من هنا سيخرج "المخربون" القادمون ..
بقلم: جدعون ليفيü
عن "هآرتس"
يدور الحديث عن عمارة سكنية لم يسمع عنها أحد. خمسة طوابق تسكنها 11 عائلة.
في المحيط بيوت كثيرة مكتظة ومزدحمة، متلاصقة بعضها ببعض تفصل بينها أزقة ضيقة تتسع لشخص واحد. كل سكان هذه العمارة المشتركة هم أقارب، آباء وأشقاء وأعمام. طابق فوق طابق حيث يقطنون باكتظاظ واحدا بجانب الآخر. يسكنون؟ كانوا يسكنون.
يوم الخميس الماضي وصلت الجرافة. كيف ستصل الجرافة الى البيت الواقع في آخر الأزقة الضيقة؟ الجرافة بكل بساطة شقت لنفسها طريقا من خلال تدمير كل ما يقع في طريقها للوصول الى ذلك البيت. هنا هدمت جداراً حجرياً، وهناك تسببت بتصدع آخر، وماذا يضير ذلك؟ بعض المنازل تحولت الآن الى مبانٍ تشكل خطرا على حياة الانسان، آيلة للسقوط وجدرانها متصدعة. في نهاية المطاف وصلت تلك الجرافة الى غايتها وداست فوق البيت المطلوب.
هذا البيت هو تلك العمارة المكونة من خمسة طوابق، وسرعان ما انهارت مثل برج من ورق وتصاعدت سحب دخان كبيرة لتدفن تحتها كل ما يوجد في تلك العمارة السكنية: الأثاث والدمى والالعاب والادوات المنزلية والاجهزة الكهربائية ومعها الذكريات. لم يتبق من كل ذلك أي شيء، فقد دُفنت كل الاشياء. في الاسبوع الماضي شاهدت طفلين يحاولان انقاذ شيء ما: الدراجة الهوائية الجديدة التي اشتريت مع بدء العام الدراسي. بقايا الجدران والقضبان الفولاذية تبرز من هنا وهناك.
الطفلان حاولا بجهد كبير انقاذ الدراجة الحمراء من بين الأنقاض. وعندما ظهرت تبين انها قد تضررت كثيرا وهُرست، وسرعان ما ظهر الألم على وجه الطفلين، بنت وولد في التاسعة والعاشرة من العمر. لم يتبق أي شيء من منزلهما. فقط حبل غسيل كان قد تبقى مكانه كآخر غسلة معلقة في الهواء. درج البيت بقي معلقا على جدار فولاذي بحيث لا يؤدي الآن الى أي مكان مهددا بالانهيار في كل لحظة والسقوط فوق رؤوسنا ورؤوس الاطفال الذين ينبشون بحثا عن الاشياء.
هنا تقطن بشكل غير مريح عائلة مبروك. الأب علي وأبناؤه وبناته. قبل ثلاثة اسابيع قتل الجيش أحد الأبناء، واسمه ناصر، أما الابن الآخر مجدي فما زال مطلوبا، عائلة مناضلة من نشطاء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. الآن يمكنك أن ترى راية حمراء كبيرة فوق الأنقاض، وهي راية الجبهة الشعبية، مُحتجة أمام العالم كله الذي لم يُبد أي اهتمام بالامر. على مسافة غير بعيدة من هناك، في طرف سلسلة البيوت المتتابعة، قُتل الجندي بنتسيون هينمان في تبادل لاطلاق النار حدث هنا قبل عشرة ايام. في داخل المخيم قُتل حينئذ الفتى محمد خالد ابن الـ 17 عاما وأديب سليم (38 عاما)، بائع الترمس العاجز في نصف جسمه الأيمن. أديب سقط وهو ينزف تحت لافتة التخليد التي تحمل اسم شقيقه جمال الناشط في صفوف "حماس" والذي تمت تصفيته هنا بصاروخ في العام 2001. الجيش الاسرائيلي يدعي أن أديب المشلول كان مسلحا، مؤكدا موقفه هذا من خلال إبراز حقيقة أن شقيقه "مخرب" كنوع من الدليل على صحة موقفه.
