جنوب إفريقيا .. بعيدا عن كرة القدم
الاقتصادية
صالح محمد الجاسر
لا حديث للناس هذه الأيام، خصوصاً الشباب، إلا الحديث عن مباريات كأس العالم التي تقام فعالياتها في جنوب إفريقيا وسط غياب عربي شبه كامل، وإذا كان كثيرٌ من الناس لم يُلق لجنوب إفريقيا اهتماماً إلا بعد أن نظمت بطولة كأس العالم، إلا أن ذلك يجب ألا يخفي ما حققته جنوب إفريقيا من تطورات نقلتها من دولة تعاني فصلا عنصريا بغيضا غيب جهد معظم أبنائها سنوات طويلة، إلى دولة يتعايش فيها الجميع على مختلف أطيافهم وأجناسهم ودياناتهم تحت مظلة دولة واحدة تعد الأكثر تقدماً في إفريقيا، وإذا ذكرت جنوب إفريقيا فلا بد أن يذكر زعيمها نيلسون مانديلا ذلك الرجل الذي استطاع أن يتحامل على آلامه في سبيل وطنه، فبعد أن خرج من سجنه، تناسى آلام 27 سنة من السجن، وبدلا من أن يسعى إلى الانتقام ممن سجنه، سعى إلى تحقيق وحدة وطنية كان أغلبية الناس يراهن على فشلها، وانتقلت جنوب إفريقيا إلى مصاف الدول المتقدمة.
جنوب إفريقيا التي أنجبت نيلسون مانديلا، كانت منطلقاً لشهرة رجل آخر هو الزعيم الهندي المهاتما غاندي الذي كان له الدور الأبرز في تحرير بلاده من الاستعمار عبر المقاومة السلمية التي كانت أقوى وأشدُ تأثيراً من مقاومة السلاح، وهي مقاومة عُرف بها غاندي الذي عاش شطراً من حياته في جنوب إفريقيا، ورأى ما يتعرض له الهنود من اضطهاد يمارسه المستعمر، فأجج ذلك مشاعره ودفعه إلى أن يتحول من محامٍ خجول يخشى مواجهة الناس، إلى رجل يقود احتجاجات سلمية حررت ثاني أكبر بلد في العالم من الاستعمار.
غاندي الذي أنهى دراسة القانون في إنجلترا وعاد إلى الهند ليبدأ ممارسة مهنة المحاماة، وجد صعوبة في ممارسة هذه المهنة في الهند، ولهذا فحينما واتته الفرصة ذهب إلى جنوب إفريقيا عام 1893م للعمل في إحدى الشركات التجارية الهندية التي كانت تعمل هناك، وكان ذلك منطلقاً لتكون شخصيته بعد أن أدرك حجم معاناة الملونين، ومنهم الهنود من تفرقة عنصرية وظلم واضح، وشعر بهذه التفرقة لأول مرة أثناء ركوبه القطار حينما طلب منه التوجه إلى الدرجة الثالثة رغم حمله تذكرة الدرجة الأولى، وحين رفض أجبر على الخروج من مقصورة الدرجة الأولى ورميت حقائبه على الرصيف، فقرر الوقوف في وجه التمييز العنصري، وأسس عام 1894م حزب مؤتمر ناتال وأخذ يدعو من خلال ذلك الحزب إلى تحسين أوضاع الجالية الهندية هناك والاعتراف بحقوقها المدنية والاجتماعية، كما وجه نضاله ضد قانون يحرم الهنود حق التصويت ومرسوم يفرض عليهم تسجيل أنفسهم في سجلات خاصة، وحقق غاندي نجاحاً كبيراً في جهوده، فألغي كثيرٌ من قوانين التمييز ضد الهنود.
واستمر غاندي في نشر مبادئه ومحاربة الظلم في جنوب إفريقيا إلى أن غادرها عام 1914م إلى بريطانيا، ثم إلى الهند، حيث واصل نضاله السلمي الذي عُرف باسم (الساتياغراها) حتى تحررت الهند من الاستعمار البريطاني، إلا أن استقلال الهند أدى إلى صراع آخر ومصادمات بين الهندوس والمسلمين، فطالب غاندي الأكثرية الهندوسية باحترام حقوق المسلمين في الهند، وكان من نتيجة هذا أن اتهم بمحاباة المسلمين، وقام شاب هندوسي باغتيال غاندي وهو يقترب من منصة الخطابة في 30 يناير 1948م.