التلاعب بالدين ... والفتاوى المدمرة!!!
محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة
[email protected]
حين نقول (التلاعب بالدين)،فنحن نقصد نتائج بعض الفتاوى "الشاذة" – أو المدمرة – لعل السيئة الرئيسة تكمن في دخول الفضائيات على الخط،ودورها في (إشاعة الفتاوى)،ثم جاء دور المواقع الإلكترونية لتصب الزيت على النار. ونحن نسمي ذلك (سيئة أولى) لأن تلك الفتاوى – مهما بلغت من الشذوذ – لو أُفتي بها (مستفتي واحد)،ولو أن الخلاف حولها ظل في مكانه الطبيعي (الكتب) أو (قاعات الدرس)،لهان الأمر،ولظل خلافا فقهيا،يتفق معه البعض ويخالف آخرون,وقد تصل فتوى بعينها حد (الشذوذ)،ولكن الأمر يظل في إطاره الضيق،ولن يتجرأ الناس – من مثقفين،وأنصاف مثقفين .. إلخ وهواة القراءة،والذين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء – على تحويل (حرام أو حلال) إلى (نكتة) ينعشون بها مجالسهم.
ليس الأمر من باب التوقعات,لكننا طالعنا – بعد الفتوى بجواز رضاعة الكبير،الفتوى الثانية 2010 – مجموعة من ردود الأفعال،نضعها في عدة أطر :
الإطار الأول : مجموعة من الرسوم الكاريكاتيرية،تسخر من الموضوع،مثل حوار يسال فيه صديق صديقه – متعجبا – عن كونه لا زال يبحث عن حليب (الخلفات) – النوق – والناس تشرب (حليب بنات)!!!! ورسم آخر تشكو فيه امرأة من سائقها الذي أرضعته،ثم رمى مفتاح السيارة،مطالبا بالمساواة مع إخوانه!!! وآخر رسم كاريكاتيرا يمثل وصول بضاعة جديدة من الملابس النسائية : ( وصلنا حديثا : عباية بفتحة للإرضاع)،وعلق من وزع الرسم بهذه العبارة : ( رقعها ي(اسم صاحب الفتوى). وفي نفس هذا الإطار، وعند صدور فتوى تجيز إرضاع الكبير – تلك التي صدرت سنة 2007 – لتتمكن الموظفة من إرضاع زميلها،لتلافي (الخلوة ) بين غير المحارم!!!!!!! هل هناك سخرية بالدين أكثر من هذا؟!! حين صدرت تلك الفتوى – في مصر – رأينا رسما في إحدى صحفنا المحلية،يمثل رجلا يقول لزوجته – بعد عودته من العمل – أنه لا يرغب في (الغداء)،فيكون ردها،أنها متأكدة من كونه (شبع) من رضاعة زميلته!!!!!!!
الإطار الثاني : مجموعة من المقالات التي تسخر من الفتوى،هناك من اقترح مشروعا للأداة التي تسحب الحليب من أثداء المرضعات!!!! وآخر اقترح مد (ليات) يكون طرف الواحد منها في فم (السائق) والآخر في ثدي المرضعة!!!
