمضحك سماعه وهو يقول للصحافيين في هذا الاسبوع فور لقائه مع محمود عباس في نيويورك بأنه عندما تتحدث وزيرة الخارجية فهي تتحدث باسم الادارة الأميركية. وكأن هناك امكانية اخرى؟!.

    في الاسبوع الأخير، عُلـم بأن بوش يتوقع انتصار هيلاري كلينتون في الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الجمهوري للـمرشح الرئاسي - وحسب ما قاله في محادثات خلفية يبدو انه يفترض انها ستفوز ايضا في الانتخابات العامة. فان كان هو ترومان، كما قال، فهيلاري كلينتون ستكون شبيهة بدويت آيزنهاور، خليفته في الـمنصب من الحزب الـمنافس. هو يعتقد أن كلينتون مثل آيزنهاور تماما ستهاجم سياسته في الـمعركة الانتخابية، إلا أنها ستجد نفسها امتدادا لها عندما تدخل الغرفة البيضوية.

    في مستهل موسم الانتخابات التمهيدية الداخلية يرتبط الـمرشحون الـمتصدرون في الحزبين كثيرا بالسياسيين في اسرائيل: رئيس بلدية نيويورك سابقا، رودي جولياني، هو صديق مقرب من رئيس الوزراء اولـمرت، وهيلاري كلينتون تتماثل مع ايهود باراك الذي كان مقربا جدا لزوجها كرئيس للوزراء في فترتهما الـمشتركة. وبما أن الجدول الزمني السياسي في الدولتين قد يتمازج - اذا تم تقديم الانتخابات في اسرائيل الى نهاية 2008 أو بداية 2009 - فمن الـمثير أن نعرف كيف ستتأثر الـمنافسة في اسرائيل من تلك الجارية في أميركا.

    وزير الدفاع باراك قد ربط بين الحملتين. هو قال انه لا يتوجب على اسرائيل أن تقدم تنازلات مفرطة للفلسطينيين فقط لارضاء ادارة بوش الـموجودة في نهاية طريقها. من الـممكن أن يُفهم ذلك على أن باراك يرى في العملية السياسية التي يدفعها اولـمرت الآن، استجابة لضغوط رايس. وربما ايضا يسعى بوش من اجل ذلك للتأكيد كل الوقت على أن رايس تتحدث باسمه. ولكن باراك على ما يبدو يفضل انتظار هيلاري أو جولياني وتجميد الواقع القائم سياسيا واقليميا في الـمناطق. ليس بالضرورة لانه يعتقد بأنهما سيكونان أفضل من بوش، وانما لانه يعتقد أن العملية السياسية لا تفضي الى أي مكان. بطيئة وعديمة النتائج كما يتوقع أن تكون - الانجاز الوحيد سيكون تكبيل حزب العمل في نطاق حكومة اولـمرت وتقييد باراك نفسه لـموقع ثانوي الى جانب قائد يفتقد الشعبية.

    رامون يقرأ ليبرمان

    حاييم رامون، نائب رئيس الوزراء، ليس معروفا في الاوساط الشعبية باعتباره مفكرا. هو مشهور أكثر بخطاباته العاصفة ومعاركه السياسية ومباريات كرة القدم. "اولـمرت يعرف انه أزعر"، قال أحد مقربي رئيس الوزراء مهدئا قبل اسبوعين عندما سئل عن سبب توسيع صلاحيات رامون لتشمل الـمجال السياسي. ولكن في الاسابيع الأخيرة يعكف رامون على الدراسة والتمحيص. هو يتعمق في كتابات افيغدور ليبرمان، وخصوصا كتابه "حقيقتي"، وبرنامج حزب اسرائيل بيتنا. من يسأل رامون عن برنامجه السياسي الذي تقع قضية تبادل الاراضي من على جانبي الخط الاخضر وتسليم الأحياء العربية في القدس للفلسطينيين، في مركزها، يحصل على اجابات مقتبسة من مؤلفات وزير الشؤون الاستراتيجية افيغدور ليبرمان. ما الذي تريدونه مني، اذا كان ليبرمان نفسه يقترح تبادل الاراضي؟ يقول رامون لـمن يسألوه.
    صحيح أن ليبرمان يقترح تسليم أم الفحم مقابل اريئيل. أما رامون فلا يُفصل أية اراض ستستبدل. ولكن لـماذا الدخول في التفاصيل. من الـممكن الكتابة في وثيقة الـمبادئ بأن الحدود ستحدد وفق اعتبارات جغرافية وديمغرافية وإرضاء الجميع من خلال ذلك.

