فرانكلين ديلانو أوباما؟
في عموده الافتتاحي بصحيفة نيويورك تايمز والذي عنون له بـ "فرانكلين ديلانو أوباما؟"، تساءل بول كروغمان عن حجم التوجيه الذي يمكن أن تقدمه حقبة الرئيس الأسبق فرانكلين ديلانو روزفلت فعلا لعالم اليوم.
وأجاب بأن هناك الكثير. لكن ينبغي على باراك أوباما أن يتعلم من أخطاء روزفلت وإنجازاته أيضا. والحقيقة هي أن "الصقفة الجديدة" -إشارة إلى فترة الثلاثينيات إبان حكم روزفلت التي جرى فيها تطوير برامج وسياسات تعزيز الانتعاش الاقتصادي والإصلاح الاجتماعي- لم تكن بقدر نجاحها على المدى القصير كما كانت على المدى البعيد. والسبب في نجاح روزفلت المحدود على المدى القصير، الذي كاد أن يصيب كل برنامجه بكارثة، كان حقيقة أن سياساته الاقتصادية كانت حذرة أكثر مما ينبغي.
أما عن إنجازات "الصفقة الجديدة" على المدى البعيد، فإن المؤسسات التي شيدها روزفلت قد أثبتت أنها متينة وضرورية. وبالفعل ستظل تلك المؤسسات قاعدة الاستقرار الاقتصادي لأمتنا. وتخيل مدى السوء الذي كانت ستؤول إليه الأزمة المالية إذا لم تكن "الصفقة الجديدة" قد أمنت معظم ودائع البنوك. وتخيل مدى عدم الاستقرار الذي كان سيشعر به الأميركيون من كبار السن حاليا إذا تمكن الجمهوريون من تجريد التأمين الاجتماعي من وسائل دفاعه.
وتساءل كروغمان هل يستطيع أوباما إنجاز شيء مماثل؟ وقال إن التقدميين يأملون من إدراة أوباما، مثل "الصفقة الجديدة، أن تستجيب للأزمة المالية والاقتصادية الحالية بتشكيل مؤسسات، خاصة نظام رعاية صحية شاملا، تعمل على تغيير شكل المجتمع الأميركي لأجيال قادمة.
لكن على الإدارة الجديدة أن تحاول ألا تحاكي جانبا أقل نجاحا من "الصفقة الجديدة"، فهذا رد غير كاف على الكساد الكبير.
وأشار كروغمان إلى وجود صناعة فكرية كاملة الآن، تدار في الأساس من قبل مفكرين يمينيين، مكرسة لنشر فكرة أن روزفلت هو الذي جعل فعلا الكساد سيئا. لذا فمن المهم معرفة أن معظم ما نسمعه عبر تلك القنوات مبني على تشويه متعمد للحقائق. فـ"الصفقة الجديدة" جلبت ارتياحا حقيقيا لمعظم الأميركيين.
وأضاف أن روزفلت، في الواقع، لم يتمكن من توجيه انتعاش اقتصادي كامل في ولايتي حكمه. وهذا الإخفاق غالبا ما يورد كدليل ضد نظرية كينز الاقتصادية -التي تنص على أن التدخل الحكومي السريع في السوق والسياسة النقدية هو أفضل وسيلة لضمان النمو والاستقرار الاقتصادي- القائلة بأن زيادة الإنفاق العام يمكن أن يحرك الاقتصاد المتباطئ. لكن الدراسة الحاسمة للسياسة المالية في الثلاثينيات، التي أجراها الخبير الاقتصادي إي كاري براون، توصلت إلى نتيجة مختلفة تماما، وهي أن الحافز المالي كان غير ناجح "ليس لأنه لا ينفع، ولكن لأنه لم يُجرب".