الإطار الثالث : الحوار الفقهي .. كان يمكن لذلك الحوار أن يكون مثل أي حوار فقهي،ولكن طبيعة الموضوع،وتوفر وسائل (تناقل) المعلومات – والقدرة على تحويل الأمور الجادة إلى مواد لإثارة الضحك – جعل الأمر يخرج عن إطاره الأصلي .. ومن هنا تتحول التفاصيل التي تعرض داخل الحوار إلى (مواد) تثير (السخرية) أو (الغضب)،مثل هذه المعلومات التي نقلها أحد المتحاورين :
( وليس في حديث إرضاع الكبير نكارة،ولا سيما على القول بأن الرضاعة المحرمة لا يلزم أن تكون بالتقام الثدي،ومص اللبن منه،وهو قول الجمهور (..) وعلى فرض أن الرضاعة المحرمة إنما تكون بالتقام الثدي،ومص اللبن منه،كما يقول أهل الظاهر،فلا يلزم من ذلك أن ينظر إلى الثدي،ولا أن يمس الثدي والبشرة إلا الحلمة بشفته،,هذا وإن كان مسا لعورة،ولا يؤمن معه من الشهوة إلا أنه يمكن أن يقال : إنه عفي عنه للحاجة (..) وحلمة الثدي ثؤلول داكن،وما حوله داكن كذلك،وإن كان بقية الثدي أبيض،فمص الربيب ونحوه – كاللقيط – اللبن منه من التغميض أو ستر ما عدا الحلمة واللعوة في حضور المحرم،ليس بالمنكر الذي لا يمكن أن تبيحه الحاجة؟! هذا فرض أن الرضاعة المحرمة إنما تكون بالتقام الثدي،ومص اللبن منه،كما تقدم،وإلا فالظاهر أن الرضاعة المحرمة لا يلمز أن تكون بالتقام الثدي،ومص اللبن منه){رسائل مجموعة الدكتور قاسم،الرسالة رقم (1521)}. وهذا الإطار أدى إلى :
الإطار الرابع : مقالات لنساء غاضبات،مثل (اغتصاب ثدي بذريعة فقهية)،للأستاذة سالمة الموشي. ونحن نفهم غضب الكاتبة،ولكن الخطأ في جعل الأمر وكأنه موجه للمرأة – من حيث هي امرأة – بينما الأمر ببساطة يتعلق بكون المرأة هي التي (تُرضع)،ولو كان الرجل هو الذي (يُرضع) لكانت كل تلك المقالات،والرسوم موجهة للرجل.
معظم هذه الكتابات – باستثناء الحوار الفقهي – والرسومات،كانت في الأصل،ردة فعل، وسخرية من فتوى إرضاع الكبير،وفي خضم ذلك تحول الدين،أي (الحلال والحرام) إلى مجال للسخرية،وأصبحت رخصة سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم - لحالة محددة مجالا للسخرية،والتنكيت،ولاشك أن ذلك مما يضعف مكانة الدين في النفوس.
قبل أن نختم نشير إلى إطار أخير هو (تنزيل) تلك الفتوى على أرض الواقع،حيث تناقلت المواقع قصة سائق عرض على سيدة يقوم بإيصالها لعملها،أن ترضعه،استنادا على الفتوى!!!!!! ثم يقول الخبر أنها حين غضبت قال أنه كان (يمزح)!! كما نقل أنها قد تتقدم بشكوى ضد السائق. لا أدري ما الذي حدث بعد ذلك،ولكنني أعلم أنني لو كنت قاضيا وعُرضت عليّ هذه الشكوى،فسوف أحكم فيها بالتالي : إن كان السائق (جادا) فلا شيء عليه – ويتحمل الشيخ الذي أفتى المسؤولية - فقد سمع فتوى من (شيخ معتبر) عبر (قناة معتبرة). وإن كان (مازحا)،فذلك العرض يدخل ضمن (التحرش). ولا يفوتني هنا أن أسجل (عجيبة) تضاف إلى أخواتها،فقد نقل عن صاحب الفتوى قوله أن فتوى إرضاع الكبير،لا تشمل (السائقين) أو العمالة!!!!!!!
يرى بعض أهل العلم أن إرضاع سالم مولى أبي حذيفة (حالة خاصة)،فأتي الشيخ المفتي فعممها .. ثم عاد فخصص الفتوى .. ربما للمواطنين فقط!!!!!!!!!!
