الاختيار الانتخابي الصائب
توماس فريدمان - نيويورك تايمز
الشيء الذي يلفت نظري بشدة عشية الانتخابات الحالية، هو أنني لا أستطيع أن أتذكر حملة انتخابية سابقة، كانت على هذا النحو من الانفصال عن طبيعة تحديات الحكم الحقيقية، التي ستواجه الفائز في تلك الانتخابات في اليوم التالي لبدء ولايته. فعندما بدأت الحملة الانتخابية للمرشحين منذ عامين، كان الموضوع المهيمن هو كيف... وإلى أي مدى يمكننا الاستمرار في عملية بناء الأمم في العراق؟ أما الآن والحملة تطوي أوراقها، فالموضوع المهيمن بات هو كيف... وبأي تضحيات يمكننا إنجاز عملية بناء الأمم هنا في أميركا؟
لسوء الحظ، لم يكن بإمكانكم معرفة ذلك من خلال المناظرات الرئاسية، إذ أن مشاهدة تلك المناظرات في سياق انهيار النظام المالي، كان أشبه ما يكون بمشاهدة عرض للعبة يتم فيها حجز المتنافسين الاثنين في مقصورتين لا ينفذ إليهما الصوت موضوعتين بعيداً عن المسرح ثم إخراجهما فجأة ومطالبتهما بالحديث للجمهور دون أن يكون لديهما أدنى فكرة عن سياق الموضوع.
منذ المناظرة الأخيرة، كشف جون ماكين وباراك أوباما عن بعض الأفكار العريضة حول الكيفية التي يمكن بها استعادة العافية الاقتصادية للأمة، هدفا من خلالها إلى مواصلة الإيحاء بأن تلك العملية ستكون بلا ألم. هكذا سمعنا ماكين يقول إن خفض الضرائب كفيل بإنقاذ الموقف، وسمعنا أوباما يقول إن الأغنياء وحدهم هم الذين يجب أن يدفعوا ضرائب لإنقاذنا من الهوة التي تردينا فيها.
الاثنان في نظري ليسا على صواب.. لأننا جميعاً سنضطر رغما عنا لدفع نصيبنا من التكلفة، وهو ما يرجع إلى حقيقة أن هذا الانهيار المالي يأتي في سياق ما يمكن اعتباره" أكبر عملية نقل للثروة منذ أيام الثورة البلشفية في روسيا"، هذا ما يقوله "مايكل ماندلباوم" مؤلف كتاب "السمعة الطيبة للديمقراطية".
في عهد إدارة بوش وضعت أميركا على كاهل إجيال المستقبل -رغماً عنها ودون أن تدري- عبئاً مالياً ضخماً من أجل تمويل برنامج تخفيض الضرائب، والإنفاق على حروبها، والآن من أجل الإنفاق على خطة الإنقاذ المالي لنظامها المصرفي. إن دفع هذه الديون في حد ذاته سيتطلب من تلك الأجيال تضحيات جسيمة، ولو أضفنا إلى ذلك كم التدمير الذي لحق بثروتنا الوطنية خلال الشهرين الماضيين، وحاجتنا إلى مزيد من خط الإنقاذ، فسندرك أن هذه العملية لن تكون خالية أبداً من الألم.
وليس هذا هو الدين الوحيد الذي تتركه إدارة بوش على كاهلنا، حيث أبت هذه الإدارة أن ترحل دون أن تترك دينا آخر يتعلق بأمنا الطبيعة. فخلال الفترة التي قضتها هذه الإدارة في الحكم، والتي استمرت ثمانية أعوام، أضفنا أطناناً من ثاني أكسيد الكربون إلى الفضاء، دون أن نبذل من جانبنا أي جهد لتخفيف آثاره. نتيجة لذلك، فإن إبطاء التغير المناخي خلال السنوات الثماني القادمة سيتطلب منا مواجهة تحديات أكبر بكثير من تلك التي واجهناها من قبل، كما سيتطلب منا استثمارات هائلة في مجال الاستخدام الأمثل للطاقة.
