الطريق الطويل الى الديموقراطية في الخليج
فرانك جاردنر
مراسل بي بي سي للشؤون الأمنية
اذا خطر العالم العربي ببالك فلن تكون الانتخابات الحرة والنزيهة هي ما يتبادر الى ذهنك.
هذه هي احدى المناطق المتبقية في العالم التي لا زال الزعماء فيها يتشبثون بمناصبهم بعناد شديد.
غالبا ما يقتسم الزعماء السلطة مع أفراد عائلاتهم، ثم يورثونها لأبنائهم.
ففي السعودية مثلا جميع المناصب المهمة:الملك وولي العهد ووزير الدفاع ووزير الداخلية جميعها يحتلها أخوة من نفس العائلة.
وفي سوريا أيضا انتقل منصب رئاسة الجمهورية بهدوء من الأب الى الابن، أما في ليبيا ومصر فالزعماء مشغولون بدحض الاشاعات التي تتحدث عن حصول شيء مشابه .
حتى حين حصلت انتخابات فقد كانت نتيجتها بقاء رئيس يدعمه الجيش في السلطة بنسبة أصوات يدعي المسؤولون في البلد المعني أنها تجاوزت التسعين بالمئة. مجتمع قبلي
على الر غم من ان الانتخابات البلدية التي جرت في السعودية كانت "بداية واعدة" الا ان الكثيرين قاطعوها لأن نصف المناصب شغلت بالتعيين وليس بالانتخاب، وليس للمجالس المحلية سلطة قوية أصلا.
هذا قد يبدو ظلما وبعيدا عن الديموقراطية للبريطانيين مثلا، لكن الكثيرين ينسون ان بناء المؤسسات الديموقراطية في بريطانيا استغرق 800 سنة.
لم تكن النساء في بريطانيا يمتلكن حق التصويت الى ما قبل مئة عام خلت، ولم يكن من حقهن الترشح للانتخابات البرلمانية.
أما العالم العربي فمطلوب منه الانتقال من مجتمع رعوي، قبلي الى مرحلة الانسجام مع بقية العالم في القرن الواحد والعشرين خلال حقبة لا تتجاوز بضعة أجيال. حمى الانتخابات
قبل بضعة سنوات أتيحت لي الفرصة لأكون شاهدا على صعوبة الانتقال بين المراحل.
كانت دولة قطر الصغيرة تجري أول انتخابات بلدية لها.
فاجأ الأمير الدول المجاورة باصدار مرسوم يسمح للنساء بالانتخاب والترشح.
وبما أن قطر تتكون من مدينة واحدة هي الدوحة يقيم فيها معظم السكان، فان انتخاب أي شخص في المجلس البلدي يعني شيئا عظيما له.
ذهبت الى الدوحة لمشاهدة شيء شبيه بالحمى الانتخابية: ملصقات ضخمة لرجال تعلو الابتسامة وجوههم، وقد شذبت ذقونهم بعناية يرتدون الثوب التقليدي الأبيض "الدشداشة".
لم أجد اثرا لوجوه نسائية على الملصقات. بخور عماني
كان التصويت واجبا وطنيا.
ذهبت لاجراء مقابلة مع احدى المرشحات، التي كانت تضع غطاء رأس ينم عن تواضع لا يتلائم مع قوة شخصيتها وثقتها التي لا تتزعزع بالفوز.
عشية الانتخابات دعيت الى ما يشبه "تجمعا سياسيا".
خارج مكان يصعب وصفه جدرانه بلون الرمال اصطفت سيارات الجيب كيفما اتفق.
كان الوقت ليلا ولكن أطفالا صغارا كانوا لا يزالوا يلعبون بين السيارات دون أي اشراف من الكبار.
دخلت، ووجدتني في مكان يتصاعد فيه البخور باتجاه السقف من مشاعل نثرت على طول الغرفة.
كان مضيفنا وهو أحد المرشحين أيضا، مشغولا بدعوة ضيوفه الى مائدة العشاء.
لم توضع الأطعمة على طاولة، بل قرفص الجميع على الأرض كتفا الى كتف وأمامهم أطباق الطعام . خراف محشية
كانت هناك أطباق عامرة بما لذ وطاب: ورق العنب المحشي، أسياخ الكباب وقطع اللحم المشوي، بالاضافة الى صوان تزينها الخراف المحشية.
شمر الرجال عن أكمامهم وغاصوا في الملذات.
كانوا يشكلون كرات من الأرز اللزج بفعل الدهون، ثم يلقون بها في أفواههم.
لم يكن هناك حديث من أي نوع، كما لم تكن هناك أي بوادر لدعاية انتخابية.
كان المرشحون قد نشروا وعودهم ،والليلة كان المطلوب الاثبات ان هناك مرشحا كريما يستطيع أن يعد وليمة ضخمة كهذه، تزينها الخراف المحشية.
في اليوم التالي قابلت بعض النواب البريطانيين الذين جاؤوا لمراقبة الانتخابات.
كان انطباعهم ان الانتخابات كانت حرة ونزيهة، ولكن المرشحة التي ذكرتها انفا لم تكن سعيدة.
لقد كانت تحس بالعزلة وسط هذا العدد من الرجال، وحتى النساء تجاهلنها.
قالت شاكية: " هذا ليس عدلا، أوصى الرجال نساءهم وأخواتهم بعدم انتخابي". الديموقراطية في الخليج كما يبدو تبدأ في النمنزال، ولا زال أمامها شوط طويل لتقطعه.