    من هذا التحليل للنصوص ينبع ايضا استخلاص سياسي: مؤتمر السلام الـمزمع في واشنطن وبيان اولـمرت وعباس الـمشترك لن يؤديا الى حل الائتلاف. اذا كان ليبرمان وفيا لـمبادئه وكتابه وبرنامجه، فلن يكون هناك سبب لرحيله عن الائتلاف. لن يحدث أي شيء على الارض كما نعلـم الى أن يقوم الفلسطينيون بتنفيذ خريطة الطريق ومكافحة الارهاب. أما شاس فليس لديها بالتأكيد سبب للـمغادرة وهي التي تؤيد الاتفاقات السياسية حسب فتوى الحاخام عوفاديا يوسف. الجدل السياسي يستصعب التحليق في الوقت الحالي أو اجتذاب اهتمام الجمهور. ايضا انتقادات باراك وتسيبي لفني وعدد من وزراء كديما لرامون ليست مقنعة هي الاخرى. السبب بسيط: في الهامش السياسي بين ليبرمان والوزير الجديد عامي ايلون لا يوجد خلاف حقيقي حول التسوية الـمستقبلية مع الفلسطينيين. اذا ظهرت في أي وقت من الاوقات دولة فلسطينية فحدودها ستكون مطابقة تقريبا للجدار الفاصل. الجميع يعرفون ذلك ويحاولون بالقوة تمييز موقفهم بواسطة التشبث بالتفاصيل الهامشية. على سبيل الـمثال قضية اذا كانت اسرائيل ستسمح لألف عائلة لاجئة بالدخول الى اراضيها "لاسباب انسانية"، كما يقترح رامون، أو أن لا يدخل أي لاجئ كما تقول لفني. أصلا النقاش الحقيقي لا يدور حول تفاصيل التسوية الـمستقبلية الوهمية، وانما حول الـممارسة اليومية لـمجرد التحاور مع أبو مازن والجدوى الـمترتبة على ذلك.
    قاذفات في سماء السعودية
    25 طائرة اف 15 واف 25 واف 16 حلقت من قواعد سلاح الجو الاسرائيلي في طريقها الى الـمنشآت النووية مزودة بعشرات القنابل الخارقة للـمخابئ الحصينة. اغلبية هذه القذائف خصصت لتدمير الـمنشأة الارضية لتخصيب اليورانيوم. كان كافيا أن تنفجر قنبلة واحدة كبيرة في كل قاعة انتاج حتى يُشل عمل الـمنشأة ويُزال التهديد النووي لسنوات طويلة.
    لا، هذا ليس وصفا لـ "قصف الـمنشأة النووية في سورية وفقا للـمصادر الاجنبية"، وانما سيناريو بلوره خبيران أمنيان اميركيان، وهما وتني راس وأوستين لونغ، بصدد قدرة اسرائيل على مهاجمة الـمنشآت النووية الايرانية. في مقال نشر في هذا الشهر كتب ايضا في مجلة "نتيف" أن سلاح الجو الاسرائيلي لا يواجه مشكلة تنفيذية. الباحثان الأميركيان يقدران انه لا يوجد لايران برنامج نووي خفي في موازاة الـمنشآت الـمعروفة. حسب رأيهم يكفي تدمير مصنع تخصيب اليورانيوم في نتانز، ومصنع التصنيع في أصفهان ومنشأة انتاج الـمياه الثقيلة في عراك لالحاق ضرر جسيم بالـمشروع الايراني يستوجب سنوات عدة لاصلاحه. التطور في الاسلحة يتيح اليوم ضرب أهداف حصينة بصورة دقيقة مثل مصنع نتانز. ايران لا تملك منظومة دفاعية جوية مقنعة. مصنع نتانز هو لب الـمشروع النووي الايراني. والباحثان الأميركيان يقترحان تأخير الهجوم عليه الى أن يتم تركيب عدد كبير من اجهزة الطرد الـمركزية فيه، ولكن من قبل أن تتم تغذيتها بالـمواد الخام. في مثل هذا التوقيت سيتم إلحاق أكبر ضرر ممكن، بينما يكون الضرر البيئي صغيرا. لا جدوى حسب رأيهما من الـمسارعة لقصف قاعات فارغة.
    الـمشكلة الأساسية التي ستواجه الـمخططين وصانعي القرار في اسرائيل حسب الـمقالة ستكون سياسية. التحليق من اسرائيل نحو ايران سيستوجب الـمرور بالأجواء التركية أو السعودية أو السورية. تركيا قد تعارض وسورية ستحاول اسقاط الطائرات، أما الـمرور في أجواء العراق فيستوجب مصادقة اميركية. كما يتوقع أن يكون هناك رد ايراني ومحاولة لضرب اسرائيل والقوات الأميركية في الـمنطقة. الـمخططون سيضطرون الى أخذ ذلك في الحسبان، ولكنها في الواقع ورقة مساومة اسرائيلية ايضا، فالأميركيون يعرفون ان اسرائيل تعرف انهم سيتضررون هم ايضا اذا هاجمت اسرائيل ايران.
    مسؤول بارز جدا في الادارة الأميركية يعرف جهاز الأمن الاسرائيلي جيدا، حذر قبل سنة من أن "مقياس العصبية" في القدس يصل الى الخط الاخضر. ولـم تكن لديه أي ادعاءات موجهة ضد اسرائيل. هو يرى تثاقل الأسرة الدولية "ويتفهم موقفهم". أحاديث من هذا القبيل كانت بالتأكيد الأساس للحكاية التي نشرتها "نيوز ويك" هذا الاسبوع ومفادها أن ديك تشيني قد درس امكانية قيام اسرائيل بالهجوم على ايران للتسبب في رد متسلسل ينتهي بالحرب.
    البديل الآخر للهجوم على ايران جاء من قبل الجنرال الأميركي الـمتقاعد ويسلي كلارك الذي قاد معركة كوسوفو كقائد لقوات الاطلسي في اوروبا في 1999، في مقالة عنوانها "الحرب القادمة" كانت قد نشرت الاحد الـماضي في "واشنطن بوست"، توقع كلارك هجمة اميركية على ايران، ومثل هذه العملية على حد قوله ستبدأ بثلاثة اسابيع من القصف الـمتواصل للبنى العسكرية الايرانية: "للتأكد من ضرب كل منشأة قيادية ومركز توجيه ورادار ومطار وموقع صاروخي ومخزن وسفينة وقاعدة، وحتى لا ترتفع اسعار النفط في العالـم". الامر سيبدأ بعمليات قصف بي2 وهجمات صاروخية ويتواصل من خلال اجتياحات للقوات الخاصة للعمق الايراني في محاولة لجلب أدلة لوجود خطط نووية عسكرية. ومن الذي يعرف كيف سينتهي ذلك - مع ايران خاضعة ومستسلـمة أو ايران مدمرة ومريضة أو ايران كعدوة مريرة وجريحة.
    كلارك هو ايضا حليف للكلينتونيين ومرشح محتمل لنيابة الرئيس، حيث زار اسرائيل في هذا الشهر كضيف على مؤتمر الارهاب بدعوة من مركز هرتسليا الـمتعدد الـمجالات، والتقى مع صديقه الـمخضرم وزير الدفاع ايهود باراك. ليس واضحا اذا خططا معا العملية التي قام بالتحدث عنها بعد ذلك في الصحف، أم انهما اكتفيا بتبادل التجارب السابقة. من الواضح فقط أن الشخصيات الاسرائيلية تحذر جدا من التحدث عن الحرب ضد ايران، وتترك هذا الامر الـمفتخر والامتياز للجنرالات الأميركيين الـمتقاعدين، أو الشخصيات الاوروبية مثل وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير. في مجلة "صالون" وصفت مأدبة عشاء واشنطنية في هذا الاسبوع تواجه بها اثنان - زبيغنيو برجينسكي، مستشار الأمن القومي لدى جيمي كارتر وبرينت سكوكروفت، مستشار بوش الأب. برجينسكي يعتقد أن الادارة تتوجه لـمهاجمة ايران، أما سكوكروفت فيعتقد ويأمل بأن لا يحدث ذلك.
    الـمشكلة هي أن الخط الرسمي الذي يُنظّر للعقوبات الأكثر حدة ضد ايران يصبح أقل اقناعا. الـمسؤولون الاسرائيليون الذين يعكفون على مساعي "الاحباط السياسي" للقنبلة الايرانية، يتحدثون عن صعوبة متزايدة في اقناع محادثيهم في العالـم. العقوبات التي فرضها مجلس الأمن لـم تتمخض عن جدوى كبيرة. قبل عدة اشهر بدا أن العقوبات الـمفروضة على البنوك والشركات التي تتعامل مع ايران ستثمر ولكن الفرصة السانحة هناك ايضا قد كبحت. الولايات الـمتحدة وفرنسا تتبعان خطا متصلبا في مجلس الأمن، إلا انهما تجدان صعوبة في ايجاد مساندين.