بطبيعة الحال .. ليست المشكلة (الكبرى ) في وجود فتوى (شاذة)،بل في بثها عبر الفضاء .. وقد كان أحد شيوخنا كلما سئل عن (الطلاق) – البدعي – يقول أنا لا أفتي في هذه المسألة،اذهبوا إلى (المفتي العام) .. فهل يعجز من يفتي بــ(إرضاع الكبير) أو من أفتى امرأة – عبر إذاعة القرآن الكريم،وعلى الهواء – بجواز (ممارسة العادة السرية) – إن خشيت على نفسها من الزنا { وهذا بحر لا ساحل له!!! متى تخشى المرأة على نفسها من الزنا؟!! فهل يشترط لذلك أن تكون في مكان تختلط فيه بالرجل؟!! أم أنها قد تخشى على نفسها من الوقوع في الزنا،وهي تغلق على نفسها حجرة نومها؟!!! وما أثر ذلك على من لا تعلم أصلا بوجود شيء أمسه "ممارسة المرأة للعادة السرية"؟!!! مع التذكير بأن الفتوى عبر إذاعة القرآن الكريم!!} – أو من أفتى بجواز ترقيع غشاء البكارة .. هل عجز كل هؤلاء – وهم يعيشون "الواقع" – أن يفتوا بتلك الفتاوى في حدود حالاتها الضيقة،ودون تعميمها على الهواء؟!!!!!!!!!!!
طبعا الموضوع لم ينته،ولن ينتهي .. ولكن رجاءنا فقط أن يتجنب أصحاب تلك الفتاوى بثها على الهواء .. ما لم يكونوا يبحثون عن (الشهرة) والتي تأتي عبر الضجة التي تثار حولهم !!!!!!!! فيشغلون الناس عن ممارسة أعمالهم،أو متابعة حصار غزة،أو تذكر احتلال العراق – إذا كان لا يزال تحت الاحتلال!!!!!!-
وأخيرا : سبق لي أن كتبت كلمة تحت عنوان : (الفتاوى المدمرة) .. أضيفها هنا .. متسائلا : إلى أين تذهب بنا (الفتاوى )؟!!
الفتاوى المدمرة!!!
يهرع الناس، إلى طلب الفتوى من العلماء، استجابة لقول الحق سبحانه وتعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }النحل43.
أعلم أنني أتعرض لماوضيع فيها بعض الحساسية – خصوصا في موقع موجه للمرأة مثل "لها أون لاين" – ولكننا أمام واقع ومواضيع تنتشر على صفحات الجرائد الورقية،فضلا عن المواقع الإلكترونية،وقد أخذت الفتاوى منعطفا يدعوا للاستغراب، لا من التضارب الذي بينها فقط، بل من وجود فتاوى يبدو صاحبها وكأنه لا يدرك خطورة إشاعتها، حتى لو كانت صحيحة، ويكفي أن مجلة مثل مجلة (فواصل)، تساءلت عن إحدى تلك الفتاوى!! :
( هل هي دعوة للفساد والإفساد ... ؟! على ذمة مفتي مصر :
ترقيع " غشاء البكارة " حلال .. ومن حق المرأة أن تخفي ماضيها عن زوجها .. !!)
تفتتح المجلة تحقيقها، بهذه الافتتاحية ( المندهشة) :
( كثرت الشائعات في الآونة الأخيرة حول قيام بعض الأطباء الذين تخلوا عن ضميرهم المهني، بعمليات ترقيع لغشاء البكارة، بما يشكل خداعا للأزواج حتى أصبح الكثير من الشباب في حيرة من أمرهم عند اختيار شريكة حياته وزادت نسبة المضربين عن الزواج (..) وكان رد مفتي مصر الدكتور علي جمعة مخيبا للآمال حيث قال بالحرف الواحد : " من حق المرأة ألا تخبر زوجها بوجود علاقات سابقة لها مع آخرين{ يعني ليس آخر فقط .. يا فضيلة المفتي؟!!!!!!!!!!!!} قبله، كما أن من حقها أن تقوم بإجراء عمليات{ نرجو أن يكون استعمال الجمع ( آخرين، عمليات،علاقات)، نرجو أن يكون ذلك من أخطاء الطباعة!! } لترقيع غشاء البكارة التي تنتج عن هذه العلاقات دون أن يعلم الزوج بذلك" ){ مجلة فواصل العدد 174 في 15 / 1 / 2006م.}. لم تقتصر الدهشة على مجلة (فواصل) بل شاركتها جريدة ( الرياض)، تلك الدهشة، فنشرت تحقيقا جاء في حلقات ثلاث،ونشرت تحت عنوان : ( مسلسل الفتاوى المثيرة للجدل ما زال مستمرا : الخمر لعن الله عاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وشاربها وبائعها ومشتريها). كان هذا العنوان، ردا على فتوى لمفتى مصر، وقد جاء في مقدمة التحقيق :
