بيرلستين: الأزمة المالية وسبل الخروج منها
في ظل الأزمة المالية العالمية الراهنة، نشرت واشنطن بوست مقالا لمحررها الاقتصادي ستيفن بيرلستين، وضح فيه أننا (الأميركيين) "نعيش فوق إمكاناتنا، وأن سبل الإنقاذ تعتمد علينا، وليس على أوباما وحده".
ويستهل بيرلستين مقاله بأن بنك غولدمان ساكس استغى عن خدمات ثلاثة آلاف وثلاثمائة من موظفيه، فضلا عن تسجيله أول خسارة ربع سنوية قبل أن يتحول إلى شركة عامة.
ويشير إلى أن ستاربكس سجلت خسارة مالية في الربع الأول، في حين طلبت شركة جنرال موتورز من واشنطن مساعدات مالية عاجلة، التي بدونها قد تتعرض للانهيار، وتشهد شركة كي كي آر المالية (كولبيرغ كرافيس روبرتس) صعوبات في بيع الأسهم للمستثمرين.
ويضيف أن الميزانية الفدرالية تعاني عجزا ماليا يقارب تريليون دولار، ويجادل خبراء اقتصاد جادون أن الرقم قابل للزيادة.
كما تسعى روسيا الغنية بالنفط جاهدة للدفاع عن قيمة عملتها، وكذلك قامت دبي الغنية بالنفط أيضا بخطوات لإنقاذ بنوكها، وأما بكين فتعبر عن قلقها تجاه الانكماش الاقتصادي، ما حدا بها لإطلاق حزمة من المحفزات المالية تعادل 15% من الناتج الاقتصادي السنوي للصين.
ويضيف بيرلستين أن الأوضاع الاقتصادية سيئة للغاية، لدرجة أن نادي يلوستون -وهو منتجع خاص لألعاب الغولف والتزحلق في مونتانا، وقيمة المشاركة فيه تبدأ بخمسة ملايين دولار- قد تقدم بطلب لإعلان إفلاسه.
ويعبر عن دهشته من السرعة التي تدهورت فيها الأمور، مضيفا أنه قبل أشهر قليلة كان التضخم فقط هو مصدر القلق، وكان بعض المحللين يرون أن بإمكان الاقتصاد الأميركي تجنب الوقوع في حالة الركود، لكن الخوف الآن هو من انكماش وركود اقتصادي على مستوى العالم.
وعندما نعتقد أننا تمكنا من إنقاذ شركة هنا أو تسببنا في استقرار سوق مالي هناك، فإننا نفاجأ ببعض الشركات تطلب مزيدا من الدفعات المالية ومزيدا من الاهتمام.
"
الأميركيون بحاجة ماسة لشخص يمكنه وقف نزيف فقدان الوظائف، ويقول كلمته بشأن أزمة الرهن العقاري، وينظر في الوضع البائس للمتقاعدين
"
وعند انتخاب رئيس جديد ترتفع وتيرة الحديث عن التوقعات التي يمكن له إنجازها، وهذا ينطبق على الأميركيين الذين هم بحاجة ماسة لشخص يمكنه وقف نزيف فقدان الوظائف، ويقول كلمته بشأن أزمة الرهن العقاري، وينظر في الوضع البائس للمتقاعدين.
هذا بالإضافة إلى الضغط المتزايد على الرئيس المنتخب من طرف الشعب ووسائل الإعلام والكونغرس وحتى من قادة العالم الآخرين، التي تحثه جميعها للتحرك بسرعة لإصلاح حال الاقتصاد الأميركي بشكل حاسم.
ويضيف الكاتب أنه حتى لرئيس ناشط مثل أوباما، فهناك حدود لما يمكن أن يفعله أو تقوم به الحكومة.
كما يرجع بيرلستين أسباب ما سماه "الفوضى" أو الأزمة المالية إلى أن الأميركيين بمجملهم يعيشون فوق مستوى إمكاناتهم، ويستهلكون أكثر مما ينتجون، ويستثمرون أكثر مما يوفرون.
ويعيد الكاتب الفضل إلى الشركاء التجاريين والمستثمرين الأجانب الذين كانوا سعداء للغاية لإقراض الأميركيين الكثير من الأموال بمعدلات فائدة منخفضة.