    في ظل هذه الظروف يبدو الخيار القاسي بين الهجوم على ايران من جهة وبين استكمال تحولها الى دولة نووية عظمى، أكثر واقعية. في الاسبوع الـماضي قال الجنرال جون أبي زيد، قائد القوات الأميركية في العراق سابقا أن بامكان الولايات الـمتحدة أن تحيا مع ايران نووية. مسؤولون اسرائيليون بارزون يُقدرون بأن بوش يخضع لضغوطات متعارضة: البنتاغون ووزارة الخارجية يعارضان الهجوم على ايران، أما نائب الرئيس تشيني فسيؤيد ذلك. "الهجوم الاسرائيلي على سورية" قد يكون وفقا لهذا التقدير نموذجا لعملية مشابهة ضد ايران. مجرد البحث في ذلك يشير الى أن الادارة الأميركية ايضا في آخر عهدها قد تؤثر بصورة دراماتيكية على مجريات الامور في الشرق الاوسط. هذا قبل مدة طويلة من قيام أي كلينتوني (أو آيزنهاوري) بتنسيق الخطوات القادمة مع ايهود باراك.
    الباطل صوته أعلى، وأبواقه اوسع، واكاذيبه لا تعد ولا تحصى، ولا يمكن ان تقف عند حد. فكيف اذا كان بعض ابطاله قد بات في نظر نفسه والعميان من حوله من انصاف آلهة.
Working...
X