( هجمت جيوش الفتوى على الناس من كل النوافذ والشقوق حتى صارت مع انتشار الفضائيات مادة للتسلية وحديثا في المقاهي والصالونات وموضوعا للجدل وأحيانا فخا لاصطياد رموز الإسلام دون الإلتفات إلى أهمية الفتوى وخطرها، وكاد يتحقق - هذه الأيام التي نعيشها – قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إن لله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العلماء ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) (..) لعل أبرز الفتاوى التي فجرت جدلا وخلافا بين المشائخ والناس تلك التي أصدرها الدكتور علي جمعة مفتي جمهورية مصر وأباحت بيع المسلم للخمر لغير المسلمين في دول غير إسلامية ..(..) لم تكن فتوى الدكتور علي جمعة في إباحة بيع الخمر الوحيدة المثيرة للجدل، بل إن فتوى فضيلته المتعلقة بغشاء البكارة أثارت العديد من علامات الاستفهام (..) أيضا الفتوى التي أجاز فيها الدكتور علي جمعة الزواج بشاهد واحد أثارت جدلا ليس فقط بين علماء الدين ولكن بين رجال القانون أيضا (..) فضيلة الدكتور علي جمعة قال : إن خدمة الزوج وإرضاع الأبناء ليس فرضا على المرأة ومن حقها أن تطالب بأجر مقابل ذلك. ومن حقها أيضا الامتناع عن خدمة زوجها وأولادها لأن الزوجة لا تتزوج لتصبح خادمة وإنما جاءت لمؤانسة زوجها، وعليه نفقتها (..) هناك فنوى أخرى (..) للشيخ عبد الحميد الأطرش فجرت جدلا كبيرا (..) والتي جاء فيها أنه يجوز للإنسان أن يبيع العنب لمن يعلم أنه يتخذه خمرا لأن المعصية لا تقوم بعين الموجود حالة البيع (..) أفتى الدكتور محمد رأفت عثمان (..) بجواز استخدام تقنيات الهندسة الوراثية لاختيار نوع الجنين ذكرا كان أو أنثى ..){ جريدة الرياض العدد 13934 في 24 / 7 / 1427هـ = 18 / 8 / 2006م.}. في الجزء الثاني، من التحقيق تمت الإشارة إلى بعض الفتاوى المثيرة للجدل : (رفض عدد من علماء الأزهر الفتوى الأخيرة التي صدرت عن (..) حسن الترابي، وأباح فيها زواج المسلمة من الرجل الكتابي، وإمامتها للرجال في الصلاة، ومساواة شهادتها بشهادة الرجل، وإنكاره للحور العين كخلق خاص، وإنكاره نزول سيدنا عيسى عليه السلام في آخر الزمان، واعتبر الحجاب للنساء، هو الستار، وهو الخمار، لتغطية الصدر وجزء من محاسن المرأة، ولا يعني تكميم النساء، ورأى الترابي، أن قوامة الرجال لا تعني أنهم أفضل من النساء ونبه إلا أن القوامة ليست في كل الأمور، بل تتعلق بالأمور الخاصة التي ليست من اختصاص المرأة، وهي من اختصاص الرجال مثل التجارة{ من قال أن التجارة من الأمور الخاصة بالرجال؟ ثم هل تؤم المرأة الرجال، مغطية بعض محاسنها، ثم لا تستطيع أن تتاجر معهم، أو بدونهم؟!!!!} (.. ) أما الفتوى التي أثارت الغضب والاستنكار بين المسلمين وعلماء الدين الإسلامي فقد أطلقتها الدكتور سعاد صالح عميد كلية الدراسات الإسلامية بالأزهر حين قالت أن الرجل لا يخرج من المنزل إلا بإذن زوجته ){ جريدة الرياض العدد 13941 في 1 / 8 / 1427هـ = 25 / 8 / 2006م.}. وفي الحلقة الثالثة تم رصد مزيد من الفتاوى، المثيرة للجدل :
( في برنامج تلفزيوني أطلق الدكتور رشاد حسن خليل عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، سابقا، فتوى أزعجت الشعوب الإسلامية حيث حرم أن يتجرد الزوجان تماما من الملابس أثناء الجماع، وجاء ذلك في رده على تساءل أحد المشاهدين عن موقف الشرع من تجرد الزوجين من ملابسهما أثناء المعاشرة، حيث قال : لا يجوز للزوجين التجرد التام من الملابس أثناء الجماع والمعاشرة لأن هذا حرام شرعا. ..){ جريدة الرياض العدد 13948 في 8 / 8 / 1427هـ = 1 / 9 / 2006م.}.