ونظراً لأنه من غير المسموح لكتاب الأعمدة في "نيويورك تايمز" بتأييد مرشح (رسمياً) دون آخر، ونظراً لأن سياق الحملة الانتخابية الحالية قد تغير كثيراً عن السياق الذي بدأ به وخصوصاً من ناحية المكانة السياسية للمرشحين، فإن كل ما استطيع اقتراحه عليكم هو أن تمنحوا أصواتكم للمرشح الذي تتوافر فيه الصفات التالية: الصفة الأولى، أن يكون قادراً على الحديث باللغة الإنجليزية بطريقة صحيحة، ولديه القدرة على تفكيك وتحليل المسائل المعقدة، والتعبير عنها بطريقة تساعد الأميركيين على إجراء اختيارات سليمة. لقد دفعنا ثمناً باهظاً للغاية، لأن رئيسنا لم يكن قادراً على أن يشرح لنا بإنجليزية سليمة ما يحدث من حولنا، ولا أن يطمئننا، ونحن نرى الأشياء تتهاوى من حولنا خلال الانهيار المالي الأخير. لقد أضعنا وقتاً طويلا للغاية، ونحن نحاول أن نقنع أنفسنا بأننا قادرون على معاقبة "وول ستريت" دون أن نعاقب "الشارع العام" في نفس الوقت، في حين أن الشارعين متداخلان في الحقيقة. الصفة الثانية، أن تكون لديه القدرة على بث الإلهام وشحن الطاقة في نفوس شعبه، وتوحيده خلال عملية الإنقاذ التي ستكون مرهقة للغاية، والتي يجب أن نعرف جميعاً أننا سنكون مضطرين خلالها لمنح الحكومة مزيداً من الأموال والحصول منها على قدر أقل من الخدمات. الثالثة، أن تتوافر لديه القدرة على إقناع العالم بالوقوف معنا؛ فنحن لا نستطيع الخروج من أزمتنا الحالية ما لم تبدأ الصين في زيادة استهلاكها، ومالم تبدأ أوروبا في تخفيض أسعار الفائدة في مصارفها، لأن العالم مرتبط ببعضه ارتباطاً وثيقاً، ولا يزال ينظر إلى أميركا كي يعرف ماذا ستفعل.
الخلاصة هي أنني أرجوكم جميعاً أن تعطوا أصواتكم للمرشح الذي تشعرون أنه قريب منكم وأنكم تستطيعون أن تجلسوا معه دون تكلف، والذي يمتلك الذكاء وسلامة الطبع والإلهام، بما يمكنه من توحيد الأمة وتوجيه سفينتها وسط أنواء عاتية لم تعرف أجيالنا مثيلا لها. وإذا ما فعلتم ذلك، فتأكدوا أن أطفالكم سوف يشكرونكم على حسن اختياركم.
كاتب ومحلل سياسي أميركي
عن الاتحاد الاماراتية
توماس فريدمان - نيويورك تايمز
الشيء الذي يلفت نظري بشدة عشية الانتخابات الحالية، هو أنني لا أستطيع أن أتذكر حملة انتخابية سابقة، كانت على هذا النحو من الانفصال عن طبيعة تحديات الحكم الحقيقية، التي ستواجه الفائز في تلك الانتخابات في اليوم التالي لبدء ولايته. فعندما بدأت الحملة الانتخابية للمرشحين منذ عامين، كان الموضوع المهيمن هو كيف... وإلى أي مدى يمكننا الاستمرار في عملية بناء الأمم في العراق؟ أما الآن والحملة تطوي أوراقها، فالموضوع المهيمن بات هو كيف... وبأي تضحيات يمكننا إنجاز عملية بناء الأمم هنا في أميركا؟
لسوء الحظ، لم يكن بإمكانكم معرفة ذلك من خلال المناظرات الرئاسية، إذ أن مشاهدة تلك المناظرات في سياق انهيار النظام المالي، كان أشبه ما يكون بمشاهدة عرض للعبة يتم فيها حجز المتنافسين الاثنين في مقصورتين لا ينفذ إليهما الصوت موضوعتين بعيداً عن المسرح ثم إخراجهما فجأة ومطالبتهما بالحديث للجمهور دون أن يكون لديهما أدنى فكرة عن سياق الموضوع.
منذ المناظرة الأخيرة، كشف جون ماكين وباراك أوباما عن بعض الأفكار العريضة حول الكيفية التي يمكن بها استعادة العافية الاقتصادية للأمة، هدفا من خلالها إلى مواصلة الإيحاء بأن تلك العملية ستكون بلا ألم. هكذا سمعنا ماكين يقول إن خفض الضرائب كفيل بإنقاذ الموقف، وسمعنا أوباما يقول إن الأغنياء وحدهم هم الذين يجب أن يدفعوا ضرائب لإنقاذنا من الهوة التي تردينا فيها.
الاثنان في نظري ليسا على صواب.. لأننا جميعاً سنضطر رغما عنا لدفع نصيبنا من التكلفة، وهو ما يرجع إلى حقيقة أن هذا الانهيار المالي يأتي في سياق ما يمكن اعتباره" أكبر عملية نقل للثروة منذ أيام الثورة البلشفية في روسيا"، هذا ما يقوله "مايكل ماندلباوم" مؤلف كتاب "السمعة الطيبة للديمقراطية".