موضوع من BBCArabic.com
فرانك جاردنر
مراسل بي بي سي للشؤون الأمنية
اذا خطر العالم العربي ببالك فلن تكون الانتخابات الحرة والنزيهة هي ما يتبادر الى ذهنك.
هذه هي احدى المناطق المتبقية في العالم التي لا زال الزعماء فيها يتشبثون بمناصبهم بعناد شديد.
غالبا ما يقتسم الزعماء السلطة مع أفراد عائلاتهم، ثم يورثونها لأبنائهم.
ففي السعودية مثلا جميع المناصب المهمة:الملك وولي العهد ووزير الدفاع ووزير الداخلية جميعها يحتلها أخوة من نفس العائلة.
وفي سوريا أيضا انتقل منصب رئاسة الجمهورية بهدوء من الأب الى الابن، أما في ليبيا ومصر فالزعماء مشغولون بدحض الاشاعات التي تتحدث عن حصول شيء مشابه .
حتى حين حصلت انتخابات فقد كانت نتيجتها بقاء رئيس يدعمه الجيش في السلطة بنسبة أصوات يدعي المسؤولون في البلد المعني أنها تجاوزت التسعين بالمئة. مجتمع قبلي
على الر غم من ان الانتخابات البلدية التي جرت في السعودية كانت "بداية واعدة" الا ان الكثيرين قاطعوها لأن نصف المناصب شغلت بالتعيين وليس بالانتخاب، وليس للمجالس المحلية سلطة قوية أصلا.
هذا قد يبدو ظلما وبعيدا عن الديموقراطية للبريطانيين مثلا، لكن الكثيرين ينسون ان بناء المؤسسات الديموقراطية في بريطانيا استغرق 800 سنة.
لم تكن النساء في بريطانيا يمتلكن حق التصويت الى ما قبل مئة عام خلت، ولم يكن من حقهن الترشح للانتخابات البرلمانية.
أما العالم العربي فمطلوب منه الانتقال من مجتمع رعوي، قبلي الى مرحلة الانسجام مع بقية العالم في القرن الواحد والعشرين خلال حقبة لا تتجاوز بضعة أجيال. حمى الانتخابات
قبل بضعة سنوات أتيحت لي الفرصة لأكون شاهدا على صعوبة الانتقال بين المراحل.
كانت دولة قطر الصغيرة تجري أول انتخابات بلدية لها.
فاجأ الأمير الدول المجاورة باصدار مرسوم يسمح للنساء بالانتخاب والترشح.
وبما أن قطر تتكون من مدينة واحدة هي الدوحة يقيم فيها معظم السكان، فان انتخاب أي شخص في المجلس البلدي يعني شيئا عظيما له.
ذهبت الى الدوحة لمشاهدة شيء شبيه بالحمى الانتخابية: ملصقات ضخمة لرجال تعلو الابتسامة وجوههم، وقد شذبت ذقونهم بعناية يرتدون الثوب التقليدي الأبيض "الدشداشة".
لم أجد اثرا لوجوه نسائية على الملصقات. بخور عماني
كان التصويت واجبا وطنيا.
ذهبت لاجراء مقابلة مع احدى المرشحات، التي كانت تضع غطاء رأس ينم عن تواضع لا يتلائم مع قوة شخصيتها وثقتها التي لا تتزعزع بالفوز.
عشية الانتخابات دعيت الى ما يشبه "تجمعا سياسيا".
خارج مكان يصعب وصفه جدرانه بلون الرمال اصطفت سيارات الجيب كيفما اتفق.
كان الوقت ليلا ولكن أطفالا صغارا كانوا لا يزالوا يلعبون بين السيارات دون أي اشراف من الكبار.
دخلت، ووجدتني في مكان يتصاعد فيه البخور باتجاه السقف من مشاعل نثرت على طول الغرفة.
كان مضيفنا وهو أحد المرشحين أيضا، مشغولا بدعوة ضيوفه الى مائدة العشاء.
لم توضع الأطعمة على طاولة، بل قرفص الجميع على الأرض كتفا الى كتف وأمامهم أطباق الطعام . خراف محشية
كانت هناك أطباق عامرة بما لذ وطاب: ورق العنب المحشي، أسياخ الكباب وقطع اللحم المشوي، بالاضافة الى صوان تزينها الخراف المحشية.
شمر الرجال عن أكمامهم وغاصوا في الملذات.
كانوا يشكلون كرات من الأرز اللزج بفعل الدهون، ثم يلقون بها في أفواههم.
لم يكن هناك حديث من أي نوع، كما لم تكن هناك أي بوادر لدعاية انتخابية.
كان المرشحون قد نشروا وعودهم ،والليلة كان المطلوب الاثبات ان هناك مرشحا كريما يستطيع أن يعد وليمة ضخمة كهذه، تزينها الخراف المحشية.
في اليوم التالي قابلت بعض النواب البريطانيين الذين جاؤوا لمراقبة الانتخابات.
كان انطباعهم ان الانتخابات كانت حرة ونزيهة، ولكن المرشحة التي ذكرتها انفا لم تكن سعيدة.
لقد كانت تحس بالعزلة وسط هذا العدد من الرجال، وحتى النساء تجاهلنها.
قالت شاكية: " هذا ليس عدلا، أوصى الرجال نساءهم وأخواتهم بعدم انتخابي". الديموقراطية في الخليج كما يبدو تبدأ في النمنزال، ولا زال أمامها شوط طويل لتقطعه.
موضوع من BBCArabic.com