هذه كانت عملية ناجحة: الجيش الاسرائيلي منع عملية انتحارية مخيفة كان بعض مخططيها هنا بين أزقة مخيم عين بيت الما في المنحدرات الغربية لنابلس. لا يختلف أحد مع الحاجة لشن مثل هذه العملية التي منعت اعمال القتل. ايضا حقيقة أن فلسطينيين اثنين قد قُتلا خلال ايام العملية الثلاثة (لم يطلقوا على العملية اسما كما جرت عادة الجيش) تشير الى وجود حذر وحيطة لدى الجنود.
لهذا السبب تحديدا يتوجب أن نسأل: لماذا تدمير المنزل؟ لماذا كان من الواجب تدمير حياة 11 عائلة؟ بماذا يخدم ذلك أمن اسرائيل، حتى اذا أطلق الجيش على ذلك البيت المشترك اسم "موقع قتالي"؟ متى سنشفى ونُفطم من هذه الوسيلة الاجرامية العدمية المتمثلة بهدم منازل الأبرياء؟ هل تكفي حقيقة أن قائد الجبهة الشعبية في المخيم يقطن في المنزل، من اجل تدمير خمسة طوابق؟ متى سيتعلم الجيش الاسرائيلي انه من بين هذه الانقاض بالتحديد سيتنامى "المخربون" القادمون ويظهرون؟ أولن يصاب الطفل الذي يبحث عن دراجته الهوائية بين أنقاض منزله بنوازع الانتقام وهو يشاهد عالمه مدمرا أمامه؟ اذا كان أحد ما يريد التعرف على "البنية التحتية للارهاب" الحقيقية فهو مدعو للتوجه الى نابلس ومشاهدة أنقاض المنزل في أطراف مخيم عين بيت الما.
ü مراسل مختص في حقوق الانسان.
بقلم: جدعون ليفيü
عن "هآرتس"
يدور الحديث عن عمارة سكنية لم يسمع عنها أحد. خمسة طوابق تسكنها 11 عائلة.
في المحيط بيوت كثيرة مكتظة ومزدحمة، متلاصقة بعضها ببعض تفصل بينها أزقة ضيقة تتسع لشخص واحد. كل سكان هذه العمارة المشتركة هم أقارب، آباء وأشقاء وأعمام. طابق فوق طابق حيث يقطنون باكتظاظ واحدا بجانب الآخر. يسكنون؟ كانوا يسكنون.
يوم الخميس الماضي وصلت الجرافة. كيف ستصل الجرافة الى البيت الواقع في آخر الأزقة الضيقة؟ الجرافة بكل بساطة شقت لنفسها طريقا من خلال تدمير كل ما يقع في طريقها للوصول الى ذلك البيت. هنا هدمت جداراً حجرياً، وهناك تسببت بتصدع آخر، وماذا يضير ذلك؟ بعض المنازل تحولت الآن الى مبانٍ تشكل خطرا على حياة الانسان، آيلة للسقوط وجدرانها متصدعة. في نهاية المطاف وصلت تلك الجرافة الى غايتها وداست فوق البيت المطلوب.
هذا البيت هو تلك العمارة المكونة من خمسة طوابق، وسرعان ما انهارت مثل برج من ورق وتصاعدت سحب دخان كبيرة لتدفن تحتها كل ما يوجد في تلك العمارة السكنية: الأثاث والدمى والالعاب والادوات المنزلية والاجهزة الكهربائية ومعها الذكريات. لم يتبق من كل ذلك أي شيء، فقد دُفنت كل الاشياء. في الاسبوع الماضي شاهدت طفلين يحاولان انقاذ شيء ما: الدراجة الهوائية الجديدة التي اشتريت مع بدء العام الدراسي. بقايا الجدران والقضبان الفولاذية تبرز من هنا وهناك.