في عهد إدارة بوش وضعت أميركا على كاهل إجيال المستقبل -رغماً عنها ودون أن تدري- عبئاً مالياً ضخماً من أجل تمويل برنامج تخفيض الضرائب، والإنفاق على حروبها، والآن من أجل الإنفاق على خطة الإنقاذ المالي لنظامها المصرفي. إن دفع هذه الديون في حد ذاته سيتطلب من تلك الأجيال تضحيات جسيمة، ولو أضفنا إلى ذلك كم التدمير الذي لحق بثروتنا الوطنية خلال الشهرين الماضيين، وحاجتنا إلى مزيد من خط الإنقاذ، فسندرك أن هذه العملية لن تكون خالية أبداً من الألم.
وليس هذا هو الدين الوحيد الذي تتركه إدارة بوش على كاهلنا، حيث أبت هذه الإدارة أن ترحل دون أن تترك دينا آخر يتعلق بأمنا الطبيعة. فخلال الفترة التي قضتها هذه الإدارة في الحكم، والتي استمرت ثمانية أعوام، أضفنا أطناناً من ثاني أكسيد الكربون إلى الفضاء، دون أن نبذل من جانبنا أي جهد لتخفيف آثاره. نتيجة لذلك، فإن إبطاء التغير المناخي خلال السنوات الثماني القادمة سيتطلب منا مواجهة تحديات أكبر بكثير من تلك التي واجهناها من قبل، كما سيتطلب منا استثمارات هائلة في مجال الاستخدام الأمثل للطاقة.
ونظراً لأنه من غير المسموح لكتاب الأعمدة في "نيويورك تايمز" بتأييد مرشح (رسمياً) دون آخر، ونظراً لأن سياق الحملة الانتخابية الحالية قد تغير كثيراً عن السياق الذي بدأ به وخصوصاً من ناحية المكانة السياسية للمرشحين، فإن كل ما استطيع اقتراحه عليكم هو أن تمنحوا أصواتكم للمرشح الذي تتوافر فيه الصفات التالية: الصفة الأولى، أن يكون قادراً على الحديث باللغة الإنجليزية بطريقة صحيحة، ولديه القدرة على تفكيك وتحليل المسائل المعقدة، والتعبير عنها بطريقة تساعد الأميركيين على إجراء اختيارات سليمة. لقد دفعنا ثمناً باهظاً للغاية، لأن رئيسنا لم يكن قادراً على أن يشرح لنا بإنجليزية سليمة ما يحدث من حولنا، ولا أن يطمئننا، ونحن نرى الأشياء تتهاوى من حولنا خلال الانهيار المالي الأخير. لقد أضعنا وقتاً طويلا للغاية، ونحن نحاول أن نقنع أنفسنا بأننا قادرون على معاقبة "وول ستريت" دون أن نعاقب "الشارع العام" في نفس الوقت، في حين أن الشارعين متداخلان في الحقيقة. الصفة الثانية، أن تكون لديه القدرة على بث الإلهام وشحن الطاقة في نفوس شعبه، وتوحيده خلال عملية الإنقاذ التي ستكون مرهقة للغاية، والتي يجب أن نعرف جميعاً أننا سنكون مضطرين خلالها لمنح الحكومة مزيداً من الأموال والحصول منها على قدر أقل من الخدمات. الثالثة، أن تتوافر لديه القدرة على إقناع العالم بالوقوف معنا؛ فنحن لا نستطيع الخروج من أزمتنا الحالية ما لم تبدأ الصين في زيادة استهلاكها، ومالم تبدأ أوروبا في تخفيض أسعار الفائدة في مصارفها، لأن العالم مرتبط ببعضه ارتباطاً وثيقاً، ولا يزال ينظر إلى أميركا كي يعرف ماذا ستفعل.
الخلاصة هي أنني أرجوكم جميعاً أن تعطوا أصواتكم للمرشح الذي تشعرون أنه قريب منكم وأنكم تستطيعون أن تجلسوا معه دون تكلف، والذي يمتلك الذكاء وسلامة الطبع والإلهام، بما يمكنه من توحيد الأمة وتوجيه سفينتها وسط أنواء عاتية لم تعرف أجيالنا مثيلا لها. وإذا ما فعلتم ذلك، فتأكدوا أن أطفالكم سوف يشكرونكم على حسن اختياركم.
كاتب ومحلل سياسي أميركي
عن الاتحاد الاماراتية