خارج نطاق الفتاوى التي اشتمل عليها التحقيق، حدثني أحد إخواننا أنه استمع، عبر إذاعة القرآن الكريم، إلى فتوى امرأة، سألت أحد المشائخ، عن حكم (ممارسة المرأة للعادة السرية)، فأجاز الشيخ ذلك إن ( خشيت على نفسها من الزنا).الملاحظة هنا ليست على الفتوى الشرعية،بقدر ما تتعلق الملاحظة بإعلان تلك الفتوى عبر الأثير!!!
لم يقتصر أمر الفتوى، على ( المعممين)، بل تم التساهل في الأمر، وتم تحويل بعض ما يتعلق بالحلال والحرام، إلى (العيادة الطبية)، فهذا( مستشار) لم تذكر الجريدة اسمه، يرد على :
( ع . م . مصر : لا داعي لتأنيب ضميرك أو الشعور بالذنب، فهذه الأشياء غير محرمة شرعا ... والقرآن الكريم يقول : " وأتوا حرثكم أنى شئتم إلا ما حرمه الله"{ صحة الآية : {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ }البقرة223}. وأنت لم تأت بمحرم، وهو ليس سببا في الأمراض طالما يحرص الزوجان على النظافة التامة.. لا داعي للشعور بالخجل){ جريدة الهدف العدد 1381 في 16 / 6 / 1415هـ = 19 / 11 / 1994م.}. إذا تجاوزنا مسالة، إصابة الفتوى للصواب، من عدمه - وتلك قضية متعلقة بالمختصين في العلم الشرعي – فإن ما يهمنا في الموضوع تلك البلبلة التي تحدثها، تلك الفتاوى، من جهة غرابتها، أو تضاربها، ويؤدي ذلك إلى صنع إشكالين رئيسين :
أولا : يبدو وكأن تلك الفتاوى ( تأصل) للشيء قبل حدوثه، فحين يفتي الدكتور علي جمعة، مثلا، بجواز ترقيع غشاء البكارة، وخصوصا حين يفعل ذلك (على الهواء مباشرة)، فكأنه يقدم ( الحل) قبل وقوع (المشكلة)!! الأثر الذي ( قد) تتركه مثل هذه الفتوى، في الوعي، أو في اللاوعي، أن حل فقدان العذرية، موجود، أولا، وجائز ثانيا، وهذا قد يعطي دافعا للوقوع في الخطيئة، عند إلحاح الغريزة.
ثانيا : هذا التضارب في الفتاوى، والذي يحدث حتى بين من ينتمون إلى مدرسة فقهية واحدة، شيخين حنبليين، في التلفاز السعودي، أو شيخين أزهريين ..الخ، هذا التضارب سوف يدفع المتلقين، في النهاية، إلى عدم ( المبالاة)! ومن ثم تخطي مسالة الحلال، والحرام.