الطفلان حاولا بجهد كبير انقاذ الدراجة الحمراء من بين الأنقاض. وعندما ظهرت تبين انها قد تضررت كثيرا وهُرست، وسرعان ما ظهر الألم على وجه الطفلين، بنت وولد في التاسعة والعاشرة من العمر. لم يتبق أي شيء من منزلهما. فقط حبل غسيل كان قد تبقى مكانه كآخر غسلة معلقة في الهواء. درج البيت بقي معلقا على جدار فولاذي بحيث لا يؤدي الآن الى أي مكان مهددا بالانهيار في كل لحظة والسقوط فوق رؤوسنا ورؤوس الاطفال الذين ينبشون بحثا عن الاشياء.
هنا تقطن بشكل غير مريح عائلة مبروك. الأب علي وأبناؤه وبناته. قبل ثلاثة اسابيع قتل الجيش أحد الأبناء، واسمه ناصر، أما الابن الآخر مجدي فما زال مطلوبا، عائلة مناضلة من نشطاء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. الآن يمكنك أن ترى راية حمراء كبيرة فوق الأنقاض، وهي راية الجبهة الشعبية، مُحتجة أمام العالم كله الذي لم يُبد أي اهتمام بالامر. على مسافة غير بعيدة من هناك، في طرف سلسلة البيوت المتتابعة، قُتل الجندي بنتسيون هينمان في تبادل لاطلاق النار حدث هنا قبل عشرة ايام. في داخل المخيم قُتل حينئذ الفتى محمد خالد ابن الـ 17 عاما وأديب سليم (38 عاما)، بائع الترمس العاجز في نصف جسمه الأيمن. أديب سقط وهو ينزف تحت لافتة التخليد التي تحمل اسم شقيقه جمال الناشط في صفوف "حماس" والذي تمت تصفيته هنا بصاروخ في العام 2001. الجيش الاسرائيلي يدعي أن أديب المشلول كان مسلحا، مؤكدا موقفه هذا من خلال إبراز حقيقة أن شقيقه "مخرب" كنوع من الدليل على صحة موقفه.
هذه كانت عملية ناجحة: الجيش الاسرائيلي منع عملية انتحارية مخيفة كان بعض مخططيها هنا بين أزقة مخيم عين بيت الما في المنحدرات الغربية لنابلس. لا يختلف أحد مع الحاجة لشن مثل هذه العملية التي منعت اعمال القتل. ايضا حقيقة أن فلسطينيين اثنين قد قُتلا خلال ايام العملية الثلاثة (لم يطلقوا على العملية اسما كما جرت عادة الجيش) تشير الى وجود حذر وحيطة لدى الجنود.
لهذا السبب تحديدا يتوجب أن نسأل: لماذا تدمير المنزل؟ لماذا كان من الواجب تدمير حياة 11 عائلة؟ بماذا يخدم ذلك أمن اسرائيل، حتى اذا أطلق الجيش على ذلك البيت المشترك اسم "موقع قتالي"؟ متى سنشفى ونُفطم من هذه الوسيلة الاجرامية العدمية المتمثلة بهدم منازل الأبرياء؟ هل تكفي حقيقة أن قائد الجبهة الشعبية في المخيم يقطن في المنزل، من اجل تدمير خمسة طوابق؟ متى سيتعلم الجيش الاسرائيلي انه من بين هذه الانقاض بالتحديد سيتنامى "المخربون" القادمون ويظهرون؟ أولن يصاب الطفل الذي يبحث عن دراجته الهوائية بين أنقاض منزله بنوازع الانتقام وهو يشاهد عالمه مدمرا أمامه؟ اذا كان أحد ما يريد التعرف على "البنية التحتية للارهاب" الحقيقية فهو مدعو للتوجه الى نابلس ومشاهدة أنقاض المنزل في أطراف مخيم عين بيت الما.
ü مراسل مختص في حقوق الانسان.