والآن بعد أن انفجرت فقاعة الائتمان، وانفض الطابق، فليس أمام الأميركيين من خيار سوى اتباع تسوية مؤلمة لإعادة الأمور إلى نصابها.
وذلك يعني أن على الأميركيين أن يرشدوا إنفاقهم ويزيدوا من نسبة توفيرهم، وبلغة أخرى، فالأميركيون مخيرون بين قيامهم بدفع ضرائب أعلى أو بتقليل مستوى الفوائد والخدمات التي يطلبونها من الحكومة، كما يرى بيرلستين.
كما يعني ذلك أيضا تخفيض مستوى أسعار المنازل كي يتمكن ساكنوها من تدبر أمرهم، وكذلك قيام الشركات بتقليص عملياتها، لينعكس ذلك في انخفاض مستوى الانخفاض الاستهلاكي.
ويعول معظم خبراء الاقتصاد على الحكومة في لعب دور هام في إدارة تلك التسوية المؤلمة، لمنع الأسواق المالية من أن تصبح خارج السيطرة، أو أن يتحول الانكماش الضروري إلى ركود اقتصادي طويل المدى.
وغالبية الأميركيين يتطلعون لأن تتخذ الحكومة خطوات بحيث تكون آلام التسوية مشتركة وعادلة، مع التأكيد على حماية الفقراء والمعوزين.
لكن يبدو أن أوباما سرعان ما اكتشف ضآلة مستوى توافق الآراء بشأن الشكل الذي تكون عليه التسوية العادلة والمنصفة.
إذا استخدمت الأموال الحكومية لإنقاذ البنوك وشركات وول ستريت الاستثمارية، بدعوى أن فشلها سيؤدي إلى أضرار فادحة للاقتصاد بمجمله.
فحري بالحكومة اتباع نفس الخطوة تجاه شركات صناعة السيارات المتعثرة في ديترويت، وتجاه ملايين عمال الصناعة والمتقاعدين الذين يعتمدون في حياتهم على استمرار عمل تلك الشركات.
ويتساءل الكاتب إذا ما زودت الحكومة شركات صناعة السيارات بالمال، فهل ستطلب منهم التعهد بعدم تسريح المزيد من العمال، كما اقترح بعضهم؟
أم هل ينبغي أن تطلب الحكومة من المساهمين والدائنين، والمتقاعدين، والعاملين القيام بالتضحيات الضرورية لضمان استعادة الأموال، بحيث تظهر تلك الشركات رابحة ومنافسة وكأنها مولودة مجددا؟
"
على الحكومة إدارة التسوية المؤلمة، كي لا يتحول الانكماش الضروري إلى ركود اقتصادي طويل المدى
"
لكن في المقابل، لماذا ينبغي على الحكومة إنقاذ قطاع صناعة السيارات، في حين نراها -أي الحكومة- لا تحرك ساكنا تجاه حماية وظائف تسعة آلاف وخمسمائة الذين أعلنت شركة دي إتش إل الألمانية عن تسريحهم الأسبوع الماضي، أم الألف وثلاثمائة عامل الذين هم على وشك التسريح في شركة نورتل (إحدى كبريات الشركات المعنية بصناعة أجهزة الاتصالات)، وغيرهم من آلاف العمال في قطاعات أخرى؟
ويقترح الكاتب منح أولوية لحل أزمة الرهن العقاري، ذلك بتخفيض الأقساط الشهرية كي يتمكن مالكو العقارات من القيام بدفعها، وإن كانت المشكلة ستنشأ حول كيفية توزيع التخفيضات المالية بين المقرض الأصلي والمستثمر والحكومة ومالك العقار.
ويختتم الكاتب بالقول إنه لن يمر وقت طويل حتى يعرف أوباما بأنه حتى الحكومة الفدرالية، بما لديها من قدرة لا تضاهي اقتراض وإنفاق مبالغ هائلة، لا يمكنها إنقاذ كل صناعة رئيسية، أو إنقاذ أو استبدال كل وظيفة، أو التعويض عن كل خفض للميزانية.
ويضيف كلما اتفق أوباما معنا بشأن تلك المحددات، وبشأن مستوى التضحيات المشتركة الضرورية، كلما كان قادرا على بناء الثقة في قيادته واستعادة الثقة في المستقبل الاقتصادي.
المصدر: واشنطن بوست