ثلاث دول لا دولة واحدة
إلياس حرفوش - الحياة
لا يمكن أن يُشتمّ من حديث الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن «تآكل حل الدولتين» إلا شعوره بالمرارة حيال ما تعانيه القضية الفلسطينية في هذه المرحلة على يد إسرائيل بالدرجة الأولى، وعلى يد قسم من أبناء القضية أنفسهم من جانب آخر.
وإذا كان طبيعياً أن تفعل حكومة نتانياهو ما تفعله بهدف القضاء على فرصة قيام الدولة الفلسطينية، وهي الحكومة التي ينهض البرنامج الايديولوجي لعدد من أحزاب ائتلافها على اعتبار «يهودا والسامرة» جزءاً من «أرض إسرائيل»، فان من المستهجن أن تتحول الأرض الفلسطينية، المنقسمة بين الضفة وغزة، الى ساحة للصراع بين حركتي «فتح» و «حماس»، سوف ينتهي إذا استمر، الى تكريس انفصال دائم تتعزز معالمه يوماً بعد يوم في السياسة والاقتصاد والتعليم وسلوكيات المجتمع والأنماط الداخلية لإدارة شؤونه، وهو انفصال لا يقل خطره عن الخطر الذي شكّلته سيطرة الحركة الصهيونية على فلسطين.
يزيد من مخاطر هذا الانفصال ما حذّر منه مسؤولون في السلطة الفلسطينية من أضرار النهج الذي تسلكه حركة «حماس» في مقاربتها لمسألة فتح المعابر، لتسهيل حركة مرور الأشخاص والبضائع من القطاع وإليه. فبدل توظيف الفلسطينيين للضغوط التي تتعرض لها حكومة نتانياهو بعد عدوانها على «أسطول الحرية»، في سبيل استعادة وحدتهم وإنهاء الانقسام المعيب في ما بينهم، نجد أن الخلافات في شأن تنظيم فتح هذه المعابر تبدو أكثر حدة داخل الصف الفلسطيني مما هي بين إسرائيل والمجموعة الدولية، التي باتت مقتنعة بأهمية تخفيف الحصار المفروض على غزة. فبينما تدعو السلطة الفلسطينية الى فتح جميع المعابر وإعادة الترتيبات عند معبر رفح الى ما كانت عليه قبل سيطرة «حماس» على القطاع قبل ثلاث سنوات، تصر هذه الحركة على إشراكها في الترتيبات في رفح ولا تمانع في فتح الممر البحري الذي عرضته إسرائيل في اتجاه شاطئ غزة في ظل رقابة دولية، من غير الحديث عن المعابر الأخرى التي تشكل صلة الوصل بين جناحي الدولة الفلسطينية الموعودة. وهو ما يعني، لو تحقق، انقطاعاً كاملاً بين الضفة وغزة، إذ يؤمّن القطاع حاجاته عبر البحر والأراضي المصرية، وتنتفي الحاجة لأي اتصال داخلي بين الفلسطينيين، وتتكرس بالتالي هوية سياسية واقتصادية للقطاع مختلفة عن الضفة، وهو ما يعني على أرض الواقع «استقلالاً» غير معلن.
هكذا نكون عملياً أمام ثلاث دول بدل الدولة الواحدة التي يخشاها الرئيس الفلسطيني والتي لا توجد فرصة واقعية لقيامها على الأرض، والفضل لإسرائيل هذه المرة. فالقادة الإسرائيليون الأقل تهوراً من نتانياهو وليبرمان وشركائهما يدركون أن مشروع الدولة الواحدة، الذي يقتضي سيطرة إسرائيل الكاملة على أراضي وسكان المناطق الفلسطينية المحتلة، هو مدخل الى نظام «ابارتايد» معلن، تسيطر عبره الأقلية اليهودية على الأكثرية الفلسطينية. ويعرف هؤلاء الإسرائيليون انه إذا كان قد بات صعباً عليهم تسويق احتلالهم للأراضي الفلسطينية وإجراءات القمع التي ينفذها جيشهم في هذه المناطق، فسيكون أكثر صعوبة إعادة إحياء نظام فصل عنصري، حاربته الأسرة الدولية بنجاح في جنوب أفريقيا وانتصرت عليه.
من هنا إن ما هو أكثر خطورة من فكرة الدولة الواحدة سوف يكون استمرار الانقسام بين الفلسطينيين على حاله. والمؤسف أن المشاريع الخارجية التي تدعو الى إنهاء هذه الحالة الشاذة بين الفصيلين الفلسطينيين الكبيرين تبقى محسوبة على طرف من دون الآخر، ما يعني انعدام فرص نجاحها، وما يعني فوق ذلك أن المخرج الوحيد سوف يكون من خلال استعادة الوحدة على قاعدة المصلحة الوطنية وحدها. نقول هذا على رغم ادراكنا الكامل أن كلاماً من نوع «المصلحة الوطنية» بات يصنّف في إطار البلاغة الأدبية أكثر مما يعكس الحاجة الحقيقية للفلسطينيين.