في أمريكا ألف آلان بلوم، كتابا عنوانه : ( إغلاق العقل الأمريكي)، وقد ذكر الأستاذ مصطفى نبيل، في مقالة له،أن ذلك الكتاب : ( يدور حول معنى اللبرالية، الذي يقتصر عند البعض على فكرة، أن ألآراء المختلفة تتمتع بشرعية متساوية، مما أصاب العقل الأمريكي بأحد مرضين، فإما التسليم بالأفكار والنظريات المختلفة دون تمحيص، وإما معالجتها بعدم اكتراث متساويا مع غياب اليقين){ مجلة الهلال القاهرية عدد سبتمبر 1994م.}. إن أخشى ما نخشاه، أن تصاب عقول المشاهدين-والمستمعين- عندنا بــ(عدم اكتراث متساويا مع غياب اليقين). أقول المشاهدين – والمستمعين- لأن قضيتا كلها تدور في فلك ما يُعرض على القنوات المتلفزة – أو عبر أثير الإذاعة- والذي تتلقاه شريحة كبيرة من المشاهدين،و المستمعين، وهنا مكمن الخطورة، فلا شك أن الفرق جد كبير،بين اتصال شخص وقع - أو وقعت- في مشكلة، يبحث لها عن حل، أو يسأل عن حكمها الشرعي، فيحصل المتصل على جواب يخص مشكلته، فالرق كبير بين ذلك وبين متصل، أو متصلة، تستفتي على الهواء.
أطلت في الحديث عن (الفتوى)،وهو حديث من المفترض أنه على (الهامش)،ولكن بقيت جزئية صغيرة،متعلقة بــ(أدلجة الفتوى)،إن صح هذا التعبير،ومع الاعتذار للغة الضاد.
قبل عقد من الزمان، وحين تم تعيين الدكتور سيد طنطاوي،شيخا للأزهر، بعد أن كان مفتيا للجمهورية، والرجل، له فتاواه المشهورة، بشأن الربا، على كل حال عند تعيينه، كتب الأستاذ، حمدي رزق :
( قصة السيارة وقائدها، تصلح تفسيرا لعلاقة الشيخ المعمم ( 68 عاما) والذي يحمل الدكتوراه، بمحيطه الديني الجديد،{عين شيخا للأزهر بعد أن كان مفتيا للجمهورية} في المشيخة الأزهرية. فالمشيخة الأزهرية، كمدينة القاهرة بالضبط، تغلب عليها الروح الفسيفسائية، كل شيخ بفتوى، وكل فتوى تجد ما ينقضها من الكتاب والسنة{!!!}. بون شاسع بين الأضداد في قضية الحلال والحرام ومذاهب شتى (..) محايدون اعتبروا تعيينه مجرد غطاء شكلي لما تريده المؤسسة الرسمية من الأزهر في الفترة المقبلة وفتاويه(..) الإشكال الأزهري يمكن تجاوزه بمزيد من المساندة الحكومية التي يلقاها طنطاوي الذي سيتقاضى من الآن وصاعدا راتب رئيس وزراء. ولكن الإشكال السياسي هو الأصعب عبورا، إلى ما كتبه في أطروحته لنيل الدكتوراه عن ( بني إسرائيل في القرآن) وعندما سألته هل تود مراجعة ما ورد في ضوء ما أودرته من تصريحات حول استعدادك لزيارة القدس عبر الأراضي الفلسطينية، قال أنه لا يفكر في المراجعة لأنه ما زال عند رأيه العلمي في الرسالة، على أن ينظر إليها في سياقها ووقت كتابتها. أما رأيه الآن فيرتبط بتغيرات سياسية تعم العالم كله ولسنا معزولين عنها){ جريدة الحياة العدد 12103 في 26 / 11 / 1416هـ = 14 / 4 / 1996م.}.
السؤال الصغير،هذه المرة،هو إلا أي مدى يمكن للتغيرات السياسية- والعالم الذي لسنا معزولين عنه- أن تؤثر في الحكم الشرعي؟!!!