"
فرص أوباما لعقد صفقة جديدة تعتمد إلى حد كبير على ما إذا كانت خططه الاقتصادية القصيرة المدى جرئية بما يكفي, وليس أمام التقدميين إلا الأمل في أن لديه الجرأة اللازمة لذلك
"
وقال كروغمان إن الأمر قد يبدو صعب التصديق. فقد وضعت "الصفقة الجديدة" الشهيرة ملايين الأميركيين على كشوف الأجور العامة عبر برنامجي "إدارة تقدم الأشغال" و"هيئة الصيانة المدنية". وحتى يومنا هذا ما زلنا نسير على الطرق التي شيدتها إدارة تقدم الأشغال وما زلنا نرسل أطفالنا إلى المدارس التي بنتها إدارة تقدم الأشغال. وتساءل كروغمان ألم ترق كل هذه الأشغال العامة إلى مستوى الحافز المالي؟
وأشار كروغمان إلى أن آثار نفقات الأشغال العامة الفدرالية تم تعويضها إلى حد كبير عن طريق عوامل أخرى، كالزيادة الضريبية الكبيرة التي سنها هيربرت هوفر ولم يشعر أحد بآثارها الكاملة حتى تولى خليفته منصبه.
كذلك فإن السياسة التوسعية على المستوى الفدرالي أُضعفت بسبب تخفيضات الإنفاق والزيادات الضريبية على مستوى الدولة والمستوى المحلي.
ولم يكن روزفلت رافضا لمتابعة توسع مالي شامل، فقد كان شغوفا للعودة إلى مبادئ الموازنة المحافظة. وهذا الشغف كاد أن يدمر ميراثه. إذ إنه بعد الفوز الساحق في انتخابات 1936 خفضت إدارة روزفلت الإنفاق وزادت الضرائب، ما عجل بانتكاسة اقتصادية أعادت معدل البطالة إلى الأرقام الزوجية وأدت إلى هزيمة نكراء في انتخابات نصف الفترة عام 1938.
وقال كروغمان إن ما أنقذ الاقتصاد و"الصفقة الجديدة" كان مشروع الأشغال العامة الضخم المعروف بـ"الحرب العالمية الثانية" الذي وفر في النهاية حافزا ماليا كافيا لاحتياجات الاقتصاد.
وأضاف كروغمان أن هذا التاريخ يقدم دروسا مفيدة للإدارة الجديدة:
فالدرس السياسي هنا هو أن العثرات الاقتصادية يمكن أن تقوض بسرعة التفويض الانتخابي. فقد فاز الديمقراطيون فوزا كبيرا الأسبوع الماضي، لكن فوزهم كان أكبر عام 1936 ليروا فقط مكاسبهم تتبخر بعد ركود 1937-1938. والأميركيون لا يتوقعون نتائج اقتصادية عاجلة من الإدارة القادمة، لكنهم يتوقعون نتائج، وستكون بهجة الديمقراطيين قصيرة الأجل إذا لم يقدموا انتعاشا اقتصاديا.
أما الدرس الاقتصادي فهو أهمية القيام بما يكفي. فقد ظن روزفلت أنه كان حكيما بكبح خططه للإنفاق. وفي الواقع، كان روزفلت يخاطر كثيرا بالاقتصاد وبتراثه. ونصيحتي لفريق أوباما هي التفكير في حجم المساعدة التي يعتقدون أن الاقتصاد بحاجة إليها، ثم نضيف 50%. ومن الأفضل كثيرا، في حالة الاقتصاد الكاسد، أن نخطئ في جانب الحافز الأكثر مما ينبغي على أن نخطئ في جانب الحافز الأقل مما ينبغي.
وختم كروغمان بأن فرص أوباما لعقد صفقة جديدة تعتمد إلى حد كبير على ما إذا كانت خططه الاقتصادية القصيرة المدى جرئية بما يكفي. وليس أمام التقدميين إلا الأمل في أن لديه الجرأة اللازمة لذلك.
المصدر: الصحافة الأميركية