إلياس حرفوش - الحياة
لا يمكن أن يُشتمّ من حديث الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن «تآكل حل الدولتين» إلا شعوره بالمرارة حيال ما تعانيه القضية الفلسطينية في هذه المرحلة على يد إسرائيل بالدرجة الأولى، وعلى يد قسم من أبناء القضية أنفسهم من جانب آخر.
وإذا كان طبيعياً أن تفعل حكومة نتانياهو ما تفعله بهدف القضاء على فرصة قيام الدولة الفلسطينية، وهي الحكومة التي ينهض البرنامج الايديولوجي لعدد من أحزاب ائتلافها على اعتبار «يهودا والسامرة» جزءاً من «أرض إسرائيل»، فان من المستهجن أن تتحول الأرض الفلسطينية، المنقسمة بين الضفة وغزة، الى ساحة للصراع بين حركتي «فتح» و «حماس»، سوف ينتهي إذا استمر، الى تكريس انفصال دائم تتعزز معالمه يوماً بعد يوم في السياسة والاقتصاد والتعليم وسلوكيات المجتمع والأنماط الداخلية لإدارة شؤونه، وهو انفصال لا يقل خطره عن الخطر الذي شكّلته سيطرة الحركة الصهيونية على فلسطين.
يزيد من مخاطر هذا الانفصال ما حذّر منه مسؤولون في السلطة الفلسطينية من أضرار النهج الذي تسلكه حركة «حماس» في مقاربتها لمسألة فتح المعابر، لتسهيل حركة مرور الأشخاص والبضائع من القطاع وإليه. فبدل توظيف الفلسطينيين للضغوط التي تتعرض لها حكومة نتانياهو بعد عدوانها على «أسطول الحرية»، في سبيل استعادة وحدتهم وإنهاء الانقسام المعيب في ما بينهم، نجد أن الخلافات في شأن تنظيم فتح هذه المعابر تبدو أكثر حدة داخل الصف الفلسطيني مما هي بين إسرائيل والمجموعة الدولية، التي باتت مقتنعة بأهمية تخفيف الحصار المفروض على غزة. فبينما تدعو السلطة الفلسطينية الى فتح جميع المعابر وإعادة الترتيبات عند معبر رفح الى ما كانت عليه قبل سيطرة «حماس» على القطاع قبل ثلاث سنوات، تصر هذه الحركة على إشراكها في الترتيبات في رفح ولا تمانع في فتح الممر البحري الذي عرضته إسرائيل في اتجاه شاطئ غزة في ظل رقابة دولية، من غير الحديث عن المعابر الأخرى التي تشكل صلة الوصل بين جناحي الدولة الفلسطينية الموعودة. وهو ما يعني، لو تحقق، انقطاعاً كاملاً بين الضفة وغزة، إذ يؤمّن القطاع حاجاته عبر البحر والأراضي المصرية، وتنتفي الحاجة لأي اتصال داخلي بين الفلسطينيين، وتتكرس بالتالي هوية سياسية واقتصادية للقطاع مختلفة عن الضفة، وهو ما يعني على أرض الواقع «استقلالاً» غير معلن.
هكذا نكون عملياً أمام ثلاث دول بدل الدولة الواحدة التي يخشاها الرئيس الفلسطيني والتي لا توجد فرصة واقعية لقيامها على الأرض، والفضل لإسرائيل هذه المرة. فالقادة الإسرائيليون الأقل تهوراً من نتانياهو وليبرمان وشركائهما يدركون أن مشروع الدولة الواحدة، الذي يقتضي سيطرة إسرائيل الكاملة على أراضي وسكان المناطق الفلسطينية المحتلة، هو مدخل الى نظام «ابارتايد» معلن، تسيطر عبره الأقلية اليهودية على الأكثرية الفلسطينية. ويعرف هؤلاء الإسرائيليون انه إذا كان قد بات صعباً عليهم تسويق احتلالهم للأراضي الفلسطينية وإجراءات القمع التي ينفذها جيشهم في هذه المناطق، فسيكون أكثر صعوبة إعادة إحياء نظام فصل عنصري، حاربته الأسرة الدولية بنجاح في جنوب أفريقيا وانتصرت عليه.
من هنا إن ما هو أكثر خطورة من فكرة الدولة الواحدة سوف يكون استمرار الانقسام بين الفلسطينيين على حاله. والمؤسف أن المشاريع الخارجية التي تدعو الى إنهاء هذه الحالة الشاذة بين الفصيلين الفلسطينيين الكبيرين تبقى محسوبة على طرف من دون الآخر، ما يعني انعدام فرص نجاحها، وما يعني فوق ذلك أن المخرج الوحيد سوف يكون من خلال استعادة الوحدة على قاعدة المصلحة الوطنية وحدها. نقول هذا على رغم ادراكنا الكامل أن كلاماً من نوع «المصلحة الوطنية» بات يصنّف في إطار البلاغة الأدبية أكثر مما يعكس الحاجة الحقيقية للفلسطينيين.